هوامش
محمد حسنيإسرائيل ودول الخليج... حين يجمع الدهر ما فرَّقَ
2018.12.01
إسرائيل ودول الخليج... حين يجمع الدهر ما فرَّقَ
في فترة تتجاوز السنتين بقليل، تتابعت الصور: مصافحة بين وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس المخابرات السعودي (السابق). تصريحات لأمراء من السعودية، والبحرين، والكويت تغازل إسرائيل. إسرائيليون يشاركون في مسابقات رياضية في قطر والإمارت، وفي الأخيرة رفرف العلم الأبيض والأزرق على أنغام نشيد “هاتكڤاه - الأمل”، ترقرقت الدموع في أعين الوزيرة ميري ريجڤ، لكنها ما لبثت أن ابتسمت للعدسات أثناء تفقدها لمسجد الشيخ زايد. صورة للسلطان الأزلي قابوس بن سعيد مستقبلًا بنيامين نتنياهو وقرينته، وتصريح نتنياهو “إن ما يحدث مع الدول العربية لم يحدث أبدًا من قبل، ربما لم يخرج بعد إلى النور، لكنه في حقيقته أعمق من أية فترة سابقة في تاريخ إسرائيل”.
في نوفمبر 1977 خرج السادات بخطابه الشهير عن استعداده للذهاب “إلى الكنيست ذاته”، ما أصاب المواطن المصري والعربي، بمشاعر الألم والإحباط والحسرة والدهشة. والآن برغم تكاثر الأسباب لكافة المشاعر السلبية السابقة وأكثر منها، لكن شعورًا واحدًا فقدناه ربما إلى الأبد “الدهشة”. فالجميع كان يعلم باللقاءات الليلية والمواعدات في أطراف البلاد، وفي أصقاع الأرض، وقد آن الأوان فحسب ليخرج كل شيء إلى النور، وسنوافَي بالموعد والمكان في حينه. بدرجة عالية من الوضوح تُقدم المواقع الرسمية الإسرائيلية والأكاديمية، سردًا زمنيًّا لعلاقاتها بالبلدان المختلفة، وعن دول الخليج تقدم روايات متشابهة إلى درجة الملل.
السعودية
حتى هذه اللحظة، ليست هناك علاقات دبلوماسية رسمية بين إسرائيل والسعودية، التي تصنف رسميًّا، كدولة معادية لدى الأولى.
لم تنفذ السعودية تهديدها بقطع النفط عن الدول الغربية في حال تنفيذ قرار التقسيم عام 1947، ولكنها لم تعترف بإسرائيل، وشاركت بثلاثة آلاف جندي في حرب 1948، كما أرسلت قوات مساعدة في حرب 1967، وقد احتلت إسرائيل جزرًا سعودية في البحر الأحمر أعادتها إلى السعودية بعد عشر سنوات.
كما أرسلت المملكة مساعدات للجبهة السورية والأردنية في حرب أكتوبر 1973، لكنها لم تتمكن من المشاركة الفعلية في المعارك، وفي نهاية الحرب أجبرت إسرائيل طائرة حربية سعودية تقل سَرية مظليين على الهبوط في قاعدة اللد، ولكن الوساطة الأمريكية دفعتهم إلى ترك الطائرة. وكانت السعودية من الدول المبادرة بقطع النفط عن الدول الغربية ردًّا على دعمهم لإسرائيل. ثم كانت فيما بعد، رأس الحربة -وفق تعبير صحيفة معاريف الإسرائيلية- في فرض المقاطعة العربية على القاهرة بعد مبادرة السادات وتوقيع معاهدة كامب ديڤيد التي نعتتها بالخيانة، ولم تعد العلاقات مع مصر إلا في 1987.
مبادرة فهد
بينما كان لا يزال وليًّا للعهد وقتها، طرح الأمير فهد في 1981، مبادرة من ثماني نقاط لحل الصراع الإسرائيلي العربي، والتي صرحت للمرة الأولى أن العقبة في سبيل التطبيع مع إسرائيل هي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وقد تضمنت المبادرة العودة إلى حدود 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل التي رفضت المبادرة بشكل قاطع. وفي العام نفسه وبطلب أمريكي سمحت السعودية للقوات الإسرائيلية بالنزول في سواحلها لإنقاذ سفينة حربية عالقة.
مبادرة عبد الله بن عبد العزيز
احتاج الأمر أكثر من عقدين لخروج مبادرة جديدة، فكانت مبادرة عبد الله بن عبد العزيز التي لم تختلف في أساسها عن الأولى. ورغم دعم الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، رفضتها إسرائيل بسبب نصها على حق العودة.
السعودية: التحالف السياسي
خلال حرب لبنان الثانية في صيف 2006 هاجمت السعودية حزب الله بزعم أنه المسئول عن جر لبنان إلى دوامة العنف. في العام نفسه أجريت لقاءات قمة سعودية إسرائيلية، بمساعٍ من جانب رئيس الحكومة إيهود أولمرت ونائبه شمعون بيريز، بينما أنكر السعوديون ذلك.
في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين زادت وتيرة التسريبات عن الاتصالات السرية بين الجانبين اللذين توحدا على مناصبة إيران العداء، حيث ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في يوليو 2009 أن السعودية سوف تتغاضى عن مرور طائرات إسرائيلية في أجوائها في حال شنها هجوم على إيران. وبعدها بعام واحد نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية كذلك أن رئيس الموساد مئير داغان زار السعودية سرًّا للتنسيق الأمني، وكان الملف الإيراني محور المباحثات.
