مراجعات

أمينة عبد العليم

الجنوب في أعمال يحيى الطاهر عبد الله

2018.01.01

تصوير آخرون

الجنوب في أعمال  يحيى الطاهر عبد الله

 

يجسد يحيى الطاهر عبد الله في أعماله، التي تدور أحداثها في جنوب مصر، وقائع عالم كابوسي حافل بصور القهر والعنف والنفي والاغتراب، وهو يلتقي في ذلك مع اتجاه مرحلة الستينيات التي أطلقت لها العنان نكسة 67 بتداعياتها التي تركت صدمة شديدة الوطأة والتى استمرت آثارها في نفوس المصريين طويلاً.

 ويلاحظ أن أعمال كثيرة من كتاب الستينيات -ولا سيما في بدايتهم- تقدم هذا العالم الكابوسي بنبرة هادئة ولغة باردة أقرب إلى أساليب الرواية الفرنسية الجديدة التي كانت تخلو من الغنائية وما يلازمها من روح الشعر وموسيقاه، وتلتزم لغة تقريرية أشبه باللغة الصحفية. وقد نمت هذه الحساسية الأدبية الجديدة في أعمال هؤلاء الكتاب نتيجة لبحثهم الدؤوب عن شكل جديد، فقد كانت ثورةً منهم على الواقع المعاش وعلى القوالب القصصية القديمة، ورغبة منهم في مجاوزة الواقع وإعادة تشكيله. على أن قصص يحيى الطاهر عبد الله قد سرت فيها لغة شاعرية حافلة بالصور والمجازات استقاها من البلاغة الشعبية في الصعيد بحكاياته وسيره وبكائياته وحكمه وأمثاله وتعبيراته الخاصة. فابتدع يحيى الطاهر طرقًا خاصة به في التمرد على أشكال الكتابة الأدبية الراسخة، وانخرط في التجريب طوال مسيرته الأدبية، ليقدم أعمالاً متفردة شكلاً ومضمونًا.

إذا كان عالم الجنوب الريفي هو المادة الخام التي استخدمها الكاتب في أعماله التي تدور أحداثها في صعيد مصر، فإن هذه المقالة تحاول أن تلقي الضوء على الكيفية التي شكَّل بها الكاتب مادته الخام هذه بحيث يصوغ رؤيته للعالم. وتسعى لإبراز أهم تجليات تفرد الكتابة الجنوبية عن الكتابات التي تجسد أمكنة أخرى

يتكلم وليم فوكنر، الذي عاش في جنوب الولايات المتحدة حيث كتب كل أعماله، عن الطبيعة الاستثنائية لبيئة الجنوب(1) فيذكر أن في الجنوب ثمة تقبل مجتمعي عام ودائم لقيم المكان ورؤية مشتركة للحياة ومنظومة أخلاقية راسخة، لذلك يصبح الجنوب تربة خصبة للصراع عندما تصطدم إرادة الأفراد بإرادة جمعية مفروضة عليهم ويخضعون لها. إن الصراع الداخلي أو الصراع بين الشخصيات سواء في أعمال فوكنر أو يحيى الطاهر عبد الله قد يكون له تأثير طفيف في تحديد مصائرها، ولكن ما يقرر مصيرها بدرجة كبيرة هو وقوع الشخصية في أسر مواضعات ليس للشخصيات يد في صنعها. فمواجهاتهم الدائمة والأساسية يمكن أن تفهم بشكل أفضل مواجهة مع المكان والبيئة الاجتماعية التي أنتجتهم وعزلتهم.

ويختلف التقبّل العام للعالم أو الرؤية المشتركة أو المنظومة الأخلاقية المشتركة عن مفاهيم استيعاب الآخر والتغيير التقدّمي والتكيُّف. ويعكس مجتمع القرية الجنوبية -كما يظهر في أعمال يحيى الطاهر- بيئة محافظة قاسية ومغلقة على نفسها، وتتسم بتراتبية هرمية أقرب إلى التراتبية العسكرية وإرادة مجتمعية صلبة يدخل معها الأفراد في صراع نادرًا ما يفلحون في الخروج منه منتصرين بإحراز تغيير لصالح قضياهم. ويموج عالم يحيى الطاهر الجنوبي بشخوص يصطرعون مع ظروف قاسية يفرضها تاريخ قديم بامتداداته الخرافية والاجتماعية التي تحكم سلوك أفراده بسلاسل من حديد. وخروج أي من أفراد هذا الفضاء الجنوبي على تلك المواضعات الاجتماعية الجاثمة على صدورهم يقوده حتمًا إلى أن يكون عرضة لعقاب يتلقاه في صمت واستسلام لأقداره باعتباره من طبائع الأمور.

المكان/الجنوب

ينهض المكان/الجنوب بمفرداته المادية وتجلياته الاجتماعية من أعراف وموروثات وخرافة بدور أساسي في قصص يحيى الطاهر عبد الله، بحيث يمكن القول إنه أكثر العناصر فاعلية فيها. والوحدات الوصفية التي تشكل انعاكاسات الجنوب المادية والاجتماعية في أعمال الكاتب من شأنها أن تصوغ مجازًا للحكاية أو معادلاً موضوعيًّا لها. وقد تشي بالأحداث في القصة قبل تطورها، وتكوِّن لها إطارًا عامًا قبل سردها. وبشكل عام، فإنها تقود عناصر السرد الأخرى لتقديم الفكرة المحورية في أعمال الكاتب؛ وهي تأكيد القوة القهرية وسطوتها على الشخوص، وتجسيد مأساة الذات التي لا سبيل لها إلى مقاومة هذه القوة. وهكذا فإن الواقع الكابوسي لا يتشكل على مستوى الحكاية فحسب، بل يمتد إلى خارج جمالي. والمقاطع الوصفية تبرز مفردات المكان قبل سرد الأحداث وبعده، فتغدو مفردات المكان ومواضعاته الاجتماعية، على مستوى الشكل والمضمون، مدارًا مغلقًا يحبس الشخصيات ويقهرها ويتحكم في الأحداث ويوجهها إلى المأساة.

في قصة «جبل الشاي الأخضر»(2) من مجموعة «ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً» تجسد المجمرة التي يرقد فيها أباريق الشاي الجو العام في ظهيرة يوم من أيام أسرة صعيدية يحترق صغارها ونساؤها بسطوة رجالها. وينبئنا الماء المحترق الذي كان يهرب من تجويف عنق الأباريق الصغيرة، ويصفر، برغبةٍ مكبوتة في التمرد والصراخ تعتمل في الصدور، قبل أن يمضي السرد إلى ذروة الحدث عندما يصل القهر والعنف على مستوى شخوص القصة إلى درجة الغليان.

«كنت أرقب المجمرة: الأباريق الصغيرة الثلاثة كانت ترقد في الرماد الناعم.. والماء كان يتقلب بداخلها تحت قسوة الوهج ويقلقل الغطاء الحارس.. والماء المحترق كان يهرب من تجويف العنق ويصفّر.  وكان الإبريق الكبير يصفّر صفيرًا عاليًا فهو يرقد في قلب المجمرة تتحلّقه عيون الجمر الملتهبة وتتسلّقه حتى المنتصف وتتوهّج على سطحه النحاسي اللامع شديد الاحمرار».

