عدد 13-ملف: على الرصيف.. مع إبراهيم فتحي

إبراهيم فتحي

حزب العمال الشيوعي المصري وقضية التحالف الطبقي والجبهة المتحدة

2019.10.01

حزب العمال الشيوعي المصري  وقضية التحالف الطبقي والجبهة المتحدة

قضية التحالف الطبقي

ليست الجبهة المتحدة مفهومًا تكتيكيًّا يقترب من الاتفاقات المؤقتة أو التحالفات الانتخابية، أو التقاء عرضي حول هدف مؤقت بين أحزاب سياسية، فهي التجسيد التنظيمي، للمسألة الرئيسية في الثورة، مسألة التحالف الطبقي بين القوى الثورية من أجل السلطة في نهاية المرحلة الاستراتيجية، والنضال الدائم عبر المنعرجات والمنعطفات التكتيكية لتحقيق الشروط الموضوعية والذاتية التي تفضي إلى هذا الهدف.

إن الجبهة في المحل الأول هي حلف طبقي من أجل السلطة وهي بذلك ترتبط بطبيعة الثورة وأهدافها وبالعلاقات الاجتماعية على طول المرحلة الاستراتيجية.

فلا يمكن التفكير في الثورة دون التفكير في حلفاء الطبقة العاملة.

وهذا الحلف الطبقي ليس مجموعة من الروابط تنشأ تلقائيًّا داخل المجتمع، بالتقاء كفاح الطبقات الثورية في مجرى الأحداث السياسية والاقتصادية والفكرية فالجبهة لا تنشأ موضوعيًّا نتيجة لوجود الطبقات الثورية، والتقاء كفاحها التلقائي في مختلف نواحي النشاط في المجتمع ثم تستكمل وجودها ببناء أشكال التنظيم المختلفة.

إن هذا المفهوم التلقائي الذيلي عن جبهة قائمة بالفعل لا ينقصها إلا الشكل التنظيمي، معاد للمفهوم الماركسي اللينيني عن الطبقة، فالطبقة ليست مجرد وضع اقتصادي أو مكان لمجموعة من الناس في عملية الإنتاج إلا عبر صراعها مع غيرها من الطبقات، فاكتشافها وعيها التاريخي ورسالتها الاجتماعية وامتلاكها أشكال التنظيم الملائمة نسبيًّا لخوض معارك صراع الطبقات.

إن الطبقة العاملة في ألمانيا حينما تمزقت إلى أفراد في الجيش السياسي للهتلرية وأسلمت نبض قلبها لأعدى أعدائها التاريخيين ليست طبقة لذاتها في هذه المرحلة.

إن مسلكها السياسي والاجتماعي في تلك الفترة لم يكن يخدم مصالحها النابعة من وضعها. كذلك الحال مع الطبقة العاملة في أي بلد من البلدان لم تصل فيه تلك الطبقة إلى درجة محددة من الوعي والتنظيم المسترشد بهذا الوعي، فالتلقائية تعنى الخضوع لوعي الطبقة السائدة وأهدافها وما تحدده من أشكال للتنظيم وأساليب للعمل.

وهنا يصبح الحلف الطبقي مختلفًا عن مجرد الربط بين أوضاع جاهزة بالفعل. إنها حركة ثورية واعية منظمة، وفي مكان الصدارة من هذا الحلف توجد قضية التنظيم الطبقي لا باعتباره شكلاً يستكمل بل باعتبار التنظيم هو الحركة الواعية التي تواجه التلقائية، وأساليب النضال لتحرير الطبقات الثورية من طبقات في ذاتها «قد تخدم حركتها اليومية وتخلفها الفكري أعداءها» إلى طبقات لذاتها تتحرك من أجل مصالحها هي.

إذن، فقضية الجبهة هي قضية التنظيم السياسي في المحل الأول باعتباره أعلى أشكال التنظيمات الطبقية، ولكنها لا يمكن أن تقف عند هذا الحد. فالعلاقة بين الأحزاب السياسية وطبقاتها حافلة بالتعقيد، فكفاح الحزب الشيوعي لكي ينظم طبقته ليس معناه أن يستوعبها كلها، بكل أجزائها وقطاعاتها وأفرادها داخله، إنه جزء من الطبقة يلعب دور الطليعة ويحاول أن يقود طبقته التي تنشأ في أحضان المجتمع البرجوازي في كل المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية. على الرغم من افتقار الأجزاء المختلفة لهذه الطبقة للتجانس في تقدمها الفكري وفي استعدادها لقبول الوعي الاشتراكي وانطلاقها في التنظيم الثوري. وليس أمام الحزب الشيوعي إلا أن يناضل في صفوف طبقته في كل المجالات ولا يختلف الأمر في هذا السياق مع الطبقات الثورية الأخرى على الرغم من النوعية الخاصة للحزب الشيوعي باعتباره ممثلاً للطبقة العاملة الطبقة الوحيدة الثورية إلى النهاية، التي تعتبر تحرير الطبقات الأخرى من القهر والاستغلال شرطًا لتحريرها هي.

فالحلف الطبقي ليس مجرد الالتقاء بين الأحزاب السياسية، وطلائع الطبقات الثورية الأخرى وأن تكن هذه الطلائع ضرورية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي، إن هذا الحلف يشمل أيضًا التنظيمات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للطبقات الثورية، بل أن يتسع للطبقات الثورية الأخرى التي لا تستوعبها هذه الأشكال، ويجب أن نؤكد هنا أن الجبهة لا تبنى وفقًا لمواصفات مثالية بل لا بد أن تنبع من الخصائص النوعية للصراع الطبقي في كل بلد من البلاد، من الطابع المميز للأحزاب السياسية وأشكال التنظيم السياسي ودرجة التطور الاجتماعي في كل بلد من البلدان.

والجبهة باعتبارها مسألة استراتيجية، لا يمكن أن تبنى إلا انطلاقًا من المواقف التكتيكية، ولا بد أن تتسع وتضيق وفقًا للفترات المختلفة، والانحراف اليميني يرتكز على هذه الضرورة العملية ليهبط بالجبهة إلى مستوى أي التقاء عرضي بين أي قوى سياسية، ليغفل الأهداف النهائية.

فالجبهة على الرغم مما تقضيه الأوضاع المتغيرة من تغير في تركيبها تركز على نواة أساسية، على التحالف بين القوى الأساسية للثورة بمقدار ما استطاعت التعبير عن أهدافها في الفترات التكتيكية. إن هذه النواة الأساسية لا يمكن أن تكون في بلادنا إلا التحالف بين العمال والفلاحين بقيادة الطبقة العاملة.

وهذه النواة الأساسية لا تتحقق بإبراز الأسس النظرية للتحالف بين العمال والفلاحين فحسب، فالجماهير تتعلم من خبراتها الذاتية، من احتكاكها بالواقع في حركته، والمسألة المحورية للحركة الذاتية للجماهير الشعبية هي علاقة الجماهير بالسلطة فهي التي تطبع بطابعها الموقف من الأهداف النهائية للثورة.

