رؤى
نادين نابراضطهاد العرب والمسلمين في أمريكا وحركات التضامن
2018.01.01
مصدر الصورة : AFP
ترجمة: زياد فرج
اضطهاد العرب والمسلمين في أمريكا وحركات التضامن
لا يدرك الكثيرون ممن يشعرون بالقلق إزاء قرار حظر السفر الذي أصدره ترامب -والذي يمنع دخول المهاجرين من بلاد ذات أغلبية مسلمة- أن أول تشريع أصدره ترامب، الأمر التنفيذي رقم 13669 المنفذ في 27 يناير 2017، تضمن هذا البند:
لا يدرك الكثيرون ممن يشعرون بالقلق إزاء قرار حظر السفر الذي أصدره ترامب -والذي يمنع دخول المهاجرين من بلاد ذات أغلبية مسلمة- أن أول تشريع أصدره ترامب، الأمر التنفيذي رقم 13669 المنفذ في 27 يناير 2017، تضمن هذا البند:
لا يمكن للولايات المتحدة، ولا يجب عليها، أن تسمح بدخول من يضعون أيديولوجيات عنيفة فوق القانون الأمريكي،... بالإضافة لهؤلاء الذين يشتركون في أعمال التعصب أو الكراهية (بما في ذلك جرائم "الشرف"، والأشكال الأخرى من العنف ضد المرأة، أو اضطهاد من يمارسون أديان مختلفة عنهم) أو هؤلاء الذين يمكن أن يضطهدوا أمريكيين من أي عرق أو نوع أو ميول جنسية.
وكان التشريع الثاني لترامب، والمنفذ في 16 مارس، هو الأمر التنفيذي رقم 13780، والذي ذكر بالمثل:
"من أجل خدمة المصالح الوطنية، تقوم وزارة الأمن الداخلي، بما يتفق مع القانون الساري والأمن الوطني، بجمع المعلومات التالية وجعلها متاحة للجمهور:
(iii) المعلومات المتعلقة بعدد وأنواع أفعال العنف على أساس النوع ضد النساء، بما في ذلك ما يسمى "جرائم الشرف"، المرتكبة في الولايات المتحدة بواسطة أجانب".
وفكرة إدارة ترامب عن حماية النساء "الأمريكيات" من الأجانب هي امتداد للنسوية الإمبريالية الأمريكية وسياسة التطهر من اضطهاد المثليين، وهي الاستراتيجية ذاتها المستخدمة من قبل إسرائيل والتي تُقدم الولايات المتحدة (كما إسرائيل) جنةً آمنة لحقوق النساء ولمجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية (وبالتالي ديمقراطية وعادلة) على النقيض من الفلسطينيين، والعرب، والمسلمين المتوحشين والكارهين للنساء الذين يسيئون معاملة النساء وأحرار الجنس. منطق إدارة ترامب النسوي الإمبريالي يثير المشاعر ضد العرب والمسلمين باعتبارهم "الأشرار" الذين يستحقون أن يعاقبوا وأن يتم قصفهم، أو يحرموا من دخول الولايات المتحدة، وذلك من أجل تحويل الانتباه بعيدًا عن عنفها الاستعماري والمعادي للمهاجرين. إنه يتستر بشكل خاص على كيفية اعتماد إمبراطورية الولايات المتحدة وحربها على العنف الجنسي نفسه الذي تدعي الولايات المتحدة أنها تحمي "الأمريكيين" منه. لقد ثبت بالفعل بشكل واسع أن الجيش الأمريكي اعتمد على أشكال تعذيب مبنية على رهاب المثلية في جونتانامو، وفي عمليات الترحيل الاستثنائي، وفي أبو غريب، ثم برر تلك الأفعال بإلقاء اللوم على ثقافة العرب/ المسلمين لكرهها للنساء، فقط من أجل أن يعزز فكرة أن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة جيدة للنساء وأحرار الجنس من العرب المسلمين. بالفعل، تبرر النسوية الإمبريالية هيمنة الولايات المتحدة المستمدة من العبء الملقى على كاهل الرجل الأبيض (الرجال البيض ينقذون النساء "الأمريكيات" من الرجال الأجانب).
