فنون

أحمد عبد الجبار

صورة العميد.. تمثيلات طه حسين في الدراما والسينما

2021.06.01

مصدر الصورة : ويكيبيديا

صورة العميد..  تمثيلات طه حسين في الدراما والسينما

سأحاول في هذا المقال عرض صور طه حسين المختلفة التي تظهر لنا من خلال كتاب الأيام والمسلسل المأخوذ عنه، وكيف تُقرأ هذه الصور ويتم التفاعل معها، مع التأكيد على أن كثيرًا من الصور هي في النهاية صور للشخصية؛ قد تكون معبرة عنها لكنها لا تقدم الحقيقة، وفي المقابل سنهتم أكثر بصورة أخرى لطه حسين؛ صورة الصحفي والأديب أكثر من المفكر أو المؤرخ أو الناقد.

اخترنا صورة الصحفي والأديب لأنها الصورة الأقرب للإنسان العادي، لنرى كيف اقترب طه حسين لصورة للمواطن العادي؛ مشاهد المسلسلات والأفلام، الذي قد لا يقرأ الكتب الفكرية، بل يكتفي بالروايات والصحف. لا يهتم المقال بصورة طه حسين المفكر أستاذ الأدب العربي وأستاذ التاريخ القديم والسياسي والناقد أو صاحب أزمة كتاب في الشعر الجاهلي، كما أن كل الكتب التي سنتحدث عنها روايات قدمت في أعمال فنية كمسلسلات أو أفلام ليكون الحديث متشابهًا مع كتاب الأيام ومسلسل الأيام.

في عام 1979 عرض التليفزيون المصري مسلسل الأيام عن كتاب الأيام لطه حسين، الذي نشر في عام 1929 عن الفترة من 1889 إلى 1923، ويحكي عن طفولة طه حسين حتى حصوله على الدكتوراه من فرنسا. ويهتم بالتدرج العلمي لطه حسين منذ دراسته في كُتاب بالقرية وحفظ القرآن الكريم حتى حصوله على الدكتوراه من جامعة القاهرة، ثم حصوله على الدكتوراه من فرنسا، ومعاناته وتغلبه على الفقر والمرض والجهل. لا يتابع المسلسل الصراع الأدبي والفكري والسياسي والاتهامات التي تعرض لها بعد نشر كتابه في الشعر الجاهلي، وإن كان يشير في مشاهد النهاية من الحلقة الأخيرة إلى دور طه حسين كمثقف وعلاقته بالسلطة السياسية، كما يشير إلى أزمة رسالته للدكتوراه عن أبي العلاء المعري واتهامه بالإلحاد والكفر لولا تدخل سعد زغلول لحل الأزمة؛ فكتاب الأيام ليس قصة حياة طه حسين الكاملة، وقد ذكر طه حسين في مقدمة إحدى طبعات هذا الكتاب سنة 1954م عن سبب كتابته للأيام: "إنما أمليته لأتخلص من بعض الهموم الثقال، والخواطر المحزنة التي كثيرًا ما تعتري الناس من حين إلى حين".

بعد حصول طه حسين على الدكتوراه من فرنسا نشر سلامة موسى صورته بالزي الأزهري في مجلته، واصفًا هذا الإنجاز بالمعجزة، مقدمًا صورة مختلفة للشخص الذي استطاع أن يغيِّر الصورة القديمة للطالب الأزهري. ويمكننا أن نتخيَّل كيف تلقى الطلاب الأزهريون هذه المجلة آنذاك، وصورة زميلهم الذي كان يجلس معهم في الأزهر وقد استطاع تحقيق تلك الخطوة، لكن سلامة موسى سيختلف مع طه حسين حول تدريس الأدب القديم.

في بداية الحلقة الأولى من المسلسل يظهر صوت فاروق شوشة كراوٍ، وبكلمات طه حسين نفسها في الأيام من بصورة لطه حسين الطفل وهو يتحسس طريقه للخروج من المنزل والتعرف على العالم الخارجي، وبأسلوبه الشعري يبدأ في التعرف عليه، بعد هذا المشهد يختفي الراوي، ليظهر في نهاية الحلقة الأخيرة ليخبرنا بأحداث ليست في كتاب الأيام، ويلخص مراحل حياة طه حسين بعد نهاية كتاب الأيام، وكيف أصبح عميدًا لكلية الآداب ومديرًا لجامعة الإسكندرية ووزيرًا للمعارف وعميدًا للأدب العربي، ويتحدث عن دوره كمثقف وعلاقته بالسلطة والسياسة دون أن يذكر أزمة كتاب في الشعر الجاهلي، حتى ننتقل لمشهد جنازة طه حسين. وهذا الجزء الذي يرويه فاروق شوشة في الحلقة الأخيرة هو صوت صنَّاع المسلسل.

