قضايا

محمد حسني

اليسار الجذري في إسرائيل.. بذور في أرض صخرية

2021.10.06

مصدر الصورة : matzpen.org

اليسار الجذري في إسرائيل.. بذور في أرض صخرية

إثر تهجير السلطات الإسرائيلية مواطنين فلسطينيين من حي الشيخ جراح، واحتلالها من قِبل مستوطنين، اندلعت التظاهرات في أنحاء فلسطين بأكملها، وانطلقت من غزة المحاصرة قذائف نحو المستوطنات المتاخمة للقطاع. شنت إسرائيل حربًا على القطاع باسم "حارس الأسوار"، بالتزامن مع عمليات مداهمة واعتقال للفلسطينيين في الداخل، والذين نظموا التظاهرات ضد التهجير والحرب، ثم صعَّدوا الاحتجاج للإضراب العام. وقد شارك نشطاء ومواطنون إسرائيليون في تظاهرات الاحتجاج، رافعين شعارات ضد الحرب ودعمًا للتعايش،[1] تعرضت التظاهرات للتفريق من قِبل قوات الشرطة، ومن جماعات مستوطنين مسلحة هاجمت التظاهرات في ظل صمت رسمي.[2] وتثير حالة الاستقطاب السابقة، الانتباه وتطرح التساؤلات حول موقف اليسار في إسرائيل، ومدى قدرته على خلق تغيير.

تراكمات فانفجار

قبل أسابيع من الأحداث الأخيرة، اندلعت احتجاجات في القدس بسبب قيام الشرطة الإسرائيلية بإغلاق باب العمود، وبعد مواجهات استمرت أيام، تراجعت الشرطة الإسرائيلية. تكشف قوة وانتشار الاحتجاجات في أنحاء فلسطين عن حالة الضغط الشديد التي يعيشها المواطنون. ففي يافا على سبيل المثال، جاءت المصادمات كانفجار لتراكمات طويلة لعملية استبعاد منهجي تجاه سكانها، وخصوصًا العرب من أجل إحلال يهود أثرياء محلهم. وإلى جانب ارتفاع كلفة المعيشة لم تعد العائلات العربية بمأمن من تنكيل الشرطة.[3] لقد خلقت المؤسسة الإسرائيلية وضعًا يخشى فيه سكان الداخل الوقوع في وضع سكان الضفة، الذين يخشون بدورهم السقوط في وضع سكان غزة. [4]

اليسار.. خطوط رئيسية

على الرغم من عدم وجود حدود واضحة وحاسمة بين أطياف اليسار في إسرائيل فإن المتعارف هو التمييز بين اتجاهين أساسيين:

اليسار الصهيوني، المتمثل في حزب عمل بصيَغه المختلفة، وهو التيار المهيمن في الحركة الصهيونية من الاستيطان وحتى بعد تكوين الدولة، ومنذ انتخابات 1977 المسماة بالانقلاب، أصبح ينازعه المكانة حزب الليكود وأحلافه اليمينية، التي باتت مسيطرة منذ أكثر من عقدين.

والفارق الأساسي بين اليسار واليمين الصهيونيين في مجال الاقتصاد، إذ يؤيد اليسار سيطرة الدولة على الاقتصاد ودعم الفئات الأضعف. أما عن الموقف تجاه القضية الفلسطينية، فلا يمكن أن نجد فارقًا مبدئيًّا على الأرض. فعلى سبيل المثال قامت الحروب الكبرى تحت حكم اليسار الصهيوني، بينما كان مناحم بيجن هو من وقع اتفاقية السلام في أول دورة لحكم اليمين على الإطلاق. ثم أعقبها باجتياح لبنان. أما الاتجاه الثاني والموصوف بـ"الراديكالي" فيضم تنويعة شديدة التباين، بين القرب والتماهي مع المؤسسة الصهيونية، مرورًا بتبني حلول لإنهاء الصراع، وانتهاءً بمعارضة الصهيونية وحتى التعاون مع العرب ضدها. [5] وبعض التنظيمات والحركات لا تعرِّف نفسها كمنظمات يسار راديكالي أو يسار عمومًا، لكنها تصنف وفق أنشطتها ومواقفها السياسية، علاوة على مرجعيات مؤسسيها.