يمكننا أن نعتبر أن الاستمرارية الصارخة التي استُخدمت بها النسوية الإمبريالية في الحرب على الإرهاب كامتداد لتاريخ الولايات المتحدة في استعمال فكرة "حماية النساء البيض" وحياتهن الجنسية مبررًا لإعدام الأمريكيين من أصل أفريقي خارج إطار القانون، وكيف أن هذا الخطاب نفسه يستمر عبر الأفعال العنصرية المناهضة للسود التي تقودها الدولة ويقوم بها الأفراد اليوم. على سبيل المثال، قبل إطلاق النار في شارلستون في يونيو 2015، حيث قُتل تسعة أشخاص سود في بيت عبادة بدم بارد، قال القاتل "يجب عليَّ أن أفعلها، أنتم تغتصبون نساءنا... ويجب عليكم الذهاب". عبر تاريخ الولايات المتحدة، تم تقديم النساء البيض تجسيدًا للفضيلة والأخلاق، والرمز المطلق للبياض وتفوق العرق الأبيض. يفترض المنطق الاستعماري للولايات المتحدة أن الوصول جنسيًّا للنساء البيض هو الامتياز المطلق الذي يمتلكه الرجال البيض، وأن النساء البيض عبارة عن ممتلكات ثمينة يجب حمايتها وتداولها بين الرجال البيض. وخدمت التعبئة ضد التهديد بانتهاك الرجال الملونين للنساء البيض استراتيجية رئيسية لإضفاء شرعية على العنصرية المناهضة للسود والحرب. إنها تسمح للرجال البيض المفعمين بالكره والمتحيزين جنسيًّا الموجودين في السلطة أن يعاملوا النساء البيض على اعتبار أنهم حماتهم ومنقذيهم. ولا يمكننا أن ننسي أيضًا كيف برر المستوطنون البيض استعمار الولايات المتحدة مستعملين حججًا مشابهة عن الرجال البيض الشجعان الذين يقومون بحماية النساء البيض الضعيفات من "الوحشية الجنسية للأمريكيين الأصليين". وليس من قبيل المصادفة أن الجيش الأمريكي أطلق على بن لادن "جيرونيمو"، وهو قائد من قبائل تشيريكاوا أباتشي، والذي قاد المقاومة ضد المستوطنين الأمريكيين البيض.
فيما يلي، سأقدم لمحة عامة للهياكل الرئيسية للعنصرية المعاصرة المناهضة للعرب وللمسلمين، وسأوضح بعد ذلك كيف يمكن أن ينظر لنضالات العرب والمسلمين كجزء من نضال مشترك مع نضالات المهاجرين الآخرين والملونين والسكان الأصليين.
العنصرية المعاصرة
المناهضة للعرب/المناهضة للمسلمين
جرائم الكراهية
سجل المركز القانوني للفقر الجنوبي 1094 حادثة متعلقة بالتحيز في الشهر الأول بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، من بينها 315 ضد المهاجرين و112 ضد العرب/المسلمين. تتبع هذه الحوادث اتجاهًا من العنف المتصاعد. وكما ذكرت شبكة "السي إن إن" الإخبارية فإن "إحصائيات مكتب التحقيقات الفيدرالية لعام 2015 أظهرت ارتفاعًا في جرائم الكراهية ضد المسلمين الأمريكيين يقدر بـ67 %". إلا أن بحثًا أجري داخل منظمات المجتمع العربي والإسلامي كشف عن نقص حاد في الإبلاغ عن جرائم الكراهية. ففي الواقع، فإن الشرطة التي يتوقع من الأفراد تقديم البلاغات إليها، تشارك في العنصرية وخطاب وأفعال الكراهية. ومؤخرًا أصدرت وزارة العدل الأمريكية تقريرًا استقصائيًا في 13 يناير 2017، كشف أن قسم شرطة شيكاجو قلل من أهمية جرائم كراهية محتملة ضد العرب والمسلمين ولم يبلغ عنها. فقد وثق محققو وزارة العدل الأمريكية "العديد من المخاوف فيما يتعلق بتحقيقات قسم شرطة شيكاجو في جرائم أو حوادث كراهية محتملة"، بما في ذلك قلة عدد العاملين "وحدة الحقوق المدنية بقسم شرطة شيكاجو مكلفة بالتحقيق في كل جرائم وحوادث الكراهية في شيكاجو، ومع ذلك لديها محققين اثنين فقط" (صفحة 140). إحدى المنظمات التي تخدم المسلمين في شيكاجو لديها مشاركين يقومون بالإبلاغ عن نحو200 شكوى من التمييز كل عام (في الفترة السابقة على الانتخابات)، في حين أبلغ قسم شرطة شيكاجو عن ثلاث جرائم كراهية فقط ضد المسلمين من 2013 إلي 2015.
