غزة تقاوم
ناثان دياسهل دخلنا في مرحلة الحرب الأبدية؟
2024.11.09
ترجمة: عمرو جمال
هل دخلنا في مرحلة الحرب الأبدية؟
المقال الأصلي منشور على موقع: Révolution Permanente في تاريخ 27 أكتوبر 2024[1]
كان القضاء على حماس وقادتها، وعلى وجه الخصوص يحيى السنوار، من بين أهم أهداف الحرب التي يروج لها الكيان الصهيوني. وبشكل شبه إجماعي قام الغرب بدعم إسرائيل من أجل ما يسمونه بالأهداف "الدفاعية"، التي من المفترض أن تكون جميعها جزءًا من "الحرب ضد الإرهاب". لكن لم يأت اغتيال زعيم حماس ليقترب ولا خطوة من إنهاء الحرب، وإنما بالعكس كشف عن الاندفاع المتهور للنظام الإسرائيلي، المتورط في حرب إبادة جماعية متزايدة الوحشية.
ما بعد السنوار
يشكل اغتيال السنوار، بعد اغتيال حسن نصر الله، نجاحًا تكتيكيًّا وعسكريًّا جديدًا لحكومة نتنياهو، التي صعَّدت في الأشهر الأخيرة هجومها ضد حماس وحزب الله والميليشيات الأخرى المتحالفة مع إيران. ومع استشهاد السنوار، ومن قبله إسماعيل هنية، الذي اغتالته إسرائيل في طهران في يوليو الماضي، قد تفتقر حماس إلى القادة المتمتعين بالسلطة والخبرة الكافية لقيادة المنظمة، وذلك داخل فرعها العسكري أو داخل الإدارة السياسية في قطاع غزة، التي أصبحت كتلة من الخراب بعد عام من حرب الإبادة الجماعية.
ولكن إذا ابتهج الشارع الصهيوني بسبب اغتيال زعيم حماس، فإن الواقع سيذكرهم بالحقيقة المرة قريبًا وبقوة. فمن يتذكر خليل الوزير؟ عباس الموسوي؟ فتحي الشقاقي؟ أو حتى أحمد ياسين؟ لقد كانوا "وحوش" ماضي إسرائيل.
كان الاسم الحركي "العسكري" لخليل الوزير هو أبو جهاد وكان، إلى جانب ياسر عرفات، أحد القادة الرئيسيين للجناح العسكري لفتح، الذي تم دمج قواته في منظمة التحرير الفلسطينية في نهاية المطاف. أما فتحي الشقاقي، فكان طبيب المهنة، وقاد حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وعباس الموسوي سبق حسن نصر الله في رئاسة حزب الله. وأخيرًا، تولى أحمد ياسين قيادة حماس بعد أن أنشأتها الفروع الفلسطينية لجماعة الإخوان المسلمين في أواخر الثمانينيات، وقد اغتيلوا جميعًا بعد عمليات استخباراتية عسكرية مذهلة قامت بها إسرائيل. لكن هذه الاغتيالات السياسية والعسكرية لم تُؤدِ قط إلى انتصارات ملموسة. والوضع الحالي لن يكون استثناءً للقاعدة.
