دراسات

سوزان واتكينز

أى نسويـَّة

2021.01.01

ترجمة: أسماء يس

أى نسويـَّة

في الجامعات، وجدت الروح الراديكالية لتحرر المرأة موطنًا لها، حيث اتخذ الطابع المؤسسي مسارًا مختلفًا. ومنذ منتصف الستينيات، بدأت فصول تاريخ النساء النضالي في الظهور بشكل عفوي في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بالاعتماد على تجربة دراسات حركة الحقوق المدنية والتعليم الراديكالي لمدارس ميسيسيبي الصيفية. وبحلول عام 1971، كان من الممكن للصحافة النسوية أن تعد قائمة بـ 600 منهم، معظمهم لا يزال هامشيًّا وغير معتمد.

ومرة أخرى، لعبت ثروة المؤسسات الخيرية دورًا حاسمًا؛ من خلال تطبيق دروس عملها على دراسات تحرر السود في الستينيات، وقد استهدف تدخل فورد بملايين الدولارات إضفاء طابع مهني منتظم على المجال؛ عبر تقديمها لمِنَح لمشاريع ما بعد الدكتوراه، بالإضافة إلى تمويل لمراكز أبحاث النساء في أفضل الجامعات، على سبيل المثال: (ستانفورد، بيركلي، ويليسلي، براون، ديوك، أريزونا).

وفي عام 1975، نظمت المؤسسة إطلاق ساينز Signs كمجلة نسوية متعددة التخصصات، وفي عام 1977 ساعدت في تأسيس الرابطة الوطنية لدراسات المرأة، والمركز الوطني للبحوث المتعلقة بالمرأة، بقيادة المسؤولة السابقة في شركة فورد مريم تشامبرلين Mariam Chamberlain. 

 في الثمانينيات من القرن الماضي، تحولت المؤسسة إلى «تعميم» النسوية، كعنصر من مكونات المناهج الأساسية للطلاب الجامعيين. وبحلول أوائل التسعينيات، كانت أولويتها هي دمج البحوث المتعلقة بنساء الأقليات؛ وبدأ مسؤولوها سلسلة من المؤتمرات التي من شأنها أن تمهد الطريق لتبني النظرية التقاطعية. هامش وفي تقرير لأحد المستشارين أشار بحق إلى أن مشروع فورد في مجال دراسات النوع الاجتماعي قد «أثَّر بشكل فعَّال على الاتجاه الذي سيتخذه».

كان الشكل الثاني؛ الأكثر تخصصًا من المؤسسات القائمة استهداف الجامعات هو نمو منظمات دعم الطلاب، والتي كانت ممولة تمويلاً جيدًا من تحقيق اهداف مثل «المساواة والتنوع والشمول»، وكانت تعمل تحت مظلة البند التاسع Title IX. وقد وفَّر التمويل استمرارية القيادة والموارد والخبرة القانونية، وشملت الحملة، الإضراب والملصقات والقمصان، التي حافظت على التأكيد على سياسات مناهضة التمييز خلال فترات انخفاض نشاط الطلاب. جنبًا إلى جنب مع متطلبات المناهج الأساسية لدراسات النوع الاجتماعي، ضمنت هذه البيروقراطيات المصغرة التي يديرها مجموعات جديدة من الطلاب شكلاً من أشكال سياسات المساواة بين الجنسين التي أصبحت طبيعية، «مثل الفلورايد في الماء» وهو منهج راديكالي غير رسمي، يعمل داخل حدود نموذج مناهضة التمييز ويساعد على إعادة إنتاجه.

قدَّم المسؤولون المدربون تدريبًا مهنيًّا؛ موظفو البند التاسع، وموظفو المساواة والإدماج، ومستشارو السلامة في الحرم الجامعي، كوادر سياسة للنوع الاجتماعي، التي لم يكن لها أحيانًا أي علاقة بتعاليم النسويات في هيئة التدريس.

في الوقت نفسه، خضع التفكير النسوي لثقافة عميقة؛ إذ تطوَّر داخل التقاليد الأكاديمية الأمريكية. وقد أفسحت الادعاءات الجريئة والطموحات المتنامية لتحرير المرأة الطريق أمام التمايز الصارم والاختيارات ذات التوجه المهني للطروحات النسوية؛ وأسست الاعتمادية الأكاديمية تسلسلاً هرميًّا غريبًا على حركة المساواة، في تخصصات السياسة، والاقتصاد، والعلوم الاجتماعية والسياسية، التي كان من شأنها أن تنتج كوادرائعة من الخبراء النسويين.

وتميل الأبحاث إلى الانضواء ضمن التقاليد الكلاسيكية الجديدة أو الوظيفية، كمًّا وكيفًا، في العلوم الإنسانية، وقبل كل شيء في أقسام الأدب، إذ كانت الأجيال الجديدة من نشطاء النوع الاجتماعي تدرس بشكل عام، في ظل التأثير السائد لفوكو Foucault.