تتحلّق الأسرة حول المجمرة في صورة تقترن في الأذهان بالأباريق الراقدة المحيطة بالإبريق الأكبر. وينقل لنا الراوي الطفل مشاعر السخونة والالتهاب التي يشعر بها، والدم الذي يفور في عروقه حتى تكاد تنفجر من أثر نظرات جده الحادة واتهامه له بأنه يبول على نفسه وهو نائم. وإلى جانب المجمرة، تكثف الشمس التي ألهبت السقف الشعور بالاحتراق، وتبرز صورة النسوة المحتميات بظل الجدار مدى سكينتهن وضعفهن وتهميشهن، ولكن الجاز الأبيض يستدعي إلى الأذهان إمكانية الاشتعال.

«مررت بالسقف: كانت الشمس الحرة من الغيوم قد ألهبته بالسخونة.. وكانت عواطف وعمتي «شرقاوية» محتميتين بظل الجدار القصير.. وكانت عواطف راقدة فوق حجر عمتها.. وكان رأسها نائمًا بين الفخذين.. وكانت عمتي تقلب شعر عواطف وتدهنه بالجاز الأبيض من كوز صفيح بجانبها».

يشكل هذا الوصف تمهيدًا للحظة التي تشتعل فيها الأحداث؛ حين يلقي الطفل/الراوي على أسماع الكبار فعلة أخته الصغيرة التي تعكس اشتهاءً جنسيًّا، يرصد السرد شدة التوتر بعرض حركة أجساد الشخوص في شكل تراجع الأم وهجوم الأب (انسحاب ثدي الأم من فم الرضيع إلى داخل الثوب الأسود، وتحول الأب إلى قصبة مشدودة مسنونة الرأس) في شكل مُحكم يجسّد تراتبية التفوق الذكوري وعلاقات القهر بحركات الجسد.

«قلت لأبي إن نوال دلقت اللبن، وإنني وجدتها فوق ظهر الجاموسة وإنها كانت تحرك ساقيها..قلت إن أصابعها العشرة كانت كعشرة مسامير من الحديد دقت أسفل بطن الجاموسة.. اصفرّ وجه أمي وسحبت ثديها من فم الولد رمضان فبكى.  وأرقدت هي ثديها تحت ثوبها الأسود «الباتستا»، أما أبي فقد قام منتصبًا كالقصبة المشدودة المسنونة الرأس، وكان جدي يدوس شفته السفلى تحت أسنانه».

ويجيء العقاب الدامي من نصيب الصغيرة جزاءً لها على خروجها على المنظومة الأخلاقية، ويتلقى الصغير نصيبه من العقاب، ربما لكشفه عن شهوة أخته المخبوءة. تتكرر تيمة عقاب الشخوص جراء تمردهم أو خرقهم للعادات الاجتماعية في أعمال يحيى الطاهر، بحيث يمكن اعتبارها من أهم سمات أعماله.

.. «كنتُ أشعر بطعم الطين في فمي وجانب وجهي نائم على السطح الترابي، الذي لم يَعُدْ جافًا.. وكان الدم يسيل من جانب فمي ولا يتوقف.. وكان ساخنًا ما زال .. وكانتْ نوال أختي معلقة مِن عرقوبيها بحبل مشدود إلى وتد ثُبِّتَ بجدار الغرفة.. وكان أبي يصعدُ ويهبطُ بكل جسمه كثور مذبوح،.. كان يرفع يده ويهوي بعصاة لينة رفيعة ويضرب الجسم العاري.. والدَّم كان يشخب مِن الجسد العاري، ويغطي وجهي ولا يجعلني أرى».

بعد لحظة الفوران العنيفة يعود السكون، وتُعدّ الأم الماء بالرماد لتسكين الطفل النازف على التراب، ولكن الأب يزجرها ويأمرها أن تسقيه الماء والليمون ولا شيء لتسكين الفتاة النازفة. تختفي المجمرة وتزول إشارات الاحتراق، ويبرز التراب والرماد والماء والليمون التي تستدعي معاني الخمود والبرودة، وتعود الحياة إلى سكينتها المعتادة، ويذهب الأب لإحضار الليمون وأوراق الشاي الأخضر من الجبل لعلاج ابنه وكأن شيئًا لم يكن.

وتجسّد قصة «الوشم»(3) من مجموعة «الدف والصندوق» معاني النفي والاغتراب في أقسى صورها، عندما يفقد جابر اليتيم الفقير عقله، ويتمرد على عشيرته لأنهم يرفضون إعطائه جملاً يقدمه مهرًا لمحبوبته فاطمة. وسرعان ما تقع هزيمة جابر النفسية بعد أن يتضور جوعًا في برد الليل والعراء. ويشكّل وصف الفضاء المكاني قرينًا لمعاناته الداخلية وواقعه الكابوسي؛ من غياب الشمس واحتراق الأفق الغربي والظلال السوداء للأشجار وصفحة الماء العكر وخيمة الليل السوداء الثقيلة والهلال الصغير والنجوم القليلة المتباعدة وصرخة الطائر.

«غابت شمس الصيف الكبيرة خلف تلال الغرب، وما زال الأفق الغربي يحترق، وكان لأشجار الأثل ذات الزهر الأصفر النامية على حافتي الترعة ظلال سوداء تتماوج فوق صفحة الماء العكر. وفجأة أسقط الليل خيمته السوداء الثقيلة، وثبت أوتادها في الأرض وظهر في السماء هلال صغير ونجوم قليلة متباعدة خافتة الضوء ومن مكان بعيد مجهول سمع صوت طائر أشبه بصرخة أم فقدت وليدها الوحيد».

ويمثّل مشهد جابر وهو يبحث باستماتة عن الأسماك في ترعة القرية لصيدها سدًّا لجوعه، صراعه مع المكان الذي يقهره. وتنتهي القصة وقد أيقظ العراء والبرد والجوع جابر من حلمه القصير، فأخذ يلوم نفسه مذكرًا إياها بمقولات الحكماء من عشيرته «الله يكره عبده الذي لا يعمل يا جابر. والله يكره المنشق عن أهله وعشيرته.. إن كانت فاطمة جميلة فالله أجمل من أي شيء وكل شيء» فيلوذ، بعد أن شعر بانسحاقه وهزيمته، بالثقافة التحتية للمكان التي تزدري التمرّد وتمجّد الحياة الجمعية

ويعلو في الخاتمة صوت الراوي الخارجي معلنًا نهاية قصة جابر:

«هكذا استحق جابر العقاب، فخرج من الماء ولبس قميصه وسرواله وجلس مسندًا ظهره على شجرة السنط المائلة».

ويمضي الراوي في تفنيد الإمكانات المتاحة لجابر؛ أن يسرق حمارًا من عشيرة أخرى من سوق البندر، وسيكون عليه أن يغافل عسكر الحكومة الذين يؤمّنون السوق. وربما يطلب رضا عشيرته التي تمرد عليها بسرقة السباخ الطيب من المعبد القديم، ومع الأيام سيشتري الجمل ويمهر به فاطمة.

وإذا كانت قصة «جبل الشاي الأخضر» تسرد واقع أسرة من مستوري الحال في إحدى قرى الصعيد، فإن قصة «الوشم» تحكي عن أحد فقرائها المعدمين. والصراع في القصتين، على اختلاف المكانة الاجتماعية لشخوصها، ناشب مع المكان. فصراع جابر مع العراء والبرد وخيمة الليل الثقيلة والبركة الخالية من الأسماك، ومع العالم المغلق محدود الفرص، والمواضعات الاجتماعية في القرية التي تتسم بتراتبية هرمية لا يمكن تغييرها، وجد جابر نفسه في أسفلها بيتمه وفقره وحاجته لعشيرة توفر له الحماية والأمان، ولكنها لا تمكنه من الحصول على مهر فاطمة.  فيقرر في النهاية الرجوع للعشيرة للنجاة من الجوع والتشرد.