تعود جذور هذا التيار تاريخيًّا إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني (PCP).[6] وقد اعتبر الحزب "الصهيونية" حركة رجعية، وتبنى مؤتمره في 1923 مشروعًا لإدانة الصهيونية باعتبارها "حركة انتهازية يهودية تخدم الإمبريالية البريطانية". وفي الوقت نفسه أعرب عن تأييده للحركة الوطنية العربية التي تناضل ضدها. وبناءً على ذلك قُبل في الكومنترن، ولكن في الوقت نفسه عُزل من "الهستدروت"-اتحاد العمال الصهيوني. وخلال المواجهات التالية، هبة البراق 1929، وثورة 1936 حدثت انشقاقات في الحزب، أدت إلى ميل جناح منه نحو الصهيونية وقبوله في مؤسسات الاستيطان، كما وقع مندوبه على إعلان الدولة. أما الجناح التقدمي "عصبة التحرر الوطني" والذي ضم العضوية العربية، فقد تبنى موقف دولة فلسطينية ديموقراطية.

عقب إعلان الدولة، أصبح الحزب الشيوعي الإسرائيلي (CPI) هو ممثل الـ"يسار الراديكالي" في إسرائيل. وقد شارك في سبع دورات متتالية للكنيست، دون التمكن من المشاركة في الحكومة. عارض الحزب الحكم العسكري، ودعا لحق العودة. واتهم بعض أعضائه بالتعاون مع الجمهورية العربية المتحدة. لم يعارض الحزب حرب 67، كما لم يطالب بالانسحاب من الأراضي المحتلة. وقد عانى الحزب من التشرذم، أما الفصيل الثاني من الحزب، القائمة الشيوعية الجديدة (رَكَح)، فقد اعتبر الصهيونية حركة قومية انتهازية تخدم الإمبريالية، واعتبر حرب يونيو اعتداءً إسرائيليًّا. انضم الحزب إلى كتلة "حداش - الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة". 

 ظهرت منظمة "متسپين - البوصلة"، المنظمة الاشتراكية الثورية في إسرائيل عام 1962. استنكرت منتسبي التبعية للاتحاد السوفيتي، وعارضت الصهيونية في جوهرها، كما أعلنت أن النظام القائم ليس اشتراكيًّا، وأن الهستدروت لا تُمثل العمال لأنها تمتلك في الوقت نفسه جزءًا كبيرًا من المؤسسات الاقتصادية. رغم مواقفها شديدة الجذرية، نُكبت متسبين بآفة الانقسامات، حتى انتهت كتنظيم.

وقد ازدهر اليسار الجديد بعد حرب 67 وكرد فعل على التأييد الواسع للاحتلال. تأثر بحركة اليسار الأوروبي في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، التي قطعت مع التراث الستاليني، وطورت أفكار وتكتيكات حركية مختلفة عن الأحزاب الشيوعية التقليدية. لم يقتصر برنامج الحركة على الصراع الطبقي بل شمل أيضًا الاستبعاد الاجتماعي.[7] وكانت فترة السبعينيات هي ذروة نشاط اليسار الراديكالي وتأثيره في الأوساط المختلفة، هيمن "الجبهة" على الوسط العربي، إذ ظهرت وجوه تولت الزعامة فيما بعد- محمد بركة، كمال زحالقة، عزمي بشارة، عصام مخول، دوڤ حنين- والفهود السود بين اليهود الشرقيين، إلى جانب متسپين، الذي اتهم عدد من أعضائه بالتخابر مع سوريا. عارض اليسار الراديكالي اتفاقية السلام بين بيجن والسادات لكونها تهضم حقوق الفلسطينيين. ويمثل "الجبهة" تحالفًا بين عدد من الكيانات اليسارية منها الحزب الشيوعي الإسرائيلي واتحاد الشبيبة الشيوعي. ينادي بإقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو وأن تصبح إسرائيل دولة ديموقراطية لجميع سكانها. يُنظر إلى "الجبهة" باعتباره حزبًا عربيًّا مناهضًا للصهيونية، وقد شارك حزب الجبهة في الانتخابات للكنيست، في القائمة العربية الموحدة التي تضم كذلك حزب التجمع وحركات أخرى.

ارتبطت حركة أبناء البلد بيوم الأرض 1976، يرجع تاريخها إلى 1969، تضم بين صفوفها نشطاء يهود، وتعلن أن هدفها إنهاء الاحتلال وحق العودة وتكوين دولة ديموقراطية علمانية في فلسطين التاريخية، تؤيد المشاركة في انتخابات البلديات. وقد تراجع تأثيرها بين عرب الداخل منذ 1989 وركزت نشاطها على طلاب الجامعات. وفيما بعد دخلت في تحالف تأسيس "التجمع الوطني الديموقراطي".

خلال حرب لبنان الأولى، انتعشت حركة المعارضة اليسارية، ومن بينها حركة السلام الآن التي أعلنت عقب مبادرة السادات في 1977، وهي صاحبة شعار الأرض مقابل السلام. التقى أوري أڤنيري بياسر عرفات المحاصر في لبنان. اعتبر اليسار الراديكالي عرفات زعيم التحرر الفلسطيني وشريكًا من أجل السلام، كما اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني.