ضمن هذه الحدود، تم تشجيع التفكير النقدي غير التقليدي وتمويله. وفي نحو عام 1990، قدم كل من بيركلي Berkeley وأوكلا UClA تحديين نظريين رئيسيين للنموذج المهيمن المناهض للتمييز في السياسة النسوية. وفي قضية النوع الاجتماعي، شنت جوديث بتلر Judith Butler هجومًا عاطفيًّا على ثنائية «الرجال» و»النساء» التي تفترضها الحركة النسوية السائدة، وتساءلت عن ممارستها المتمثلة في تقديم ادعاءات تمثيلية نيابة عن المرأة؛ وقد كان القيام بذلك مجرد توسيع نظام معرفة السلطة المسؤولة عن إنتاج هذه الثنائية «ذكر» و»أنثى». إذ كان من المفترض أن تعارض السياسة النسوية الجديدة تجسيد الجندر والهوية، مع الأخذ في الاعتبار بناءها المتغير كشرط منهجي مسبق، وكذلك كهدف سياسي.

 وقبلها ببضعة أشهر، هاجمت كيمبرلي كرينشو Kimberlé Crenshaw قانون مناهضة التمييز من منظور الدراسات القانونية النقدية، وذلك بسبب محوره الأحادي، الذي يتعامل مع العرق والجنس على أنهما فئتان من الخبرة، تستبعد إحدهما الأخرى بدافع من مطالبها السياسية، وأنه ينبغي إعادة التفكير في الإطار بأكمله، بل وإعادة صياغته. إذ ينبغي أن يضع العمل السياسي الجماعي المهمشين في المركز، وأن يبدأ من احتياجات الفئات الأكثر حرمانًا، ومن ثَم يعيد تشكيل العالم لصالح البقية.

على صعيد المقارنة، فإن النقطة الرئيسية التي ينبغي تسجيلها هي الحجم الهائل للإنتاج النسوي نتيجة لهذا التمويل الضخم؛ وقد شمل حجمًا هائلاً من المِنح الدراسية - تشير ببليوجرافيا دراسات المرأة إلى ما يقرب من 4000 عنوان؛ بما في ذلك أعمال رفيعة المستوى. وكذلك كرَّست نسوية بيلتواي Beltway مجموعة من الخبرات السياسية والقانونية لا مثيل لها في بقية العالم؛ منها إتقان مهارات الضغط، والصياغة، وجمع الأموال، وتقديم العروض المصقولة أو المقترحات التي درست بعناية، جنبًا إلى جنب مع النقاط الدقيقة في إجراءات الكونجرس أو الإجراءات القانونية، في أثناء تجميع قائمة من جهات الاتصال القوية، لذلك أسست النسويات داخل نظام الجامعة الأمريكية بنية تحتية بحثية لا مثيل لها، وقد شملت هذه البنية التحتية معاهد ومراكز متخصصة، واستضافة ندوات ومؤتمرات وطنية أو دولية، وإجراء تحقيقات تجريبية واسعة النطاق، وتوضيحات نظرية معقدة، ودراسات مقارنة، وتقارير فنية التي يدعمها ما يقرب من أربعين مجلة متخصصة. من المؤكد أنه لن تنفق أي دولة أخرى 36 مليون دولار على المنح النسوية، بالإضافة إلى بعض التمويل الذي يعتبر الأكثر سخاء في العالم. وقد أحصت دراسة حديثة نحو 540 دورة في دراسات النوع الاجتماعي والمرأة في الولايات المتحدة، مقارنة بـ 44 دورة في كندا، و35 في المملكة المتحدة، في حين لم تحصِ أكثر من عشرين في أي بلد آخر. وتنطبق نسب مماثلة على المجلات العلمية النسوية: 43 إصدارًا في الولايات المتحدة، و8 في المملكة المتحدة، و5 في فرنسا وأستراليا، و4 في كندا، وأقل من ذلك في أي مكان آخر.

كما أن جميع المجلات والمطبوعات رفيعة المستوى في هذا المجال موجودة في الولايات المتحدة، على سبيل المثال ساينس مجلة Signs التي لا تزال الرائد الفكري للحركة، وهي تعج بدراسات نسوية عن النوع الاجتماعي والمجتمع، والاقتصاد النسوي، وكذلك مجلة هيباتيا Hypatia، ومجلة تاريخ المرأةJournal of Women’s History؛ وتضم المجلة النسوية الدولية للسياسة فريق تحرير واسع النطاقthe International Feminist Journal of Politics، وقد كان تأسيسها نتيجة لمحادثات ونقاشات جمعية الدراسات الدولية، ومقرها الولايات المتحدة. 