وفي قصة «الدف والصندوق»(4) في المجموعة المسماة بنفس الاسم يطالعنا أوضح تصوير للمكان وهو يحاصر الشخوص وينقضّ على أرواحهم. وهذه القصة هي قصة ثأر تحكي عن الأم، تفيدة، التي قُتل زوجها الأمين خطأً وهو في طريقه راكبًا حمار صديقه شبيب؛ لأن القاتل أراد شبيب لا الأمين. وتطالب تفيدة ابنها صالح أن يقتل شبيبًا ثأرًا لأبيه، وترتّب لزواج ابنتها مريم الجميلة بنت الأمين صاحب الأراضي الزراعية من ابن أختها سعيد الوسخ، مقابل أن يوفر السلاح ليقتل به صالح شبيبًا. ويقع صالح في صراع بين إرضاء أمه، والخوف على مصير أخته بعد مقتل أبيه واختفائه من حياتها إن تورط في قتل شبيب. يحاصر الثأر صالحًا ومريم، ويصبح واضحًا أن الأخ والأخت مقدر لهما أن يفتك بهما القدر كما قضى على والدهما في خبطة عمياء.

وتعد صورة الطائر النهري الذي ينقض على سمكة بمخالبه في افتتاحية القصة مجازًا يلخص الفكرة العامة للقصة، وهي وقوع شخوصها في قبضة الأقدار بتورطهم بأشكال مختلفة في أسر الثأر ورصد تداعيات هذا التورط على أفراد الأسرة جميعهم. وتعكس عودة ماء النهر ليتماوج بلمعة الذهب وحرارته بعد الانقضاض الشعور بلا مبالاة العالم بما يقع من تصاريف القدر. والبيوت التي تبدو أكوامًا من تراب من صنع صبية صغار بين قدمي الجبل الغربي الكبير، أو كخراف ضامرة بمرعى واسع من الرمال الصفراء اللامعة تبرز الشعور بالحصار. فالجبل يحاصر البيوت الهشة، والصحراء تحاصر الخراف الضامرة. وتكثف الشمس التي «بدت كصبية عمياء مسوقة بنداء الطلسم المخبوء بصدر الجبل العريض» الشعور بفوضوية القدر الأعمى وعبثيته.

وتتوالى المقاطع التي تكمل صورة الفضاء المحيط التي تكثف الشعور بحصار المكان وسطوته على الشخوص:

«حين لاح حوض الخمسين داهم مريم انقباض مفاجئ (خمسون فدانًا هي ملك لهم، مغطاة بشجيرات العدس«هي زراعتهم، تحوط البيت الوحيد» بيتهم (...)

البيت الكبير الواسع مثير للضجر وموحش أيضًا.. وهو الآن ينقض على النفس كما تنقض حوائط القبور على الموتى».

تطالعنا صورة الانقضاض مرة أخرى، لا في شكل الطائر الذي ينقض على فريسته هذه المرة، ولكن البيت نفسه ينقض على أرواح قاطنيه. إن للمكان سطوة تطول الجميع وتقهرهم بدون أي ذنب اقترفوه، فهم -كما قال وليم فوكنر- في مواجهة أساسية مع المكان وهذه المواجهة هي التي تشكل محور الصراع في الجنوب.

ويقيم السرد تعارضًا بين الأم التي تطلب الثأر وتلح في طلبه، ومريم وصالح اللذين يطمحان إلى التحرر من أسر الثأر وقبضة التقاليد. فالأم تمثُل في مشاهد متلازمة مع النار واللهب والسواد، ومشهد الأم عندما يلسعها القِدر الملتهب وهي ترفعه بعيدًا عن نار الكانون، ثم وهي تلقم النار بفرعين لينين من الحطب من شأنه أن يشعر المتلقي أن النار تغذي مشاعر الاحتقان والثأر لديها وهي بدورها تضرم النيران وتزيد اشتعالها. وهي تحاصر ثدي مريم المبتل بعينيها بينما كانت مريم تفرغ الماء في الزير (الماء ملازم لمريم). ويحيط بالأم اللون الأسود في الفرن وثوبها وطرحتها ووسخ الفانوس من الداخل والظلمة التي تحيط بالبيت وهي في انتظار صالح وسعيد للترتيب للثأر.

وتعكس كل مشاهد مريم طلبًا للحرية من ربقة المكان، فمريم تود لو أنها تخوض في الماء بينما تملأ الجرة لتشعر براحة، ولكنها تخاف من الجنيات ساكنات القاع وسخط والدتها.. وهي تديم النظر للسماء من فتحة السقف وهي تطلب لروحها الراحة من الهم الذي يجثم على صدرها وتضرب على صدرها وتشق ثوبها إلى نصفين «... وانفجر ثديان أربعة عشر عامًا.. يمامتان فزعتان تأهبتا للانطلاق لكنهما مشحونتان من الداخل برمل وحصى ساخن» وهي تشعر أن البيت ينقض عليها كما ينقض القبر على أرواح قاطنيه. ولا مهرب لصالح؛ شأنه شأن مريم من حصار المكان وشعوره تجاه المكان كشعورها، إنه يكره الدار والجاموسة وأمه والحمار وزراعتهم والدنيا بجملتها. يحدق في لهب الفانوس ويجهده بياضه القذر، وتقع عيناه على الشاي الأسود الذي سكبه سعيد على السجادة وعلى ثوب أمه الأسود فيحس بكره لشيء ما، ويتابع سعيد وهو يرفع الطبنجة السوداء مرتين متفاخرًا بما جاء به ليفوز بـمريم. وتحاصره الأم بنظراتها ونحيبها وترديدها المستمر «الليلة يا صالح.. يموت شبيب الليلة.. وابن عبد الرحيم يشوف الظلمة، لتعرف روح أبيك يا صالح الراحة وتذوق نوم الميتين.. الأمين أبوك أبوك يا صالح».  حينها يبلغ شعور صالح بالحصار أقصى مداه، فيضغط على كوب الشاي فيكسره ويقذف به على الجدار ليهشمه. ويقفز السرد لذروة التكثيف حين يفرغ صالح رصاصات الطبنجة على كلب الدار.

يعاند القدر الشابين ولا يسقيهما إلا طعم المرارة، فـصالح ومريم يمسكان بأحد فروع شجرة الجوافة ويقضمان الثمرة الصفراء من المكان نفس قضمة واحدة لكل منهما، ويتركانها بعد أن تلذعهما مرارتها. ويتركان الفرع لتطل عليهما الثمرة من علٍ بعناد. وتنتهي القصة بـمريم وهي تحلم بأنها تقع في هوة عميقة ومعتمة، وتضحك بجلجلة لأنها تسقط في الهوة مع أخيها صالح.

يعتمد تماسك الوحدات السردية في قصص يحيى الطاهر على الربط بين عناصر المكان والشخوص، وعلى قدرة الكاتب على رسم الشخوص ببراعة بخلق علاقات تلازم أو تباين أو مواجهة مع مفردات المكان، ومن ثم يجعل المكان عنصرًا فاعلاً في تكثيف الحدث.  فالشمس الحارة والجدران الملتهبة وصهد الفرن واللون الأسود الثقيل والبيت والثمرة المرة هي من أهم تجليات قوة القهر والتسلط التي يقع الشخوص في أسرها من ناحية ويصبح حضورهم من خلالها وملازم لها من ناحية أخرى. وما أن ينتهي الكاتب من تأكيد هذه العلاقة الديناميكية بين المكان والشخوص لا يعود ليكمل القصة بنهاية تقليدية، وكأن كل ما أراده الكاتب أن يظهر هذه العلاقة.