الانتفاضة الأولى، 1987

 شاهد الجمهور الإسرائيلي الواسع مقاومة شعبية للاحتلال. وإلى جانب حركات قائمة مثل "اللجنة الإسرائيلية للتضامن مع بير زيت"، ظهرت حركات مثل "داي لاكيبوش - كفى احتلالاً"، "السنة الـ21"، "هلئاه كيبوش - فليسقط الاحتلال"، و"ناشيم بشاحور - نساء متشحات بالسواد". كما ظهرت "المنظمة الأناركية الإسرائيلية".

شهدت السنوات التالية عدة متغيرات

-انهيار الاتحاد السوڤييتي

-تدشين مفاوضات أوسلو تحت حكومات اليسار الصهيوني (العمل)، والتي أيدها حزب الجبهة.[8] وصولاً للانسحاب من لبنان 2000.

-الازدهار الاقتصادي في التسعينيات.

أدى كل ذلك بدرجات متفاوتة إلى تحولات سلبية في اليسار الراديكالي، إذ اتجهت جزء منه لتأييد حكومات العمل المتتالية، واتجاه الكثير من النشطاء نحو العمل الحقوقي والبيئي.

الانتفاضة الثانية 2000

من أسبابها الأساسية: المماطلة في تطبيق مراحل الحكم الذاتي، والأزمة الاقتصادية نتيجة سياسات الحصار الإسرائيلية، علاوة على الفساد في السلطة الفلسطينية، وهو ما وصفه اليسار الراديكالي بـ"الاحتلال غير المباشر". وبعد شهر واحد من اندلاع الانتفاضة تشكلت حركة "تعايُش"، وكان نشاطها في البداية يقتصر على إرسال المعونات الغذائية والدوائية للمناطق المحتلة.

استمرت معارضة اليسار الراديكالي للحروب الإسرائيلية: لبنان الثانية 2006، الرصاص المصبوب 2008-2009 قاد اليسار الراديكالي، متمثلاً في حزب الجبهة، ومنظمات حقوقية وحركات معارضة، حملة دولية ضد الممارسات الإسرائيلية، وبرروا عمليات حماس كرد فعل مقاوم لها.[9] استعانت لجنة التحقيق الدولية برئاسة ريتشارد جولدستون بالمنظمات الراديكالية التي نسقت جمع الشهادات وتوثيقها.

الشيخ جراح -2009

بدأ توطين اليهود في الشيخ جراح في 2009، تزعمت حركة "تضامن" النشاط المعارض لطرد الفلسطينيين وتوطين اليهود، واستطاعت حشد تظاهرات بالآلاف.

الجدار العازل

شن اليسار الراديكالي حملات ضد جدار الفصل العنصري الذي حوَّل البلدات الفلسطينية إلى (كانتونات) معازل. كما عارض خطة فك الارتباط -التي كانت من برنامج حزب العمل في الانتخابات- لكونها تكرس الوضع القائم. كانت أبرز الحركات "أناركيين ضد الجدار". حركة لا سلطوية يقدر عدد نشطائها بالمئات وتتعاون مع فلسطينيين وحركات مثل "التضامن الدولية". تكررت المواجهات العنيفة بين النشطاء وبين الجيش وبلغت استخدام الرصاص الحي ضدهم.[10]

المنظمات الحقوقية

أولاً: الجمعيات والمنظمات الناشطة ميدانيًّا

أطباء لحقوق الإنسان

 تأسست 1988 باسم رابطة الأطباء الإسرائيليين-الفلسطينيين لحقوق الإنسان بلغت عضويتها 1500 أكثر من نصفها يعملون في الحقل الطبي. إلى جانب الجهود الطبية اتسعت لتشمل قضايا سياسية، مثل حقوق المعتقلين والتعذيب، والظروف الصحية في الأراضي المحتلة، والحق في الصحة.

حراس العدالة

حاخامات من أجل حقوق الإنسان يضم 100 حاخام من تيارات إصلاحية، علاوة على 30 من العلمانيين والمسيحيين والمسلمين. يشارك في الأنشطة الميدانية من تظاهرات ومسيرات إلى جانب قوافل دعم الفلسطينيين في الداخل وفي الضفة وغزة.