وفي خضم حالة الذعر التي انتابت المؤسسة الإسرائيلية خلال ثورات الربيع العربي، فإنها صنفت السعودية كجزيرة مستقرة. وقد نشرت نيويورك تايمز أن إسرائيل سمحت لألمانيا في 2011 بأن تبيع السعودية طائرات ومائتي دبابة ليوبارد- 2. في 2015 توالت الأخبار عن دفء العلاقات الإسرائيلية السعودية بسبب تلاقي مصالحهما عقب الاتفاق النووي الإيراني. سبق كل ذلك المصافحة الشهيرة بين وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه (بوجي) يعلون والأمير تركي الفيصل مدير وكالة المخابرات السعودية، في مؤتمر ميونخ فبراير 2016 .
في يوليو من العام نفسه وصل إسرائيل الچنرال المتقاعد أنور عشقي على رأس وفد من رجال الأعمال والأكاديميين السعوديين، التقى خلال تلك الزيارة بوكيل وزارة الخارجية دوري جولد ومنسق العمليات في المناطق المحتلة العميد يوآڤ مردخاي، ومجموعة برلمانية من المعارضة. أثارت الزيارة غضبًا داخل السعودية وخارجها، مما حدا بوزارة الخارجية السعودية إلى الإعلان بأن عشقي لا يمثل بلاده رسميًّا، واعتبر حزب الجبهة الإسرائيلي أن تحالفًا إسرائيليًّا سعوديًّا يتجاهل وجود الشعب الفلسطيني. وفي أغسطس عجت الصحف والمواقع السعودية بمواد تتناول العلاقة الدافئة بإسرائيل.
بعد أكثر من عام -لم تنقطع خلاله الأخبار عن العلاقة الحميمة- وفي نوفمبر 2017 تحدثت صحيفة معاريف عن كشف وثيقة سرية بشأن اتفاقيات مصالحة بين البلدين، تتضمن ما يمكن أن يثير الحفيظة، مثل تجنيس الفلسطينيين في بلاد الشتات أو توزيعهم على الدول المجاورة. وفي الشهر نفسه انضمت إسرائيل إلى المبادرة السعودية في لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة والمتعلقة بالحرب في سوريا. وبينما اتهم أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، السعودية بتحريض إسرائيل على شن هجوم على لبنان، خرج وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بتصريح ينفي وجود علاقات بين إسرائيل والسعودية، وأن الأمر يقتصر على "مبادرة السلام العربية" التي تمثل خارطة طريق للتوصل إلى سلام وعلاقات طبيعية بين إسرائيل والبلاد العربية.
وقد تصاعدت الأنباء عن التعاون العلني، وفي 8/2/2018 سمحت السعودية بطائرات خط الهند-إسرائيل بالمرور في أجوائها، وبات ذلك حدثًا جللًا ونقطة ارتكاز في كتابات المحللين وخبراء العلاقات الإسرائيلية العربية.
حتى جاء أكثر التصريحات فجاجة على لسان محمد بن سلمان ولي العهد ووزير الدفاع السعودي عن اعترافه بحق الوجود لدولة إسرائيل. وقد عبر نتنياهو عن حفاوته بالحليف السعودي حتى في أعسر مواقف الأخير، حيث سعى نتنياهو لدى شخصيات في الإدارة الأمريكية لدعم ابن سلمان إزاء الضغط الواقع عليه بسبب اغتيال خاشقجي. وكانت الخارجية الإسرائيلية قد أبرقت إلى سفاراتها من قبل للإعراب عن موقفها المؤيد للحرب على اليمن. وفي الشهر نفسه أجرت صحيفة سعودية حوارًا مع رئيس الأركان الإسرائيلي، وتم تسريب وثيقة عن اتفاق ثنائي، وكان تصريح وزير الطاقة عن المشروعات المشتركة.
العلاقات العسكرية
في سبتمبر الماضي أعلنت السعودية عن شرائها منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية "القبة الحديدية" لصد هجمات الصواريخ من جانب الحوثيين باليمن، وحسب صحيفة يديعوت أنكرت وزارة الدفاع الإسرائيلية ذلك.
لن تسمح إسرائيل بأي وضع إلا أن تكون هي الطرف المسيطر والمستفيد. في مارس 2018 سعت إسرائيل لدى الولايات المتحدة لوقف المشروع النووي الذي تخطط له السعودية بدعم أمريكي. وفي أغسطس صرح رئيس الموساد السابق تامير باردو أن الإمارات قد استعانت ببرامج حاسوب إسرائيلية للتجسس على السعودية وقطر، ثم وردت أخبار في أكتوبر الماضي عن بيع إسرائيل أجهزة تجسس للسعودية بقيمة 250 مليون دولار، بل ودربت إسرائيل فريقًا سعوديًّا على تشغيلها.
حلف إستراتيچي
في 16/12/2015، كتب رون بن يشاي في يديعوت أحرونوت مقالًا تحت عنوان “السعودية لم تعد برميل النفط العالمي وحسب” عبر فيه عن تصوره أن السعودية قد أصابها الإحباط من سياسات إدارة أوباما خاصة بخصوص الاتفاق النووي الإيراني ودعم نظام شيعي في العراق، وعدم السماح بإسقاط بشار. ومن ثم دشن النظام السعودي، وفي مقدمته محمد بن سلمان سياسة جديدة تتسم بالفعالية والقسوة أيضًا، حيث إنها تمول أنظمة في المنطقة لتصمد بعد “الفوضى”، بل وتقوم بهجوم عسكري مباشر في اليمن، وتدعم النظام السني بالبحرين ضد الأغلبية الشيعية في البلاد.