وتسرد «الطوق والأسورة»(5) وقائع مأساة أسرة فقيرة الحال تعيش في صعيد مصر، زالت عنها الهيمنة الذكورية نتيجة لشلل الأب؛ بخيت البشاري، وغياب الابن، مصطفى، لتبقى الأم، حزينة، وابنتها، فهيمة، وحيدتين تتلقيان ضربات القدر واحدة تلو الأخرى. ولم يفلت بخيت ومصطفى البشاري من ملاقاة المصير التعس، فعندما يقتل السعدي نبوية ويفضح مصطفى في مكان عمله، لا يستطيع مصطفى تحمل نظرات الزراية في عيون أهل القرية فيصاب بالشلل. وهكذا تكتمل الدائرة فتنتهي قصة «الطوق والأسورة» بـحزينة في بيتها مع ابنها المشلول كما بدأت بها مع زوجها المشلول. وهكذا يؤدي تفاقم ضعف الشخصيات المادي والمعنوي في صراعها مع المكان بظروفه القاسية العنيدة إلى الإطباق على شخصيات القصة كالطوق ويحبسها في مدار مغلق ويصرعها ويمضي بها إلى مصيرها المحتوم.

وتمور الرواية بمتتالية انبثاق الحلم والرغبة وابتسارهما. فـمصطفى-الابن الغائب- يسافر لكسب الرزق في السودان، ولكنه يتمرد على رئيس العمال، فيسافر للعمل في فلسطين ثم تقوم الحرب. ويشكل جماعة لنهب معسكرات الإنجليز في مصر، ومع ذلك ينتهي به الحال عائدًا مفلسًا إلى قريته. وفهيمة تتوق للزواج، وان كانت في داخلها تشتهي أخاها مصطفى، ويتقدم لخطبتها الحداد صاحب القراريط الزراعية، ولكنها تكتشف عقمه وعجزه الجنسي بعد الزواج. وترتكب المحرّم في طقس أسطوري في المعبد لتنجب وتنقذ زواجها، ولكنها تُطلَّق ثم تمرض وتموت. وابنتها نبوية، ثمرة الحرام، تتفتح كزهرة جميلة، وتقع في الحب وتمارسه مع ابن الشيخ الفاضل فيقتلها السعدي ابن خالتها.

ومن اللافت للنظر أن منظور السرد في هذه الرواية يغلب عليه النسق القيمي الشعبي، القادم من أفكار دينية وحكمة أزلية، فنجد مثلاً أن فكرة الجزاء والعقاب تسيطر على الأحداث وتحكمها(6)، فـمصطفى يواقع زوجة رئيس العمال في السودان، فتخونه زوجته الشامية في فلسطين. وفهيمة تقع في المحرّم في المعبد، فتطلَّق وتصاب بالحمى وتموت. بل إن الأحداث تتخللها مقاطع سردية تعبّر عن حكم شعبية تذكرنا بمربعات ابن عروس والراوي الشعبي الذي ينهي كل جزء من سيرته التي ينشدها بحكمة مستنبطة:

من حكم الليل معلم القرى

«نجمة مشتعلة هوت من السماء الزرقاء العالية واحترقت قبل أن تبلغ الأرض: لو مسَّت الحيوان أو البشر أو الزرع وحتى الجن، لتحول إلى رماد».

يعد هذا المقطع، بمثابة الإنذار بعقاب السماء، يسبق دخول الراوي في عالم فهيمة الداخلي، وكشفه عن عشقها السري المحرّم لأخيها مصطفى، فكانت تتعمد أن تثير غضبه ليضربها -ربما لأن الضرب هو وسيلة التلامس الوحيدة الممكنة في هذه البيئة بين أخ وأخته- وكانت تشم ملابسه قبل غسلها، وتتلصص عليه وهو يبول، وإن كان اشتهاؤها له لا يصل إلى درجة ارتكاب الكبائر. إن هذا المقطع سيمهد القارئ لتقبل مصير فهيمة عقابًا من منظور ثقافة الجنوب التحتية، ومجيء هذا المطلع في افتتاحية القصة بمثابة إعلان عن هوية المكان وسطوة المنظومة الأخلاقية فيه على مسار الأحداث.

وهناك مقطع آخر يرد على لسان الراوي بعد أن دبرت حزينة ذهاب ابنتها فهيمة للمعبد، حيث كانت تعتقد أن ثمة طقوسًا سحرية فيه يمكن أن تساعدها على الحَبَل بعد أن علمت من ابنتها بعجز زوجها الجنسي.

«له التدبير الأعلى، أرسل الموت في صورة خنجر بيد مجوسي خسيس إلى ابن الخطاب عمر، وهو أمير المؤمنين، ورمى النطفة في بطن فهيمة، فإذا هي حبلى بعد عام ونصف من زواجها بالحداد».

«مكرت حزينة، لكن الله خير الماكرين، وها هي حزينة تجني الثمرة المرة. لقد خرجت فهيمة من بيت الحداد طالق بالثلاث...»

لا يرد هذا المقطع  على لسان شخصية من الشخصيات، ولا يُمثّل الكاتب ورؤاه التقدمية، ولكنه تعليق الراوي الخارجي على الأحداث التي سبق أن رواها.  إن الراوي هنا يعرض العظة من منظور قيمي جنوبي.  ومن ثم، فإننا إزاء رواية أراد لها الكاتب أن تكون جنوبية خالصة ليس في مفرداتها وعالمها وشخوصها فحسب، ولكن من ناحية راويها ومنظورها السردي كذلك. فالكاتب تجنب سرد الحكاية من منظور انحيازاته الفكرية.

لا يكف الكاتب عن التجريب والبحث عن تقنيات ليكسب قصصه صبغة صعيدية زاهية، فلا يكتفي باندياحها على مفردات المكان والراوي والمنظور، وإنما يلجأ لخلق عالمه الجنوبي الخالص إلى المواويل والبكائيات والحكاية الشعبية والخرافة والأساطير، ويسردها جزءًا لا يتجزأ من وعي شخوصه بالحياة وبالواقع.  فالكاتب يوظف تيمات الحكايات الشعبية والمواويل بأكثر من طريقة: منها التناص حين تتماهى الحكاية أو الموّال مع القصة وتشكل نصًا مختفيًّا وراء النص المحكي، ومنها استدعاء الحكاية الشعبية بشكل مباشر بحيث تساهم في تكثيف الحدث. من الطريقة الأولى، نتذكر موال شفيقة ومتولي مع غياب الأخ ووقوع فهيمة في المحرّم، وترد إلى الأذهان حكاية علي الزيبق أو علي بابا والأربعين حرامي؛ حين يسرد الراوي خبر الجماعة التي كوَّنها مصطفى لنهب معسكرات الإنجليز. ولا يقف توظيف الحكاية على التناص الداخلي، وإنما نجد أن قصصًا شعبية مبثوثة في ثنايا النص كجزء من وعي الشخصيات مثل سيرة الهلالي المرسوم على صندوق زواج فهيمة، والذي يذكرها بـمصطفى ومكانته في قلبها التي تضاهي الفارس الشجاع ذا الشوارب، وقصة الأرامل الثلاثة التي تتوارد على نفس فهيمة المحمومة قبل موتها، وكذلك قصة اليهودي وابنته التي أغوى بها العرب ليقتلهم والتي كانت مجازًا لاحتلال فلسطين.