كانت الدول الأخرى الناطقة بالإنجليزية أقرب المنافسين؛ فقد امتلكت أستراليا إطارًا قويًّا لتكافؤ الفرص، ولكنها تظل ذات نظام جامعي محدود؛ وكان لدى كندا عدد قليل من مراكز الإنتاج الفكري النسوي القوية فيما يخص النظرية والبحوث الاجتماعية، لكن هذا يضعها فقط على قدم المساواة مع الولايات الأمريكية الأصغر؛ على سبيل المثال ويسكونسن، أو نورث كارولينا. وفي المملكة المتحدة، ظهر العمل الماركسي النسوي الرائد في الستينيات والسبعينيات المتمثل في ثقافة اليسار الجديد، إلى حد كبير خارج الأكاديمية؛ في وقت لاحق، صُقلت وتنامت التخصصات الوطنية في الدراسات الثقافية النسوية واقتصاديات التنمية، لكن النفوذ السياسي للنسوية البريطانية كان ضعيفًا نسبيًّا. وفي ألمانيا، أنشئت الوزارات النسائية ذات النفوذ على المستوى الإقليمي في المقاطعات خلال الثمانينيات، لكن النظام الجامعي ظل غير نافذ؛ وحتى أواخر عام 1990، كان 5% فقط من الأساتذة من الإناث، وكانت دراسات المرأة محصورة إلى حد كبير في المجتمع والبالغين، ومراكز التعليم، وقد ازدهرت على الهامش نظرية النسوية الأمومية والبيئية في فرنسا؛ باستثناء بعض المقاطعات، مثل فانسان. وفي إيطاليا، ظلت الجامعات وآلية الحكومة مغلقة إلى حد كبير أمام الدراسات النسوية وصنع السياسات لعقد آخر. أما في أماكن أخرى؛ كالشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا، والهند، فقد موَّلت أموال المؤسسات الأمريكية أبحاث النوع الاجتماعي إلى حد كبير. اختصارًا، تمتعت الحركة النسائية الأمريكية السائدة بمزيج من الثروة والثقل المؤسسي والإنجازات العلمية بحيث لا يمكن لأي حركة نسوية أخرى على الإطلاق أن تُقارن بها.

إذا كانت طاقات حركة تحرير النساء المبكرة قد دُجنت إلى حد كبير من قبل الكابيتول هيل Capitol Hill [المجالس التشريعية]، أو رقِّيت داخل الأكاديمية، فقد كان هناك فرع واحد من النسوية الراديكالية التي تهدف بدلاً من ذلك إلى تعزيز علاقتها بالدولة.

ونظرًا إلى أن قوانين مناهضة التمييز لم تُصمم قط لتغطية حقوق وأخطاء العلاقات بين الجنسين، فقد كان على المحامين النسويين أن يحاولوا التأكد من قيامهم بذلك. وتضمَّن هذا نشاط تقاضٍ مستمر لتوسيع نطاق القانون - توسيع «التمييز على أساس الجنس»؛ ليشمل التحرش الجنسي وإنجاب الأطفال، مع قيام المحامين الذين تمولهم المؤسسة بتقديم حالات اختبار فردية لتوسيع حدود الاستفادة، وذلك بتقديم حكم واحد في كل مرة، في المجالين التوأمين؛ التوظيف والتعليم. 

ومنذ السبعينيات، أعادت أحكام المحاكم، والتدخلات التنفيذية، واللوائح الجديدة الصادرة عن اللجنة تكافؤ فرص العمل Eeoc، وقرارات المحكمة العليا، وتدخلات الكونجرس، تفسير معاني التمييز والتحرش الجنسيين باستمرار، مما وسَّع مسؤولية أصحاب العمل والجامعات وألقي الضوء على الأضرار الناتجة عنها. وكانت النتيجة مجالاً قانونيًّا في حالة من التحريض الدائم؛ على العكس مما يحدث في البلدان التي تترك فيها القوانين المصاغة صراحة مجالاً أقل للمناورة، ومن المرجح أن يتخذ النشاط النسوي أشكالاً غير قانونية. جعلت العملية التي يقودها المتقاضون، في رأي أحد المحامين الشباب، مجالاً قانونيًّا مثيرًا ومزدهرًا؛ «هناك دائمًا محكمة قد تكون على استعداد لتوسيع تعريف التحرش الجنسي».

فتح الاضطراب المتجذر هذا الطريق لفرع واحد من التشريع النسوي الراديكالي، للدفع نحو أجندة أكثر تشددًا، وقد صاغت كاثرين ماكينون Catharine MacKinnon هذا الأمر بشكل كامل؛ إذ بحثت في التقليد الماركسي بحثًا عن أدلة حول كيفية بناء «نظرية ملحمية» مماثلة للنسوية، وهي نظرية من شأنها استيعاب قوانين المجتمع للحركة في مجملها، وتمكين النساء من أن يصبحن «مجموعة في حد ذاتها». 