الانحراف الرئيسي في الحركة الشيوعية المصرية:

والموقف من السلطة بعد 52 هو الذي طبع أيضًا بطابعة موقف الحركة الشيوعية المصرية من الجبهة، والذي أدى إلى انتحار هذه الحركة. فما دامت السلطة وفقًا لهذا الموقف، متناقضة المصالح مع الاستعمار. فهي حليف للطبقة العاملة، وما دامت حليفة فكل التناقضات معها ثانوية لا تصبح مدرجة للحل إلا بعد انتهاء المعركة مع الاستعمار. وإلا وقعنا في خطأ تغليب التناقض الثانوي مع السلطة على التناقض الرئيسي مع الاستعمار ولم يكن هذا الموقف إلا نقطة البداية التي اعتبرت قضية الجبهة هي تحالف الشيوعيين مع السلطة من ناحية الأساس.

وبدلاً من  أن  تصبح  الجبهة قضية الحلف الطبقي، اختزلت إلى قضية الاتفاق السياسي المؤقت مع السلطة. وهذا الموقف يطرح سؤالاً مهمًا:  هل يؤجل الشيوعيون اتخاذ مواقف من سلطة تناوئ الأعداء التاريخيين للشعب المصري إلى أن يستكملوا تدعيم حزبهم وربط الطبقة العاملة بخطة وتوجيهاته وتحقيق تحالف بين العمال والفلاحين، خصوصًا في اللحظات المصيرية من معركة حاسمة مع الاستعمار «غزو أو تهديد به أو نجاح لهذا الغزو»؟
إن موقفًا كهذا هو موقف خاطئ لا في اللحظات المصيرية فحسب، بل في كل اللحظات فإن الحزب الشيوعي لن يرتبط بطبقته ويعمق جذوره في صفوفها ولن يجذب الفلاحين إلى الالتفاف حول الطبقة العاملة إلا بتحديده، موقفًا صحيحًا من السلطة، قائمًا على التخطيط الطبقي العلمي، وبتحديده برنامجًا ثوريًّا مقابل سياسة السلطة في كل المجالات وفي المحل الأول فيما يتعلق بقضية المعركة مع الاستعمار.

فمنذ بدأت سلطة 52 تصطدم مع المصالح الإمبريالية وتلحق الضرر وتوجه الضربات إلى هذه المصالح. فان واجب الشيوعيين يصبح حشد أوسع الجماهير الشعبية حول برنامج وطني متماسك، لمتابعة هذه المواقف الوطنية وتدعيمها، وتدعيم هذه المواقف من جانب الجماهير الشعبية ليس معناه أن تتحول الطبقات الثورية إلى توابع تدور في فلك الطبقة الحاكمة، وتخضع كفاحها لمتطلبات هذه الطبقة وللنطاق الذي تفرضه الحركة الوطنية، بانتقال مضمونها الطبقي من الإطار البرجوازي إلى الإطار البروليتاري!

إن الحزب الشيوعي يؤيد كل المواقف التي تتخذها أي طبقة قومية ضد الأعداء التاريخيين. فإن كل المواقف الإيجابية، التي تسهم في إضعاف الإمبريالية وعملائها وحلفائها هي موضوعيًّا، مهما تكن الطبقة التي تتخذها، في حساب الثورة الاشتراكية العالمية. وهذا التأييد ليس موقفًا شكليًّا يقتصر على إعلان التأييد وتسجيله في الوثائق بل هو موقف ثوري مبدئي.

إن الحزب الشيوعي يكشف كل مؤامرات الاستعمار ويعبئ الجماهير لمواجهتها ويقف بحزم ضد محاولات الانقلابات الاستعمارية، وضد الفتن الرجعية، ويناضل بصلابة من أجل توجيه أفدح الضربات إلى الاستعمار وركائزه. ولكن هذا التأييد شيء مختلف تمامًا عن تبني البرنامج البرجوازي في معاداة الاستعمار وعن أن يذوب الحزب في الجوقة القومية البرجوازية الطابع، التي لا يمكن أن تسير في معاداة الاستعمار حتى النهاية بل أن طبيعة تناقضها مع الاستعمار من زاوية مصالحها الطبقية الضيقة تجعل قيادتها أخطر على استمرار المعركة مع الاستعمار، وتحمل في طياتها عناصر التنازل والتهادن ثم المشاركة والتحالف.

إن الحزب الشيوعي لا يتنازل أبدًا عن تنظيمه المستقل، ولا عن واجبه إزاء طبقته العاملة والطبقات الشعبية، ولا عن إبراز خطة الثوري في الحركة الوطنية، ذاك الخط الذي هو مستقبل الحركة الوطنية وخط الطبقة العاملة، والعلاقة بين خط البورجوازية في الحركة الوطنية وخط الطبقة العاملة ليست علاقة تجاور بين خطين مطروحين للمفاضلة أو الصراع الفكري فحسب، إنها علاقة صراع طبقي منذ اللحظة الأولى يدور في الظروف المحددة من علاقات القوى في حركة الثورة. وتضع مسألة التأييد للمواقف التي تتخذها البرجوازية من الاستعمار في مكانها الصحيح من سياسية حزب لا يمكن أن تكون سياته إلا النفي الجدلي لسياسة البرجوازية وإلا المعارضة الجذرية لهذه السياسة.

والمعارضة بمعناها الجدلي ليس معناها رفض كل المواقف التي تتخذها البرجوازية ضد الاستعمار، بل متابعة هذه المواقف وإدماجها في مجرى الثورة بتحريرها من نطاق التهادن والتنازلات، وربطها بحركة الجماهير الشعبية لأن هذه الجماهير لن تقفز إلى الخط الثوري من فراغ، بل انطلاقًا من الأوضاع التي تفرضها البرجوازية على المسألة الوطنية.

وابتداءً من موقف السلطة المصرية في باندونج وما تبع ذلك من مواقف معادية للإمبريالية، وما استتبعه بالضرورة من محاولات ضارية من جانب الاستعمار العالمي لإسقاط هذه السلطة، فان الموقف المبدئي للشيوعيين في هذه الفترة كان يجب أن يكون التأييد لهذه المواقف ضد مؤامرات الاستعمار وعملائه. ولكن هذا الوجه للمسألة لا يستغرق العلاقات الأساسية بين الشيوعيين والسلطة في هذه الفترة فالسلطة معادية لحق الطبقات الشعبية في تشكيل تنظيماتها السياسية والجماهيرية، معادية للشيوعية بشكل خاص، معادية لأن تتجاوز المعركة الوطنية نطاق الإجراءات العلوية والاتصالات الدبلوماسية لاستخدام التناقض بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الاستعماري بديلاً من تنظيم الشعب وتسليحه، أي إنها كانت تضعف الحركة الوطنية وتسلبها مقدرتها على مواجهة طويلة المدى مع الأعداء، لذلك كان يجب أن يدور صراع حاسم مع السلطة حول المسائل المتعلقة بفاعلية الطبقات الثورية في المعركة الوطنية، بالحريات الديمقراطية والمطالب الأساسية للجماهير.

لقد كان الموقف اليميني الذي اتخذته القطاعات الانتهازية في الحركة الشيوعية موقف الذيلية للسلطة عاملاً في أن تسقط ثمار الانتصار المؤقت عام56 في فم البرجوازية الكبيرة المصرية فزادت أرباحها وتعاظمت امتيازاتها كما ساعدت على تقوية القبضة البوليسية الإرهابية للسلطة، وكانت عاملاً في تهيئة ظروف الردة الوطنية في الانعطاف الذي بدأ عام 1959 بالهجوم على المعسكر الاشتراكي والحركة الديمقراطية العربية كالأحزاب الشيوعية العربية.
ونقف  هنا  عند عينة نموذجية من التبريرات الأيديولوجية في هذه الفترة.