ويرى بن يشاي أيضًا أن السعودية أقدمت على تحريك سعر البترول، في مواجهة النفط العراقي، لزيادة مدخولها ودعم النظام البترودولاري.
وبرغم أن كل ما ذكره بن يشاي لا يعني أي تحول جوهري في النظام السعودي البترودولاري حسب تعبيره هو نفسه، فإن ابن سلمان ظل يؤكد تبعيته للأمريكان تحت إدارة أوباما، حتى قبل أن تأتي إدارة ترامب بوجهها الأكثر سفورًا. وأشارت الصحيفة إلى أن أحد طموحات ترامب هو تأليف القلوب بالمنطقة، وأن مستشاره وصهره جارد كوشنير قد تقرب من محمد بن سلمان وتباحث الاثنان في إستراتيچية لتحسين العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل.
لكن الأهم في مقال بن يشاي هو ما يتعلق بسياسة حكومة نتنياهو، وحتى رجال المعارضة، للاندفاع نحو النظام السعودي لصد “الهيمنة الإيرانية الشيعية” و“الارهاب السني المتمثل في داعش”، حسب قوله، واحتياج إسرائيل إلى شرعية دولية وإسلامية يمكن للسعودية أن تمنحها لها، علاوة على الطمع في تمويل السعوديين لأية تسويات مع الفلسطينيين.
وقد أخفق محلل يديعوت في تقديره - وربما لم يحلق خياله إلى ما أصبح واقعًا اليوم- حين استبعد إقدام السعودية على توطيد علاقتها بإسرائيل قبل تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
لكن هناك من يرى الأمر بصورة مختلفة وفي اتجاهين متعارضين، ففي حين يعرب إيلي بوديه، المحلل الأكاديمي بجامعة القدس وعضو معهد ميتڤيم للسياسات الإقليمية، عن تفاؤله، ويرى أن إسرائيل على العكس متباطئة في السير كما ينبغي نحو توطيد علاقتها بالسعودية، نجد چاكي حوجي محلل الشئون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، يسير في الاتجاه العكسي تمامًا. ففي مقال له بصحيفة معاريف بعنوان “ثعالب الصحراء: من أنتِ حقًّا أيتها المملكة السعودية؟”، ينتقد الصورة التي تتعمد الإدارة الإسرائيلية الترويج لها باعتبار النظام السعودي هو نظام معتدل مقابل الأنظمة “المتطرفة”. ويرى حوجي أنه بالرغم من خطورة إيران وبالرغم من أنها الشاة السوداء بالنسبة إلى الأنظمة الغربية، فالنظام السعودي -ومن ورائه أنظمة خليجية أخرى- هم ثعالب حسب عنوان مقاله الطويل.
فالسعودية تتعمد مسك الخيوط من بعيد وتميل إلى عدم المواجهة غالبًا، بينما هي المسئولة عن دعم أنظمة استبدادية بالسلاح والمال، وتمويل جماعات إرهابية في سبيل تحقيق سيطرتها، وهو ما فعلته في العراق وسوريا، وساعدها في ذلك إحكام قبضتها على الإعلام العربي، إلى حد التورط المسلح المباشر في اليمن.
السعودية بذلك، حسب رؤية چاكي حوجي، ربما لا تقل خطورة -إن لم تزِد- عن إيران. وحسب رؤيته كذلك فحكومة نتنياهو مخطئة في تقديراتها حول مكاسب هذا التحالف الإسرائيلي السعودي. وعلى رأس قائمة التقديرات الخاطئة تلك، يأتي اعتقاد نتنياهو أن السعودية قادرة على حسم تسوية ما للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل وأن السبيل للتطبيع مع العرب لم يعد يمر بالفلسطينيين، وهو اعتقاد يرى حوجي عدم منطقيته، مثلما يرى أن عدم إحساس إسرائيل بخطورة النشاط السعودي (السني) وتلهفها على إسقاط بشار قد يجعل إسرائيل على حدود مفتوحة مع عراق جديد.
يسخر حوجي من تناقض السياسيين الإسرائيليين في التهكم على وضع حقوق الإنسان في إيران -وإن كانوا لا يكترثون بالمرة بوضع المواطن الإيراني- بينما يتعامون عن النظام السعودي الذي يعيش في العصور الوسطى!
وبينما لا ينفي حوجي حاجة إسرائيل إلى عقد اتصالات سرية بأي نظام يمكن أن يساعدها في الدفاع عن نفسها، حيث يمكن عقد كل أنواع الصفقات مع النظام السعودي، إلا إنه ينبغي أن يطرح ذلك للنقاش العام وليس لمجرد الفضول الصحفي، وذلك لتحاشي تكرار تجربة السلام مع مصر التي ظلت حسب تعبيره كعلاقة عشيق بعاهرته، خاصة أن النظام السعودي لا يمكن سبر خريطة أولوياته. “معها يمكن أن تسرقا حصانًا، لكن ذلك لا يمنعها في الوقت نفسه أن تختلس حصانًا من إسطبلك”.