وقد حددت ماكينون «العمل» باعتباره الطبقة/الفئة الأساسية للماركسية، وافترضت أن «الجنسانية» هي المكافئ النسوي لها؛ وهي العملية التي يتم من خلالها إنشاء «العلاقات الاجتماعية بين الجنسين وتنظيمها والتعبير عنها وتوجيهها». من وجهة النظر هذه إذن، لا ينبغي الخلط بين الجنسانية وبين الإثارة، أو الملذات المتبادلة، أو ممارسة الحب. وقد كانت ديناميكيتها هرمية، تتضمن تقسيمًا منهجيًا للسلطة الاجتماعية، تم فرضه على المرأة، إذ كُرِّست ثنائية «ذكر›› و»أنثى›› من خلال إضفاء الإثارة الجنسية على ممارسات كالهيمنة والخضوع، وعُلِّمت النساء كيفية تعريف أنفسهن ككائنات موجودة من أجل رغبات الذكور الجنسية. رفضت ماكينون بشكل قاطع فهم الجنسانية كممارسات ثقافية أنثروبولوجية شكَّلتها الظروف المتغيرة تاريخيًّا لتنتج في النهاية حالة من عدم المساواة بين الجنسين، فضلاً عن النموذج الفرويدي للدافع الفطري الذي قمعته عمليات التنشئة الاجتماعية، والذي ينبغي السماح به بقدر أكبر من التعبير. وبالنسبة لها، كانت الجنسانية «هي عدم المساواة بين الجنسين: الإثارة الذكورية في اختزال الشخص إلى شيء ما هو قوتها الدافعة››، والدليل على ذلك كُشف عنه من خلال رفع الوعي النسوي حول تجربة المرأة التي تعيشها، والمتمثل في «الاغتصاب، وسفاح القربى، والضرب والتحرش الجنسي والإجهاض والبغاء والمواد الإباحية.

وكانت النتيجة السياسية المنطقية لهذا التفسير هي الانفصالية النسوية والسحاق السياسي، وتقاليد الأقلية بكل تاريخها ونزاهتها. وبدلاً من ذلك، لمحت ماكينون في قانون مكافحة التمييز الأمريكي «صدعًا في الجدار»؛ أو على وجه التحديد «فرصة تشريعية خاصة لموضوع الاعتداءات الجنسية. كان الهدف هو استخدام القانون لمواجهة واقع وضع المرأة؛ أي «العوز القائم على الجنس والتبعية القسرية والهبوط الدائم إلى الأعمال المهينة والتجويع»، بالإضافة إلى الاغتصاب المنتشر، والضرب الممنهج، والدعارة «الظرف الأساسي للمرأة»، والذي كانت صناعة الإباحية جناحًا له.

كانت الدولة الليبرالية «ذكورية»: لقد تعاملت مع النساء مثل الرجال، وفرضت وجهة نظر الرجل كقانون على المجتمع؛ لقد كفلت الحريات السلبية الواردة في دستور الولايات المتحدة فقط حريات الوضع القائم للذكور. وكانت المساواة تتطلب اجتهادًا جديدًا يجسِّد وجهة نظر المرأة، لكن ستتم مهاجمته باعتباره «مرافعة خاصة»، وباعتباره «ليس محايدًا»، ولكن القانون الحالي لم يكن كذلك. لذا كان على الخطوات الأولى أن تتحرى تحويل عبء الإثبات في قضايا الاعتداء الجنسي لصالح المرأة، لاستبعاد الدفاع عن نوايا الذكور، أو الموافقة الواضحة للإناث. وكان ينبغي على النسويات الكفاح من أجل حظر المواد الإباحية بموجب قوانين التمييز على أساس الجنس، وتجريم الدعارة.

في ذلك الوقت، ومنذ ذلك الحين، تعرضت وجهة النظر هذه لانتقادات شديدة من قبل النسويات الأخريات، وذلك باعتبارها فقيرة ثقافيًّا وأنثروبولوجيًا. من الناحية النظرية، تضمنت نقطة انطلاق ماكينون - مثلما هو العمل بالنسبة للماركسية، وكذلك الجنس بالنسبة للنسوية - خطأ مزدوجًا. وبالنسبة لماركس، لم تكن الممارسة المحددة «العمل»، بل هي طريقة إنتاج ما هو مطلوب للمعيشة اليومية؛ الغذاء، والوقود، والملبس، والمأوى، والتي يعد العمل أحد العوامل الحاسمة فيها، جنبًا إلى جنب مع الطبيعة، والمكاسب المتراكمة للتكنولوجيا ورأس المال، واللغة. فإذا كان التكافؤ بين الجنسين هو المطلوب، فسيعمل على تنظيم التكاثر البشري، والذي يمثل النشاط الجنسي جانبًا مهمًا منه، إلى جانب الحمل والولادة ورعاية الرضع والتنشئة الاجتماعية للأطفال وصنع الذوات الجندرية.

كما أن توقيتات العمل وتقسيماته مترابطة مع تلك الخاصة بالإنتاج. في مقابل النظرة النسوية الراديكالية للعلاقات بين الذكور والإناث كمجال استقطاب بسبب الاضطهاد الأساسي للعنف الجنسي، ويوفر هذا المفهوم إمكانات للتعاون التفاوضي والمشاريع المشتركة. فهو يعترف بالتضادات التي قد يكون فيها الجنس تقسيمًا ثانويًّا، وليس تقسيمًا أساسيًّا، ومن ثَم يمكنه معالجة العلاقات القمعية بين النساء، سواء الهيكلية أو الشخصية، والتي لا تقدم النسوية الراديكالية تفسيرًا مناسبًا لها. تكمن قوة الماركسية كنظرية اجتماعية في قدرتها على الاحتفاظ بالإيجابيات والسلبيات، والخلق والدمار، في إطار واحد.