الخلط بين المواقف:

سادت في هذه الفترة الفكرة التلقائية عن الجبهة، ودارت على الأقلام كلمة الجبهة الداخلية كمرادف للتحالف الطبقي المنظم، وطرحت مسألة التأييد بمعزل عن الصراع الطبقي، وتقدم الثورة. وكان التأييد يهدف إلى طمس الحدود بين الطبقات، وتحويل الجماهير الشعبية إلى طابور سلبي يتبنى فكر البرجوازية القومية ويعمل من أجل مصالحها، ويعتبر أي معارضة لمصالحها الأنانية الضارة بالحركة الوطنية خيانة وطنية وتحالفًا موضوعيًّا مع الاستعمار.

وسادت في هذه الفترة الفكرة الهزلية عن أن معاداة الاستعمار تساوي التبعية الكاملة لسياسة السلطة. ولقد وضعت قضية الوحدة مع البرجوازية الحاكمة في مواجهة الاستعمار باعتبارها قضية تبني خطها ومنهجها، وإهدار جانب الصراع، جانب تدعيم حزب الطبقة العاملة وارتباطه بالجماهير وتنظيم الجماهير، وإنضاج وعيها وفاعليتها ومشاركتها في ثمار الاستقلال السياسي والحد من امتيازات البرجوازية واحتكار السلطة للعمل السياسي، والوقوف أمام محاولة السلطة إلغاء الحياة السياسية.

وكان الاتحاد القومي هو الثمرة المرة لهذه الفترة، ومن المفارقات التاريخية أن هذا الاتحاد الذي قدمته السلطة بديلاً للجبهة، والذي سمته (حدتو) «جبهة وطنية». وبررت السياسة البوليسية المتمثلة في حق هذا الاتحاد في الاعتراض على مرشحي مجلس الأمة، وفي اشتراط عضوية النقابات العمالية والمهنية في هذا الاتحاد، بضرورة الوقوف ضد الرجعية والاستعمار. وقد تحول بمقتضى «النقد الذاتي» الرسمي للسلطة إلى عش الرجعية القديمة وعملاء الاستعمار. وهكذا أدت سياسة حزب «اليسار» إلى ازدهار القوى اليمينية والمحافظة بكل فصائلها.

قضية البديل:

وسادت في هذه الفترة فكرة بسيطة تقول إن الوضع السياسي يمكن إجماله في أن هناك الاستعمار والرجعية في ناحية، وسلطة البرجوازية، التي تناورها من زاوية أساسية، في ناحية أخرى، وكان بودنا أن تكون هناك قوى أكثر ثورية قادرة على الوصول إلى السلطة، ولكن ما أمامنا هو التأييد الكامل للسلطة حتى لا يثب الاستعمار الأمريكي على هذه السلطة إذا عملنا على إسقاطها... وهذه الفكرة ما زالت سائدة في فلول الحركة الشيوعية المصرية المنتحرة... وهي فكرة ميتافيزيقية من ناحية المنهج، تولي ظهرها للروابط الحافلة بالتناقضات بين القوى الاجتماعية وتثبت الواقع في حدود جامدة. وتنتهي بالدفاع عن استبقاء حكم البرجوازية إلى الأبد.

فالبرجوازية لن تستمر في معاداة الاستعمار إلا في حدود مصالحها. وهي تعمل جاهدة لوأد البديل الثوري في مهده، ولا تكف لحظة عن محاربة القوى التي على يسارها، مما يسهم في فتح الباب للاستعمار والرجعية في تحقيق الانتصارات أمام واقع الحركة الوطنية الذي تقوض البرجوازية أسسه وأركانه، ويتحول الشيوعيين وفقًا لهذا المنهج إلى الجناح الراديكالي للطبقة الحاكمة في أحسن الأحوال أو إلى سماسرتها وأبواقها في صفوف الجماهير العازفين عن اتخاذ أي موقف يغضبها أو يخيفها باتجاه خلق البديل الثوري، وما حاجة منهج التواطؤ إلى بديل ثوري، وهو يعمل كل ما في وسعه لمحاربة هذا البديل؟

إن البديل الثوري في الكلمات الغائمة، وفي رحم مستقبل يعمل هذا المنهج على أن يستبقيه إمكانًا نظريًّا مجردًا، ليس إلا قناعًا لتبرير الوجه المعادي للجماهير الشعبية في خط البرجوازية الحاكمة. أن هذا المنهج هو منهج الكارثة الوطنية التي تقود إليها البرجوازية باعتبارها قدرًا لا فكاك منه. وفي هذه الفترة لم تطرح قضية تأييد المواقف الوطنية للسلطة من زاوية السير منفردين، والضرب معًا، من زاوية الصراع من أجل خلق الأسلحة التنظيمية للجماهير الشعبية، وتحقيق الحد الأدنى من مطالبها الأساسية، وتدعيم فاعليتها، وإبراز الدور القيادي للطبقة العاملة في معترك النضال الوطني، إنما التحالف بين شراذم من المعتقلين والمسجونين والمطاردين والمعزولين وبين السلطة، في عرائض تأييد وبرقيات تهنئة وهتافات في السرادقات بحياة رئيس الجمهورية في شكل هزلي من أشكال ممارسة المسؤولية الثورية، لا فاعلية حقيقية له حتى فيما يزعمه من حماية الحكومة الوطنية من أعدائها.

وكما طُرحت قضية الجبهة خارج الصراع الطبقي والمسار التاريخي لحركة الثورة، طُرحت أيضًا خارج العلاقة بسلطة الدولة. فلم يخطر ببال المدافعين عن الخط الذيلي، أن الجبهة مع طبقة حاكمة معناها مقاسمتها السلطة في النهاية، والكفاح من أجل تحرير انفراد طبقة واحدة بالسلطة إلى مشاركة الطبقات الوطنية في هذه السلطة. وهكذا ظلت الجبهة أسيرة قالب فكري مستمد من أوضاع كفاح طبقات وطنية مقهورة ضد سلطة الاستعمار والرجعية «بالإضافة إلى الاختلافات النوعية من حيث طبيعة الطبقة الحاكمة واتجاه حركتها في المستقبل وعلاقاتها بالقوى الشعبية».

وانتقلت الجبهة -بعد ذلك نتيجة للتغيرات التي طرأت على البنيان الاقتصادي في مواجهة التناقضات القائمة وبروز البيروقراطية البرجوازية بوصفها الطبقة الحاكمة- إلى مستوى آخر أكثر إيغالاً في التدهور، وانتقلت الجبهة التي ترفضها سلطة تحتكر الحياة السياسية بالكامل، إلى القول بوحدة العمل بين الشيوعيين «والمجموعة الاشتراكية»، وهو اسم التنكر الديماجوجى للبيروقراطية داخل هيكل تنظيمي واحد ثم هرول دعاة الجبهة الذيلية إلى القول بحزب واحد لكل الاشتراكيين، حزب السلطة، ووصلت القصة إلى ذروة المأساة، بحل التنظيمات الشيوعية والوقوف على باب التنظيم السياسي للسلطة كأفراد من أخلص المخلصين لسياستها.