وحيث إن عالم قرية الكرنك في الطوق والأسورة منزو بعيدًا عن الحياة المدنية، لم تخترقه أفكار الحداثة، فقد بقي عالمًا بكرًا خالصًا منغلقًا على ثقافة قديمة مستمدة من موروثات موغلة في القدم، وبقيت الخرافات والأساطير تشكّل جزءًا لا يتجزأ من نسيج هذا العالم، وهي تتفاعل مع الواقع تفاعلاً حقيقيًّا وتسهم في تغييره. فتلازم الأساطير طقوس الموت والإخصاب والحمل والمرض وتذكير الغائب بمحبيه، وتُنسج حول الأولياء لترتفع بهم فوق مكانة البشر.

وللموت في «الطوق والأسورة» علامات تعرفها العين الخبيرة ترتبط بمجيء ملاك الموت الذي يأتي ضاربًا بجناحيه العظيمين الهواء فيطلق الرياح من محبسها البعيد. وقد تكون الرياح خفيفة بحيث تحرك الأوراق الخشنة للأشجار وتجعلها تحتك وتصدر أصواتًا أشبه بزحف الحيات كما سارت الأمور قبل موت بخيت البشاري.

أو تكون كالخيل الجامحة، تحمل الأعواد اليابسة من فوق أسطح البيوت، وتنزع الأوراق الجافة من فروع الشجر، وتثير التراب، وتضرب الوجوه والبيوت بالورق والقش والتراب، وتحطم الأبواب الواهنة، وتقود نتف السحاب ليتجمع غيمات داكنة في وسط السماء فتبكي ويسقط الدمع الطاهر، وهي العلامات التي لازمت موت الشيخ الفاضل. والعين الخبيرة تدرك هذه العلامات وتغمض لدى مجيء ملاك الموت لتتركه يقوم بمهمة قبض الروح من الجسد والصعود بها في سلام

والغجرية التي تكلم الحجر تنبئ حزينة أن مصطفى سيحطّ على البرّ بسلام في الشمس الثامنة. والشيخ الفاضل، الذي يطفو على الماء قاعدًا على ثوبه، ويقوم بجولات لمكة المكرمة وقبر الرسول في غمضة عين، يساعد حزينة بتدبير خفي، بعد أن انقطعت رسائل ابنها الغائب، على عودة التواصل والنفحات المالية. وأخت «الحدّاد» زوج فهيمة تستعين ببنات الجن لمنع الإخصاب بعمل الأنشوطات والعقد التي تربط رجولة أخيها، فيكون على فهيمة وحزينة أن تردا الشر إلى صانعته، بدفن ورقة مطوية تسعة وتسعين طية تحت عتبة باب الحدّاد، وبشيّ قلب هدهد أبيض وصحنه لدقيق ناعم، ونثر الدقيق خلف كل زائر يدوس بقدمه عتبة داره. وعندما تفشل المساعي في رد سحر الجان، تدفع حزينة بابنتها إلى قلب المعبد الفرعوني. وفي المعبد، يكون على فهيمة أن تدخل إلى الرجل الذي كان يتفاخر بفحولته، فحوَّله الله إلى حجر أسود بارد وجعله مكشوف العورة إلى أبد الآبدين. وتفقد فهيمة الوعي عندما ترى الرجل الضخم الأسود مكشوف العورة يخطو نحوها.

وبعدها ترقد فهيمة في سرير أبيها الميت مصابة بالحمى، ويعاودها اشتهاء أخيها حتى أنها تتمثل في خاطرها لقاءً حميميًّا بينهما.

«أشم رائحة عرقه، أشم رائحة البول على التراب الجاف ورائحة الجميز الأخضر العطن، اشتهيه، أنت أخي وأنا بنت الأب والأم، هالك حضني.. خذني.. تعال».

وهكذا يتحد اشتهاء الأخ مع طقوس الإخصاب في المعبد في ذهنية فهيمة لتنجب نبوية أو حورية، كما أراد الحدّاد أن يسميها، ولا يخفى ما في الاسمين من إشارات إلى الطريقة السحرية التي خرجت بها هذه الابنة إلى الوجود. ولكن فهيمة كانت تدرك أن الكفار قد تحولوا إلى كباش عقابًا لهم على زواج المحارم، وهكذا تظل بذرة الذنب والشعور بالإثم الذي يستحق العقاب كامنين في داخلها. وعندما تسمع بمقتل عمال الآثار بعد انهيار جزء من المعبد، تدرك بحدسها أن وقت العقاب الجماعي قد حان لكل من كانت له علاقة بالمعبد الملعون،خصوصًا بعد علمها بسقوط العربة بمهندس الآثار الفرنسي في النيل وموته غرقًا، وبإصابة زوجة رئيس عمال الآثار في المعبد بمرض يجعلها تنجب الأولاد فيموتون في شهرهم الأول. ومن ثم تستسلم للقوة الغلّابة التي تقودها إلى حتفها، وتموت متقبلة قدرها برضا وابتسام.

تتميز كثير من قصص يحيى الطاهر عبد الله التي تدور في جنوب مصر بمسار دائري من شأنه أن يؤكد ثبات جوهر العالم الجنوبي واستمراره على المنوال نفسه. فتنتهي الأحداث كما بدأت لتظهر سطوة القانون الذي يحكم هذا العالم رغم كل محاولات مراوغة هذا القانون وخرقه. والتيمة الأساسية لهذه البنية الدائرية هي: التمرد/العقاب/الانصياع والإذعان، حيث يسلب قانون المكان الشخوص حريتهم بسطوته القاهرة، فيدور الصراع الأساسي مع المكان المغلق بمفرداته التي تتجلى فيها إرادة القهر. ولا مفر لمرتكب الإثم أو المتمرد على قانون المكان من العقاب، فيتلقى العقاب صاغرًا كان أو راضيًا.

بنية الواقع الاجتماعي في الصعيد:

كتب يحيى الطاهر عبد الله ما عرضت له الدراسة من أعمال بين عامي 1961 و1975(7). وفي هذه المرحلة وما قبلها كانت مصر تمور بأحداث كبرى بعد نكبة 1948 والتغيرات السياسية بعد عام 1952. وعلى الرغم من إقامة مشروعات اقتصادية ووطنية مثل السد العالي وجامعة أسيوط ومصانع قصب السكر، فقد بقي الصعيد محرومًا من معظم الخدمات في مجال التعليم والصحة والتطوير العمراني وشبكات الكهرباء والصرف وأماكن الترفيه. وتبعد قرية الكرنك عن العاصمة 670 كيلومترا، قد فرضت عليها تضاريس المكان عزلة نسبية بموقعها في شريط وادي الصعيد الضيق المحاط بالصحراء من الجانبين مقارنة بامتداد الوادي الفسيح في الدلتا. وتضافرت هذه العزلة مع غياب مشروعات التحديث والتنمية في بقاء حياة الريفيين قائمة على الزراعة في المقام الأول قبل عصر التوسع في المشروعات السياحية بعد هذه المرحلة. فلم تطرأ تغيرات ذات شأن على البنية التقليدية للمجتمع العشائري من المزارعين، وظلت العشيرة توفر للفرد حاضنة اجتماعية بشرط قبوله لمنظومتها القيمية

وإن كانت التغييرات في الواقع السياسي والاجتماعي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لم تغير من البنية التحتية في عالم القرية، وبالتالي لم تتأثر بنيته الفكرية والاجتماعية، فقد تركت أثرًا ولا شك في يحيى الطاهر عبد الله نفسه وفي غيره من المتعلمين(8) الذين تكوّن لديهم وعي بتعقد الواقع حولهم، فأصبحوا مدركين للتناقضات الاجتماعية الظالمة داخل المجتمعات الريفية الصعيدية. والتقاليد التي يرفضها هؤلاء لها سطوة مستمدة من سلطة العشيرة التي تتحكم في حياة الفرد فيها، تفرض عليه الزواج من الأقارب ومقدار ما يحصله من تعليم، وترسم له حدود حركته، وفي كثير من الأحيان تجهض قدراته وأحلامه وتحصر توقعاته لمستقبله في العمل في الأرض.