الطالب والفقي

في مشهد من المسلسل عندما ينسى أهل طه حسين ابنهم الأعمى وحيدًا في محطة القطار الأخيرة ويذهبون، ليقضي ليلته بصحبة بعض العامة غلاظ القلوب وإن ادعوا التدين، الذين يصرون على أن يقرأ القرآن لهم باعتباره (فقي) أو مجرد قارئ للقرآن، لكنه يرفض ويقول إنه طالب علم، وليس القرآن للتسلية، فيجبروه على قراءة القرآن فيجيبهم مضطرًا. كان طه حسين هنا يدافع عن نفسه ضد صورته عند العامة باعتباره مجرد حافظ للقرآن بأنه طالب علم من خلال السيرة، لكن العامة يلتبس عليهم الأمر. وقد يكون المسلسل انتصر لفكرته وأعاد تقديمه كطالب علم مجتهد ومتفوق لا مجرد حافظ للقرآن يقرأه على المقابر.

ونستطيع أن نقسم الأعمال الفنية التي قدمت معالجة لكتبه إلى ثلاثة أنواع: أعمال دينية؛ كفيلم ظهور الإسلام 1953 عن كتابه الوعد الحق، الذي أعيد تقديم مسلسل بالعنوان نفسه في 1993، أو مسلسل على هامش السيرة؛ أو أعمال درامية عن قصص حب، مثل فيلمي دعاء الكروان والحب الضائع؛ وأعمال عن قصة حياته مثل مسلسل الأيام ومسلسل أديب عن رواية أديب، أو فيلم قاهر الظلام، وسهرة تليفزيونية بعنوان "خديجة" عن قصة بالعنوان نفسه من مجموعة المعذبون في الأرض. وقد يؤكد المشاهد الذي رأى هذه الأعمال أن طه حسين كاتب في التاريخ الإسلامي، ويؤكد المشاهد لمسلسل الأيام أنه شخص كافح من أجل التعليم، ويؤكد المشاهد لفيلمي الحب الضائع ودعاء الكروان أنه كاتب لقصص الحب، وهناك من لم يقرأ كتبًا لطه حسين ولم يشاهد أي منتج فني سواء فيلم أو مسلسل، واستمع إلى حوارته، وسمع عن كتاب في الشعر الجاهلي وقال إنه كافر؛ كما كان مدرس اللغة العربية الذي كان يدرسني يقول!

دعاء الكروان

تتميز آمنة عن هنادي أنها تعلمت، ليس تعليمًا نظاميًّا، ولكنها رافقت خديجة ابنة المأمور في حضور دروسها، وحاولت وتعلمت بالتبعية وحاولت أن تقلد أبناء المدينة في طريقة كلامهم وتناولهم للطعام أنها رغبت عن غلظة البداوة لشيء من التحضر، وأنها ليست مجرد فتاة عادية جميلة، أو غير جميلة، لكن ما ميزها عن هنادي شيء من التعليم ومن الحضارة المدينة المشؤومة، أو الموبوءة كما تسميها الأم زُهرة، هي المدينة التي نكبت ابنتها، لكنها في الوقت نفسه المدينة التي آوتهم ووجدوا فيها شيئًا من الأمن والحياة المقبولة بعد أن طردهم أهلهم، وهي المدينة التي يسكنها مهندس الري. قد تكون المدينة هنا صورة للعالم الحديث ولانتقال الريفيات من مكان بدائي إلى مكان حديث لكي نرى نوع التطور الذي يطرأ عليهم، وهن لسن فلاحات حتى بل بدويات من أطراف القرى.