تعايش

منظمة يهودية عربية تهدف إلى دعم التعاون بين اليهود والعرب وبين الإسرائيليين والفلسطينيين والسعي للمساواة والسلام. تتنوع أنشطتها بين تقديم المساعدات وبين التظاهرات والاحتجاجات ضد ممارسات الاحتلال. في 2016 اتهم أحد نشطائها بتسريب أسماء فلسطينيين ينوون بيع أراضي اليهود إلى السلطة الفلسطينية.[11] على غرار تعايش "مركز مساواة"، ومركز "سيكوي -أمل"

أنتيفا - مناهضة الفاشية

تكونت في 2014، تدعم اللاجئين والعرب والمثليين وغيرها من الفئات التي تتعرض للكراهية في المجتمع الإسرائيلي.

ثانيًا: منظمات الدعم القانوني والإعلامي

منظمة الحقوق المدنية في إسرائيل

أقدم منظمة حقوقية في إسرائيل، تأسست في 1972، وتعمل من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل والمناطق المحتلة، وهي المنظمة الوحيدة التي يتسع نشاطها ليشمل كل ملفات حقوق الإنسان وتتجاوز ميزانيتها 8 مليون شيكل.

عقب الانتفاضة الأولى 1987 اتجهت لرصد الانتهاكات في الضفة وغزة، على الصعيدين الإعلامي والقضائي. استمر نشاط المنظمة، وزاد حضورها خلال الحروب الإسرائيلية المتوالية، حتى أطلق عليها المسؤولون الإسرائيليون منظمة الحقوق الفلسطينية. وهناك منظمات أخرى مثل "ييش دين/ هناك قضاء". إلى جانب منظمات تهتم بالملف الاقتصادي-الاجتماعي مثل: مركز إدڤا، خط العامل. علاوة على منظمات أخرى معنية بالإعلام البديل مثل إنميديا-إسرائيل، صالون مازال، مركز المعلومات البديل، تذكرن، بتسيلم.

زوخروت/ تذكرن

جمعية يسار راديكالي تأسست في 2002 بهدف نشر الوعي بين الإسرائيليين بالنكبة الفلسطينية ودعم حق العودة. تقوم الجمعية بإحياء ذكرى القرى الفلسطينية المدمرة.

تعتبر حق العودة ليس مجرد السماح للفلسطينيين بالدخول بل بدعمهم بشكل متواصل على الانخراط والاندماج وإقامة مجتمع قائم على المساواة.

نشرت في 2007 خريطة لمدينة تل أبيب-يافا مع مواضع القرى العربية التي تم محوها.

وقد طرحت في 2014 تطبيقًا جديدًا باسم النكبة، يحدد عبر GPS مواضع القرى الفلسطينية التي محتها إسرائيل، ونبذة تاريخية عن كل مكان.[12]

من المنظمات النسوية: "محسوم ووتش"حركة نسوية ضد الاحتلال، "اختي"، و"بات شالوم". وجمعية "الغسيل الأسود Black Laundry " وهي تربط في خطابها بين قمع الفلسطينيين وقمع الفئات الأضعف كالمثليين. وهو ما يميزها عن سائر الحركات التي تتناول قضايا الميول الجنسية دون خلاف مع المؤسسة الصهيونية العسكرية.[13]

يأتي التمويل في معظمه من الصندوق الإسرائيلي الجديد، والاتحاد الأوروبي وحكومات أوروبية.[14] وهو ما تسبب في تعرضها للانتقاد، فتم سن قوانين للرقابة، وفرض ضرائب عالية، بينما طالبها البعض بالحظر التام للتمويلات الخارجية.[15] 

حركة المقاطعة BDS

(Boycott, Divestment and Sanctions)

اختصار لـ(مقاطعة، سحب استثمارات، عقوبات)

 منذ 2005 عملت منظمات يسارية إسرائيلية، وأكاديميون، ضمن الحملة الدولية BDS الداعية لـ:

وقف الاحتلال، فك الجدار العازل، والاعتراف بحق العودة للفلسطينيين.[16]

ضيَّقت إسرائيل على المنظمات التي تدعم الحملة، كما أعلن صندوق إسرائيل الجديد، الذي يموِّل معظم المنظمات الحقوقية عن وقف تمويل أية منظمة تتعامل معBDS.[17] ومن بينها "جوش شالوم- كتلة السلام"،[18] صوت يهودي للسلام Jewish Voice for Peace، ائتلاف نساء من أجل السلام، اللجنة الإسرائيلية ضد هدم البيوت: ICAHD، وحركة التضامن الدولي[19]: وهي لا تنكر حق إسرائيل في الوجود، ولكنها تعترف بحق المقاومة في النضال المسلح.[20] لقت ريتشيل كوري ناشطة الحركة حتفها تحت جرافة إسرائيلية.

* * *

رفض الخدمة

والمقصود بها رفض تنفيذ أوامر عسكرية أو رفض الخدمة جزئيًّا اوكليًّا، لأسباب سياسية أو عقائدية لأسباب مختلفة:

-النزعة السلامية: الرافضة للحرب عمومًا، مثل حركة "تقييم جديد".