الموقف الماركسي اللينيني الثوري من البرجوازية البيروقراطية:

في مقابل خط التصفية والنكسة الذي سارت عليه الحركة الشيوعية السابقة، يطرح الواقع الاحتياج الموضوعي إلى موقف ثوري من السلطة ويجب أن نحدد أن السلطة الحالية مرت بمراحل مختلفة، وأن مسارها في المستقبل ليس تكرارًا للمراحل السابقة أو لوضعها الراهن، إنها سلطة طبقة أنجزت بطريقتها التدريجية ولصالحها من أعلى مهام الانتقال إلى مجتمع رأسمالي مستقل من زاوية رئيسية. وكان موقفها ضد كبار ملاك الأراضي والإمبريالية والرأسمالية المتحالفة معها يضعها إلى جانب القوى الوطنية، وهي الآن أوشكت أن تستكمل إرساء اقتصادها الرأسمالي وتسيطر على السلطة سيطرة كاملة، وأعادت تشكيل المجتمع وفقًا لمصالحها. وقد تم ذلك تاريخيًّا بإبعاد الجماهير الشعبية عن المشاركة.

إن مصالحها الموضوعية تنأى بها عن تقديم تنازلات أساسية لمطالب الجماهير، وبنائها السياسي البيروقراطي البوليسي ليس قابلاً للانفتاح على حركة ديموقراطية، وليس من السهل أن يقدم الديموقراطية السياسية للجماهير طواعية. وبطبيعة الحال فإن هذه السلطة والطبقة التي تمثلها سارت تدريجيًّا من الجانب الذي تشغله باعتبارها قوة وطنية توجه ضربات ساحقة للاستعمار والرجعية إلى قوة تهدد بسياستها داخل المجتمع القوى الوطنية الأساسية، وتطبع الحركة الوطنية بالعجز عن مواجهة الاستعمار والصهيونية وتفرض الهزيمة في المدى القريب.

ومن ناحية أخرى، فإنها على المدى الإستراتيجي، مدفوعة بمصالحها، ستنتقل إلى الضفة الأخرى، ضفة القوى المرتبطة بالاستعمار. إن هذه الطبقة تمر عبر سلسلة من المراحل الانتقالية إلى معسكر العدو، وإن الموقف في أثناء كل حلقة يجب أن يخضع لعلاقات القوى الطبقية وطبيعة الهدف الذي تضعه الطبقة العاملة أمامها.

وفي الحلقة الراهنة، فإن تناقضاتها مع الاستعمار والصهيونية، التي تحتل أراضينا، ما تزال قائمة وإن مصالحها الضيقة تفرض عليها أن تعمل بأساليبها على ألا تضحي بما حققته من مكاسب أساسية بالشروط التي يفرضها الاستعمار، وما تزال قادرة على اتخاذ مواقف معادية للاستعمار والصهيونية، على الرغم من أن هذه المواقف لا تخرج عن نطاق منهج التنازلات والمساومات وإضعاف الحركة الوطنية الديموقراطية.

إن قضية تحالف طبقي مع السلطة يتخذ شكل جبهة منظمة ليست مطروحة في علاقات القوى الحالية، إن القضية الرئيسية هي عزل قياداتها، هي انتزاع حقوق الطبقة العاملة والجماهير الشعبية في التنظيم السياسي والجماهيري، كما تأخذ هذه القضية شكلاً آخر، فامتيازات البيروقراطية وحلفائها عقبة أمام أي برنامج اقتصادي يهدف إلى تحقيق الحد الأدنى من اقتصاد حرب، مهما تكن تلك الحرب نظامية محدودة، واقتصادها الحالي لا يصمد، لأي معركة ولا يفترض أي معركة قادمة. إنه اقتصاد يراهن على الحل السلمي ولذلك فالقضية الرئيسية تأخذ في المجال الاقتصادي شكل المطالبة بالحد من امتيازات البيروقراطية وحلفائها لتقديم برنامج حرب تحمل الطفيليات جانبًا كبيرًا من تضحياته، ولا يلقي بأعبائه كلها على الشعب. فالمطالب الرئيسية للطبقة العاملة في هذه المرحلة تصطدم بمصالح البيروقراطية التي لم تقدم في تاريخها كله إلا التنازلات الهامشية للجماهير الشعبية والتي تقاوم بضراوة المطالب الرئيسية للطبقة العاملة.

ومن ناحية أخرى فإن الاستقلال الذي حققته هذه البرجوازية، على الرغم من أنها تعجز عن صيانته، بالإضافة إلى عدم استعدادها للتسليم لشروط الاستعمار الأمريكي والصهيونية على الرغم من تهاونها واعتمادها على المعسكر الاشتراكي (رغم زعزعته)، يطرح قضية الموقف منها في واقع احتلال القوات الصهيونية للأراضي المصرية والعربية، وبروز شعار تحرير الأرض كمطلب عاجل ملح يشغل مكان الصدارة عند الجماهير الشعبية في علاقات بعيدة عن البساطة.

ويزداد الأمر تعقيدًا إذا نظرنا إلى التركيب الداخلي لهذه الطبقة الذي يتميز بوجود جناحين يسرع الجناح اليميني منها إلى التسليم بمعدل متزايد للعدو، بينما ينتقل الجناح الأقل استعدادًا للتسليم إلى مواقع أكثر يمينية.

إن الموقف الثوري، من هذه الطبقة لا يستدعي طرح شعار الإطاحة بالنظام في المرحلة التكتيكية الراهنة، فهو شعار مغامر بالنسبة إلى علاقات القوى الطبقية الداخلية والعلاقات داخل حركة التحرير الوطني العربية وعلاقات القوى العالمية. استنادًا إلى شبكة العلاقات التاريخية لهذا النظام في مواقف معادية للاستعمار والصهيونية والرجعية العربية، فبالإضافة إلى أن الهدف التكتيكي المباشر الذي ترتبط به كل الأهداف هو تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي رأس حربة الاستعمار الأمريكي في المنطقة العربية.

ومن ناحية أخرى فإن الحركة الوطنية المصرية في واقعها الفعلي ما تزال على الأرض التي حققها النظام إبان انتصاراته، رفض الأحلاف وتأميم الاحتكارات الاستعمارية وتأييد حركت التحرر الوطني العالمية، والتحالف مع المعسكر الاشتراكي.

وهنا يبدو شعار الإطاحة قفزة خارج حركة الجماهير الشعبية التي ما تزال تعتقد أن الناصرية رمز الكفاح ضد الأعداء التاريخيين. لذلك فإن عزل قيادة البرجوازية البيروقراطية للحركة الوطنية وإبراز الدور القيادي للطبقة العاملة هو المهمة الملقاة على عاتق الحزب الشيوعي ولن يتحقق ذلك إلا بتعميق الصراع داخل الحركة الوطنية ضد التنازلات وإقصاء الجماهير الشعبية وضد منهج البيروقراطية كطبقة ككل.