نجد صدى هذه الحياة العشائرية الجمعية القاهرة في أعمال يحيى الطاهر عبد الله في سيطرة القيم الأبوية واتباع العنف في أساليب التربية كما طالعنا في قصة «جبل الشاي الأخضر» وفي طرد العشيرة لمن يتمرد على قيمها وتهميشه لها كما في قصة «الوشم»، وسخرية القرية من الآخر المختلف جسديًّا في قصة «محبوب الشمس»(9) وهو طفل الألبينو قصير القامة الذي يسخر منه أهل القرية، وفي منع المرأة من تلقي ميراثها في الأرض كيلا تورث أولادها الغرباء نصيبها وتبقى الأرض في حوزة الأسرة، كما في قصة «الوارث»(10) حيث يطالعنا السرد بموقف يتخذه الطفل الذي حرم الميراث من الفقرة الأولى، فقد سرق مطواة جده وأخفاها كيلا يأخذها خاله. والعنوان الملتبس يجعل هذا الطفل في تعارض مع الخال فكلاهما وريث للجد.

«سرقت مطواة جدي: ذات الحدين.. والمصدفة بناب الفيل، أخفيتها وسط حبات البامية اليابسة ببطن الجرة المكسورة الرقبة »حتى لا يراها خالي عندما يزورنا فيأخذها.

قالت أمي: لقد أخذ خالك كل شيء تركه جدك.. وميراثنا أكثر من قيراطين يدفع إيجارهما».

والطفل سارق المطواة يتيم الأب، ووحيد أمه، يصنع ألعابه بنفسه فيصعد إلى النخلة، على الرغم من فزع والدته، ويقطع جريدتين بمطواة جده المسروقة. ومن هاتين الجريدتين يصنع هيكل لشبكة يركب في وسطها قماش دانتيللا من ثوب عرس والدته. وينطلق في صيد الأسماك من ترعة الدم في القرية. وتساعده والدته فتجلب له ثمرة قرع مجوفة تساعده على الطفو وسط الترعة وتحميه من الغرق وخطف الجنيات له في القاع.

ويحكي الطفل بالتفصيل كيف اصطاد سمكة كبيرها لتعدها والدته وجبة عندما استضافت خاله في البيت.

«شوت أمي نصفها.. وصنعت من النصف الآخر طاجن متبل.

بالليل جاء خالي لزيارتنا، أكل من النصف المشوي، ولم يقرب الطاجن. كانت معدته مريضة من حوالي العامين« قال له هذا طبيب الصحة، قال خالي: هكذا أنت شقي، وأعطاني قرشًا. قلت لأمي بعد أن مشى خالي: عندما أصبح كبيرًا لن يعطيني قرشًا.. حتى ولو اصطدت التمساح الذي أكل لحم هنية الأبيض، ووافقتني أمي».

وهكذا ينقل لنا السرد افتقاد الطفل لمشاعر الألفة بينه وبين خاله، وهو ربما الرجل الوحيد في الأسرة المناط به رعايته بعد موت والده. وفي الجزء التالي من القصة يقضي الطفل الليل تؤرقه كوابيس اليقظة فوق السرير الجريد على سطح البيت. فيتذكر قصة جارهم الذي قتل هنية زوجته وألقاها في النهر فأكلها التمساح، ثم عاش شاردًا في البلاد. ثم يري في منامه رأس الجار يطل من فوق نخلتهم شديد السواد.

«كنت أرتعش كفرخة مذبوحة بسكين ذات حدين، كنت أحس بدمي باردًا، وكان قلبي يتقافز بين ضلوعي .. خفت أن يطير بعيدًا عني: حيث القبور وأبي والأرواح السوداء والبوق الناعق والجمسي الشارد.. صرخت وانغمست أكثر في حضن أمي، قلت: هي غيوم سوداء وكثيفة تتحرك أمام مقلتي العين، ولا يعود الإنسان يرى.. أليس كذلك أصبح ميتًا؟».

 يسلط الخطاب السردي بؤرة العدسة على معاناة الطفل من المنظومة الأبوية عندما تفتقد أهم خصائصها؛ وهي رعاية العشيرة لصغارها الأيتام. وليل الطفل المؤرق في الجزء الثاني من القصة نتاج النهار في أولها، والكوابيس التي رآها تشير إلى افتقاده للأمان في عالمه الذي يتنكر فيه الجميع لحقوقه. وهكذا يشعر الطفل أنه في العراء بلا راع أو حام، وتتسرب فكره الموت من شقوق لا وعيه فيشعر أنه كفرخة مذبوحة بسكين ذي حدين. والموت هنا هو مرادف لشعور الطفل بأن عائلته قد نفت وجوده ولفظته، فقوانين المكان لم تفسح له فرجة تمكنه من حقوقه، وغضت عنه النظر، وكأنه مات مع والده.

كما نجد صدى نظرة الجنوب العنصرية للغريب في قصة «ليل الشتاء»(11) من مجموعة «ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً». وهذه القصة تسلط الضوء على ما يعانيه الغرباء في مجتمع الكرنك من مشاعر النفي والاغتراب بسبب نظرة المجتمع العنصرية إلى الغريب عن المكان. إذ يترتب على هذه النظرة أوضاعًا طبقية من شأنها أن تجعل الغريب في مرتبة اجتماعية أدنى. وهكذا لا تتشكل هوية الإنسان بأفعاله وإنما بأصله الذي ينتمي إليه. تبدأ القصة والليل يحاصر زبيدة بأفكاره والروماتيزم بآلامه، وتنهكها المعركة التي تدور بين زوجها وأخيها ويؤرقها انحياز ابنها لخاله، وغضبه من أبيه.

ووفقًا لرواية زبيدة للأحداث نفهم أن هناك تراتبية طبقية في الكرنك يتقلد فيها ابن العرب أعلى مكانة ويأتي من بعده الفلاح ثم البحراوي

«والبحاروة أغراب، والغريب في الكرنك بلا أهل ولا حسب.. مرور الأيام جمّل (البحراويات) في عين رجالات العرب وأبناء الفلاحين فكان النسب.  جرى الدم في الدم، ولكن بنت العربي حرام على البحراوي والفلاح.. وبنت الفلاح حرام على البحراوي حلال للعربي.. وبنت البحراوي حلال للجميع عربيًّا كان أم فلاحًا».

تزوج العسكري سيد من زبيدة، وهي من البحاروة. وعندما اكتشف أخو زبيدة حقيقة أصول سيد المتواضعة، ثار وقرر مقاطعته.

«عملتها يا بتاع إسنا، شربتنا المقلب وخلاص. أنا لما بمشي بطاطي دماغي. لا أنا من العرب عشان أقيم راسي وسط الفلاحين، ولا أنا م الفلاحين عشان أقيم دماغي وسط أهلي». « انت جمسي.. جمسي(12) أنا بريء منك ومن أولادك ليوم الدين.. يا راجل أطاطي راسي وسط أهلي. دا حرام يا شيخ روح منك لله».