قد تكون آمنة في فيلم دعاء الكروان هي الممثلة للعلاقة الإنسانية والروحية وليست الفكرية بين طه حسين ومجتمعه.. ما الذي يفرق آمنة عن هنادي؟ كانت هنادي موضوعًا لرغبة المهندس، لكن آمنة كانت ذاتًا في مقابل ذات أخرى، وهو ما جعلها تتحول من مجرد موضوع للرغبة إلى موضوع للحب؛ وكأنه يقدم لمجتمعه الرجعي الفرصة كي يتقدم فقط لو آمن بقيمة الحب التي جعلت آمنة تنضج وتهمل العنف لصالح الحب، وأنه من خلال إيمانه بقيمة الحب أو الفهم حوَّل المغتصب إلى طرف في علاقة إنسانية. تبدو شخصية آمنة في فيلم دعاء الكروان شبيهة بشهرزاد؛ فتؤجل قتل مهندس الري كل ليلة بحكاية الحب، أو تشبه شهريار أكثر لأنها تريد قتله لخيانته حب أختها له، ومهندس الري يريد جسدها ليغتصبه، وهي كشهريار تريد قتله، ويتقدم الحب كقيمة إنسانية ليؤجل الصراع البدائي بين الجسدين، فمهندس الري ممثل للحداثة أو الاستعمار بتأويل مفرط، وآمنة البدائية تحمل فكرة التنوير في الفيلم، وتتحمل مسؤوليته عندما ترقى وتتعالى عن الانتقام.

وفي مقابل بطل فيلم قنديل أم هاشم؛ الطبيب الذي يستطيع التوفيق بين العلم والدين، تستمر آمنة في تنوير نفسها كجسد للحداثة، لا فكرة عنها، ضد طلبها للثأر كقيمة بالية. وهنا تبدو شخصية آمنة المقابل النفسي لشخصية طه حسين، عندما أراد أن يفكر أن المجتمع قد يقبل قيم الحداثة، فقتل آمنة كحذف أفكاره في كتابه "في الشعر الجاهلي".

عُرض مسلسل أديب في 1982، وتوجد إشارات كثيرة لشخصية أديب في كتاب الأيام قد نستطيع أن نجعلها مقدمة لمعرفتنا بأديب قبل أن نتعرف عليه في الرواية. يشير طه حسين في كتاب الأيام إلى أصدقاء أخوته الأكبر المطربشين الذين يرتادون المدارس العادية لا الأزهر، ونعرف في رواية أديب أن شخصية أديب كانت لواحد من المطربشين صديق لأخوته الأكبر، وكان يقضي معهم إجازة الصيف في النقاش والقراءة، وعلى الرغم من أن كتاب الأيام لا يتحدث عن صداقة أديب وطه حسين في القاهرة، هذه الصداقة التي عرضت بالتفصيل في رواية أديب، فإننا نجد في كتاب الأيام إشارتين إلى أديب؛ الأولى لذلك الصديق الذي قدم لامتحان الليسانس مع طه حسين وصبري السوربوني؛ الثلاثي الذين أعاقهم امتحان اللغة اللاتينية، فينجح طه حسين ويفشل صبري السوربوني الذي سيصبح المؤرخ المعروف فيما بعد، ثم ينجح في النهاية، لكن الصديق الثالث يفشل، ويصيبه الجنون، وهو ما يشبه حالة أديب في الرواية.

وفي كتاب الأيام عندما يحكي طه حسين عن رعايته لصديق مريض أصابه مرض عصبي، من الممكن أن يكون هو أديب نفسه. قد يكون صناع مسلسل أديب قد استفادوا من بعض التفاصيل في كتاب الأيام للتعرف على شخصية أديب من خلال حكى طه حسين عنه في الأيام بشكل مقتضب قبل أن يبسط الحكي عنه في رواية أديب.

"طه" و"أديب"

نستطيع أن نشاهد مسلسل أديب من خلال حياة طه حسين نفسه كتأويل آخر لمسيرته كأديب. في حوار معه قال طه حسين إن أمنيته أن يكون أديبًا يسمع الناس لكلامه، وفي مسلسل أديب نرى صراع البطل بين باريس بلاد الجن والملائكة والأديب المشوه الوجه، وبين سفره في بعثة وتخليه عن الفتاة البسيطة التي أحبها، ما الأهم؛ الحب أم العلم والثقافة؟ الارتباط بفتاة من الوطن أم البعثة؟ يظهر مفهوم الحب أيضًا والارتباط بالأرض ليتصارع مع فكرة الثقافة هنا لكن بشكل مختلف؛ إذ يبدو الحب هو المحرك للارتباط بالأرض والمكان القديم والفتاة ابنة الوطن مقابل الثقافة والتعليم. فهل كان طه حسين هنا يقدم صورة مختلفة، ليست عن علاقة الشرق بالغرب أو المثقف الشرقي بالحضارة الغربية، صورة أخرى مقابلة لصورة هنادي وارتباطها بالماضي. يبدو أديب أو إبراهيم عبد الله هنا مضحيًا بالماضي والمكان القديم والحب بطلاقه من حميدة التي أحبها وتخلى عنها من أجل البعثة. وتبدو شخصية هنادي وأديب بتأويل مفرط صورة من صور طه حسين نفسه من خلال الأدب، شخصيات درامية. الصراع الأساسي الذي تواجهه هذه الشخصيات هو العالم الجديد الذي تنتمي له بعلاقة الحب والثقافة والعمل والمعرفة في مقابل الماضي والتخلي عنه.