 إذا كانت هناك حاجة إلى «نظرية ملحمية» نسوية، فستحتاج إلى أن تفعل الشيء نفسه - لتشمل الملذات والمخاطر؛ عوامل الجذب الخطيرة للآخرين، مشكلات الحب المتعددة.

من شأن التقدم السياسي للفقه النسوي الراديكالي أن يلقي ضوءًا مثيرًا للاهتمام على الطريقة الأمريكية للتعامل مع مسألة الجنس في مجتمع جماهيري: من ناحية، السوق؛ من ناحية أخرى، تنظيم أيديولوجي أصغر بكثير.

وكان العمل مع أندريا دوركين Andrea Dworkin، ذا دعاية أكثر فاعلية؛ إذ هزمت المحكمة العليا في عام 1986 أول مشروع كبير لماكينون، وهو الدفع بقوانين مكافحة الإباحية على مستوى الدولة. (في كندا، حيث لاقت هذه السياسة مزيدًا من النجاح، كان الهدف الأول للإغلاق هو المجلة المتخصصة في النسوية السحاقية، Bad Attitud).

استمرت صناعة الإباحية في الازدهار عبر الإنترنت، ووصلت موادها المصورة الآن إلى جمهور أوسع بكثير، وعلى نطاق أوسع بكثير مما وصلت إليه المجلات السيَّارة، والمتاجر التي تعمل في بيع الأغراض غير اللائقة «للبالغين»، وصارت توفِّر منهجًا للتثقيف الجنسي في سن المراهقة المبكرة.

كانت المواد الإباحية خاضعة للقوى نفسها التي شكَّلت بقية الاقتصاد الأمريكي: العولمة، والاستعانة بمصادر خارجية، وانكماش الأسعار، والتسويق المتخصص، والخصخصة، واستهداف المرأة؛ على الرغم من أن جمهور الرياضة لا يزال، إلى حد كبير، من الذكور، إلا أن جزءًا متزايدًا من المواد المثيرة كان يستهدف النساء. أما من ناحية العرض، بقيت صناعة منخفضة الأسعار، على سبيل المثال؛ وادي سان فرناندو في لوس أنجلوس، وهو جزء صغير من حجم هوليوود، محاصر بالقرصنة والمنافسة من غرف الدردشة عبر الإنترنت، وتقوم على الدفع مقابل اللعب، وقد وصفتها الفتيات اللواتي يظهرن أمام الكاميرا على الإنترنت بأنها شكل آمن نسبيًّا من العمل بالجنس.

على الجبهة الثقافية، هُزِمَ التشريع النسوي الراديكالي، فضمن مكانة أقوى في الجامعات الأمريكية. ففي خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، تضافر نشاط المتقاضين وقرارات المحكمة الإضافية والتدخلات التنفيذية لتوسيع نطاق تعريفات الباب التاسع للمضايقة والاعتداء، وتخفيف عبء الإثبات على المدعي وزيادة مسؤولية الجامعة.

 ودعا الناشطون القانونيون مثل ماكينون MacKinnon وآن سيمون Anne Simon إلى الحاجة الماسة إلى إجراء تغييرات في آلية البند التاسع لصالح النساء. وفي التسعينيات، قامت حملات مناهضة للاغتصاب في الحرم الجامعي، وكان مؤيدوها نساء، بعضهن مُحافظات تمامًا؛ مثل كاتي كويستنر Katie Koestner، الناشطة ضد الاغتصاب التي ظهرت على غلاف مجلة تايم TIME في عام 1991، وقد تحولن إلى راديكاليات من جراء تعرضهن للاغتصاب!

أما التيارات النسوية الأخرى؛ ما بعد البنيوية، والتقاطعية، والكوير [هو مصطلح عام يشير إلى الأقليات الجنسية من غير المغايرين]، والمساندين لقضايا البيئة/ الخُضر، والمهتمة بالتغير المناخي، فقد انتقلت إلى قضايا أخرى، فقد مالت إلى انتقاد الراديكالية النسوية. ومع ذلك، فإن المشروع القانوني الذرائعي المتمرد لهذا الاتجاه لم يقابله أي برنامج سياسي اقتصادي لإعادة التوزيع، وهو بهذا المعنى، كان مخلصًا ومتسقًا مع النموذج الأمريكي السائد.