ويقابل سيد النظرة الجنوبية العنصرية بنظرة عنصرية مضادة، فيقدح في البحاروة بدوره «أخوكي لازم يعرف إنه وساخة تحت الظفر.. حمار يحط عليه الفلاح بردعة.. والعربي يركب ويهز رجليه». ولكن سيد مع ذلك يشعر دائمًا بوضعه المتدني في القرية، ويحذر زوجته من أن يتجاوز ابنهما في الكلام والشجار مع الأولاد وقت اللعب: «يا ستي أنا غريب عن البلد دي.. لا أهل ولا أحباب.. ولدك لازم يعرف كده.. أنا مش قد حد».

طبخت زبيدة لإمام المسجد بطة، وأخذتها له ليقيم جلسة الصلح بين شقيقها وزوجها، فقرأ الفاتحة، وذكّر الحاضرين بقصة النبي مع المهاجرين والأنصار، ووضعهم في مقابلة مع عرب الكرنك والبحاروة. وقدم تفسيرًا تلفيقيًّا تراثي الهيئة للجمسيين يعيد إليهم المكانة الاجتماعية ويجعلهم من العرب لتهدأ النفوس:

«تنكر أهل النبي له.. هاجر للمدينة.. وهاجر البحاروة إلى الكرنك.. قابلوه بالدفوف في المدينة، وقابلت الرجال بنات البحاروة بالدفوف. حياة النبي سيرة.. المهاجرون أهله وهم عرب الكرنك وأشراف قريش.. والأنصار أحبابه وهم أنصار المدينة وفلاحو الكرنك.. حياة النبي سيرة.. جاء القوم متأخرين.. قال النبي: جم مسا.. كانوا يسقون في الخلاء وأدركهم المساء. الجمسات عرب عرب.. وفي الدين مبتغى الجاهل».

وكلمة الجمسي معناها في الصعيد ذو الأصل المتواضع أو من لا أصل له، وتلاعب بها إمام القرية لغويًّا للخروج من المأزق. وهكذا لا يواجه رجل الدين الأفكار العنصرية التي تجعل ذوي الأصول العربية في منزلة أعلى من الآخرين ولا سيما وأنه يمكن أن يجد من النصوص الدينية ما يدعم هذه المواجهة، ولكن الدفاع اتخذ مسار التأكيد على عربية الجمسي. وهكذا يتم حسم الخلاف دون المساس بالبنية الفكرية العنصرية في القرية.

تختلف الحياة الدينية والروحية في الصعيد عن شمال مصر، فالطرق الصوفية تنتشر في الصعيد منذ قرون، ولا سيما الطريقة الإدريسية والنقشبندية والجعفرية، بممارساتها من إقامة الموالد مثل مولد أبو الحجاج بالقرب من قرية الكرنك، ومولد سيدي أحمد في الأقصر، ومولد الشيخ أحمد فرغال في أبو تيج في أسيوط. وتقام حلقات الذكر بشكل أسبوعي بعد صلاة الجمعة ومن عادات أهل القرى زيارة الأضرحة والتبرك بالأولياء. وهذه الطرق قد ساهمت في تكوين الشخصية الصعيدية، وتركت أثرها العميق في ممارسات أهل القرى في الجنوب. وتاريخيًّا، نشأت هذه الطرق الصوفية في أرض الحجاز وامتدت إلى السودان أولاً ثم إلى صعيد مصر، وظلت بينها صلات قوية ربطت هذه المجتمعات القبلية ببعضها البعض بعيدًا عن مؤسسات الدولة الرسمية. وبعد احتلال السعودية للحجاز ونشر الوهابية، فُقِد الحجاز كمركز للصوفية، وبقيت العلاقات بين السودان والصعيد. وكانت هناك محاولات من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لتحجيم سيطرة الصوفية على الحياة الروحية في الصعيد. إلا أن الصوفية ظل لها وجود قوي حتى اليوم(13). ونجد في القرية إمام المسجد الذي يمثل المؤسسة الدينية الرسمية وشيخ الطريقة الذي يلجأ إليه أهل القرية للحصول على البركة والدعاء والنصيحة والحصول على أحجبة المحبة وإعادة الغائب وطرد الأرواح الشريرة..إلخ.. والصوفية بممارساتها الشعبية في القرى تتواءم مع المجتمعات العشائرية والأفكار الأسطورية السحرية التي تسيطر على عقلية العوام في القرى.

ويظهر رجل الدين في أعمال يحيى الطاهر عبد الله في صورة الخاضع لقيم العشيرة، كأنه واحد من أفرادها وهو كذلك. فهو كما رأينا في قصة «ليل الشتاء» يقدم حيلة تلفيقية ويتلاعب باللغة ليحل النزاعات الناجمة عن العنصرية، ويتجنب نقد الفكرة نفسها ربما لأنها جزء من تكوينه الثقافي بوصفه واحد من القرية وجزء من نسيجها. وهناك مشاهد سريعة يظهر فيها رجل الدين في قصص أخرى، ففي قصة «محبوب الشمس» عندما يشكو والد «محبوب»، وهو طفل الألبينو، لإمام المسجد سخرية أهل القرية من طفله وشعور زوجته بظلم أهل القرية لابنها، ويطلب منه أن يعظ الناس في خطبة الجمعة، ينصحها أمام المسجد بالاستسلام للمقسوم لها.

«يا حاجة الشيخ بيقول: الرضا بالنصيب زي عمل الطيب تمام، ويا بخت من يصبر ع المقسوم».

أما الشيخ «موسى» الولي الصوفي فله مكانة عالية في القرية وكرامات ترددها شخصيات يحيى الطاهر في أكثر من عمل، لجأت إليه «حزينة» في رواية «الطوق والأسورة» أكثر من مرة منها عندما انقطعت رسائل ابنها فحلت البركة وعادت الرسائل بعد فترة قصيرة. وفي قصة «طاحونة الشيخ موسى»(14) يذهب «نظير» بقال القرية ابن الخواجة «يسى» ومعه عمدة القرية والهدايا للشيخ «موسى» ليطلبا منه أن يطأ بقدميه على طاحونته الكهربية الجديدة ليباركها، لأن أهل القرية وقر في أذهانهم اعتقاد شعبي أن الطاحونة تجلب الشر على أطفال القرية ولا يشفي غليلها إلا دماء الأطفال. فيستجيب له الشيخ موسى على الرغم من هواجسه، وتنتهي القصة بنظير وهو يعلق لافتة كبيرة على مدخل الطاحونة «طاحونة الشيخ موسى» فيستخدم الشيخ ورقة رابحة ليضمن المكاسب من إقبال أهل القرية على طاحونته.

والشيخ صاحب الكرامات في أعلى مكانة لدى أهل القرية يضفون عليه هالة من القداسة كما كان أسلافهم في مصر القديمة يعبدون فرعونهم وفي مصر القبطية يبجلون قديسيهم. وشخصية الشيخ موسى مرسومة بدقة ويكتنفها الغموض في الوقت ذاته، ولا نلمح نقدًا مستترًا لها فيما بين السطور، فالكاتب متماه مع راويه الشعبي. بل يشعر المتلقي أن أهل القرية هم الذين جعلوا من الشيخ موسى وليًّا، وأضفوا عليه ملامح القداسة، واختلقوا له الكرامات والخوارق ليدرأ عنهم مصاعب واقعهم القاسي في مقابل هداياهم البسيطة. ورجل الدين، في أعمال الكاتب، جزء من نسيج القرية وخاضع لقيمها لا يقاوم الظلم وهكذا تصبح قيم العشيرة كصخرة ضخمة تجثم على أنفاس الجميع غير قابلة للمساس بها. وربما لهذا السبب نلمح نقدًا غامضًا للمؤسسة الدينية عندما جعل الكاتب أجراس الكنائس وأصوات المؤذنين تدق فوق أنات الجرحى في قصة «الكابوس الأسود»(15) من مجموعة «ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً».