فرغم أنه من الصعب أن نعرف على وجه التحديد ما الذي تبقى من حماس، التي أصبحت بلا شك أضعف (تزعم دعاية جيش الدفاع الإسرائيلي مقتل أكثر من نصف مقاتليها)، فإنه يبدو مع ذلك أن المنظمة لا تزال موجودة. نرى ذلك بشكل خاص في استمرار القتال في القطاع، الذي اتخذ طابع حرب عصابات منخفضة الحدة، ولا نهاية لها في ضوء الأهداف الطموحة التي حددتها دولة الاحتلال لنفسها، التي ترفض أي تنازل. الأهم من ذلك، وعلى الرغم من صعوبة قياس الرأي العام في أوقات الحرب، فإن هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن الدعم الذي كانت تتمتع به حماس في غزة قبل هجمات السابع من أكتوبر لم يتغير إلا قليلًا. وفي الضفة الغربية، ازدادت هذه النسبة بشكل كبير. فبحسب نتائج الاستطلاع الأخير الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الفترة ما بين 26 مايو وحتى 1 يونيو 2024، فإن 57% من الفلسطينيين في قطاع غزة اعتبروا أن قرار مهاجمة إسرائيل، في 7 أكتوبر، كان قرارًا صائبًا، وهي نفس النسبة التي كانت في ديسمبر 2023. وفي الضفة الغربية، وصلت نسبة التأييد إلى 73%، بانخفاض طفيف عن ديسمبر 2023، عندما كان يرى 82% من سكان الضفة الغربية أن الهجوم مبرر. يبدو أنه يوجد تبادل أدوار، حيث أن كل حزب يكتسب شعبية في الأماكن التي لا يحكم فيها. ففي الضفة الغربية، يرى 82% من السكان أن حماس تصرفت بشكل مُرضٍ في الصراع في حين أن عباس لا يجتذب سوى 8% من التأييد وحركة فتح 25%. وفي قطاع غزة، لا تزال شعبية الحركة مرتفعة، حيث يعتقد 64% من السكان أن حماس تصرفت بشكل مرضٍ. كما أن شعبية فتح تتزايد هناك أيضًا، حيث ارتفع التأييد من 21% إلى 32% بين ديسمبر ومارس، وبقيت عند 23% في يونيو. ومن خلال إعادة توحيد المناطق والسماح لحماس بترسيخ وجودها في الأراضي التي طردتها منها السلطة الفلسطينية، يصبح في وسعها أن تعمل على توسيع قاعدتها الانتخابية وتعميق هيمنتها على السياسة الفلسطينية.
هناك عدد من الفرضيات، كما أشار ريان بوهل من معهد ستراتفور، تجعلنا نعتقد أن انتصار حماس، على المستوى السياسي، أكثر احتمالًا. وكما هو الحال مع الولايات المتحدة في المنطقة، تواجه إسرائيل مأزق حرب جديدة غير متكافئة "ضد الإرهاب". فلم يحدث في التاريخ قط أن نجحت حملة قصف مكثفة من قبل محتل على شخص مستعمَر. لقد جربت الولايات المتحدة هذا التكتيك مرات عديدة، في فيتنام، وفي كوريا الشمالية، وخلال حرب الخليج، ولم ينجح الأمر أبدًا. وفي هذا السياق، من الممكن بلا شك الاعتقاد بأن حماس لن تتمكن من الاحتفاظ بموقعها في غزة في نهاية الحرب فحسب، بل يمكنها، بسبب اكتساب "هيبة" معينة، أن تصبح عنصرًا في قيادة نضال أوسع نطاقًا ينطلق من الضفة الغربية ولبنان وسوريا، من دون معارضة سياسية كبيرة من فتح. كما جعلت الحركة من اندماجها في منظمة التحرير الفلسطينية أحد أهدافها الرئيسية، وتقوم بحملة نشيطة من أجل إجراء انتخابات عامة في جميع الأراضي الفلسطينية، من أجل الاستفادة من شعبيتها القوية في الضفة الغربية والارتفاع إلى رأس السلطة الفلسطينية.
هذه هي الأهمية الإستراتيجية للاتفاقيات الموقعة في بكين بين أربعة عشر فصيلًا فلسطينيًّا لتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الحرب. وتزداد احتمالية ذلك بسبب فشل قوات الجيش الإسرائيلي حاليًّا في تحقيق أهدافها في القطاع، وبسبب تكثيف الكيان المحتل القمع العسكري في الضفة الغربية من خلال الغارات القاتلة والاعتقالات الضخمة اليومية. يهدد هذا الوضع أكثر من أي وقت مضى بالتدهور إلى حرب على جبهتين (علاوة على الجبهة المفتوحة في لبنان)، رغم أن تل أبيب تعمل منذ سنوات على فصل غزة عن الأراضي المحتلة. يمكن استنتاج أن الجيش الإسرائيلي سوف يستمر بلا شك في مساعدة حركة حماس، بشكل غير إرادي، في تنفيذ خطتها وهو تأسيس وصلة بين غزة والنضال العالمي من أجل تحرير فلسطين.