الاقتصاد والسياسة: تقدير الأولويات
أتى ختام مقال حوجي يقطر استعلاءً، لكنه يعبر للأسف عن حقائق: “لقد أصبحت إسرائيل علاوة على كونها قوة عظمى عسكرية بالمنطقة، بل وقوة تكنولوچية وتجارية ودبلوماسية، لا تنشد الحكومات وحدها قربها، إنما أيضًا ساسة عرب يتحسسون طرقهم إلى هنا سرًّا، وشتى أنواع رجال الأعمال والأفراد، كل واحد يريد ما يعوزه من تصريح العمل وطلب اللجوء، مرورًا بالتعاون الاستخباراتي وتوطيد أسس لعلاقات مستقبلية، وحتى صفقات بالمليارات”.
ويقول إن الملف الإيراني له الأولوية لدى السعوديين، أما عن الاستفادة الاقتصادية فإن السعوديين لا يتوقعون إسهامًا إسرائيليًّا ملموسًا. تبحث السعودية عن مصادر دخل إضافية لتنويع دخولها بخلاف النفط، عن طريق مشروعات باستثمارات بمليارات الدولارات، وتوجيه الموارد لقطاعات أخرى، وسوف تظل فرص الاستثمار الصغيرة للإسرائيليين قائمة دون ارتباط بالتطبيع. فالسر العلني هو أن منتجات إلكترونية إسرائيلية، حتى في الحقل الأمني والحرب الإلكترونية وتأمين المعلومات، وجدت لها سوقًا في السعودية عن طريق طرف ثالث.
في مقابلة مع الصحفي اليهودي چف جولدبرج محرر مجلة أتلانتيك The Atlantic قال إن إسرائيل تملك اقتصادًا أكبر نسبيًّا من حدودها، وهو اقتصاد متنامٍ، وبالطبع يمكن أن تكون هناك مصالح مشتركة بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ودول مثل مصر والأردن.
الإمارات
لا توجد علاقات رسمية أيضًا لكن هناك علاقات وثيقة على المستوى الاقتصادي، وقد تم الكشف عن علاقات في المجال الأمني. في 2003 زار وفد رسمي الإمارات للمشاركة في مؤتمر صندوق النقد الدولي، ومن بين أعضائه الوزير مئير شتريت ومحافظ بنك إسرائيل ديڤيد كلاين واثنان من رجال الأعمال.
وفي 2010 زار أبو ظبي عوزي لنداو -الوزير السابق ورئيس شركة رافآيل للأنظمة الدفاعية المتقدمة - للمشاركة في مؤتمر الطاقة المتجددة. وكان حادث اغتيال محمود المبحوح القيادي بحماس في يناير2010 بواسطة عناصر من الموساد سببًا في توتر العلاقات، وتقييد دخول الإسرائيليين، لكن الإمارات لم تخلُ من الوجود اليهودي المتمثل في الإسرائيليين الذين يحملون جوازات سفر بلاد أخرى، والشركات المستمرة في نشاطها بطريق غير مباشر أو كطرف ثالث.
سعيًا لإحراز مكانة دولية استضافت الإمارات مؤتمرات دولية في مجالات سياسية واقتصادية ومسابقات فنية ورياضية، ومن هنا تقبلت مشاركة إسرائيل تجنبًا للضغوط الدولية. لكنها تميل إلى التحفظ في الإعلان عن العلاقات الثنائية القائمة أو تطويرها. تكررت مشاركة لاعبين إسرائيليين في بطولات دولية في الإمارات من 2009 حتى الآن، وتم منع بعضهم، أو قبولهم تحت ضغط مع تشديد الحراسة. وكانت آخر مشاركة في 25 أكتوبر الماضي، حيث قامت الوزيرة الإسرائيلية ميري ريجف برفع علم إسرائيل، وتم استقبالها رسميًّا واصطحابها في جولة لزيارة معالم البلاد ومنها مسجد الشيخ زايد.
في نوفمبر 2015 أعلنت إسرائيل عن فتح مكتب تمثيل رسمي في أبو ظبي، بينما مالت حكومة الإمارات إلى تهميش الحدث. وقد ذكر تقرير موقع (والله) أن السفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة صديق لسفير إسرائيل هناك رون درامر ومشارك لإسرائيليين في أعمال متعددة.
تسويق السلاح
في يناير 2012 حدثت مشكلة حول صفقة سلاح، ألقت الضوء على التعاون العسكري بين إسرائيل والإمارات، فحسب موقع أنتليجنس أونلاين الفرنسي، اتفقت شركة أيرونتيكس الإسرائيلية على توريد طائرات بدون طيار للإمارات، بينما زعمت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنها لم تعلم بالصفقة ولم تصرح لشركة أيرونتيكس بذلك. وذكر الموقع أن حجم التعاملات الإسرائيلية الإماراتية يبلغ 300 مليون دولار. وسبق للموقع نفسه أن نشر تقريرًا عن رجل الأعمال الإسرائيلي ماتي كوخاڤي الذي يعمل خلف شركته السويسرية AGT، وهو أنشط رجال الأعمال الإسرائيليين في أبو ظبي وله نشاطات مع حكومتها في مجال الصناعات النفطية.
لم يُعلن عن مشاركة إسرائيل بطائرات F-16 وطواقمها في مناورات (INIOHOS) الجوية في اليونان التي تضم ست دول من بينها الإمارات واليونان وقبرص وإيطاليا والولايات المتحدة وبريطانيا، رغم الإعلان عن مشاركتها في المناورة نفسها في العام السابق.