بل أن ما يقلق أكثر من ذلك، أن تقرير وزارة العدل الأمريكية يظهر حوادث ضمن حدود مدينة شيكاجو لم يكن قسم شرطة شيكاجو مقصرًا فيها فحسب، لكنه أيضًا استهدف العرب والمسلمين بشكل مباشر. هناك ضباط لم يبرهنوا على فهمهم أن التنميط العرقي غير قانوني، فقد أخبر أحد الضباط برتبة رقيب المحققين أنه "إذا كنت مسلمًا، وعمرك من 18 إلى 24، وترتدي الأبيض، حسنًا، سأقوم بإيقافك. هذا لا يسمى تنميطًا، هذا يسمى أن تكون استباقيًا"(صفحة 144).
وتستمر وزارة العدل الأمريكية في تقريرها قائلة إن "العديد من ضباط قسم شرطة شيكاجو نشروا مشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي تتضمن ملاحظات تُحقر من شأن العرب والمسلمين، مع مشاركات تشير إليهم "كمسلمي القرن السابع مضاجعي الماعز"، بالإضافة إلى الإدلاء بتصريحات أخرى معادية للإسلام. ونشر أحد ضباط قسم شرطة شيكاجو صورة لجندي مسلم ميت ملقى في بركة من دمه مع تعليق "المسلم الوحيد الجيد هو المسلم اللعين الميت" (صفحة 147). تلك الحوادث المليئة بالكراهية لم تحدث في أوساط الضباط فقط، ولكن في جميع مستويات القيادة: "نشر المشرفون العديد من المشاركات التي وجدناها ذات طابع تمييزي، بما في ذلك أحد الضباط برتبة رقيب والذي نشر على الأقل 25 تصريحًا معاديًا للمسلمين وعلى الأقل 43 مشاركة أخرى ذات طابع تمييزي، وكذلك أحد الملازمين والذي نشر على الأقل خمس تصريحات معادية للمسلمين ومعادية للاتينيين" (صفحة 147).
سياسة الهجرة
توجد جذور قرار "حظر سفر" إدارة ترامب في سياسات الحكومة التي تم تعزيزها بعد 11 سبتمبر 2001. فقد أسست إدارة بوش نظام الأمن الوطني لتسجيل الدخول والخروج (NSEERS) (الذي يطلق عليه الكثيرون "التسجيل الخاص"). وفي ظل نظام الأمن الوطني لتسجيل الدخول والخروج، توجب على «مواطنين أجانب وحاملي جنسيات محددة» في الولايات المتحدة الحضور إلى مكاتب الهجرة لأخذ بصمات الأصابع وصور وإجراء مقابلات، وتوجب عليهم بعد ذلك أن يقدموا أنفسهم ثانية على فترات محددة. وينطبق هذا فقط على الأشخاص الحاملين لتأشيرات غير المهاجرين (بما في ذلك تأشيرات السياحة والعمل)؛ الرجال فوق سن 16؛ والأشخاص من قائمة دول اعتبرتها إدارة بوش «جنة للإرهابيين».