في هذا السياق، وبالنظر إلى العام الماضي، من الصعب أن نأخذ على محمل الجد آراء المحللين -وكذلك تصريحات القادة الغربيين- الذين جعلوا استشهاد السنوار نقطة تحول ونقطة تغيير نحو "خفض التصعيد". ربما ما حدث هو العكس تمامًا. فرغم أن جيش الدفاع الإسرائيلي جعل من مقتل زعيم حماس هدفًا "حاسمًا" في اليوم التالي للسابع من أكتوبر، فإن اغتياله ساهم في تعزيز التناقضات الإسرائيلية، حيث يجد نتنياهو نفسه في مواجهة خيار لم يضطر إلى اتخاذه حتى الآن، مثل من ناحية، استئناف وتكثيف الضغوط من أجل عودة الرهائن والحشد الضخم الذي شهدته إسرائيل في الأشهر الأخيرة، وخاصة في تل أبيب. تلك التظاهرات لا تنقد الطبيعة الاستعمارية للحرب في غزة أو امتداد العمليات الإسرائيلية في لبنان، لكنها يمكن أن تساهم في إضعاف نتنياهو داخليًّا.
ومن ناحية أخرى، قد تميل الولايات المتحدة والقوى الإمبريالية الأخرى إلى استغلال الفرصة والسعي إلى فرض وقف إطلاق النار. ففي الأسابيع الأخيرة، فيما يتعلق بلبنان، ظهرت أولى الشقوق في الكتلة الإمبريالية الغربية حول الدعم غير المشروط لإسرائيل. وتعكس هذه الاختلافات والخلافات تطور سياسات إسرائيل وترسيخها في تغييرات طويلة المدى حول مكانتها في النظام الإمبريالي على خلفية إضعاف موقعها كضامن رئيسي للمصالح الغربية في المنطقة. ومع اغتيال مهندس 7 أكتوبر الآن، أصبح من الممكن أن تتعزز تلك الخلافات.
ولكن إذا كانت الحكومة الأمريكية تسعى إلى الظهور وكأنها تريد فرض قدر معين من ضبط النفس على نتنياهو، فإن الطبيعة الأساسية المطلقة للتحالف الإستراتيجي مع إسرائيل وتراجع هيمنة الولايات المتحدة يحدان من قدرتها على ممارسة الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي. علاوة على ذلك، كما هو الحال في الخلفية، فإن اغتيال السنوار لم يحل أيًّا من مشاكل الجيش الإسرائيلي، واستشهاد القائد لا يعني حلًّا سياسيًّا. ولا يخلو الوضع من إثارة بعض أصداء بداية القرن، عندما أدت الغطرسة الأمريكية في أفغانستان والعراق إلى أوهام تغيير النظام لصالح مصالح الإمبريالية الأميركية. فبسبب اعتقادها أن في إمكانها معالجة مشكلة سياسية وعسكرية بطوفان من النار والدم، انجرفت الولايات المتحدة إلى احتلال طويل الأمد وغير ناجح في نهاية المطاف، ما أدى، في غياب حل سياسي، إلى مزيد من المذابح ولكن أيضًا إلى مزيد من المقاومة. ورغم أن التكلفة البشرية كانت هائلة، فإن عقدين من العدوان العسكري لم يجلبا الديمقراطية ولا القضاء على الإرهاب، فقد بني تنظيم الدولة الإسلامية على أنقاض البلدين في حين عادت حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان.
في حالة إسرائيل وحربها الاستعمارية "الداخلية"، فاستشهاد السنوار، ودعم القوى الغربية لهذه "الحرب الجديدة ضد الإرهاب" والوضع الراهن الذي تعيشه إسرائيل في غزة يشكل وعدًا آخر بالحفاظ على الاتجاهات الحالية. إنه طريق مسدود لا يمكن فصله، أكثر من أي وقت مضى، عن الديناميكيات التي يتبعها الصراع الحالي.