تقييم التحالفات
ترى المحللة الإسرائيلية الأكاديمية المتخصصة في السياسات الإقليمية، موران زاجا، أن للإمارات أهمية كبيرة بالنسبة إلى إسرائيل، فإسرائيل والإمارات تتسمان بالبراجماتية منذ منشئهما، والدولتان تتبنيان الإستراتيچيات نفسها وتتقاسمان مصالح مشتركة تسمح بالحوار البراجماتي بينهما.
تُعد الإمارات في رأي موران زاجا، من أهم الدول التي يجب إعطاؤها الأولوية، فهي دولة مستقرة وساعية إلى احتلال مكانة إقليمية على كافة الأصعدة، وامتلاك قواعد عسكرية وموانئ في دول أخرى. وأشارت زاجا إلى تدخل الإمارات في السياسة الإقليمية في ليبيا وأفغانستان وإريتريا، وتدخلها العسكري في اليمن عبر تحالفها مع السعودية. وبشأن القضية الفلسطينية فالإمارات لها علاقات وطيدة بمحمد دحلان. علاوة على الاستقرار الذي يعطيها ميزة اقتصادية غير متوفرة في الشرق الأوسط.
وبرغم أن الاستثمارات الإسرائيلية في الإمارات لم تعد سرًّا، لكن تحجيمها أو تعقيدها (بسبب العمل وراء واجهات أخرى) يُصَعِّب على إسرائيل المنافسة في السوق الإماراتية الثرية. وقد تلقت إسرائيل بالفعل دعوة لحضور معرض إكسبو Expo 2020 الدولي.
في تحقيق أجرته صحيفة جيروزاليم بوست، يقول (س)، وهو مروج تجاري إسرائيلي أمريكي يسافر إلى دبي عدة مرات في السنة: “خلاصة القول هي أن العالم كله يريد منتجات إسرائيلية عالية التقنية زراعية وطبية، وهذا يشمل سكان الإمارات العربية المتحدة .. إذا كانوا بحاجة إلى المنتج، فهم يتعلمون بسرعة تجاهل أصله”.
وقال (س) إنه وَجَدَ أن المشاعر المعادية لإسرائيل بدت أقل بين جيل الشباب. وأضاف أنه لم يلتقِ مع إسرائيليين آخرين في دبي، لكنه عرف أن العديد من الشركات الإسرائيلية عملت من خلال ممثلين أردنيين.
وقال ناعوم زيتسمان -المدير العام لشركة حالون لاعراڤ، التي تتخذ من كريات حاييم مقرًّا لها، وهي شركة استشارية متخصصة في التجارة مع العالم العربي- إن الصناعات الإسرائيلية الرئيسية العاملة في دبي هي الألماس والاتصالات والتكنولوچيا. وقال إنه حتى العام الماضي كان القطاع الزراعي نشيطًا أيضًا، ولكن منذ عملية الرصاص المصبوب كان هناك انخفاض في الطلب.
وقال زيتسمان إنه كان هناك نقص حاد في المعلومات الدقيقة عندما يتعلق الأمر بمستويات الأعمال التي تتم بين الشركات في البلدين، وذلك بسبب معظم المعاملات التي تتم من خلال أطراف ثالثة دولية أو تنقل عبر الأردن. وقال: “نحن نعرف الإسرائيليين الذين يعملون هناك، وحتى بعض الذين يعيشون هناك بانتظام، ولكن جميعهم، حسب علمي، موجودون تحت جوازات سفر أجنبية”.
حسب رون فريدمان، رفض كل من معهد التصدير الإسرائيلي وقسم التجارة الدولية في وزارة الصناعة والتجارة والعمل إجراء مقابلة مع الشركات الإسرائيلية التي تعمل في إطار الشركات الدولية، لكن الوزارة قدمت البيان التالي: “الشركات الإسرائيلية التي تعمل في إطار الشركات الدولية تجد نفسها أحيانًا متورطة في معاملات تجارية مع دول الخليج. لا يوجد لدى وزارة الصناعة والتجارة والعمل أي معلومات محددة حول هذه المسألة، ولا يتم تسجيل المعاملات كمعاملات بين إسرائيل ودول الخليج”.
خلال تحقيق أجراه موقع middleeasteye حول رحلة طيران سرية بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة وما وصفه بـ “الأسرار العلنية” للتعاون بين البلدين، ذكر الموقع أن هناك طائرة خاصة يقال إنها تشارك في التجارة رفيعة المستوى في قطاع الأمن، تقوم برحلتها مرتين أسبوعيًّا.
يتم تشغيل الرحلة بين مطار بن جوريون في تل أبيب ومطار أبو ظبي الدولي من قبل شركة الطيران الخاصة PrivatAir التي تتخذ من چنيف مقرًّا لها، على متن طائرة إيرباص A319 مسجلة برقم ذيل D-APTA، بوجهة معلنة إلى الأردن على الرغم من أن مطار الملكة علياء في عمان لا يسجل وصولها.
تغادر الطائرة تل أبيب، الرحلة رقم PTG 315، إلى الأردن كوجهة معلنة، والأردن هي إحدى الدول العربية القليلة التي تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
رفضت الشركة PrivatAir الإفصاح عن هوية عملائها، وما إذا كانت شركة AGT International -ومقرها چنيف والتي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي ماتي كوخاڤي- هي موكلتها.