كان هناك 25 دولة على قائمة «التسجيل الخاص»، 24 منها كانت دول ذات غالبية مسلمة، والدولة الخامسة والعشرون كانت كوريا الشمالية. على مدار العقد التالي، تم تنميط أكثر من 80000 شخص عرقيًّا ووضعوا في قاعدة بيانات «التسجيل الخاص» الخاصة بنظام الأمن الوطني لتسجيل الدخول والخروج. ولم تتم إدانة أي شخص مسجل في نظام الأمن الوطني لتسجيل الدخول والخروج فعليًّا بجريمة متصلة بالإرهاب قبل أن يتم ترحيله. إلا أن ما فعله نظام الأمن الوطني لتسجيل الدخول، كان توفير طريقة سهلة للقبض على الرجال المسلمين (والرجال غير المسلمين من بلدان مسلمة) في الولايات المتحدة والذين انتهكوا شروط تأشيراتهم، أو الشروط الخاصة ببرنامج «التسجيل الخاص» نفسه. بحلول يوليو 2003، بعد أقل من عام من دخول نظام الأمن الوطني لتسجيل الدخول والخروج حيز التنفيذ، كانت الحكومة قد قامت بتسجيل 83000 رجلاً في قاعدة البيانات، وبدأت إجراءات محاكمة 13000 منهم من أجل الترحيل. في أول شهرين من نظام الأمن الوطني لتسجيل الدخول والخروج، تم احتجاز 1000 مسجل، وكلهم ما عدا 15 شخصًا احتجزوا لانتهاكات مدنية. علقت إدارة أوباما «التسجيل الخاص»، ولكنها لم تفككه بالكامل.
المراقبة
تعد المراقبة هيكلاً رئيسيًّا يتم عن طريقه التنميط العرقي للعرب والمسلمين وتجريمهم (يعاملون أعداءً إرهابيين أجانب مثيرين للشكوك ببساطة لأنهم عرب ومسلمون). وتساهم المراقبة بشكل جوهري في تصوير العرب والمسلمين كمن يجب الخوف منهم، كما تنتج الخوف داخل مجتمعات العرب والمسلمين بهدف قمع مقاومة الاستعمار. ولا تعزز مراقبة «المسلمين» مصالح الحكومة فقط، حيث تُستثمر الدولة في العنف والتجريم العنصري والحرب، ولكن تعزز أيضًا المصالح المشتركة للشركات.
هناك العديد من الحوادث التاريخية ذات الصلة بمراقبة مجتمعات المهاجرين المرتبطة بـ»الإرهاب المحتمل». ففي 1972، مع عملية بولدر، تجسس مكتب المباحث الفيدرالية على العرب الأمريكيين (لمراقبة النشاط المرتبط بفلسطين، تحديدًا في أوساط الطلاب العرب المهاجرين). وخلال القضية 8 لوس أنجلوس لعام 1987، استُهدف سبع فلسطينيين وكيني واحد -والذين كانوا يؤدون نشاطًا محميًّا بالدستور له علاقة بفلسطين- بإجراءات ترحيل بناء على أدلة سرية. ]بزعم جمع الأموال للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، المترجم[. وقد زادت التحقيقات المستمرة عن الفلسطينيين والعرب والمسلمين من الطلبة والأساتذة والناشطين من هذا القمع.
استهدفت قضية تجسس قسم شرطة نيويورك في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على وجه التحديد القيادات الدينية والمجتمعية من المسلمين، والجوامع والجمعيات الطلابية والأفراد والمنظمات والأعمال التجارية الخاصة بالمسلمين في جميع أنحاء مدينة نيويورك، وكذلك كل مسجد في نطاق 100 ميل من نيويورك من أجل فرض مراقبة واسعة الانتشار. واستخدم قسم شرطة نيويورك مراقبة الصور والفيديوهات ومخبري الشرطة ومراقبين في داخل المساجد وقواعد بيانات الاستخبارات. برنامج مكافحة التطرف العنيف، الذي غالبًا ما ينفذ دون إخطار المجتمع الأوسع، عبارة عن برنامج وشاية لمكتب التحقيقات الفيدرالية يُكلف أعضاء من المجتمع بمراقبة بعضهم البعض والإبلاغ عن معتقداتهم وأنشطتهم لمنفذي القانون. وتقوم برامج مكافحة التطرف العنيف بتدريب المعلمين والعاملين بالرعاية الصحية على القيام بالتنميط العرقي عن طريق التأكيد على وجود علامات واضحة لاكتشاف السلوك المتطرف، بما في ذلك السلوكيات الدينية الإسلامية الشائعة مثل إطلاق اللحية أو الصلاة خمس مرات في اليوم.