من وحل غزة إلى مواجهة أوسع لا مفر منها
تأخر الرد الإسرائيلي على الهجوم الباليستي الإيراني في الأول من أكتوبر 2024 لمدة شهر تقريبًا. وبسبب تضاعف التهديدات والخطابات، توقعنا ردًّا عنيفًا من إسرائيل، يستهدف بشكل خاص المصالح الإيرانية الإستراتيجية والنفطية وحتى النووية. في نهاية المطاف، اتخذ الرد الإسرائيلي شكل رد فعل محسوب ومدروس، تحت ضغط بلا شك، من حليفتها الأمريكية، التي تشعر بالقلق من رؤية الصراع يتصاعد بشكل خطير مع اقتراب الانتخابات، وربما أيضًا، بسبب تردد الكيان، المنخرط على عدة جبهات، والذي يخشى اهتزاز قوته العسكرية الكبيرة.
ويبدو أن إسرائيل استهدفت حوالي عشرين هدفًا إيرانيًّا في ثلاثة مواقع رئيسية، بما في ذلك وحدات إنتاج الصواريخ وبطاريات الدفاع المضادة للطائرات. ولذلك يبدو أن إسرائيل صممت هجومها بهدف تقليل الخسائر البشرية وإبقاء التأثير عند مستوى يسمح لإيران بإنكار أي ضرر كبير واحتواء الوضع. وهذه نسخة واسعة النطاق من الرد الذي شنته إسرائيل في إبريل، عندما استهدف الجيش الإسرائيلي وسط إيران.
لكن تبقى الحقيقة أن الحرب التي تشنها إسرائيل في غزة ولبنان تدفع بوضوح إلى مواجهة ذات حجم أكبر مع إيران. لا إسرائيل ولا إيران ترغبان في الوقت الحالي في نشوب حرب إقليمية، ولكن ديناميكية التدمير التي بدأتها إسرائيل في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر تترك دولة الكيان بلا هدف حربي، ومن دون أفق آخر إلا التدمير الكامل للفلسطينيين. إن هذا الفراغ السياسي هو الذي يمنح مجالًا واسعًا للمناورة لممثلي اليمين العرقي الصهيوني المتطرف إلى أقصى درجة والذين، من جانبهم، يدعون بشكل لا لبس فيه إلى الحرب ضد إيران، وعلى نطاق أوسع ضد أي عدو، حالي أو محتمل. فأعلن وزير الأمن الداخلي إيتمار بن جفير مثلًا، غداة الرد الإسرائيلي، أن الهجوم على إيران مهم كضربة أولى للإضرار بمصالح إيران الإستراتيجية، وأن هذا ينبغي أن يكون الخطوة التالية. في الواقع، من المرجح أن تهدأ التوترات قليلًا في الأسابيع المقبلة. ومع ذلك، يبدو في الوقت نفسه أن مسار الصراع يميل إلى حد كبير إلى الهروب من الجهات الفاعلة فيه، وإسرائيل على وجه الخصوص.
فمنذ الحرب مع العراق (1980-1988)، وهو الصراع الذي تركز القتال فيه بشكل أساسي على طول الحدود بين البلدين، لم تشهد إيران قط هجومًا بهذا الحجم. وسواء اندلعت الحرب بين إسرائيل وإيران أم لا، فإن تبادل الهجمات المتبادلة أدى بالفعل إلى معادلة جيوسياسية إقليمية جديدة ستستمر إلى ما بعد الوضع الحالي.
وهنا أربع نقاط تبدو حاسمة بشكل خاص.
أولًا وقبل كل شيء، قد يؤدي إضعاف "وكلاء" إيران إلى تشجيعها على الاعتماد تدريجيًّا، بدافع الضرورة، على شكل جديد من أشكال الردع العسكري التقليدي، والذي تم تحديد ملامحه في هجوم الأول من أكتوبر. ويبدو أن هذه العملية جارية بالفعل، كما يتضح من استبدال الشخصيات الرئيسية في المؤسسة العسكرية الإيرانية والخطاب الذي تبنته القيادة العسكرية العليا الإيرانية في إبريل الماضي، بشأن ما تسميه "المعادلة الجديدة"، وهي الرد بشكل مباشر على أي هجوم ضدها، من دون المرور عبر وسطاء.