حسب تقرير صادر عن موقع الاستخبارات الفرنسية في 2012، فقد ورد أن AGT International وقعت عقدًا بقيمة 800 مليون دولار لتزويد هيئة البنية التحتية الوطنية في أبو ظبي بـ“كاميرات مراقبة وأسيجة إلكترونية وأجهزة استشعار لمراقبة البنية التحتية الإستراتيچية وحقول النفط”. ووصف الموقع ماتي كوخاڤي مالك شركة AGT Kochavi بأنه “رجل الأعمال الإسرائيلي الأكثر نشاطًا في أبو ظبي”.
حقق رجل الأعمال الإسرائيلي كوخاڤي ثروته في العقارات قبل أن ينتقل إلى المجال الأمني. وبحسب ما ورد، فقد وظف “العشرات” من ضباط الجيش والمخابرات الإسرائيليين السابقين، وفقًا لصحيفة (هآرتس)، وأطلق شبكة الإعلام “Vocativ ڤوكاتيڤ”.
يقول يتسحاق جال، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب عن العلاقة بين الإمارات وإسرائيل: “العلاقة عالية المستوى، ويجب أن يتم العمل بمباركة ومشاركة الجهات الحكومية، لكن بالطبع لا أحد يعترف بهذا، فالتجارة تتم بالكامل من خلال قنوات طرف ثالث، ولا يوجد لدى أي شخص أية إحصائيات لأن التجارة سرية، لكني أقدرها بحوالي مليار دولار سنويًّا، ما يتراوح بين الثلث والنصف من هذا النشاط التجاري يتم في قطاع الأمن”.
وفي حين تم منع المواطنين الإسرائيليين رسميًّا من دخول الإمارات العربية المتحدة، كشف تقرير دبلوماسي تم تسريبه من قبل ويكيليكس عام 2009 عن وجود علاقات إيجابية عالية المستوى بين القادة السياسيين من كلا البلدين.
كما كشف التقرير عن العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وأن العلاقات الإسرائيلية السرية مع قطر قد توترت بسبب دعم الأخيرة لحركة حماس الفلسطينية.
“يعتقد عرب الخليج بدور إسرائيل بسبب إدراكهم لعلاقات إسرائيل الوثيقة مع الولايات المتحدة، وكذلك بسبب شعورهم بأنهم يستطيعون الاعتماد على إسرائيل ضد إيران”، كما جاء في التقرير “إنهم يعتقدون أن إسرائيل يمكن أن تفعل السحر”.
وربما استفادت العلاقات الإسرائيلية الإماراتية السرية -مثل استفادتها في بيع المعدات الأمنية إلى أبو ظبي- من وجود الرجل القوي الفلسطيني المنفي محمد دحلان في الإمارات العربية المتحدة.
وقد عاش دحلان في الإمارات منذ طرده من الضفة الغربية في عام 2011، حيث اتهمه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالاختلاس المالي والعمل كعميل إسرائيلي متورط في محاولات اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات.
ويقال إن دحلان ساعد في تعزيز العلاقات بين الإمارات وصربيا، وزُعم أنه شارك في شحن أسلحة إسرائيلية إلى الرئيس الليبي السابق معمر القذافي. بعد الموافقة المبدئية على إجراء مقابلة مع موقع middleeasteye، رفض دحلان التعليق على العلاقات بين الإمارات وإسرائيل.
قـطـــر
بدأت العلاقات الإسرائيلية القطرية -على الأقل بشكل رسمي معلن- في 1996 بفتح مكتب تمثيل اقتصادي بالدوحة، وجرى التفاوض من أجل تصدير الغاز لإسرائيل، وقام شمعون بيريز رئيس الحكومة وقتها بزيارة لقطر، وقد تعددت الزيارات الرسمية لها من جانب مسئولين إسرائيليين.
في 2009 أعلنت قطر قطع العلاقات الاقتصادية بإسرائيل بعد عملية الرصاص المصبوب على غزة. لكنها أعلنت في أغسطس من العام نفسه استعدادها لاستئناف العلاقات بشرط وقف بناء المستوطنات. ثم تم الكشف في 2011 عن تنسيق عسكري بين البلدين، إثر هبوط مروحيات عسكرية إسرائيلية في قطر.
واعتبارًا من 2011 شارك رياضيون إسرائيليون في البطولات الدولية والإقليمية التي نظمت في قطر، وقد صرح متحدث باسم قطر أن إسرائيل ستشارك في بطولة كأس العالم في 2022 المزمع أن تنظمها قطر.
مؤخرًا كشف تسيفي بر إيل في مقاله بـ «هآرتس» أنه برغم التصريحات الرسمية التي تتهم قطر برعاية المنظمات الإرهابية فإنها تظل وسيطًا للتواصل مع حماس لوقف إطلاق النار، وأن جثامين الجنود والأسرى الإسرائيليين تصل عبر وساطتها.
البحرين
لا توجد علاقات رسمية بين البلدين. في 1994 زار وفد إسرائيلي البحرين، كما زار وزير الإسكان يوسي ساريد المنامة لحضور مؤتمر بيئي والتقى فيه بوزير الخارجية البحريني.
لكن لم يشارك مندوب بحريني في جنازة رابين (مثل قطر وعُمان) بل أنكرت البحرين مشاركتها في المؤتمر الاقتصادي في الأردن قبلها بشهر، والذي شاركت به إسرائيل.
في العقد الأول من الألفية خرجت العلاقات إلى العلن، وألغت البحرين رسميًّا مقاطعة إسرائيل، وصرح وزير الخارجية البحريني عن إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين. في 2011 كشفت تسريبات ويكيليكس عن وجود تعاون أمني سري بين البحرين وإسرائيل، وهو ما تنكره البحرين.