-رفض الاحتلال: رفض الخدمة في الضفة وغزة "شجاعة الرفض".

-رفض تنفيذ عمليات بعينها لمخالفتها القانون الدولي.

ينتقد النوع الأول "عسكرة" المجتمع ويدعو بعضها بالفعل لأنظمة بديلة. ومن بين عوامل ظهور حركة الرفض هو تنحي النزعة القومية الجمعية أمام نزعة الفردية في المجتمع.[21] في حين واجهت حركات الرفض "اليسارية" تهمة الخيانة، ظهرت حركات رفض يمينية للامتناع عن تفكيك المستوطنات أو إخلاء مناطق حسب اتفاقيات السلام، وقد حظيت تلك بتأييد معلن من اليمين الصهيوني، وتواطؤ رسمي. 

ولم يظهر كيان سياسي يضم حركات الرفض لعدة أسباب:

-تعدد التوجهات والدوافع وراء رفض الخدمة

-يعلن الرافضون في الغالب أن دوافعهم ضميرية وليست سياسية، وذلك إزاء الضغوط الموجهة ضدهم من جانب المؤسسة والمجتمع.

-تعرف منظمات وحركات نفسها بأنها تدعم "حق الرفض"، وليست كداعية له.

عرفت حركات مناهضة للحرب منذ بريت شالوم 1925، التي أسس أحد أعضائها في 1947 حركة مناهضة للحرب، كما تكررت حالات رفض فردية.

 وفي 1971، عندما أرسل أعضاء متسپين خطابًا لوزير الدفاع يعلنون رفض الخدمة في جيش الاحتلال. خلال حرب لبنان الأولى اكتسبت حركة رفض الخدمة نطاقًا أوسع وأصداء اجتماعية. مثلت حركة الرفض داعمًا للمقاومة في الاستمرار، وكان إعلان ذلك على لسان ناشط حماس ذريعة لليمين لوصم الحركة بالخيانة.[22]

 خطاب الصف الثامن 1970

خطاب الصف الثامن shminist وقع عليه 27 من طلاب الصفوف ال11، 12 المقبلين على التجنيد -وهي الصفوف 7، 8 في نظام التعليم القديم. أعلن 56 طالب ثانوي رفضهم الخدمة احتجاجًا على الاحتلال.[23] جاء ذلك في ذروة حرب الاستنزاف عقب دعوة عبد الناصر لرئيس الكونجرس الصهيوني لزيارة القاهرة، والتي رفضتها مئير.[24]

تكرر إعلان خطابات بالاسم نفسه في سنوات لاحقة: 1979، ثم في 2001، 2002، 2005.

أما خطاب 2008 فقد تبرع عدد من الموقعين براتب التجنيد لصالح إعمار غزة من جراء عملية الرصاص المصبوب.[25] وفي خطاب الدفعة التالية 2009-2010 هاجم 90 موقِّعًا الحكومة الإسرائيلية وقالوا إن الجيش لا يجب أن يسمى جيش الدفاع بل جيش الاحتلال والاعتداء.[26] وكان آخر خطاب لهم في 2014.

ييش جڤول-هناك حدود

أقدم حركة رفض، ظهرت خلال حرب لبنان الأولى 1982، وقد وقًّع 3000 جندي احتياط على رفض الخدمة في جنوب لبنان، تعرض منهم 150 للمحاكمات العسكرية. [27]

تراجع نشاط الحركة عقب اتفاقية أوسلو، لكنها ظلت حاضرة في دعم الرافضين وأسرهم، ثم صعدت من نشاطها خلال الانتفاضة الثانية وأقامت دعاوى قضائية دولية ضد قيادات في الجيش الإسرائيلي بتهمة "جرائم حرب"، كما صدر أمر اعتقال ضد أحدهم في بريطانيا.[28] في 2014 أسهمت في تأسيس حركة "رافضات" الخدمة العسكرية.

پروفايل حاداش- تقييم جديد

تأسست في 1998 وتقدم المساعدة القانونية لرافضي الخدمة دون التقيد بمرجعيتهم السياسية.

ترى الحركة أن المجتمع الإسرائيلي يعاني بسبب العسكرة ومن ثم تسعى لتقليصها.

-تطرح بدائل للخدمة العامة خلاف الخدمة العسكرية.

-ترى أن طبيعة الجيش الحالية تسبب أضرارًا للمجندين، وتطرح بديلاً تكوين جيش عامل.

-ترى أن حالة الحرب الدائمة سببها حكومات إسرائيل، وتدعو أيضًا للعودة لحدود الخط الأخضر.