وتستوجب خطورة الموقف الذي يقودنا إليه هذا المنهج أن يشن هجوم جماهيري ساحق على أقصى يمين السلطة الداعي إلى الاستسلام مستهدفًا الإطاحة به، على ألا تقتصر مطالب الإطاحة بأقصى اليمين على فرد معين بل على تلك المجموعات المتربعة في المراكز القيادية في الاقتصاد والاتحاد الاشتراكي والجماعات الناعقة بالاستسلام للاستعمار الأمريكي.

ولا بد من الإشارة إلى أن أي وضع تحتدم فيه التناقضات بين الاستعمار وبين السلطة يستوجب من الشيوعيين أن يقفوا موقف التأييد من كل ضربة توجهها السلطة للأعداء. التأييد الثوري دون خلط بين تأييد مواقف معينة وبين قضية الجبهة. وعلى أساس الموقف من السلطة يتحدد الموقف من الطبقات الاجتماعية الأخرى من زاوية الجبهة. فالسلطة حاليًا لا تمثل الطبقة في فترة صعودها، وأوج مقدرتها على تحقيق الإنجازات والانتصارات وتوجيه الضربات إلى الأعداء بل في فترة انحدارها التدريجي ومحاولتها التزام الجانب الدفاعي في التمسك بما يمكن التمسك به من مكاسب الفترة السابقة.

فلننتقل الى موقف الطبقات الاجتماعية المختلفة من الطبقة الحاكمة في إطار حركة التحرر الوطني باتساعها وعمقها الحاليين الذي ترك أثره على تركيب السلطة واتجاه حركتها. لقد عجزت الحركة الوطنية طول تاريخها الماضي عن أن تفرض في فترة صعود البرجوازية القومية وتصادمها مع الإمبريالية، حلفًا وطنيًّا، وتربعت البرجوازية القومية ثم البرجوازية البيروقراطية منفردة على مواقع القيادة باستخدام أساليب القهر البوليسي والتضليل الفكري فاستفحلت نزعاتها المعادية للديمقراطية والشيوعية إلى أن صار تبلور الطبقة الجديدة البيروقراطية تدريجيًّا بعيدًا عن ضغوط الجماهير الشعبية. فبدلاً من جذب العناصر والمجموعات الأكثر تماسكًا في معاداة الإمبريالية على مواقع التحالف، (بفعل خشية هذه الطبقة على نفوذها، وأرباحها)، فإنها لجأت وقتها كطبقة في طور التكوين، إلى طرق الانصهار التدريجي مع المجموعات الأكثر استعدادًا للتهادن مع الإمبريالية والصهيونية، وتسوية سائر المسائل المعلقة معها على مبدأ «السلام العادل».

فالطبقة الحاكمة كانت قد تعلمت، من تجربتها التاريخية على رأس حركة وطنية تتميز بضعف مراكز الطبقة العاملة وتفتت الفلاحين وتردد البرجوازية الصغيرة أن أكبر الثمار يمكن اجتنائها بمواصلة إقصاء الجماهير الشعبية عن أن تلعب دورها كطبقات ينمو وعيها وتنظيمها وتهدف إلى المشاركة في السلطة ومكاسب تحرر الجماهير كأدوات لا وقود لمعاركها.

لقد سارت البرجوازية القومية، ثم البرجوازية البيروقراطية المصرية في طريق النمو الرأسمالي منذ وقت طويل، ولم يؤد الاستقلال السياسي إلى أن تستولي الحركة الوطنية بكل طبقاتها على السلطة، بل أدى إلى انفراد طبقة واحدة بالسلطة نتيجة للواقع الفعلي لميزان القوى الطبقية في مصر.

وسوف نقوم، في المستقبل القريب، بتحليل موجز للطبقات الأساسية في المجتمع المصري من زاوية العلاقة مع البرجوازية القائدة داخل الحركة الوطنية.

الطبقة العاملة المصرية:

الصفحات التالية هي في الأصل قسم من الوثيقة المعنونة «قضية التحالف الطبقي في مصر، والتي ظهرت ضمنها في أبريل 1971. وفي هذه الصفحات محاولة لمعالجة طبقتنا العاملة من زاوية التحالف الطبقي، أي زاوية قضية تنظيمها الحزبي، قضية بناء حزبها الشيوعي في المرحلتين السابقتين مرحلة حزب 24، ثم المرحلة منذ الحرب العالمية الثانية حتى أواسط الستينيات».

أسهمت الطبقة العاملة المصرية في الحركة الوطنية ضد الاستعمار البريطاني بدور مجيد، وكانت لها رايتها المستقلة في ثورة 1919 ووصل تطورها إلى انضواء مئات من أبنائها تحت قيادة الحزب الشيوعي المصري 1925 وناضلت أجزائها الواعية ممثلة في طليعتها ببسالة ضد الإمبريالية الإنجليزية وعملائها: الملكية البوليسية، وكبار ملاك الأراضي، والرأسماليين المتحالفين مع الاستعمار. كما اتخذت موقفًا ثوريًّا من تهادن الوفد، حزب الإصلاحية الليبرالية القومية، فكشفت مساوماته لتصفية النضال الثوري مقابل الحصول على تنازلات لصالح البرجوازية وملاك الأراضي. وعملت على أن تنتزع قيادة حركة التحرر الوطني من بين براثن الوفد، الذي حطم التنظيمات المناضلة للطبقة العاملة الاقتصادية والسياسية وسار في طريق التفاهم مع العدو.

لقد  نجح  الحزب الشيوعي  المصري (الأول)  في أن يقود كفاح الأجزاء المتقدمة من الطبقة العاملة المصرية لتشكيل اتحاد عام للعمال المصريين. وتشكل هذا  الاتحاد  بالفعل. كما قامت فصائل من الطبقة العاملة بقيادة الحزب بسلسلة من الإضرابات الاقتصادية. ولكن الحزب الشيوعي المصري بتراثه العظيم وتضحيات أعضائه الهائلة، ارتكب أخطاء قاتلة؛ فهو في المحل الأول اتخذ موقفًا يساريًّا من الوفد، حزب البرجوازية المتقدمة، فوضعه في صفوف أحزاب الخيانة، ولم يتخذ موقفًا جدليًّا من طبيعة الوفد المزدوجة في تلك المرحلة، فلم يفرق بين عزله عن قيادة الحركة الوطنية وبين الهجوم عليه كأحد فصائل العدو. فأدى ذلك إلى انعزال الحزب نفسه عن جماهير الحركة الوطنية، التي كانت ما تزال تتبع الوفد وهو حزب من الناحية الموضوعية كان قادرًا على توجيه الضربات للأعداء وعلى الإسهام في أن تنتزع الجماهير الشعبية الحريات الديمقراطية النسبية في مواجهة الاستعمار والقصر، على الرغم من تأرجح مواقفه. كما أدى الموقف الانعزالي بالحزب إلى إغفاله التفرقة بين الكفاح السياسي للطبقة العاملة وكفاحها النقابي. ووصل إلى درجة أن أصبح للحزب والاتحاد العام للنقابات مقر واحد.

وقد ساعد ذلك على حصر دور العمل النقابي في عدد ضئيل من العمال الواعين طبقيًّا بدلاً من أن يكون مدرسة نضالية للآلاف من أبناء الطبقة العاملة مهما يكن قصور وعيهم السياسي والفكري. كما وضع ذلك أيضًا قيودًا على عمل الحزب الشيوعي في صفوف الطبقات الوطنية غير العمالية فلم يعمل في صفوفها.