هناك أسطورة واسعة الانتشار مفادها أن القيادة النسوية الأمريكية وضعت حقوق المرأة على جدول الأعمال العالمي، لكن الحقيقة أن العكس هو الصحيح. فقد جاء الزخم الأوَّلي من الكتلة السوفيتية، ودول العالم الثالث المنتمية إلى منظمة عدم الانحياز. في أوائل السبعينيات، وبينما كانت واشنطن تكافح الهزيمة العسكرية في الهند الصينية التي تفاقمت بسبب الركود والأزمة السياسية في الداخل، كانت الدول الأفريقية والعربية اليسارية تنهض مؤقتًا، مدعومة بفيض من دولارات النفط. وفي عام 1974، استخدمت «مجموعة الـ 77» أغلبيتها الجديدة في دولة واحدة وصوت واحد في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك للدفع نحو إعلان نظام اقتصادي دولي جديد، والذي بموجبه يمكن للدول النامية أن تنظم أنشطة الشركات متعددة الجنسيات، والاستفادة من الشركات الموجودة على أراضيها، بما في ذلك تأميم أصولها، مع دفع تعويضات بموجب القانون المحلي للبلد المؤمم. كان هذا بالطبع لعنة بالنسبة للولايات المتحدة، لكن الكتلة السوفيتية قدمت دعمها الجديد مقابل أصوات مجموعة الـ 77 لأجندة بريجنيفيت للسلام.

كان هذا هو السياق الذي أيَّدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة اقتراحًا من منظمة المرأة الأوروبية بقيادة الاتحاد السوفيتي بشأن «عام دولي للمرأة» في عام 1975، تُوِّج بمؤتمر عالمي في مكسيكو سيتي لتخطيط اندماجها الكامل في النظام الاقتصادي المقبل.

بالنسبة لوزارة الخارجية الأمريكية، كانت الجمعية العامة في السبعينيات ساحة معركة دبلوماسية، تم فيها قياس النجاح من حيث قدرته على درء الضرر. وقد شارك مسؤولوها في الاستعدادات لمؤتمر مكسيكو سيتي بطبيعة الحال، ولكن ظلت أولوية واشنطن للسياسات الجنسانية العالمية هي السيطرة على النمو السكاني: فقد خصصت ميزانية قدرها 3 ملايين دولار لتجمع الأمم المتحدة عام 1974 بشأن تنظيم الأسرة، مقارنة بـ 350 ألف دولار لمؤتمر المرأة لعام 1975. واستضافت مكسيكو سيتي اجتماعين، حددا نمطًا للمستقبل: مؤتمر حكومي دولي رسمي للأمم المتحدة، ساده الجدل والمواقف المعتادة في مثل هذه المناسبات. تم اختيار المندوبين من قبل مسؤولي وزارة الخارجية لعرض السيدات الرائدات في بلادهم. بالإضافة إلى منتدى ثقافي موازٍ جذب جمهورًا من 6000 شخص لبرنامج عروض أفلام، ورقص، وصلاة (بقيادة الأم تيريزا) وحلقات نقاشية. وهنا كان المزاج أكثر راديكالية؛ فقدمت حركة النساء الأمريكيات أكبر فرقة أجنبية، على الرغم من وجود عروض قوية من دول أمريكية أخرى، كانت المكسيك في ذلك الوقت ملجأ لأولئك الفارين من الديكتاتوريات في الجنوب. وكانت المتحدثة الأبرز امرأة بوليفية من السكان الأصليين، وهي دوميتيلا باريوس Domitila Barrios، التي نجت من إحدى المذابح التي استهدفت عائلات عمال المناجم على أيدي القوات الحكومية المدعومة من الولايات المتحدة، وسُجنت وتعرَّضت للتعذيب؛ وهو مما أدى إلى إجهاضها نتيجة لذلك.

في الجلسة العامة الرسمية، كان المحور المركزي ذو الشقين هو معاهدة إعلان للحقوق، وخطة عمل لثلاث كتل، و cedaw اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ومشروع G-77 لتحرير المرأة من خلال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وشدد الكوميكون على السلام وموضوع الولايات المتحدة المتمثل في المساواة. وكانت النتيجة وثيقة غير عملية ومتكررة، تصل إلى 33 صفحة، جاءت متحدية للسياسة الخارجية الأمريكية؛ وذلك بالدعوة إلى دعم النساء السود اللائي يعانين من الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ودعم النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال الإسرائيلي؛ وهو ما صوتت الولايات المتحدة ضده. 

وبشكل ملموس، دعت خطة عمل المكسيك إلى «عِقْد دولي للمرأة والتنمية»، على أسس جديدة، يركز على الصحة والتعليم وتوفير رعاية الطفل؛ كل دولة ستنشئ مكتبًا لرصد التقدم المحرز على هذه الجبهات، وتقدم تقريرًا إلى مؤتمرات المتابعة التي عقدت في كوبنهاجن (1980) ونيروبي (1985) وبكين (1995).