في سبتمبر 2017 صرح أمير البحرين حمد بن عيسى آل خليفة أنه يشجب المقاطعة العربية وأن نتنياهو يمكن أن يزور بلاده، وفي مايو من العام الجاري تعليقًا على غارات إسرائيلية على أهداف داخل سوريا، كتب وزير الخارجية البحريني خالد بن حمد على (تويتر) أن من حق كل دولة بالمنطقة بما في ذلك إسرائيل أن تدافع عن نفسها وأن تقضي على مصادر الخطر. وفي نهاية عام 2017 زار وفد من 25 رجل دين بحريني إسرائيل بناء على دعوة من مركز شمعون فيزنتال للتسامح الديني.
وخلال أزمة القرار الأمريكي بشأن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، صرح الوزير نفسه بأنه ليس لديه مشكلة في نقل السفارة. وفي يونيو الماضي أعلن مسئول بحريني في مقابلة مع قناة i24news الإخبارية، أن البحرين لا تعتبر إسرائيل دولة معادية وأنه يعتقد أن البحرين ستكون أولى دول الخليج التي تقيم علاقات دبلوماسية رسمية وعلنية مع إسرائيل.
وقد صدر تصريح رسمي من وزير الخارجية البحريني ينفي تصريح المسئول البحريني لقناة i24news. لكن الباحثة الإسرائيلية، موران زاجا، ترى أن الملفات المشتركة التي تربط بين البلدين هي الملفين الأمني والسياسي، أي “إيران” وحزب الله وموقف البحرين منهما -الذي تتوحد فيه مع السعودية والإمارات- حيث كانت البحرين من أولى الدول التي أعلنت أن حزب الله تنظيم إرهابي، وهو ما يجعلها أفضل حليف لإسرائيل.
في المقابل يحذر إلدا بِك مراسل صحيفة يسرائيل هايوم -الذي يدخل دولًا إسلامية وعربية بجواز سفر أوروبي- من استمرار الرفض الشعبي، وبالرغم العلاقات القائمة والتصريحات الرسمية وشبه الرسمية، فإن هناك «كراهية» على المستوى الشعبي ليس في البحرين وحدها بل في سائر دول الخليج. ويعرب إلدا عن اعتقاده أن التقارب البحريني الإسرائيلي هو بروڤة للتطبيع دفعتها إليها السعودية لترى نتائجها قبل أن تقوم هي بالخطوة الكبرى في حالة نجاحها وتتجنب أثرها في حالة فشلها.
الـكـويـت
لا توجد علاقات رسمية بين البلدين، وتعتبر إسرائيل مواقف الكويت حيالها عدوانية، وقد شاركت الكويت في حربي 1967، و1973 ففقدت خلالهما (20، و40 شهيدًا على التوالي)
في 2008 دعا أعضاء في البرلمان الكويتي إلى التواصل مع إسرائيل. وفي 2016 دعا إعلامي كويتي في مقال له الدول العربية للاعتراف بإسرائيل.
عُـمـان
ترجع العلاقات الإسرائيلية العمانية إلى السبعينيات بشكل سري، في عهد قابوس الصديق المقرب للملك حسين. وكانت عمان الدولة العربية الوحيدة التي لم توجه النقد إلى السادات، وقد شملت العلاقات زيارات متبادلة بين مسئولين من كلا البلدين، وتكرررت زيارات يوسف علوي وزير خارجية عمان لإسرائيل. وبعد اتفاقية أوسلو 1993، تبلورت علاقات اقتصادية، وشهدت الأعوام التالية زيارات رئيس الحكومة إسحق رابين 1994، وشمعون بيريز 1996. لكن اندلاع الانتفاضة الثانية كان سببًا لإغلاق مكتب التمثيل الاقتصادي في عمان. لكن المؤكد هو استمرار العلاقات بين البلدين. وفي 2008 التقى وزيرا خارجية البلدين في قطر. وفي 2009 أعلنت عمان استعدادها لاستئناف العلاقات بشرط وقف بناء المستوطنات.
في أكتوبر 2018 قام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد يوسي دهان، على رأس وفد رفيع المستوى بزيارة علنية ورسمية لعمان. ويقول المحلل العسكري لـ «يديعوت» رون بن يشاي إن عمان كانت وسيطًا لدى الأمريكيين في الاتفاق النووي الإيراني، وإن تطور العلاقات بإسرائيل جاء بتشجيع من ترامب.
تمثل عمان فرصة تتمسك بها إسرائيل إلى درجة غض الطرف عن علاقتها بإيران، وهو الملف الذي تجعله إسرائيل في الصدارة في علاقتها ببقية دول الخليج.
مصالح اقتصادية وهدف استراتيچي
تحقق إسرائيل من تقاربها مع الخليج مكاسب سياسية بالدرجة الأولى، لكن خططها تشمل توسيع مساحة الاستفادة الاقتصادية بما لا يقاس بوضعها الحالي، وهو ما يعني عدم الاقتصار على الصفقات العسكرية السابق ذكرها. وقد علق مسئول إسرائيلي على إعلان مشروع المدينة التكنولوچية التي يزمع الأمير السعودي إنشاءها بتكلفة تصل إلى 500 مليار دولار وتتضمن إنشاء جسر بري عبر البحر الأحمر، بأنه مشروع يستوجب تنسيقًا بين إسرائيل والسعودية ومصر.