ثانيًا، إن إيران مضطرة إلى التخلي عن موقف "الصبر الإستراتيجي" الذي تبنته بعد الحرب الدموية مع العراق. فعلى الرغم من ترددها الواضح في اتخاذ قرارات جريئة، فقد هاجمت إيران إسرائيل مرتين بشكل مباشر وكشفت، في الأول من أكتوبر، عن بعض العيوب في دفاع الكيان، الذي يعتبر لا يقهر.
ثالثًا، ومع نفس المنطق، تم تخطي كل الخطوط الحمراء التي سبق وضعها.
رابعًا، وأخيرًا، قد يؤدي هذا الوضع إلى حدوث تحول جذري في سياسة طهران النووية وتسريع المحاولة الإيرانية للحصول على أسلحة نووية لتوسيع ترسانتها الرادعة. كل هذا، بالطبع، لا ينبغي أن يجعلنا ننسى نقاط ضعف النظام الإيراني، على المستوى السياسي، بل والعسكري أيضًا. ومع تزايد فقدان شرعيته، كما يتضح من انهيار مستوى المشاركة في الانتخابات الأخيرة (التشريعية ثم الانتخابات الرئاسية المبكرة)، على النظام الإيراني أن يتعامل مع سكان معادين واقتصاد يختنق بسبب العقوبات الدولية. على المستوى العسكري، لا يمكن لإيران أن تعتمد إلا على ترسانتها الباليستية، الفعالة والكبيرة، ولكنها ليست سوى نتيجة لطيران غير موجود وعاجز. لكن نقاط الضعف هذه على وجه التحديد هي التي تكشف أو تشير إلى الطبيعة المتقلبة للوضع في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، فإن غياب المخارج السياسية، والميل نحو صراع طويل واستنزافي مع حماس، وخاصة مع حزب الله، سيشجع على تصعيد جديد، بما في ذلك التصعيد غير المنضبط، وكل هذا الجمر تحت النفخ المستمر لليمين المتطرف الإسرائيلي ومشروعه التاريخي لـ"إسرائيل الكبرى" الذي تعرضه الآن هيئة الأركان العامة الإسرائيلية نفسها[2]. كل هذا لا يمكن إلا أن يغذي التوجهات الحالية نحو المواجهة العسكرية المعممة على المدى المتوسط والطويل. إن القوى الغربية مسؤولة بشكل أساسي عن هذا الوضع. فبعيدًا عن بعض الخطابات، فإنهم لم يغيروا وجهة نظرهم ولا قراراتهم، لا في سياق حرب الإبادة الجماعية في غزة ولا في توسيع الاستعمار في الضفة الغربية، ولا عندما توسع الصراع في لبنان، فخطهم السياسي وسلوكهم منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر هو الدعم غير المشروط لإسرائيل.
ثبت الفشل الأخير والذريع لعملية أوسلو في هذا السياق، ولكن أيضًا العزلة الإقليمية المتزايدة لإسرائيل، والتي يرمز إليها فتور العلاقات مع المملكة العربية السعودية، التي اضطر إليها ولي عهدها، حيث اعترف بأنه لن يكون هناك اعتراف بدولة إسرائيل من دون: "إقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية". هذان العنصران قد سلطا الضوء مرة أخرى على حقيقة مهمة، وهي أن استقرار الشرق الأوسط لا يمكن أن يتم من دون تسوية القضية الفلسطينية. وأنه في المعطيات الحالية، لا يمكن أن يؤدي ذلك إلا إلى تفاقم الميل نحو الحرب. لقد كانت الحرب دائمًا في قلب سياسة إسرائيل منذ تأسيسها. لكن ربما لم تبدُ قط أنها تشكل المنظور الوحيد إلى هذا الحد.