-تسعى لإزالة وصمة استمارة التقييم 21 (غير لائق نهائيًّا).

أومتس لساريڤ- شجاعة للرفض

بدأت عام 2002 بخطاب المقاتلين وقع عليه 51 مجندًا، رفضًا للخدمة في المناطق الفلسطينية وتكريس الحكم العسكري، بلغ بمرور الوقت 650 توقيعًا. ومن هنا تكونت حركة "شجاعة للرفض" والتي تميزت أنها خرجت من بين مجندي وحدات نخبوية.[29] في حرب لبنان الثانية 2006 حوكم سبعة مجندين بتهمة رفض الخدمة.[30]في 2014 أقصي 43 من احتياط الوحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات.

لجنة المبادرة الدرزية

منظمة درزية تأسست في 1972 ضد التجنيد الإجباري للدروز وضد مصادرة الأراضي، وتدخل الدولة في الشئون الدينية والوطنية ومن أجل الديموقراطية والمساواة. وقد مثل التجنيد الإجباري إحدى وسائل إسرائيل للتفرقة بين الدروز والعرب. ينتمي قيادات الحركة إلى حزب الجبهة وهي تنسق فعالياتها مع حركات رفض أخرى.[31]

حركة الرفض في اللحظة الحالية

لم تعد حركة الرفض في صدارة المشهد، لقد عانى رافضو الخدمة من عزلة اجتماعية بسبب طبيعة المجتمع، في الوقت نفسه تراجعت رغبة الشبان في الالتحاق بالجيش. في موجة الاحتجاجات الأخيرة ضد نتنياهو، وفيما عدا نشطاء اليسار الراديكالي، لم يتطرق أحد للاحتلال.

لقد بلغ عدد الرافضين الفعليين المئات وخلال الانتفاضة كسر حاجز الألف. لكن نسبة الرافضين عمومًا بالنسبة للمجندين ضئيلة للغاية، دون تجاهل أصداء "الرفض" محليًّا وعالميًّا.[32]

القضايا الإشكالية

1-حل الدولة/ الدولتين

يتبنى اليسار الراديكالي توجهات توصف بأنها مناهضة للصهيونية أو ما بعد-صهيونية. إلى جانب بعض الحركات التي لا تعتبر نفسها مناهضة للصهيونية لكنها تعتبر كذلك في وصف خصومها مثل حركات رفض الخدمة العسكرية.

يعرف اليسار الراديكالي الصهيونية كحركة رجعية، قامت بمساعدة الدول العظمى في حل "المسألة اليهودية" بالشكل الملائم للمصالح الأوروبية على حساب الشعب الفلسطيني وسبب نكبته. وهناك خلاف حول اعتبار اليهود شعب أم جماعة استيطانية ليس لها حق جماعي بل كأفراد. يميل أصحاب التعريف الأول لحل الدولتين أو الدولة ثنائية القومية، بينما أقلية من بين اليسار الجذري تنادي بإقامة دولة ديموقراطية علمانية على كل أراضي فلسطين، ويرى اليسار الراديكالي أن اليسار الصهيوني (حزب العمل وميرتس) يتبنى حل الدولتين بسبب رغبة أوساط من البرجوازية الإسرائيلية في الاستقرار والسيطرة على الاأسواق والأيادي العاملة الرخيصة.

2-الموقف من المقاومة

إحدى الإشكاليات هو الموقف من المقاومة الفلسطينية وبشكل خاص التفجيرات الموجهة ضد المدنيين. إذ تتبنى بعض حركات اليسار شعار "لا يمكن أن نملي على شعب كيف يقاتل من أجل حريته" ولا يزال الخلاف قائمًا في مشروعية أشكال المقاومة المختلفة وعلى أهدافها.[33] كما أن هناك من برروا التفجيرات ضد المدنيين وأعربوا عن تفهمهم للعمليات الاستشهادية.[34] كما عارضوا استهداف الفلسطينيين بزعم انتمائهم لمنظمات مسلحة، لم يقتصر الإعلام والقضاء بل تعداه إلى التدخل لمنع عمليات الاعتقال وما يصاحبها من إجراءات (مثل هدم المنازل او اعتقال الأقارب).

وفي خلال حرب لبنان، التقى نشطاء راديكاليون بعرفات الذي اعتبروه زعيم حركة التحرر الفلسطينية حتى بعد رحيله عن لبنان. وخلال انتفاضة الأقصى، شكَّل أعضاء كتلة السلام درعًا بشريًّا لحماية عرفات في المقاطعة من هجمات الجيش الإسرائيلي.[35] كما زاره وقتها عدد من النشطاء الراديكاليين مثل أوري أفنيري.