توجد الكثير من السمات المشتركة بين أديب وطه حسين؛ فكلاهما من نفس القرية، ودرسا في جامعة القاهرة، وسافرا إلى فرنسا للدراسة في السوربون. لكن توجد بعض الاختلافات: فطه حسين من أسرة فقيرة وأديب من أسرة غنية، وبينما تعلم أديب وطه حسين في نفس الكُتاب، درس أديب في مدارس عادية ولم يدرس في الأزهر مثل طه حسين.

في دراسته من الكُتاب إلى الأزهر إلى الجامعة المصرية ثم السوربون ينتمي طه حسين في جزء كبير من ثقافته إلى الأزهر، بينما تبدو ثقافة أديب أكثر حرية، وبينما كتابة المقالات مع ما تتطلبه من جهد وتنظيم عكس فكرة الإبداع الحر في كتابة النثر أو الشعر، يبدو أديب أكثر ارتباطًا بالحياة من طه حسين الذي عانى شظفها. ومن النقاط المهمة عندما نتابع قصة حياة طه حسين في الأيام أنه عندما كان في باريس، باستثناء حبه لزوجته الفرنسية، لم يرد ذكر من ارتباطه بالواقع الثقافي الفرنسي آنذاك غير الجامعة والدروس. على عكس أديب الذي يجلس في مقاهي الأدباء ويزور المتاحف والمسارح وحتى الغابات على أطراف المدينة، ويحب ويقع في الرذيلة. بطل أديب أكثر درامية بداية من البعثة، والتضحية بحبه وزواجه، وشعوره بعقدة الذنب والألم. كبطل إغريقي يسقط بسبب تفوقه.

لكننا لا نكتفي فقط بالصورة التي يقدمها طه حسين عن نفسه هنا في أديب، بل نريد رؤية أن صورة صديق أديب هي صورة أخرى لطه حسين، نحاول أن نفهم طه حسين من خلالها؛ الصورة المحتملة له التي لم يحققها. ولو اعتبرنا باريس بلاد الجن والملائكة في أديب، كما أن المدينة في دعاء الكروان المشؤومة أو الملعونة المدينة الحديثة مقارنة بالبادية وبلدتهم "بني وركان" أو "بين الوركين" كما ينطقونها بلهجتهم، هي المقابل لباريس لاستطعنا قبول تشابه آمنة مع طه حسين وهنادي مع أديب.

 العميد في الروايات

نشر طه حسين مقالات في صحيفتين مختلفتين في أثناء دراسته في الأزهر. إحداهما كانت تسمح بالهجوم على شيوخ الأزهر؛ وهي صحيفة الحزب الوطني ويرأس تحريرها عبد العزيز جاويش، والأخرى صحيفة حزب الأمة، ويرأس تحريرها أحمد لطفي السيد. كان طه صحفيًّا شابًا حرًا وشارك في تحرير مجلة الهداية تحت إشراف عبد العزيز جاويش، وأنشأ بعد ذلك مجلة الكاتب المصري، واشترى ترخيص مجلة الوادي، ورأس تحرير صحيفة الجمهورية 1959.

توجد صلة بين شخصية يوسف في رواية ومسلسل زينب والعرش وشخصية طه حسين كما تقدمها رواية الأيام أو المسلسل، إذ عملت الشخصيتان بالصحافة في شبابهما. توجد أيضًا صلة بين شخصية طه حسين ورواية زينب والعرش؛ ففي إشارة رواية زينب والعرش لشخصية الكاتب الكبير، قد يكون هذا الكاتب هو العقاد أو طه حسين نفسه، وينتقد محمود مرسي في المسلسل، أو عبد الهادي النجار في الرواية، ذلك الكاتب الكبير وعالمه القديم، الذي كان مجبرًا على نشر مقالاته التي عفا عليها الزمن، وكأنها جزء من التاريخ تجاوزته اللحظة الراهنة. كانت الصورة أو النموذج الذي قدمه طه حسين في الحقيقة يتعرض للهجوم والتجاوز. والثابت أنه حدثت بعض المعارك الأدبية بين طه حسين الذي عمل رئيسًا لتحرير صحيفة الجمهورية وفتحي غانم الذي عمل في نفس الصحيفة.