«ريح تصفر، وأجراس أديرة وكنائس تدق وتعلو أصوات المؤذنين والديكة فوق أنات الجرحى تحت الأنقاض ومرضى داخل الأنفاق وببطن المناجم وحركة الأرغفة تستوي في الفرن الساخن... وصفق السلاسل بسيقان الخيول وكرات الحديد.. والسياط فوق ظهور العبيد: تشان تشان في مارش الجناز الأبدي تعزفه فرقة الأرض الملكية للخنفس المنتصر والصرصار الحكيم تحت قوس النصر».

ففي هذه القصة ينطلق تيار وعي بطل القصة في أسلوب أقرب إلى أدب اللا معقول متنقلاً بين مشاهد متعددة للحياة تجسد الحصار والقيد صوتًا وصورة وترد الكنائس والمساجد ضمن هذه المشاهد.

والكاتب في هذه القصة يعبر عن نفسه (16)، وتعرض بداية القصة لصورة كابوسية مفزعة لحصار الحياة للإنسان كما تدور في وعي بطلها الذي كان عائدًا إلى بيته مخمورًا في إحدى ليالي الشتاء وكان البرد «ينهشه بأسنان مدببة». «وكان محاصرًا بالسكون والظلمة والتعب... أحس أن روحه منهكة وأنه فعلاً مضطهد ومقهور. وشعر بالخوف لأنه مخمور ووحيد»، وكانت بيوت القرية «ترقد ككتلة فاحمة صماء بين ذراعي ضباب رمادي هامد».  وتتشكل القرية في خيال بطل القصة المخمور في هيئة بيضة ضخمة لطائر رخ أسطوري صلبة القشرة «تتكسر عليها حراب عتاة الرماة». إن صورة القرية المحبوسة في الظلام والضباب والبيضة بقشرتها الصلبة كناية واضحة عن الحصار والعزلة الذي يفرضه المكان على من يعيشون فيه واستعصائه على التغيير. وفي داخل هذه البيضة الأسطورية نرى صورًا تتشكل في وعيه للحياة في أشد صورها كابوسيةً ورعبًا أو إثارةً لتقزز النفس واشمئزازها. ففي الجوف العميق للبيضة تسبح أسماك كبيرة وعقارب وأجساد عارية تلتف حولها الحيات. وأنهار جارية من دماء الحياة «دماء النفاس والولادة وليالي الطهور والزفاف تشق الدروب الغارقة في العتمة. أجساد رجال ونساء وأطفال معلقة شعورهم بأفرع شجرة الحشيش النورانية ورحم كبير فاغر ينز بالدم والقيح والصديد وترعى داخله الديدان وتحوم حوله العربان ناعقة». فكل هذه التصورات النفسية هي تصورات مرتبطة بالحياة؛ البيضة هي رمز للحياة، والدماء التي تجري في الطرقات داخلها هي دماء الحياة؛ دماء النفاس والولادة والطهور والزفاف، لا دماء القتل والموت. وصور الشجرة التي تطرح البشر كثمار متعلقة بها، وصورة الرحم الكبير نفسها كناية للحياة، وإن كانت صورة مثيرة للاشمئزاز إذ إنه ينز بالقيح والصديد.

 إن كابوس هذا الريفي هي الحياة نفسها التي تجثم عليه، وتفرض عليه الحصار، وتثير في نفسه الغثيان. ومن شأن سطوة الواقع الجنوبي أن تولد إحساسًا لدى المتعلم من أبناء القرية الجنوبية بعزلته وضعفه إزاء العالم القاهر من حوله، فلا تكون له قدرة على المقاومة لغياب الحركة الاجتماعية أو الثورية القادرة على التغيير. ويولد الشعور بقلة الحيلة إزاء قوى المجتمع الظالمة شعورا بعبثية العالم توقع بالفرد في فخ العدمية وعدم جدوى الفعل. ففي حديث صحفي ليحيى الطاهر عبد الله يقول(17) «أنا ذلك المطارد.. المطرود من الطبيعة.. من البشر.. العدمي في مواجهة الأشياء لأنه يرفض أن يتشيّأ.. أنا ليس لي تأثير ولن يكون».

الهوامش:

1- James B. Meriwether and Michael Millgate. Lion in the Garden: Interviews with William Faulkner. New York. Random house. 1968. P. 72

2 - يحيى الطاهر عبد الله: الأعمال الكاملة. الطبعة الثالثة. دار العين للنشر. 2005. ص 35

3 - المصدر نفسه. ص 123

4 - المصدر نفسه. ص 142

5 - المصدر نفسه. ص 307

6 - انظر أيضا: محمد بدوي: الرواية الجديدة في مصر. دراسة في التشكيل والأيديولوجيا. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. الطبعة الأولى. القاهرة. 1993. ص: 46-63.

7 - (هامش: كتب أول قصتين له في عام 1961 وهما «محبوب الشمس» و«جبل الشاي الأخضر» ونشرت جميع مجموعاته القصصية ورواياته ما بين عامي 1970 و1981. والمجموعتان القصصيتان اللتان عرضت لهما الدراسة هما: «ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً» ونشرت لأول مرة سنة 1970، و»الدف والصندوق» ونشرت لأول مرة سنة 1974» ورواية «الطوق والأسورة» نشرت لأول مرة سنة 1975)

8 - نسبة سكان المدن لا تتعدى من 20 - 30 % إجمالي السكان في الصعيد مما يعني أن أكثرية أهل الصعيد من سكان القرى.  ووفقًا لإحصاءات 2003، لا تتجاوز نسبة المتعلمين تعليمًا متوسطًا وجامعيًّا 23.9% في قرى الصعيد. وتبلغ نسبة الأمية في الصعيد 56.6 %. وأمية النساء تصل في المناطق الريفية في الصعيد إلى 79.7 %.

Nicholas Hopkins and ReemSaad: Upper Egypt: Identity and Change. The American University in Cairo Press. 1st edition, Cairo. 2004. pp.6-7.

9 - يحيى الطاهر عبد الله: الأعمال الكاملة. دار المستقبل العربي. القاهرة 1994. ص 41

01المصدر نفسه: ص 33

11 - المصدر نفسه: ص 47

12 - جمسي في لغة الصعيد تعني شخص لا أصل له أو من أصل وضيع.

13- Mark Sedgwick: Upper Egypt’s Regional   Identity: The Rule and Impacts of Sufi Links. An Article in Nicholas Hopkins and ReemSaad: Upper Egypt: Identity and Change. The American University in Cairo Press. 1stedition. Cairo. 2004. pp. 98-99

14 - يحيى الطاهر عبد الله: الأعمال الكاملة. دار المستقبل العربي. القاهرة 1994. ص 36

15 - المصدر نفسه ص 20

16 - ذكر يحيى الطاهر عبد الله أن هذه القصة تعبر عنه في حوار أجراه سمير غريب. ونشر في مجلة المستقبل العربي، وفي الطبعة الثانية للأعمال الكاملة. (يحيى الطاهر عبد الله: الأعمال الكاملة. دار المستقبل العربي. القاهرة 1994. ص 490)

17 - المصدر السابق: ص 490