في دراسة كتبها إسحق جل، يقدر فيها حجم الاستفادة التي يمكن أن تجنيها إسرائيل بعلاقاتها بدول الخليج، جاء فيها أن مجلس التعاون الخليجي يمثل قوة اقتصادية لديها الكثير من عوامل النجاح، بينما تبقى إسرائيل برغم كل شيء جزيرة منعزلة اقتصاديًّا. فوفقًا لمعيار التنافسية الدولية IMD World Competitiveness Center جاءت الإمارات بين الدول العشر الأولى، وجاءت قطر في المركز السابع عشر، في حين كانت إسرائيل في المركز الثاني والعشرين. ولذلك تفتح العلاقات بدول الخليج الباب لإسرائيل للتعاون الاقتصادي، كذلك يمكن أن تكون قاعدة لشبكة طرق للنقل. لقد سجلت دول الخليج معدلات نمو اقتصادي عالية في القرن الحادي والعشرين، وهي تسعى لتوسيع استثماراتها كي لا تظل مقتصرة على النفط.
وقد عرضت الدراسة بيانات خاصة بالاقتصاد الخليجي موزعًا على الدول المختلفة، مع التركيز على أرقام الاستيراد، بهدف زيادة نصيب إسرائيل من تلك الأموال عن المعدل الحالي. ونتاج الخطط الطموحة التي تطرحها الدراسة هو ارتفاع معدل النمو الاقتصادي خلال العقد القادم، وزيادة نصيب الفرد في الدخل القومي إلى 50000 دولار/ سنة، وهو ما سيحدث في حالة تحقيق زيادة في الدخل تقدر بـ 45-50 مليار دولار في تصدير البضائع والخدمات، وتحويل السوق العربية إلى المستهدف الأساسي بجانب السوق الأوربية.
حين يجمع الدهر ما فرَّق
قبل قرن من الزمان، كان هناك من لديه استعداد لمثل ما فعله السادات مع إسرائيل بعد حرب 73 وربما أكثر. ففي مارس 1918 نشرت صحيفة القِبلة، الصحيفة الرسمية للملك حسين بمكة، تصريحًا عن استعداد بلاده للترحيب بإخوانهم اليهود العائدين إلى فلسطين. وفي 4 يونيو 1918 التقى حاييم وايزمان -ممثل المنظمة الصهيونية وقتها والذي أصبح أول رئيس لدولة إسرائيل سنة 1949- الأمير فيصل، وتمخضت اللقاءات المتكررة عن اتفاق «فيصل- وايزمان» في 3 يناير 1919، الرامي إلى تنسيق العلاقات بين الحركة الصهيونية وبين المملكة الحجازية -التي لم يكتب لها الوجود- بقيادة فيصل. وتضمن الاتفاق بنودًا عن العلاقة بين الطرفين في ظل الانتداب، استنادًا إلى تصريح بلفور، وفتح باب الهجرة الموسعة السريعة لليهود وتكوين استيطان كثيف. وتجاهل الاتفاق أهل البلد الذين أطلق عليهم «الفلاحين» وحسب، واقترحت المنظمة الصهيونية إيفاد بعثة خبراء من قبلها تخطط البنية الاقتصادية للمملكة المنتظرة، وأخيرًا نص الاتفاق على أنه في حالة أي خلاف بين الطرفين يتم الرجوع إلى بريطانيا.
أبعد ما يمكن أن يخطر بالذهن هو وجود مؤامرة تعود إلى قرن مضى، لكن المنطق هو أن العلاقة بين إسرائيل ودول الخليج تستند إلى عوامل بنيوية في كلا الجانبين منذ المنشأ. فقد قامت دولة آل سعود في الحجاز تنفيذًا للمخطط الاستعماري البريطاني، مثلها مثل إمارة شرق الأردن وإسرائيل، بينما بقيت دول الخليج الأخرى مستعمرات بريطانية نالت استقلالًا شكليًّا في فترات متأخرة. ظلت تلك الدول تابعة سياسيًّا كما كانت اقتصاديًّا للاستعمار، بريطانيًّا ثم أمريكيًّا بتبادل الجلوس على عرش الاستعمار. والاختلاف بين دول الخليج بعضها البعض، أو بينها وبين إسرائيل هو اختلاف في تفاصيل الدور المنوط بها من قبل الاستعمار المعاصر. والتطور الرأسمالي في تلك الدول هو بدفع من النظام الرأسمالي، بتطوير اقتصاد الأطراف دون السماح لها بالتحول إلى قطب منافس للمركز -بدليل ما حدث عندما انهارت بورصات الخليج في 2007- حتى التحول/ التغول في السياسات الخليجية نحو التوسع في الاستثمارات بالخارج، وما يواكبه من سعي للسيطرة على دول المنطقة بالهيمنة الإعلامية وتمويل الأنظمة أو حتى التدخل المسلح عن طريق جماعات إرهابية أو دخول قوات نظامية. ولا يعني كل ذلك سوى تطوير للأداة التي صنعها الاستعمار منذ قرن وتطويعها لتكون أكثر ملاءمة وفعالية للمرحلة.
من هنا، يأتي التوافق الإسرائيلي الخليجي كنتيجة منطقية لطبيعتهم البنيوية بالأساس، وبعد خطوات امتدت إلى عقود من العلاقات «السرية المعلنة» والتي أوشكت بمباركة العراب الأمريكي على استكمال بقية الجوانب الشكلية لتصبح رسمية.