هوامش
جوزيف كراوسخطة ترامب وصدمة المنطقة
2025.02.16
مصدر الصورة : آخرون
ترجمة: منى يسري
المقال الأصلي منشور على موقع abc NEWS في تاريخ 5 فبراير 2025[1]
خطة ترامب وصدمة المنطقة: تحديّات تَحُول دون تنفيذها
اقتراح دونالد ترامب بنقل مئات الآلاف من الفلسطينيين قسرًا من قطاع غزة وتطويره يواجه بعض العوائق الكبرى.
لقد قدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صباح الخامس من فبراير، اقتراحًا صادمًا، يقضي بنقل ملايين من أهالي قطاع غزّة وتطويره كوجهة سياحية وتحويله إلى "ريفييرا"، غير أنّ هذه المشروع يواجه تحديّات وعقبات أكبر مما يتخيّل ترامب.
ينظر الفلسطينيون والعرب، ودول أوروبية عدّة إلى هذه الخطط باعتبارها نوعًا من التطهير العرقي، ومحاولة لطردهم من وطنهم بعد الهجوم الإسرائيلي الذي استمر 15 شهرًا ضد القطاع وجعله مكانًا غير صالح للسكن. كما أنّ هذا الاقتراح هو محاولة لتصفية نضالهم المستمر لعقود من أجل إقامة دولة، وهو هدف يحظى بدعم دولي واسع. أدانت ذلك التصريح وتلك الخطط العديد من الدول العربية، بما في ذلك مصر والأردن -وهما حليفتان وثيقتان للولايات المتحدة ويجمعهما اتفاقيات سلام مع إسرائيل- ورفضت بشدة اقتراح ترامب بتهجير المزيد من اللاجئين الفلسطينيين.
وأصدرت السعودية بيانًا نادرًا -ليلًا- رفضت فيه فكرة النقل القسري، وأكدت مجددًا أنها لن تطبع العلاقات مع إسرائيل -وهو هدف أساسي لإدارة ترامب- دون إقامة دولة فلسطينية تشمل غزة. كما يشكل الاقتراح خطرًا على الهدنة في غزة واستمرار الإفراج عن الرهائن الذين احتجزتهم حماس في هجومها في 7 أكتوبر 2023، الذي أشعل فتيل الحرب. وقد ادعى ترامب أنه توسط في التوصل إلى الهدنة، لكن مستقبلها يبدو الآن أكثر غموضًا. يرى الفلسطينيون أن غزة جزء لا يتجزأ من وطنهم القومي، ويطمحون إلى إقامة دولة مستقلة تشمل غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب الشرق الأوسط عام 1967. أما معظم سكان غزة فهم من أبناء اللاجئين الذين طُردوا من أراضيهم خلال حرب 1948 التي أحاطت بإنشاء إسرائيل، حيث مُنعوا من العودة لأنهم كانوا سيشكلون أغلبية سكانية تفوق السكان اليهود في الدولة الجديدة.
صرّح السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور، أنه إذا كان هدف ترامب إرسال الفلسطينيين إلى "مكان سعيد وجميل"، فمن الأفضل إعادتهم إلى موطنهم الأصلي في الأراضي المحتلّة (إسرائيل). إن التمسك بالبقاء في الأرض رغم التهديد بالطرد يشكّل جوهر نضال الفلسطينيين وهويتهم، وقد تجلى ذلك بوضوح الأسبوع الماضي عندما عاد مئات الآلاف إلى شمال غزة على الرغم من تدميرها شبه الكامل.
كل من حركة حماس والسلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب والتي تعترف بإسرائيل وتنسق معها أمنيًّا قد أدانت بشدة اقتراح ترامب، وكذلك مصر والأردن، اللتان وقعتا اتفاقيات سلام مع إسرائيل منذ عقود، رفضا مرارًا مقترحات سابقة لإعادة توطين الفلسطينيين داخل حدودهما. وتخشى الدولتان أيضًا أن تمنع إسرائيل الفلسطينيين من العودة، وأن يؤدي تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين مرة أخرى إلى زعزعة استقرار المنطقة، كما حدث في عقود ما بعد عام 1948 عندما كان ذلك عاملًا رئيسيًّا في اندلاع الحرب الأهلية في لبنان والغزو الإسرائيلي لهذا البلد مرتين. كما أن كلا البلدين يعاني من اقتصاديات متعثرة تجعل من الصعب استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين.
اقترح ترامب أن تتولى دول الخليج الغنية تمويل إعادة توطين الفلسطينيين، لكن هذا يبدو أمرًا غير مرجح. وقد انضمت السعودية والإمارات وقطر إلى مصر والأردن في رفض أي خطط لنقل الفلسطينيين، وأعلنت السعودية رفضها للخطة -تقريبًا- فور طرحها. وجدد البيان السعودي تأكيد تصريحات سابقة لولي العهد محمد بن سلمان في سبتمبر، حيث قال إن السعودية لن تطبع العلاقات مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. وأكدت المملكة أن "موقفها الثابت غير قابل للتفاوض أو المساومة."