 وبالفعل أنشئ الهيكل الأساسي لجهاز بحث نسوي عالمي، مع مركز لجمع البيانات، و instraw، و Unifem، وهما صندوقان تطوعيان، وكلاهما مقره في UNHQ في نيويورك. عقد موظفو الأمم المتحدة ندوات ضمت «خبراء» بشأن قضايا المرأة لوضع معايير لمشاريع البحث العالمية؛ وأطلقت المؤسسات الفرعية، مثل Ilo و Fao، دراسات استقصائية خاصة بها.

 لم يكن الأمر كذلك حتى عام 1979، بعد أربع سنوات من المكسيك، حين اتخذت الولايات المتحدة دورها النسوي العالمي. وأعلن وزير خارجية كارتر في برقية من ست فقرات إلى السلك الدبلوماسي الأمريكي أن «الهدف الرئيسي لسياستنا الخارجية هو النهوض بوضع المرأة وظروفها في جميع أنحاء العالم.

وجاء الانطلاق الرسمي للنيوليبرالية المعولمة بعد بضعة أشهر، عندما رفع رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في عهد كارتر، بول فولكرPaul Volcker، أسعار الفائدة، ورُفع الستار عن أزمات ديون العالم الثالث، وصياغة برامج التعديل الهيكلي في الثمانينيات والتي من شأنها أن تعيد استخدام الاقتصادات الجنوبية لصالح العصر الجديد.

مع بداية عقد الأمم المتحدة للمرأة، اتخذت المنتديات غير الرسمية حياة خاصة بها. بدلاً من المنتديات الاجتماعية العالمية التي ظهرت بداية من المؤتمر الذي عُقد في مدينة بورتو أليجري Porto Alegre، في البرازيل، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت تجمعات نسوية كبيرة وصاخبة شهدت مناقشات دولية ساخنة، وساعدت في تكوين صداقات دائمة وشبكات اتصال وسط الفوضى التنظيمية؛ إذ حضرت نحو 8000 امرأة اجتماع كوبنهاجن في عام 1980. وفي عام 1985، احتشد أكثر من 13000 شخصًا في حدائق جامعة نيروبي، ومعظمهم من المنظمات النسائية الأفريقية الرسمية. وبعد عشر سنوات، تجمع ما يقدر بنحو 40000 امرأة حول مركز المؤتمرات نصف المبني في هوايرو Huairou، في ضواحي بكين. ومما لا شك فيه أن هذه التجمعات قد ساعدت على تحفيز الحركات النسائية المعارضة التي نشأت في جميع أنحاء العالم في أواخر السبعينيات والثمانينيات، والتي تميزت بتنوع أشكالها وتركيزها؛ فازدهر النشاط النسوي في الهند في مرحلة ما بعد الطوارئ، مما أدى إلى إنتاج مجموعة غير عادية من المبادرات والحملات ومجموعات من مسرح الشارع، والمجلات، والتجمعات على مستوى الدولة والتجمعات الوطنية. وفي البرازيل والأرجنتين وشيلي، نظمت الجماعات النسائية المجاورة ضد الديكتاتوريات؛ وتبلورت الميول النسوية داخل المجموعات الطلابية والأحزاب اليسارية. تميَّزت فعاليات أمريكا اللاتينية في جميع أنحاء المنطقة والتي عقدت طوال الثمانينيات بمناقشات ساخنة حول الجنس والعِرق والطبقة.

في الصين، اشتمل الهياج الديموقراطي في الثمانينيات على التيارات النسوية، وكان هناك حديث عن إلغاء البيروقراطية في الاتحاد النسائي لعموم الصين، الذي تم تهميشه بسبب الانحراف البرجوازي في أثناء الثورة الثقافية، ولكن أعيد إحياؤه على يد دينج شياو بينج Deng Xiaoping بعد عام 1978. وحتى في اليابان؛ حيث أحبطت المحاولات المبكرة لحركة لتحريرة المرأة الذي انبثق من الحركة الطلابية الثورية والمشهد الفني، فقد حفز عِقد الأمم المتحدة للمرأة الاحتجاجات النسوية.

 وغالبًا ما كانت هذه الحركات المستقلة تنتقد الهيئات الرسمية التي أنشت لمراقبة تقدم المرأة في مؤتمرات الأمم المتحدة؛ فقد أدانت النسويات الهنديات اللجنة الوطنية للمرأة ووصفتها بأنها نخبوية وبيروقراطية، وأنها بيدق في أيدي الحكومات المتعاقبة. وفي نيبال، عينت الملكة أيشواريا Aishwarya نفسها رئيسة لمجلس تنسيق الخدمات النسائية الذي كانت مهمته الرئيسية، وفقًا لأحد الناقدين النسويين المحليين، تمجيد جلالة الملكة والسيطرة على أموال المنظمات غير الحكومية الأجنبية. وفي كينيا، كانت هناك شكاوى من أن الرجال كانوا يستخدمون زوجاتهم كواجهات شكلية من أجل إنشاء منظمات للحصول على منح حكومية، إذ ارتفع عدد المجموعات المسجلة من قبل مكتب المرأة ستة أضعاف على مدار العقد.