طريقة أخرى تستخدم بها المراقبة لتعزيز الخوف من المسلمين والمساعدة على إطلاق العنان لجرائم الكراهية هي نصب فخ بمعرفة مكتب التحقيقات الفيدرالي "جزء من استراتيجية الحرب نفسها كـ«حظر المسلمين». ومن الثابت أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يستهدف أفرادًا من ذوي الإعاقات العقلية في الفخ، خاصة الشباب. فبعد فترة من المراقبة، ثم تحديد هدفهم، (مثل الأشخاص بلا أمل في الحياة والغاضبين) ترسل الحكومة الفيدرالية عملاء لمجتمعات المسلمين والعرب الأمريكيين لإيجاد الشباب الذين يمكن إقناعهم بالمال والخيرات للقيام بأفعال غير قانونية.
يمكن أن يتنكروا كعناصر للقاعدة أو داعش، إلخ، ويوفرون لهم التشجيع، ويدربوهم من أجل المؤامرة، ويوفرون الأسلحة، ثم يعتقلوهم قبل الفعل. تمكن عمليات الخداع هذه من صناعة الخوف وشيطنة «المسلمين باعتبارهم عدوًا».
أخيرًا، تفاقم عمليات استخراج البيانات هذه الحرب. في شيكاجو، هناك مركز لمشاركة المعلومات يقع في مركز شرطة شيكاجو، وهو عبارة عن مبنى من القرميد والأسمنت مع مركز بيانات تستضيفه شرطة شيكاجو. في هذا المركز يحصلون على معلومات عن العرب والمسلمين الأمريكيين والتي تأتي من منفذي القانون المحليين والتابعين للولاية، ويتم تحليلها ومشاركتها مع منفذي القانون الفيدراليين والتابعين للولاية والمحليين. يوضع الناس على قوائم التنميط العرقي من خلال جمع البيانات. وبالفعل، المراقبة هي استراتيجية حرب فُعلت بواسطة تحالف الولايات المتحدة مع إسرائيل والحرب على الإرهاب التي تنتج الخوف والتنميط العرقي وتجريم المجتمعات وتقمع المقاومة وتغذي العنصرية المعادية للمسلمين. كما تعزز المراقبة حظر السفر وتساهم في الثقافة الحالية والتي أطلقت العنان للتفوق الأبيض والزيادة في جرائم الكراهية في المساحات العامة/الشوارع. بالطبع، بدلاً من الإشارة إلي العنصرية المعادية للعرب/المسلمين كشكل من «التمييز الديني» (وهذا هو الحال في أغلب وسائل إعلام التيار السائد وخطاب الناشطين)، من المهم أن نفهم الهجمات على هؤلاء المهاجرين باعتبارها استراتيجية من أجل إبقاء الولايات المتحدة كدولة حرب وإبقاء منطقها للحرب، والإمبراطورية والغزو. ويساعد تصنيع الولايات المتحدة لمؤامرات الإرهاب والتجسس على العرب والمسلمين وإنتاج «قوائم مراقبة» على خلق الخوف وتبرير الحرب والنيوليبرالية الاقتصادية العالمية.