حرب أبدية
وبينما تحدث بنيامين نتنياهو، في أعقاب اغتيال نصر الله، عن فرصة: "تغيير ميزان القوى في المنطقة لسنوات"، كان بعض المؤيدين المتحمسين لإسرائيل يميلون إلى مقارنة تلك الحرب بحرب 1967، أي انتصار إسرائيلي مفاجئ وغير متوقع يغيّر ميزان القوى في الشرق الأوسط. ولكن رغم وجود فرص واضحة أمام إسرائيل، فإن التناقضات والمخاطر تظل هائلة. إن إعادة رسم المشهد الإستراتيجي في الشرق الأوسط بالقوة هي فكرة إسرائيلية أمريكية قديمة وتطالب بها دولة الكيان، على الأقل رسميًّا. عندما أمر قواته بغزو لبنان عام 1982، لم يكن أرييل شارون، وزير دفاع الدولة العبرية آنذاك، يسعى فقط إلى سحق فدائيي ياسر عرفات، الذين نفذوا من جنوب بلاد الأرز عمليات حرب عصابات وهجمات ضد إسرائيل، بل كان يهدف أيضًا إلى تنصيب حليفه المحلي بشير الجميل، زعيم حزب الكتائب المسيحية، في السلطة في بيروت، وإلى طرد القوات السورية من الأراضي اللبنانية التي احتلتها منذ عام 1976.
عادت الرغبة في إعادة تشكيل بلاد الشام من جديد عام 2003، في أعقاب الغزو الأميركي للعراق. ومرة أخرى في عام 2006 في سياق الحرب الثانية ضد لبنان. وفي الحالات الثلاث جاءت النتيجة عكس ما كان متوقعًا. ففي الهجوم الإسرائيلي على لبنان في عام 1982، لم ترجع القوات السورية إلى دمشق، لكنها ساهمت في ترسيخ وجودها في بلاد الأرز، حتى عام 2005. وإذا كان مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية قد اضطروا إلى إخلاء لبنان تحت ضغط من إسرائيل، فإن رحيلهم سهّل ظهور ميليشيا جديدة معادية أيضًا للكيان، وهو حزب الله. وقد أدى سقوط نظام صدام حسين البعثي إلى سقوط العراق تحت سيطرة إيران، ولم تتح عملية 2006 "تدمير" حزب الله، ناهيك عن إلحاقه بهزيمة سياسية. وأخيرًا، إذا كان انتصار إسرائيل في حرب 1967 قد عدل المعادلة الجيوسياسية الإقليمية لصالح الكيان، وأدى بعد سنوات إلى اتفاق السلام مع مصر، بدعم من الإمبريالية الأمريكية، فإنه لم يكن يعني نهاية القضية الوطنية الفلسطينية التي نجت من خيانة الدول القومية العربية، وعادت تظهر من جديد عن طريق الانتفاضة في الأراضي المحتلة.
بينما تظهر في الخلفية ديناميكية أوسع لتفتيت النظام الدولي، ما يعزز احتمالات تصعيد الحرب، وإعادة تنشيط (بشكل متطرف) "مبدأ بوش" أو الشرق الأوسط الكبير، نرى أن النموذج والخطاب الشهير "الهمجية ضد الحضارة"، باسم "الحرب ضد الإرهاب"، تعمل في الصراع الحالي كأداة أيديولوجية (لا تزال فعالة نسبيًّا، وخاصة في الغرب). إن هذا الخطاب، الذي لا يقتصر على الليكود وحده، هو قبل كل شيء التعبير الأكثر إثارة للسخرية للإمبريالية في الشرق الأوسط. وفي حين أن التطورات في اليمن والعراق تحظى أيضًا باهتمام متجدد، فإن الوضع يشكل بالفعل تحديًا لعدد من الخطابات عن "نهاية الشرق الأوسط" التبسيطية في سياسة الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن الصراع الحالي مختلف بشكل ملحوظ عن الصراعات السابقة، وخاصة مع العقيدة الإمبريالية للولايات المتحدة. لا يبدو أن إسرائيل راغبة في الوقت الحالي في السعي إلى تثبيت أي نظام أكثر ملاءمة لمصالحها في لبنان، ناهيك عن ذلك في غزة، لكنها تريد إعادة تشكيل التوازن السياسي الداخلي في لبنان، حتى لو كان ذلك يعني التهديد بحرب أهلية جديدة، بعد حرب 1975-1990.