العقد الأخير

شهد العقدان الأخيران تآكل اليسار الصهيوني.[36] ويقارن د. نتنئيل ڤولخ، بين وضع اليسار الصهيوني في 1992- وقت اغتيال رابين: حزب العمل 44 مقعدًا وميرتس 12، حاليًا لديهما 13 مقعدًا مجتمعين، وما يفعلونه الآن-حسب تقديره- هو انتحار سياسي، إذ أن ما يصنفون كوسط هم في الحقيقة يمين، سيؤيد "ميرتس" و"بنيت" اليمني المتطرف الذي يتبنى عكس ما يدعو إليه.[37]

احتجاجات صيف 2011

كانت موجة احتجاجات غير مسبوقة، واكبت الربيع العربي، واستخدمت بعض شعارات الثورة المصرية، لكنها في أساسها حول مشكلة الإسكان، وأغفلت تمامًا أي ذكر للاحتلال. [38] وفي أعقاب احتجاجات 2011 برز الشأن الاقتصادي-الاجتماعي لكنه لم يترجم في ارتفاع في صفوف اليسار بشقيه، وفي الانتخابات التالية، حصل اليسار الصهيوني على %‏5.‏17 والراديكالي على 9%.[39] وحصد اليمين أصوات المدن الميسورة التي كانت معقلاً لليسار. أما الطبقة الوسطى افقد قاد شبابها احتجاجات 2011 تنادي بتسوية سياسية وحماية لقيم الديموقراطية لكن الظروف الاقتصادية-الاجتماعية لها الأولوية لديها، لهذا حصد من بينهم اليمين أصواتًا كثيرة.[40] بالإضافة إلى أن تركيبة كل أحزاب الوسط مفككة ومؤقتة لا تصمد أمام أي اختبار على الأرض.

"نفتالي بينت" وهو يميني متطرف على كل الأصعدة الاقتصادية- تأييد النيوليبرالية- والسياسية يؤيد ضم 60 % من الضفة وغزة مع ترك ما يتبقى للسلطة الفلسطينية محدودة السيادة.[41]

انتخابات مارس 2021

الدورة الـ24 للكنيست. حصلت الأحزاب العربية 10 مقاعد(القائمة العربية الموحدة 4 مقاعد والقائمة المشتركة 6 مقاعد)، ميرتس 6 والعمل 7. بقية المقاعد 97 لكتل وأحزاب انتخابية متنوعة (يمين قومي - يمين ديني- يمين وسط). في هذه الانتخابات نجح 19 من المهاجرين الجدد و8 من سكان المستوطنات. وفي الوسط العربي تراجعت القائمة المشتركة، بسبب تبديد الطاقات في خلافات هامشية. فقد الناخبون الثقة في ممثليهم، فضل بعضهم الامتناع عن المشاركة، في حين حصد حزب ميرتس على 30 ألف صوت، ضمنت له مقعدًا في الكنيست، كما أن هناك من توجهوا لأحزاب يمينية مثل الليكود.[42]

* * *

بذور في أرض صخرية

وفقًا لاستطلاع رأي 2020، يعرف 6% من الإسرائيليين أنفسهم كـيساريين عمومًا.[43] وعلى الرغم من وجود أصوات يسارية، ومن بينها أصوات شديدة الراديكالية، فإنها في النهاية عاجزة عن إحداث تغيير ملموس.

مراجع

[1] - "نقف معًا"https://www.standing-together.org/ 

[2] -  https://www.ynet.co.il/news/article/Bk0EIz00dO 11.05.21

https://www.ynet.co.il/news/article/r1ML6Yp00u 15.05.21

[3] - תמי ריקליס ויונית נעמן : הבעיה ביפו היא המדיניות, לא התושבים

www.haokets.org/2021/04/19

[4] - דניאל דה מלאך: ההתנתקות מעזה היא אשליה: לקחים ממבצע "שומר החומות"

www.haokets.org/2021/06/09

[5] - אורי יזהר: עתיד השמאל בישראל: דעיכה או התחדשות? 2014. עמ'9.

[6] - محمد حسني: ماذا عن «اليسار الراديكالي» في إسرائيل؟، مجلة أوراق اشتراكية، أبريل 2008.

https://revsoc.me/-3773

[7] - טל אלמליח, שמאל חדש, תרבות ישנה nrg‏, 17/9/2009

[8] - مفكرون يساريون فلسطينيون، مثل إدوارد سعيد وغيره، أدانوا الاتفاقية واعتبروها خيانة من جانب الزعامة الانتهازية لمنظمة التحرير مقابل الحصول على رضا الإمبريالية. هذا التوجه لقي تأييدًا وسط قطاعات من اليسار الراديكالي

[9] - גדעון לוי, The IDF has no mercy for the children in Gaza nursery schools, הארץ, 15 בינואר 2009.

