غزة تقاوم
محمد حسنيالاقتصاد السياسي للحرب على غزة - الجزء الأول
2024.05.25
مصدر الصورة : الجزيرة
الحرب وآثارها الاقتصادية
امتد العدوان الإسرائيلي على غزة، بشكل فاق كل التوقعات، مخلفًا عشرات الآلاف من القتلى، بخلاف الجرحى، وتخريب 90% من القطاع. في المقابل لم تسلم دولة الاحتلال من الآثار الاقتصادية للحرب، وتفاقمت بسبب إصرارها على تصعيد الحرب بالشكل الحالي. لكن حساب المكاسب والخسائر في الحرب، لا يقتصر على الإحصائيات وجداول مقارنة الأرقام، فهناك أبعاد مختلفة أكثر تعقيدًا.
خسائر إسرائيل في الحرب
في أعقاب "طوفان الأقصى"، أعلنت إسرائيل أنها أخلت 125 ألف نسمة، وأن 760 ألفًا توقفوا عن العمل لأسباب مختلفة. كما دلت المؤشرات على انخفاض بنسبة 6.5% في أسهم بورصة تل أبيب. وبالرغم من ضخ البنك المركزي 30 مليار دورلار من إجمالي احتياطي 200 مليار، انخفضت قيمة الشيكل أمام العملات الأجنبية.[1]
في عملية الجرف الصامد 2014، التي استمرت 3 أسابيع، سجلت البورصة ارتفاعًا بنسبة 1% واستمر الارتفاع عقب الحرب.[2] ما حدا بمحللين تشبيه الحرب الحالية بحربي 1948، و1973، التي خلفت آثارًا عالمية، ومرت إسرائيل خاصة بما سمي بالعقد الضائع، الذي شمل من بين ما شمل تضخمًا من ثلاث خانات وفقاعة تمويلية، وانهيار أسهم البنوك.
كما كانت الانتفاضة الثانية، أكتوبر 2000 ذات تأثير شديد في السوق الإسرائيلية امتد لثلاث سنوات تالية، أضيف إليها فقاعة الدوت كوم (.com) ثم أحداث 11 سبتمبر/أيلول. وقد شهد الاقتصاد الإسرائيلي هبوطًا وتبعته البورصة، والشيكل (5 شيكل/دولار).[3]
في خضم الحرب، أعلنت وزارة المالية أن كلفة الحرب المباشرة وغير المباشرة تقدر بمليار شيكل يوميًّا.[4] وحسب تقدير مؤسس شركة "ميتاف" المالية "تسفي ستيبك": كلما زاد أمد الحرب تفاقمت الأزمة.[5] فقد أدت الحرب إلى إغلاق مواقع العمل على اختلافها، بسبب استدعاء العاملين للخدمة، أو بسبب تعرضها -أو احتمال تعرضها- للقصف. نتيجة لذلك يحدث تراجع في الاستهلاك، يؤدي بدوره إلى تباطؤ الاقتصاد. من ناحية أخرى، بسبب تخصيص الموارد للأغراض العسكرية، وبسبب حالة عدم الاستقرار الأمني، فإن النمو سيتراجع، فبعد أن بلغ 3%، في 2023، حسب بيانات البنك المركزي، انخفض إلى 1-1.5% وقد يصبح بالسلب.[6]
عوّل الاقتصاديون المؤيدون للائتلاف الحاكم، على المعونة الأمريكية السخية، وبالرغم من ذلك حذر متخصصون من التوجه لشراء سندات الدَّين الحكومي، التي اعتادت إسرائيل طرحها في الحروب، حيث انخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل، مع توقعات سلبية، حسب شركات الائتمان فيتش وموديس، وS&P. ومن المتوقع أن تزيد الحرب من العجز، وكانت نتيجة ذلك توقف ضخ الاستثمارات الأجنبية أو المحلية، بسبب انعدام الرؤية.
كان من نتائج عملية السابع من أكتوبر، عودة آلاف من العمال الأجانب إلى بلادهم، وكان هؤلاء هم عماد الزراعة الإسرائيلية، كبديل -غير عملي- للعمالة الفلسطينية، التي تمنعها إسرائيل. كما أدت الحرب إلى ارتباك سلاسل الإمداد، التي تؤثر في قطاعات بدءًا من محلات التجزئة وحتى قطاع التكنولوجيا، الذي تبلغ مساهمته في الناتج الخام بـ18% مقابل 10% من القوى العاملة، إذ يعتبر أعلى القطاعات في القيم المضافة، ويطلق عليه "قاطرة الاقتصاد الإسرائيلي"، وقد بات في لحظة حرجة بسبب استدعاء 10% من العاملين إلى الاحتياط، وتضرر 80% من الشركات خلال الأحداث.