من الواضح أن سعي إسرائيل إلى استكمال بناء دولتها بما تريده أن يكون حلًّا نهائيًّا للمشكلة الفلسطينية. تحاول إسرائيل عن طريق الصدمة إعادة تشكيل الشرق الأوسط والإخلال بالتوازنات الإقليمية، وليس من خلال السعي إلى تحقيق هدف سياسي محدد.
هذا المشروع يجبر تدريجيًّا جميع الفاعلين في المنطقة على التدخل، ويجبر القوى الغربية الكبرى على الميل نحو محور الخليج والفارس والمشرق، حيث عززت طهران روابطها مع موسكو وبكين. تعمل هذه الديناميكية بالفعل على إعادة توجيه جزئي للجغرافيا السياسية وللقوى الإمبريالية في الشرق الأوسط. ويُعَد الصراع الإيراني الإسرائيلي واحدًا من مظاهر تلك الديناميكية، ولكنه أيضًا بعيد كل البعد عن أن يكون ظاهرة منفردة في ديناميكية متسارعة. ففي بداية شهر أكتوبر، أرسلت الولايات المتحدة قواتها إلى إسرائيل للمرة الأولى، ويشارك الغربيون بالفعل في العمليات العسكرية في البحر الأحمر والخليج العربي، ضد الحوثيين أو ضد الصواريخ الإيرانية.
ومن جانبه، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال الصادرة في 24 أكتوبر 2024، زود الكرملين الحوثيين ببيانات الأقمار الصناعية عبر إيران. وفي حين أفادت التقارير أن روسيا زادت من شراكاتها العسكرية في الأشهر الأخيرة مع إيران وكوريا الشمالية في مقابل المعدات والرجال لمواصلة الصراع في أوكرانيا، فإن فلاديمير بوتين سوف يجد نفسه مجبرًا على نحو متزايد على مساعدة حليفه الإيراني. وفي بداية أكتوبر، التقى الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان ونظيره الروسي للمرة الأولى. إنه رمز جديد للتقارب بين البلدين قد يعني التزامًا أكبر من جانب الكرملين. وبينما تقوم إيران بنقل الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية لدعم غزو أوكرانيا، تشير التقارير إلى أن البلاد تتطلع إلى التكنولوجيا العسكرية الروسية المتطورة (بما في ذلك الطائرات المقاتلة من طراز Su-35 وأنظمة الدفاع الجوي S-400).
إن الهدف المتطرف الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه، وهو تحديدًا النهاية الكاملة والشاملة لـ"المشكلة الفلسطينية"، بحكم طابعها الهمجي والمستحيل، يميل إلى تفكيك جميع الوساطات الجيوسياسية (بدءًا بالطبع بوكلاء إيران)، وجميع أشكال الدبلوماسية وكل أشكال التعاون الإقليمي، حتى لو كان هذا الهدف "صامدًا" في الوقت الحالي. قال كارل فون كلاوزفيتز إن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. في حالة إسرائيل، فإن استمرار السياسة عن طريق الحرب يؤدي إلى نفي خالص وبسيط للأولى. بينما تغرق دولة الكيان في فراغ مشروعها الأسطوري والعرقي العنصري المتمثل في إسرائيل الكبرى، ما يقوض ظروف وجودها في عالم عربي وفارسي يستطيع، من خلال شعوبه وضد دوله المجرمة أو المتواطئة أو السلبية، أن يستأنف خيط السياسة المفقود والقضية الفلسطينية.
1- https://www.revolutionpermanente.fr/Une-guerre-sans-fin
2- عرض المسؤولون الإسرائيليون خرائط إسرائيل في المنتديات الدولية، ومن الملاحظ أن جميع هذه الخرائط تخلو من أي إشارة إلى دولة أو أرض فلسطينية.