إلا أن مجتمعات العرب والمسلمين الأمريكيين ليست المجتمعات الوحيدة المتأثرة بحرب الولايات المتحدة على الإرهاب، فمن الخطأ أن نفهم تأثير الحرب من منظور ضيق فقط من زاوية المجتمعات المستهدفة بشكل صريح بقصف القنابل والطائرات بدون طيار خارج الحدود، أو سياسات الهجرة المعادية للمسلمين في داخل الولايات المتحدة. فتأمل على سبيل المثال كيف بررت حرب الولايات المتحدة المتنامية على الإرهاب وأعطت شرعية لعسكرة الشرطة المستمرة في التزايد في الولايات المتحدة، وعنف الشرطة ضد الأمريكيين من أصل أفريقي. ومن الثابت أن البرامج الفيدرالية تقدم الآن المعدات العسكرية الفائضة لأقسام الشرطة وتجهز الضباط بالسلاح القابل للاستخدام في الحرب وبالأسلحة والتكتيكات المصممة لمناطق الحرب. أدى هذا في المقابل إلى أنماط منهجية حيث ترسل الشرطة ضباطًا مدججين بالسلاح لأداء عمل شرطة «اعتيادي»، ما يؤدي إلى التصعيد في حالات كان يمكن ألا تنطوي على عنف على الإطلاق، وتستهدف بشكل غير متناسب مجتمعات الملونين. وأشار تقرير صدر عام 2014 لاتحاد الحريات المدنية الأمريكية (ACLU) بعنوان «الحرب تأتي إلي الوطن» إلى أن فرق الأسلحة والتكتيكات الخاصة (SWAT)، المعدة في الأصل استجابة خاصة لحالات الطوارئ، يتم نشرها من أجل البحث عن المخدرات أكثر مما يتم لأجل كل الأهداف الأخرى مجتمعة. وفي كثير من الأحيان يتوازى التغيير في المعدات مع تغيير مماثل في السلوك، حيث تنظر الشرطة لنفسها وكأنها «في حالة حرب» مع المجتمعات المحلية بدلاً عن كونهم النظر إليهم موظفين حكوميين معنيين بإبقاء مجتمعاتهم آمنة. بدأت عسكرة الشرطة في عهد ريجان بـ»الحرب على المخدرات»، ولكن «الحرب على الإرهاب» في عهد ما بعد 11/ 9 دفعتها إلى مستوى آخر. ربح المقاولون العسكريون مثل صناعات بلاك هوك أسواقًا أوسع عن طريق بيع معداتهم لوكالات شرطة لديها منح ضخمة من وزارة الأمن الداخلي- من قنابل الصوت إلى الدبابات المدرعة ومركبات الهجوم المضاد وما هو أبعد من ذلك. تظل «الحرب على المخدرات» ذات تأثير كبير هنا لأن منفذي القانون يكسرون حلقات المخدرات، ويضعون أيديهم على الممتلكات والنقود (حتى لو لم يتم إدانتهم أو اتهامهم بارتكاب جريمة)، وتبقى المعدات شبه العسكرية مشغولة في مصادرة الأصول. وبالطبع، يحفز ذلك الغارات ومصادرة الممتلكات. وتتضمن عسكرة الشرطة أيضًا استخدام مقاولين لتدريب الشرطة وفرق الأسلحة والتكتيكات الخاصة، وهو ما يوثق الصلة بين الجيش والشرطة وجني الأرباح أكثر وأكثر.