أعلن اتحاد رجال الصناعة أن 1.3 مليون لن يشاركوا في العمل، في الجنوب على وجه الخصوص 85% من المشتغلين توقفوا عن العمل، دون حساب بقية البلاد، ولا الآباء الذين اضطروا إلى التغيب من أجل رعاية أبنائهم. على الرغم من استدعاء الاحتياط، وسحبهم من قوة العمل، فإن نسبة البطالة، التي بلغت 3.1% في أغسطس 2023، في ارتفاع مطرد. ومن ناحية أخرى تفجرت أزمة عقارية، بسبب ارتفاع الفائدة، إلى جانب عجز الآلاف عن سداد أقساط الرهن العقاري، وتوقف معظم مواقع التشييد، حيث صرح رئيس اتحاد المقاولين أنها أشد أزمات القطاع منذ إقامة الدولة.[7]
تراجع الاستهلاك
كما هو متوقع، تراجع الاستهلاك بدرجات متفاوتة، فقد كشفت بيانات الخدمات البنكية الآلية، انخفاض الشراء بالكروت الائتمانية بـ33%، انخفضت بعض المجالات، مثل: الملابس والأحذية 0%، السلع الكهربية والإلكترونية 47%، الكتب والألعاب 64%، الترفيه 73%، المطاعم المقاهي 60%، السياحة الخارجية انعدمت تمامًا، فيما عدا قطاعات شهدت ارتفاعًا: الطيران 84%، الغذاء 69%.
بالتبعية، تتفاقم الأزمة، حيث أن توقف العمل يؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية، وتباطؤ سلاسل التوريد إلى حد التوقف، حتى يصيب الشلل كل قطاعات الإنتاج والخدمات والترفيه، إلى جانب ارتفاع الأسعار، نتيجة التكالب على بعض السلع، ما يسمح للتجار برفع الأسعار وبيع مخزون أوشك على انتهاء صلاحيته، وتحقيق الإثراء على حساب الأزمة.[8]
كما هو متوقع، وكما تكرر في حروب سابقة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية جاهزيتها لمواجهة الآثار الاقتصادية للحرب، بل واستعدادها للتصعيد، وفتح المزيد من الجبهات. لكن اقتصاديين إسرائيليين أكدوا أن النتائج المتوقعة هي أزمة اقتصادية، ستضر بالتأييد الجماهيري لاستمرار الحرب، وسيضطر السلك السياسي-العسكري إلى الإعلان عن وقف لإطلاق النار قبل تحقيق أهداف الحرب. والثمن سيكون في هذه الحالة -حسب تقديرهم كمؤيدين للحرب بالفعل- الكثير من الجولات التي ستكون أغلى من حرب طويلة واحدة.[9] في منتصف يناير الماضي، وقع ثلاث مئة اقتصادي خطابًا يدعو الحكومة إلى تغيير السياسات الاقتصادية للحكومة لكي تتواءم مع ظروف الحرب.
التوجه المؤيد للحرب المحدودة، وإن كان لا يعارض الحرب مبدئيًّا، فإنه يركز في طرحه على الخسائر الاقتصادية، مقارنة بالحروب السابقة، فقد امتدت حرب لبنان 2006 (34 يومًا) وتكلفت 8.2 مليار شيكل، بينما امتدت حرب الرصاص المصبوب 2009 (22 يومًا) وتكلفت 3.8 مليار شيكل، أما عملية "عمود الضباب" 2012، التي امتدت لثمانية أيام فقط، فقد تكلفت 2 مليار شيكل، ثم حرب "الجرف الصامد" 2014 (50 يومًا) وتكلفت 8 مليار شيكل.[10]
وبالرغم من أن تلك العمليات كانت أقصر بكثير من الحرب الحالية، فقد تسببت وقتها في تضخم وانهيار العملة وارتفاع الأسعار، وانعدام الثقة في المنظومة المالية، ارتفاع الدَّين الحكومي لتمويل الحرب، وبعد الحرب في إعادة الإعمار.[11] كان من المحتمل، أن تظل الخسائر عند سقف معين، لو أرادت إسرائيل ذلك، وهو ما كاد يتحقق بالفعل، مع اتفاق التبادل خلال الهدنة التي سرعان ما خرقتها إسرائيل، لتصعِّد من عملياتها.