وفي الأركان المنعزلة تمكن الاستعمار وعملائه متعاونين مع البرجوازية القومية من توجيه الضربات القاتلة إلى حزب الطبقة العمالية من خارجه بالقمع البوليسي الوحشي، ومن داخله بالتخريب والتجسس وتقديم رقبة الحزب لسكين العدو.

وظلت الطبقة العاملة منذ تصفية الحزب الشيوعي فريسة للتلقائية، تقع في شباك أعدائها في الكثير من الأحوال. ولكن ما أكثر ما تألقت ومضات في هذه التلقائية فلم يكف العمال المصريون عن كفاحهم في مستوى الوعي التلقائي من أجل تشكيل اتحاد عام لهذه النقابات ومن أجل الحصول على شروط أفضل لبيع قوة عملهم مستخدمين الأساليب القانونية المختلفة لتحقيق هذه الأهداف بما فيها حق الإضراب.

وعلى المستوى السياسي وقف العمال ضد الاستعمار ومعاهداته وعملائه، كما شاركوا بشكل واضح في معارك الحريات السياسية، التي لم تنفصل قط عن الكفاح الوطني.

ولكن هذه الومضات من الوعي السياسي ظلت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية انعكاسًا لوعى البرجوازية الليبرالية ولا علاقة لها بالوعي الاشتراكي.

وبعد انتصار الاتحاد السوفيتي على الفاشية ونجاح عدد من الأحزاب الشيوعية في شرق أوربا في الوصول إلى السلطة واندلاع الحركة التحررية في جنوب شرق آسيا، اكتسح المد الثوري بلادنا وبدأت المرحلة الثانية في تاريخ الحركة السياسية للطبقة العاملة المصرية، بعد تصفية أول حزب شيوعي مصري، ونشأت التنظيمات الشيوعية المختلفة متعادية منفصمة منذ لحظة الميلاد، وكان التياران الرئيسان فيها: الحركة المصرية للتحرر الوطني والفجر الجديد، وقد اتخذ كل منهما أسماء أخرى بعد ذلك. فالتيار الأول (حدتو)، ثم الحزب الموحد، ثم حدتو مرة ثانية والثاني د.ش (الديمقراطية الشعبية)، ثم طليعة العمال، ثم حزب العمال والفلاحين.

وعلى الرغم من الصراع اللامبدئي بين التيارين، فهما يشكلان فصيلة انتهازية ذات ملامح فكرية واحدة من ناحية الأساس، على الرغم من الاختلافات الفرعية والتكتيكية والمنعرجات المتباينة، التي سارا فيها حتى نهايتها الموحدة.

المرحلة الثانية للحركة الشيوعية:

لقد نشأت الحركة الشيوعية في مرحلتها الثانية في أعقاب انتصار الاتحاد السوفيتي على الفاشية الهتلرية. مما دفع عددًا من مثقفي اليهود الذين لا جذور شعبية لهم إلى التعاطف المؤقت مع الاتحاد السوفيتي ومع الماركسية، والى أن يتصدوا لتكوين التنظيمات الشيوعية نتيجة للتخلف الفكري لدى المثقفين المصرين ذوي الأصول الشعبية، وعجزهم عن ملاحقة التيارات الفكرية في العالم في جو سياسي يبعد الجماهير عن الثقافة ولا يفتح أبواب التعليم في الخارج إلا أمام الطبقات الاستغلالية

فلم يكن الإلمام بالفكر الماركسي متاحًا إلا للصفوة من الأجانب والمصريين الذين سمح لهم وضعهم الطبقي بالتعليم في الخارج. وكان للدعاية الاستعمارية المعادية للشيوعية أثرها الواضح في إبعاد المثقفين المنحدرين من أصول شعبية عن الإلمام الواسع بالماركسية، الذي يمكنهم من التصدي لتكوين التنظيمات الشيوعية.

وترك التكوين الاجتماعي للقيادة طابع الميوعة على الحركة في بدايتها، طابع اليهود المتمصرين والأجانب وأبناء البرجوازية الكبيرة المصرية، والمراتب العليا من الإقطاع (هنري كورييل، وشوارتز، جاكوب دي كومب، أحمد صادق سعد، ريمون دويك، يوسف درويش، محمد سيد أحمد، نبيل الهلالي، إلهامي وعادل سيف النصر).

وكان من الممكن لتطور الحركة في المستقبل أن يقوم بتمصير التنظيمات، وأن يزيح هذا الطابع المتخلف جانبًا.، بل وأن يعيد تشكيل أصلب العناصر التي اشتركت في التأسيس، وقد حاول ذلك عدد من المثقفين الثوريين منذ البداية، مثل (شهدي عطية الشافعي، وعبد المعبود الجبيلي، وأسعد حليم، وفوزي جرجس) ومعهم بعض العمال الواعين، وقد تحقق في هذا الصدد بعض الانتصارات.

ويجب أن يكون واضحًا أن الحركة الشيوعية المصرية في أعقاب العالمية الثانية لم تنشأ نتيجة لمؤامرة يهودية ولم تكن مجرد أداة في أيدي الأجانب، بل إن اشتراك هؤلاء في تأسيسها كان نتيجة لعوامل موضوعية، وكانت نشأة المرحلة الثانية للحركة الشيوعية في إطار حركة وطنية محتدمة سفحت دمًا غزيرًا تواجه حكومات القصر وكبار ملاك الأراضي والرأسمالية المتحالفة مع الاستعمار.

وكان الوفد، حزب البرجوازية القومية، يلعب دورًا بارزًا في معارضة الحكومات ومشروعات الأحلاف العسكرية بطريقته، ولصالح طبقته. وكانت أجزاء كبيرة من البرجوازية الصغيرة في المدن وأعيان الريف تلتف حوله. بينما كانت أجزاء محدودة أخرى من هذه الفئات تتجه إلى اليمين، إلى الإخوان المسلمين المتحالفين مع الرجعية السياسية.

وكانت حركة الطبقة العاملة النقابية في هذه الفترة تتعرض لهجوم وحشي من جانب الحكومات العميلة وكان القادة النقابيون يتطلعون إلى حكومة وفدية تنقذهم من هجمات صدقي والحكومات العميلة ومحاولات الإخوان لتحطيم الحركة النقابية لخلق نقابات إسلامية وكان ذلك مناخًا دفع بالحركة الشيوعية الوليدة إلى أن تقفز من الانحراف اليساري لحزب 24 إلى الانحراف اليميني الذي طبعها بطابعه، وقد أسهم تكوين قيادتها في تثبيت هذا الانحراف وتعميقه.

والانحراف اليميني قد تجسد في المبالغة في دور البرجوازية القومية وتأييد مواقفها ذيليًّا، والخشية من إبراز شعارات الطبقة العاملة المستقلة حتى لا تفزع البرجوازية واهمال جانب الصراع من التنظيم.