يبدو أن ترامب يستمتع باستخدام التعريفات الجمركية والعقوبات وقطع المساعدات للضغط على الحلفاء والخصوم على حد سواء، وقد يلجأ إلى ممارسة الضغط الاقتصادي على دول، مثل مصر والأردن، اللتين تعتمدان منذ فترة طويلة على المساعدات الأمريكية. لكن هذه الدول تمتلك أوراق ضغط خاصة بها في مواجهة ما تعتبره تهديدًا كبيرًا لأمنها القومي. كما أن دول الخليج الغنية، التي قدمت تاريخيًّا مساعدات إلى مصر والأردن، قد تساعد في تخفيف أي ضربة اقتصادية.
حذرت مصر بالفعل من أن أي نقل جماعي للفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المتاخمة لغزة يمكن أن يقوض معاهدة السلام مع إسرائيل، التي تعد ركيزة للاستقرار الإقليمي والنفوذ الأمريكي لمدة تقارب نصف قرن. كما لعبت مصر وقطر دورًا أساسيًّا كوسيط مع حركة حماس في المحادثات التي أدت إلى وقف إطلاق النار، وكلتاهما تعمل مع مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف لتمديده.
كانت فكرة الترحيل الجماعي للفلسطينين من غزّة تاريخيًّا مقتصرة على اليمين المتطرف في إسرائيل، لكن يوم الأربعاء، قال قادة في التيار السائد إن خطة ترامب تستحق النظر. أقر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في المؤتمر الصحفي مع ترامب، بأن "الأفواه تفتح دهشة"، عندما يقترح الرئيس الأمريكي أفكارًا غير تقليدية، لكنه أضاف: "ثم يبدأ الناس بالتفكير ويقولون: 'تعرفون، إنه محق'." بينما قال بيني غانتس -السياسي الوسطي والجنرال السابق الذي يُنظر إليه منذ فترة طويلة كبديل معتدل لنتنياهو- إن اقتراح ترامب أظهر "تفكيرًا إبداعيًّا وأصليًّا ومثيرًا للاهتمام"، ويجب دراسته جنبًا إلى جنب مع أهداف الحرب الأخرى، "مع إعطاء الأولوية لعودة جميع الرهائن."
زعيم المعارضة يائير لابيد، الذي يُعتبر ناقدًا شديدًا لنتنياهو، وداعمًا في السابق لحل الدولتين، لم يعترض على الفكرة. بدلاً من ذلك، قال في مقابلة مع وسائل إعلام محلية إنه من المبكر الرد على اقتراح ترامب نظرًا إلى عدم وجود تفاصيل ملموسة، مشيرًا إلى أن الأولوية هي عودة الرهائن خلال المرحلة الحالية من الهدنة في غزة، حيث من المتوقع أن تطلق حماس سراح 33 رهينة مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين، تنتهي في أوائل مارس. وتُجرى مفاوضات بشأن المرحلة الثانية، التي تشمل الإفراج عن حوالي 60 رهينة أخرى مقابل مزيد من الأسرى. كما أعلنت حركة حماس أنها لن تفرج عن الرهائن المتبقين إلا في حال إنهاء الحرب وانسحاب إسرائيلي كامل، وهو ما من شأنه على الأرجح أن يمنع أي تهجير قسري.
وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي يدعم ما يسميه "الهجرة الطوعية" لعدد كبير من الفلسطينيين وإعادة إقامة المستوطنات اليهودية في غزة، هدد بالخروج من ائتلاف نتنياهو إذا لم تُستأنف الحرب بعد المرحلة الأولى، ما قد يؤدي إلى انتخابات مبكرة، بينما رحّب باقتراح ترامب.
استئناف الحرب من شأنه أن يعرض حياة الرهائن المتبقين للخطر، ولا يوجد ضمان بأنه سيقضي على حركة حماس التي لا تزال تسيطر على معظم قطاع غزة. كما سيقوض ما يعتبره ترامب إنجازًا كبيرًا ويؤخر مزيدًا من خطوات التطبيع مع السعودية. هناك احتمال آخر: أن يكون اقتراح ترامب خطوة افتتاحية في عملية تفاوض تهدف في النهاية إلى تأمين صفقة كبرى في الشرق الأوسط كما يدعي أنه يسعى إليها.
فقط الأسبوع الماضي، كان ترامب يهدد بفرض تعريفات جمركية كبيرة ضد كندا والمكسيك، أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة، قبل أن يعلق تلك التهديدات بعد اتخاذ قادتهما خطوات لتهدئة مخاوفه بشأن أمن الحدود وتهريب المخدرات. وخلال ولايته الأولى، كان ترامب يتودد لفكرة ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة قبل أن يتم تأجيل الفكرة كجزء من اتفاقية تطبيع مع الإمارات العربية المتحدة.
قد ينتهي الأمر بترامب إلى تقليص اقتراحه أو تعليقه مقابل تنازلات من بعض القادة العرب، ربما بشأن إعادة إعمار غزة أو خطوات نحو التطبيع مع إسرائيل، على الرغم من أن البيان السعودي بدا وكأنه يستبعد هذا الاحتمال.
ترشيحاتنا