المكاسب السياسية والعسكرية
تحقق الحرب على غزة عدة مكاسب سياسية، أهمها إسكات المعارضة، بالتغطية على قضية التعديلات الدستورية، التي تسببت في احتجاجات قضّت مضاجع نتنياهو وحكومته اليمينية، جدير بالذكر أنها أكثر حكومة دينية-يمينية في تاريخ إسرائيل. تمثل الحرب محاولة يائسة للتشبث برئاسة الحكومة من جانب نتنياهو على وجه التحديد، لأنه يدرك كما الجميع أنه ذاهب لا محالة، ولا يؤجل ذلك سوى "صوت المعركة"، الذي جاء كفرصة لقمع وإرهاب أي معارضة سواء من جانب عرب الداخل أو اليسار الجذري. ولا يجب أن نتوقع أن ذهاب نتنياهو، سيفسح مجال لحكومة يسارية، بل لمنافسين من اليمين.
في سبيل المحافظة على الائتلاف الداعم له، يتجاهل نتنياهو الدعوات المتكررة لإغلاق الوزارات الزائدة التي ابتدعها لتوزيع المناصب على أحزاب الائتلاف ليس إلا، وكذلك الدعوات إلى وقف الأموال الائتلافية المقدمة لتلك الأحزاب، التي تقف ضد ذلك بصرامة. وفي حين أن نتنياهو قد زعم أن في إمكانه تجاوز الأزمة الاقتصادية، مثل أزمة كورونا، لكن المقارنة بفترة كورونا تعد مغالطة، ولعل أقرب مثال هو انتفاضة الأقصى، التي تولى بعدها نتنياهو ملف المالية ليفرض استقاطاعات قاسية تحت شعار "إنقاذ الاقتصاد".[12]
على الصعيد العسكري، أهم هدف لإسرائيل هو القضاء على منظمة حماس، وتدمير بنيتها التحتية، واعتقال ما يمكن اعتقالهم وترحيل الباقين، على غرار ما حدث لفتح في الأردن 1970، وجنوب لبنان 1982. ثم العمل على شطر القطاع وتحويله من سجن كبير إلى عدة سجون أقل حجمًا لتسهيل السيطرة.
جاءت عملية "طوفان الأقصى" بشكل وتوقيت لم يتوقعه أحد، كما جاء رد الفعل الإسرائيلي مبالغًا فيه بما لا يقاس. ومع ذلك، فقد كانت العملية، في الوقت نفسه، فرصة لليمين الصهيوني، لتحقيق مكاسب، كانت تعتبر حتى وقت قريب "خيالات وضلالات":
- طرد سكان غزة، وتشتيتهم كلاجئين في بلاد مستضيفة في أوروبا، وإجبار النسبة الأكبر على عبور الحدود مع مصر. وبعد ذلك، استغلال أراضي غزة في مشروعات استيطانية جديدة، يمولها المليارديرات الصهاينة في الخارج، ويسيل لها لعاب أصدقاء نتنياهو من المستثمرين، في الداخل.
- قناة البحرين، وهو مشروع قديم، عاد إلى الطرح أخيرًا، بحفر قناة بديلة، أو على الأقل منافسة لقناة السويس، وارتبط طرحه من جديد بعاملَين: العلاقات الإسرائيلية الخليجية، ومشروع طريق الحرير. بالتوازي مع مشروع الممر الهندي إلى أوروبا، الذي تم إعلانه في سبتمبر 2023، في إطار اجتماعات مجموعة العشرين، ويهدف إلى إنشاء ممر اقتصادي يربط الهند بأوروبا مرورًا بالإمارات والسعودية والأردن، وإسرائيل. وبينما شاع أن عملية طوفان الأقصى جاءت لضرب المشروع ونسف مسيرة التطبيع السعودية-الإسرائيلية، يقول"توفيق حداد" مدير مجلس الأبحاث البريطانية في معهد كينيون إن المشروع يهدف إلى خلق خط تجاري نفطي استخباراتي، ينافس طريق الحرير الصيني، ويمر بالقرب من غزة، وهو سبب مساندة الغرب لإسرائيل - في رأيه.