لقد دافعت حدتو عن خط القوات الوطنية  والديمقراطية وأطلقت على التنظيم الشيوعي المزعوم اسم حركة ديمقراطية التحرر الوطني، حركة فضفاضة لا تعرف الحدود الفاصلة بين خط الطبقة العاملة في الحركة الوطنية وخط البرجوازية، ووضعت في برامجها بندًا دائمًا هو العمل على مجيء حكومة الوفد وحمايتها حينما تشترك في السلطة. وأصبحت اللجان الوفدية وسرادقات الوفد الانتخابية والتظاهرات الهاتفة بحياة الرئيس الجليل (مصطفي النحاس) هي أشكال الكفاح الجماهيرية الأساسية، إن خط القوات الوطنية الديمقراطية، خط يونس (هنري كورييل) وشكري (مصطفي طيبة حينما كان في حدتو) كان خط التصفية الطبقية منذ البداية.

ومن الناحية الأخرى ذهبت مجموعة الديمقراطية الشعبية (د. ش) إلى أبعد من ذلك. لقد اعتبرت الوفد جبهة وطنية يمكن أن ينشأ الحزب الشيوعي من داخله باعتباره جناحه اليساري. بل كونت داخل الوفد ما سمى باسم الطليعة الوفدية كبرعم ينمو ويأخذ شكلاً حزبًا شيوعيًّا فيما بعد. فالتياران الانتهازيان على الرغم من صراعهما استمرا يحملان معًا أيديولوجية التعاون الطبقي وإخضاع مصالح الطبقة العاملة لمصالح البرجوازية القومية باسم التحالف الطبقي. وقد غرق التياران معًا في الحركة القومية البرجوازية وأغفلا الرابطة الجدليه بين الحركة الوطنية والصراع الطبقي داخلها. وأصبحت مجالات النضال الأساسية هي المجالات التي تخلقها البورجوازية، صحفها ومنابرها وسرادقها ولجان أحزابها.

وعلى الرغم من ذلك، فقد اخترق نضال الشيوعيين في هذين التيارين الحدود الرسمية وأرغموا القيادة الانتهازية في بعض الأحوال القليلة على اتخاذ مواقف ثورية. ولكن الطابع العام للعمل كان يمحوا الحدود الفاصلة بين الطبقات في الكفاح الوطني ضد الرجعية. وضمن هذا المنهج اتجه التياران إلى الطبقة العاملة.

اتجهت حدتو إلى عدد من رؤساء وأعضاء مجالس النقابات وأدمجته في العمل السياسي الوطني، وكانت الدعاية والإثارة قاصرة على كشف الاستعمار الأنجلو أمريكي وعملائه.

واقتصرت د.ش على العمل النقابي، الضيق الأفق، البعيد عن السياسة، بل لقد وقفت قياداتها الانتهازية بشكل سافر ضد ربط العمل النقابي بالعمل السياسي.

ونأخذ إضراب شبرا الخيمة الكبير 1946 ولجنته من الطلبة والعمال التي عبرت عن احتدام التناقض بين الجماهير الشعبية والسلطة الرجعية. فماذا كان موقف التيارين الانتهازيين من هذا الإضراب ومن هذه اللجنة؟

تصدت حدتو لقيادة الإضراب الذي استمر ما يقرب من 45 يومًا في مواجهة عدوان رأس المال الاستعماري والمتحالف مع الاستعمار على حقوق العمال وتشريدهم وإغلاق عدد من المصانع، في فترة كان يعلو فيها صوت الرجعية لإقامة حلف عسكري مع الاستعمار، وكان للأحزاب وجهها الثوري بلا جدال، ولكن القيادة الانتهازية دخلت الإضراب دون أعداد ثوري، دون شبكة من لجان قاعدية تسانده واقتصرت على لجنة إضراب علوية من عدد ضئيل من أعضائها.

وحرصت أن تخفي الوجه السياسي للإضراب كي لا ينزعج حلفائها من البرجوازية من اتساع الحركة العمالية وظهورها كقوة جديدة مستقلة... واكتفت بأن يتحول هذا الإضراب الضخم إلى أداة للضغط والمساومة مع أصحاب العمل من أجل المكاسب الاقتصادية.

ولم ينجح الإضراب في تحقيق ما كان يمكن أن يحققه. وتصدت حدتو أيضًا لقيادة لجنة الطلبة والعمال. وكان لهذه اللجنة أن تكون بشكل من الأشكال نواة التحالف بين الطبقة العاملة وفئة ثورية في المعترك الوطني ولكنها كانت لجنة بلا جذور أو دعامات. فلم يكن هناك تنظيم طلابي يسندها بل لم يكن لها لجان قاعدية على الاطلاق، كما أن مشاركة الحركة النقابية فيها كان قاصرًا على الماركسيين وأصدقائهم. فاختنقت هذه الشرارة أمام ضربات الرجعية دون أثر فعلى.

فقد كان الكفاح الجماهيري بالنسبة لخط القوات الوطنية والديموقراطية، محدودًا بالنطاق الذي لا يمكن أن تتخطاه البرجوازية القومية أو الذي تخشى تجاوزه. نعم لكل أشكال الكفاح، ولكن شرطا ألا يتحول الإضراب العمالي من عمل يزعج الحكومة الرجعية إلى إبراز قوة جديدة، وإلا ستتحول لجنة الطلبة والعمال إلى قوة ثورية منظمة متغلغلة في صفوف الجماهير. فالعمل الجماهيري هو إحداث أكبر قدر ممكن من الضجة. وتنحسر الضجة ولا يبقى أي شكل من أشكال التنظيم الجماهيري مرتبط برباط عضوي بالحزب الطليعي ولا أي شكل من أشكال الحركة والوعي السياسي يكفلان استمرار العمل النضالي.

أما (د. ش) فقد حاربت قياداتها الإضراب لأسباب اقتصادية. فما دام أصحاب العمل يغلقون المصانع فكيف نساعدهم على ذلك بالإضراب؟ ولم تستطع قياداتها أن ترى المناخ السياسي للإضراب المتمثل في احتدام التناقض بين الجماهير الشعبية والحكومة الرجعية. أو ترى الأفق السياسي لإضراب عمالي كبير يرتبط بالمد الثوري الوطني، يحول الصدام الاقتصادي إلى صدام بالنظام.

إن القيادة الانتهازية ظلت حبيسة انحرافها النقابي وذيليتها لأساليب عمل حزب البرجوازية القومية التي تقتضي ألا تخرج الحركة العمالية في فترات المد الثوري عن نطاق المطالب الاقتصادية المحدودة. كما وقفت هذه القيادة ضد لجنة الطلبة والعمال بحجة أن هذه اللجنة سابقة على نضج الحركة الوطنية. فلقد كانت هذه القيادة متمسكة في عملها الدائب على أن يدور الكفاح العمالي في النطاق النقابي فحسب إذ يمكن للوفد أن يقدم تنازلاته.

فمنذ البدايات كانت (حدتو) ود. ش شقا الرحى، وقد طحنت الحركة السياسية للطبقة العاملة بين هذين الشقين اللذين كانا منذ البداية يلعبان دور ذيل البرجوازية القومية في صفوف الطبقة العاملة والحركة القومية.