اهتمت الرواية ومسلسل الأيام أكثر بالرحلة العلمية والمعاناة الشخصية للمثقف القديم، بينما تتحول الصورة في مسلسل زينب والعرش، والذي أنتج عام 1980 ليقدم صورة المثقف الخاضع للسلطة، وفي الوقت نفسه يحاول إظهار مساوئ العهد الناصري الذي تعيش فيه الشخصيات تحت سيطرة الرقابة، ويتحول المثقف من مثقف حر إلى خاضع لسلطة الرقيب وسلطة الإدارة الصحفية.

وشخصية طه حسين بعيدة عن المتع والشهوات؛ فهو طالب علم مجتهد ويبدو العالم مغلقًا في وجهه، فلا تمنحه الحياة الفرص للاستمتاع، لكن هذا لا يمنعه من الدخول في الصراعات الفكرية والسياسية، بين مناطحة شيوخ الأزهر والكتابة في الصحف ضدهم، رغم خطورة ذلك على مستقبله العلمي كطالب في الأزهر يطمح في الحصول على شهادة العالمية، في مقابل شخصية يوسف التي تمنحها الحياة الفرص رغم وجود الرقيب الذي يشكل وجوده جزءًا من وجود يوسف في العالم كصحفي في صحيفة تتبع مؤسسة الدولة. وتبدو صورة الأب طه حسين في الأيام أو المثقف القديم أكثر قوة وجرأة مقارنة بصورة يوسف بطل زينب والعرش.

 في رواية ميرامار والفيلم أيضًا نجد شخصية عامر وجدي؛ الصحفي القديم الذي تجاوزته ثورة 52، يتشابه عامر وجدي مع طه حسين في كثير من الملامح؛ فكلاهما تخرَّج في الأزهر وعمل بالصحافة واتُهم بالإلحاد. شخصية عامر وجدي في الرواية والفيلم تبدو أقرب إلى شخصية الأب المراقب غير الفاعل، قد يحب بعض أبناء العالم الجديد ويعتبرهم أبناءه؛ كزُهرة الفتاة الريفية، أو منصور باهي الشاب المثقف، لكنه لا يستطيع مساعدتهما في العالم الجديد، وقد تتشابه قراءته للقرآن ولسورة الرحمن مع عودة طه حسين للكتابة عن الإسلام.

قد تكون هذه صورة طه حسين الذي هاجمه فتحي غانم في الصحافة، كما هاجمه صالح مرسي في حوار تليفزيوني، وقد تكون هذه هي صورته الخيالية كما قدمها فتحي غانم في رواية زينب والعرش، وقد تكون هذه صورته عند نجيب محفوظ؛ طه حسين مدح نجيب محفوظ في الحقيقة، ولم يهاجمه نجيب محفوظ في الحقيقة، لكن تشابه صورته مع عامر وجدي تحمل إدانة ما لصورة طه حسين كمثقف قديم في العصر الحديث أو في مصر بعد ثورة 52.

اخترنا صورة الصحفي والأديب لأنها الصورة الأقرب للإنسان العادي، ولنرى كيف اقترب طه حسين لصورة للمواطن العادي؛ مشاهد المسلسلات والأفلام، الذي قد لا يقرأ الكتب الفكرية، بل يكتفي بالروايات والصحف..

الأيام ليس قصة حياة طه حسين الكاملة، وقد ذكر في مقدمة إحدى طبعات هذا الكتاب سنة ١٩٥٤: "إنما أمليته لأتخلص من بعض الهموم الثقال، والخواطر المحزنة التي كثيرًا ما تعتري الناس..

بعد حصول طه حسين على الدكتوراه من فرنسا نشر سلامة موسى صورته بالزي الأزهري في مجلته، واصفًا هذا الإنجاز بالمعجزة، مقدمًا صورة مختلفة للشخص الذي استطاع أن يغيِّر الصورة القديمة للأزهري..

كان العميد يدافع عن نفسه ضد صورته باعتباره مجرد حافظ للقرآن بأنه طالب علم، لكن العامة يلتبس عليهم الأمر. وقد يكون المسلسل انتصر لفكرته وأعاد تقديمه كطالب علم مجتهد متفوق..

تبدو شخصية آمنة المقابل النفسي لشخصية طه حسين، عندما أراد أن يفكر أن المجتمع قد يقبل قيم الحداثة، فقتل آمنة مثلما حذف أفكاره في كتابه "في الشعر الجاهلي..