ولننظر أيضًا إلى تدريب شرطة الولايات المتحدة في إسرائيل، حيث العنف الجنسي للدولة ضد الفلسطينيين استراتيجية منهجية ومتعمدة للاستعمار. وتؤكد الأدلة أن اثنين من أقسام الشرطة التي تم نشرها في فيرجسون ميسوري في 2014 لقمع الاحتجاجات قد أرسلت ممثلين إلى إسرائيل للتدريب، من ضمنهم رئيس شرطة مقاطعة سانت لويس، ما يعزز فرص النشاط المشترك بين الفلسطينيين/العرب والأمريكيين الأفارقة عبر الحدود الدولية. هناك أيضًا تحليلات متزايدة عن كيف أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين تخفيض الموارد وتدمير الأحياء وشبكات الأمان الاجتماعي (مثل الرعاية الصحية، وملاجئ المشردين، والرعاية الاجتماعية) والتدهور في الظروف الاقتصادية المادية للمهاجرين الفقراء ومجتمعات الملونين في الولايات المتحدة وبين توسع النزعة العسكرية للولايات المتحدة والمعونة الأمريكية لإسرائيل. يساعد الانبعاث والظهور المتجدد للتضامن بين الفلسطينيين والسود على جعل إعادة الهيكلة المستمرة للاقتصاد العالمي ومشاريع الاستعمار الجديد ذات الطابع العسكري واضحة، كما يلهم أيضًا تحالفات واستراتيجيات جديدة. إن مثل هذه القوى والتحليلات هي التي أدت إلى بيان تضامن ذوي البشرة السوداء في عام 2015 ضد شركة G4S (وهي شركة خدمات أمنية بريطانية متعددة الجنسيات) باعتبارها هدفًا للنضال المشترك. و تقول أنجيلا ديفيس في محاولة لاستخلاص هياكل القوة العابرة للوطنية والتي ظهرت من خلالها هذه الدعوة للكفاح المشترك:
هذه الشركة [G4S ] هي ثالث أكبر مؤسسة خاصة في العالم بعد وول مارت وفوكسكون، وهي أكبر صاحب عمل خاص في قارة أفريقيا. وتعلمت كيف تربح من العنصرية والممارسات المعادية للمهاجرين ومن تقنيات العقاب في إسرائيل وفي جميع أنحاء العالم. وتعد شركة "4"مسؤولة بشكل مباشر عن الطرق التي يختبر بها الفلسطينيون الحصار السياسي، فضلاً عن مظاهر جدار الفصل العنصري والسجن في جنوب أفريقيا والمدارس الشبيهة بالسجون في الولايات المتحدة والجدار على طول حدود الولايات المتحدة والمكسيك. ومن المثير للدهشة أننا علمنا خلال اجتماع لندن أن شركة "4" تدير أيضًا مراكز اعتداء جنسي في بريطانيا.(1)
بالطبع، قد لا تجرب مجتمعات السود في الولايات المتحدة العنف العسكري بالطرق نفسها مثل الأشخاص في فلسطين والعراق أو في أي مكان آخر، ولكن العنف العسكري الاستعماري هو نفسه في كل مكان.
بالإضافة إلي أهمية التضامن بين العرب والمسلمين والأمريكيين من أصل أفريقي، يجب على حركات المقاومة أن تأخذ على محمل الجد الأساس الذي أقيمت عليه الولايات المتحدة وإرثها المستمر من الاستعمار الاستيطاني. رفع العديد من الناشطين المعترضين على حظر سفر المسلمين لافتات تقول: "لا حظر على أرض مسروقة". كان هؤلاء الناشطون يقرون أن الاستعمار الاستيطاني يساعد على تشجيع تقييد الهجرة والعنف ضد المهاجرين. وفي الواقع، أظهر العلماء والناشطون الأمريكيون الأصليون مثل أودرا سمبسون أن الهجرة هي آلية تمارس من خلالها الولايات المتحدة سيادتها ومنهجها في إخماد حضور هيئات وثقافات السكان الأصليين. بعبارة أخرى، يقوي تقييد المهاجرين استراتيجيات القضاء على السكان الأصليين واعتبار كل من المهاجرين والسكان الأصليين تهديدًا للإمبراطورية الأمريكية.
ولكن ما إذا كان المهاجرون والناشطون في مجال العدالة العرقية جاهزين للجوء إلي زعماء القبائل لتمهيد الطريق من أجل حقوق المهاجرين بدلاً عن اللجوء لدولة الولايات المتحدة أو جاهزين للالتزام بقوانين الأرض الخاصة بالأمريكيين الأصليين، فهو أمر لم يحسم بعد.
هامش:
(1) - فرانك بارات "النضالات التقدمية ضد الفردية الرأسمالية الغادرة: مقابلة مع أنجيلا ديفيس"، جدلية، 21 سبتمبر 2014، تم الوصول إليها 1 فبراير 2016.
http://www.jadaliyya.com/pages/index/19304/progressive-struggles-against-insidious-capitalist