الطبقة العاملة والتيار الإصلاحي:

وننعطف هنا عند تأثير البرجوازية القومية في الطبقة العاملة على مستوى الكفاح النقابي. هذا التأثير الذي كان سندًا لانتهازية الانحراف اليميني. لقد كانت الحريات الديمقراطية المحدودة، التي تتيحها حكومة الوفد حتى تتمكن من مواجهة خصومها من اليمين، سلاحا استخدمته الحركة العمالية لانتزاع مشروعية تكوين النقابات عام 1942 وقانونا التعويض عن إصابات العمل، وبعض المكاسب الاقتصادية، وكانت هذه المكاسب منفذ الوفد داخل العمال الذي كان ينشر الأوهام الإصلاحية ويحاول إخضاع الحركة النقابية لقيادته ويحصل على أصوات انتخابية لترجيح كفته.

ولم تعمل القيادات الشيوعية الانتهازية على الوقوف ضد التيار الإصلاحي داخل الطبقة العاملة المصرية، بل على العكس ساعدت على تدعيمه. ففي مواجهة هذا التيار الذي يقصر كفاح الطبقة العاملة على المطالب الاقتصادية الجزئية، كان يقتصر دورها السياسي على اتخاذ مواقف التأييد لخط البرجوازية القومية في مواجهة الاستعمار.

كانت التنظيمات الشيوعية الصغيرة التي تكونت في مجرى الصراع ضد الانتهازية اليمينية (نحشم، النواة، طليعة الشيوعيين) تحاول أن تحمل الوعي الاشتراكي إلى الطبقة العاملة. وأن تبرز منهجها المتماسك في مواجهة الاستعمار وأن تكافح من أجل استقلال الحركة النقابية وتحويلها إلى قاعدة للنضال الثوري، وأن تعمق الصراع مع البرجوازية داخل الحركة الوطنية. ولكن هذه المحاولات كانت خافتة مبعثرة ضعيفة الأثر في مواجهة التيار الإصلاحي السائد.
وحينما طويت صفحة الوفد وفي أعقاب 1952 كان الكفاح الأساسي داخل الحركة النقابية هو حماية النقابات العامة أمام مؤامرات أصحاب العمل والأجهزة البوليسية للحيلولة دون تفتت الحركة النقابية.

وكان هذا الواقع إيذانا برفع شعار اتحاد عام للعمال، وهو شعار كانت تجرمه الحكومة الرجعية. وكان كفاح (حدتو) لخلق هذا الاتحاد قاصرًا على الدعوة إلى تشكيل لجنة تحضيرية لاتحاد العمال تضم فيها أتباع السلطة لخلق واجهات شكلية لقاعدة عمالية مناضلة من ناحية، وإغفال المغزى السياسي لتكوين اتحاد للعمال ومحاولتها السيطرة على الحركة النقابية من ناحية أخرى.

وأما قيادة (د.ش) فاعتبرت الكفاح السياسي من أجل تحقيق الوحدة النقابية لحركة الطبقة العاملة في مواجهة العوائق الثانوية ومحاولة السيطرة من جانب السلطة سابقًا لأوانه، وطالبت بتدعيم النقابات العامة كطريق تدريجي لتحقيق الاتحاد في المستقبل، مؤجلة مواجهة البرجوازية في هذه المسألة الهامة من مسائل الحريات الديمقراطية وحقوق الطبقات الشعبية، أي تاركة السلطة وحدها في هذا المجال.

وحينما حسمت السلطة المسألة، ولم تنتظر أحدًا وشكلت اتحادًا لنقابات العمال. اتحادًا شكليًّا تسيطر عليه تمامًا، وعينت قيادته من عملائها ووضعت على رأسه النقابي الأصفر أنور سلامة، لتصفية الحركة النقابية كحركة مستقلة وتحويلها إلى مصلحة حكومية! رحبت القيادتان الانتهازيتان بالعمل الثوري العظيم!

وتلا ذلك التنظيم الحركة النقابية فأصبحت خاضعة للاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي. وأهدرت أبسط أشكال الديمقراطية النقابية بتدخل الأجهزة السياسية والإدارية ومنحها حق الاعتراض على المرشحين للمستويات المختلفة وجاء إلغاء الانتخابات الفعلي ومنع الجمعيات التأسيسية من الانعقاد تتويجًا لمحاولات الإجهاز على الحركة النقابية.

وبعد إجراءات يوليو 1961 الاقتصادية والسير خطوات في طريق التنمية أصبح لدى البرجوازية البيروقراطية الحاكمة فتات لتقدمه للنقابيين الصغار القدامى ولمن تستطيع إفساده من النقابيين الشرفاء، فجهازها الإداري في حاجة إلى أعداد متزايدة من الأتباع لكي تضمن إخضاع التنظيمات العمالية لأهدافها، ولإفراغ هذه التنظيمات من محتواها ولخنق أي محاولة لكفاح نقابي حقيقي.

لقد برز طفح الأرستقراطية العمالية على الطبقة العاملة متغلغلا في الحركة النقابية وفي أشكال «التمثيل» الأخرى للطبقة العاملة في مجالس إدارات ولجان الاتحاد الاشتراكي ومجلس الأمة، وأصبحت هذه الأرستقراطية العمالية هي السند الرئيسي للسلطة في صفوف الطبقة العاملة.

وبالإضافة إلى ذلك، أدى التصنيع إلى انضمام فئات جديدة من الفلاحين المعدمين النازحين من القرية، ومن الحرفيين المفلسين إلى الطبقة العاملة. وهي جماهير لم تعرف حتى التنظيم النقابي من قبل. بالإضافة إلى انخفاض مستوى معيشتها إلى أقصى درجة، ويسهم ذلك موقتًا في تمييع الكفاح الاقتصادي والسياسي، وإضفاء الهدوء النسبي على الحركة التلقائية للطبقة العاملة.

ومن جهة أخرى، كان أثر التصنيع والقطاع العام (رأسمالية الدولة) على الحركة الشيوعية شديدة الوطأة، فبعد القليل من التأرجح اتفق التياران الانتهازيان على أن البلاد تسير في طريق التطور غير الرأسمالي المؤدي إلى الاشتراكية وأعلنا في تسابق محموم حل تنظيميهما وتقدمت القيادتان إلى الأجهزة الرسمية بطلبات الاستخدام.

ولكن الحقائق أشياء عنيدة، فالاستغلال الرأسمالي يسحق بوطأته مصالح الأكثرية الساحقة من العمال ويتضاءل نصيبهم من ناتج عملهم لصالح حفنة تتضخم امتيازاتها من الطفيليات في القطاع العام والخاص، ويكشف التضليل بالاشتراكية عن وجهه الحقيقي في الصدام اليومي بين مصالح العمال ومصالح الإدارة في القطاع العام ومختلف القضايا، التي يفصل فيها لصالح الإدارة. وتكشف نسبة الـ50 % الشكلية عن زيف التمثيل العمالي المزعوم. فالعمال يحال بينهم وبين الاشتراك في توجيه الإنتاج أو الرقابة عليه، كما هو يحال بينهم وبين أي مشاركة في التشريع.

ويؤكد ما سبق أن الحزب الشيوعي ضرورة موضوعية للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة التاريخية في مواجهة البرجوازية البيروقراطية ورأسمالية القطاع الخاص. وليخلص هذه الطبقة من قصورها الذاتي الإصلاحي لكي تصبح قادرة على القيام برسالتها على رأس الحركة الوطنية حتى تصل بالثورة إلى نتيجتها المنطقية الاشتراكية.