ثقافيًّا، كان التأثير النسوي العالمي يتدفق عمومًا من المركز إلى الأطراف، ولكن أحيانا كان يُسيطر عليه ويوجه في اتجاهات معينة. وشهدت الثمانينيات انطلاقًا عالميًّا للطروحات الكلاسيكية لتحرير المرأة الأمريكية؛ أجسادنا، أنفسنا (1970)، والتي ظهرت بأكثر من عشرين لغة بحلول نهاية القرن، وغالبًا ما تفتقد إلى نقدها الحاد لمعاملة الصناعات الطبية للنساء، وكذلك فصوله حول الفحص الذاتي والمتعة الذاتية.

متدفقة في الاتجاه الآخر، قامت المطبعة النسوية، بدعم من فورد وروكفلر Ford and Rockefeller، بتنفيذ مشروعين أدبيين طموحين للغاية، والتنقيب عن الكتابات النسوية «المخبوءة» في الهند وأفريقيا، وترجمتها إلى طبعات متعددة، وإنتاج مجموعات ثنائية اللغة من الإسبانية، والشعر النسوي الممتد من العصور القديمة إلى الوقت الحاضر عن اللغات الفرنسية والألمانية والإيطالية والفلمنكية والعبرية والفيتنامية، في سلسلة Defiant Muse. 

لم يؤد تولي ريجان الحكم إلى تغيير السياسة الخارجية الأمريكية «المؤيدة للنسوية»؛ وبالفعل قادت الابنة الأولى مورين ريجان الفريق الدبلوماسي الأمريكي في مؤتمر الأمم المتحدة النسائي لعام 1985 في نيروبي.

حتى الآن كان المد العالمي يسير في ركاب الولايات المتحدة، وقد تسببت أزمة ديون العالم الثالث في ركوع العديد من دول مجموعة الـ 77، كان إدوارد شيفرنادزه Shevardnadze الذي يتسم بالتهدئة، قد تولى المسؤولية من جروميكو في الكرملين، وكانت قيادة منظمة التحرير في حالة هروب.

وفي ذروة عقد الأمم المتحدة للمرأة، تمكنت إدارة ريجان أخيرًا من التوصل إلى نتيجة دبلوماسية كانت مقبولة بالنسبة للولايات المتحدة. من الناحية الأيديولوجية، كان هناك استمرارية واسعة في خطط العمل التي أكدتها المؤتمرات الثلاثة بين عامي 1975 و 1985، على الرغم من أنه بحلول وقت «الاستراتيجيات التطلعية» في نيروبي، عُكس ترتيب موضوعات الكتل الثلاث ضمنيًّا؛ فجاءت مكافحة التمييز أولاً، يليها التنمية، ثم السلام. والأمر الأكثر لفتًا للنظر، وسط مستنقع قوائم الرغبات غير اللفظية والفارغة، أن الإجراءات القليلة الممكنة عمليًا، والتي تتميز بجودتها الفولاذية، كانت كلها من كتاب مناهضة التمييز النيوليبرالي «تحسين إمكانية حصول المرأة على الائتمان»، و»تعزيز التنقل المهني للمرأة»، «ساعات عمل مرنة للجميع».

ومع ذلك، فقد بدت وصفات «تقدم المرأة» والسياسة النيوليبرالية وكأنها مستعدة للتصادم المباشر؛ ففي أجزاء كثيرة من العالم الثالث، ساء الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة بشكل حاد خلال عقد الأمم المتحدة. أدت أسعار فائدة فولكر البالغة 20 في المائة في الاحتياطي الفيدرالي إلى امتصاص رأس المال الدولي مرة أخرى لصالح الولايات المتحدة، مما أدى إلى تعميق الركود العالمي وزيادة تكلفة ديون العالم الثالث المقومة بالدولار. وبحلول أواخر الثمانينيات، كانت مدفوعات الفوائد للبنوك الغربية تستهلك 25% من عائدات الصادرات الأفريقية، و 40 %من عائدات الصادرات في أمريكا اللاتينية؛ وانخفضت الأجور الحقيقية بنسبة تزيد عن 30 %في جميع أنحاء أفريقيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

 كانت كل من أزمات الديون و»حلها»، وبرامج التكيف الهيكلي، شديدة التمييز بين الجنسين، مما أدى إلى القضاء على المكاسب الهشة التي تحققت في السبعينيات؛ فطردت النساء في الرتب الدنيا من وظائف القطاع العام أولاً، بالإضافة إلى انخفاض الإنفاق الحكومي، وتعني التخفيضات في إعانات الوقود والغذاء أن نساء العالم الثالث يقضين ساعات إضافية في الطهو والعناية بأسرهن من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية؛ فتتدهور مداخيلهن وحالتهن الصحية والغذائية، وتصبح تبعيتهم الثقافية أكثر رسوخًا في ظل «إصلاحات» صندوق النقد الدولي. وهكذا بنيت الآلية الجديدة للنسوية العالمية على رأس الظروف المتدهورة للنساء في معظم أنحاء العالم.