[10] - איתן רבין, החיילים שירו בנעמתי לא יישפטו, "nrg מעריב"

[11] - שבתי בנדט‏, בעקבות התחקיר:המשטרה ממליצה להעמיד לדין שני פעילי שמאל, וואלה!‏,27/3/2016

[12] - עופר עין גל, אייפד? איינַכּבַה!,ynet 29/4/2004.

[13] - אייל גרוס, הפוליטיקה של זכויות להט"ב: כרך ה

Amalia Ziv, Performative Politics in Israeli Queer Anti-Occupation Activism, GLQ: Vo:162010

[14] - שמעון כהן, 'עשרות מיליונים מממשלות זרות לארגוני שמאל', ערוץ 7, 10/2/2015

[15] - איתמר לוין, שקד מקדמת את "חוק השקיפות",News1 מחלקה 1/11/2015.

יוסי ניסן, ‏ 45% מס על תרומות זרות,גלובס, 8/11/2011

[16] - רוחמה מרטון, הבוגדים של היום הם הגיבורים של המחר,העוקץ, 17/9/2017

[17] - https://nif.org.il/

[18] - געלד גרוסמן‏, גוש שלום עתרה לבג"ץ: "חוק החרם - כתם שחור", באתרוואלה!‏, 12 ביולי 2011

[19] - http://palsolidarity.org/about

[20] - תמר דרסלר, "אנחנו רוצים שלום לישראלים ולפלסטינים כאחד", ynet 30/11

[21] - ירון אונגר, גבולות הציות והסרבנות לפקודה הצבאית, הכנסת: מרכז המחקר והמידע, ינואר 2010

[22] - Hamas: Left-Wing Encouraged Us to Attack.

, ערוץ שבע, 9/12/2008

[23] - יעל גרינפטר, מכתב השמיניסטים, באתר הארץ, 30 באפריל 2015

[24] - אודי מנור, יגאל אלון - ביוגרפיה פוליטית, עמ' 237-238.

[25] - דניאל אדלסון, יוזמה: סרבנים מעבירים משכורת צבאית לעזה, ynet 26/3/2009

[26] - מכתב השמיניסטים 2009-2010 באתר "פרופיל חדש"

[27] - פרץ קדרון, תנועת הסרבנות בישראל, בתוך:עד כאן! עדויות של סרבנים, ת"א, חרגול,2004, עמ'13-23

[28] - לונדון: "יש גבול" הגישה תלונה נגד חלוץ ויעלון, ynet13/9/2005

[29] - ירון אונגר, גבולות הציות והסרבנות לפקודה הצבאית, אתר הכנסת: ינואר2010

[30] - סרבן ראשון במלחמה בלבנון נשלח ל-28 יום בכלא,הארץ, 1/8/2006

[31] - אנדריאס ספק, הסרבנים הדרוזים: אפליה, השתקה ובורות באתר פרופיל חדש

[32] - אורלי נוי: "הסירוב לשרת הוא ההיסטוריה שלא קרתה"،19.10.2020  https://www.mekomit.co.il

[33] --עמירה הס, התחביר הפנימי של יידוי אבנים, באתר הארץ, 3 באפריל 2013.

-ישי פרידמן, פעילי שמאל חגגו שחרור אסיר שהורשע בניסיון לרצח חיילים, News1 29/11/2011.

[34] - דלית הלוי, עמירה הס: הפיגועים באיו"ש "לגיטימיים", באתר ערוץ 7, 19 ביולי 2015.

[35] - יואב יצחק, הטיפול בערפאת מתעכב בגלל 'חומת מגן אנושית'; News1 4/10/2003

[36] - ערן חרמוני :לאיפה נעלם השמאל הציוני? 21/5/2021 israelhayom.co.il

[37] - ד"ר נתנאל וולוך :ממשלת "שינוי" היא סופו של השמאל ynet 30.05.21

[38] - محمد حسني أي شعب.. وماذا يريد التاريخ، جريدة الاشتراكي، 15 أغسطس 2011

https://revsoc.me/-6142

[39] - אורי יזהר: עתיד השמאל בישראל : דעיכה או התחדשות? 2014. עמ'10.

[40] - (( עמ'12.

[41] - (( עמ'14.

[42] - ياسر أبو عريشة: المشتركة..تمثيل للجماهير أم تمثيل على الجماهير؟

https://www.haokets.org/ar/2021/01/30

[43] - יהודית ודמוגרפית: המספרים המפתיעים של ישראל 2020,www.maariv.co.i