الاستيلاء على حقول الغاز على سواحل غزة
اكتشفت "بريتش غاز" البريطانية، منذ 25 عامًا، حقول الغاز البحرية قبالة قطاع غزة، وأطلق عليها "غزة مارين 1" و"غزة مارين 2". ولم تسعَ إسرائيل إلى منع عمليات الاستكشاف، بينما منعت الشروع في استخراجه. يمثل الغاز بارقة أمل لغزة الحبيسة، التي تعمل محطة الكهرباء الوحيدة بها بالفحم حاليًّا.
تستند إسرائيل إلى الاتفاقيات الفلسطينية-الإسرائيلية المختلفة، التي عملت على تكبيل يد الشعب الفلسطيني، عن الوصول إلى موارده الطبيعية، كجزء من القيود الاقتصادية، التي شملت منع إقامة مطار أو ميناء أو جمارك مباشرة، كذلك تقييد حركة العمالة الفلسطينية، حتى بين الضفة وغزة.
فيما يتعلق بالغاز على وجه التحديد، تضمنت المفاوضات -قبل صعود حماس في 2007- اتفاقًا خاصًّا لحصول إسرائيل على الغاز الفلسطيني بقيمة 4 مليارات دولار سنويًّا، والمزمع تنفيذه من 2009. وبعد صعود حماس، قررت إسرائيل حصار غزة والعمل على الاستيلاء على الغاز بالقوة، في الوقت الذي تم اكتشاف حقل تمار 2009، وقد أجلت إسرائيل استيلاءها على غاز القطاع، وإن لم تعدل عنه أو تسمح للفلسطينيين بمباشرة استخراجه.
وقد جاء اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان في 2022، لتسهيل استخراج الغاز والذي تم باشتراطات أمريكية أن تكون شركات الغاز العاملة مقبولة من جانبها. وبهذا يصبح غاز شرق المتوسط تحت سيطرة الإمبريالية الصهيو-أمريكية.[13]
[1] -מורן דיטש, אסטבן קלור, תומר פדלון: עלות של מיליארד שקלים ביום: כלכלה ומלחמה
2 בנובמבר, 2023 .inss.org.il رابط: https://2u.pw/kv2igL4
[2] - السابق.
[3] - السابق.
[4] - السابق.
[5] -חזי שטרנליכט :"הפיצוי שיידרש לאנשים ועסקים יהיה משמעותי": מה יקרה לכלכלת ישראל? .globes.co.il 12.10.2023 رابط مختصر: https://2u.pw/wDvAjLK
[6] -כלכלה בעת מלחמה בעצימות נמוכה: בחינה מחדש של הדילמה "תותחים או חמאה" כלכלה בעת מלחמה יעקב ליפשיץ 2002 ، .taubcenter.org.il رابط مختصر: https://2u.pw/FRu2t6j
[7] -דני פלד ודרור גלוברמן: למלחמה יש את היתרונות שלה, אבל היא תמיד מהווה סיכון על הכלכלה
01/11/23 رابط: https://2u.pw/jxVh1mU
[8] -ד"ר אלכס קומן: זהירות, מיתון: התנהגות צרכנים ומצוקת ספקים במלחמה
3.11.2023 walla.co.il https://2u.pw/v9TTzmq
[9] -דניאל שבקס :מורל חיובי הוא מה שיכריע את הניצחון במלחמה הכלכלית | דעה
23/10/2023 maariv.co.il رابط مختصر: https://2u.pw/rpGsHuH
[10] -אל"ם במיל', דר' שאול אריאלי: בהרצאה על הרקע למלחמה שפרצה ב-7 באוקטובר
17/10/2023 https://2u.pw/Rhd3s1X
[11] -רחלי בינדמן :8 השפעות של מלחמות על הכלכלה 24-5-2021 رابط: https://2u.pw/FB6OCF3
[12] -מלחמה ארוכה דורשת אורך נשימה כלכלי - נתניהו עושה את ההפך מכך، 29 באוקטובר 2023
رابط: https://2u.pw/e0YhpgR
[13] - إسرائيل تريد غزة فارغة من سكانها لتسطو على غاز شواطئها، 25/12/2023 .ajnet.me رابط: https://2u.pw/ZMwvpRO