هوامش
جود مككيني وآرثر تاونندعن الواقع القاتم لفنادق المهاجرين ببريطانيا
2025.09.28
مصدر الصورة : آخرون
عن الواقع القاتم لفنادق المهاجرين ببريطانيا
تزعم قوى اليمين المتطرف أن اللاجئين يعيشون في ترف، بينما يُترك البريطانيون من الطبقة العاملة ليعانوا. أما السياسيون التقليديون فيتحدثون عن اللاجئين كعبء، كمشكلة لا تُحل إلا بالترحيل الجماعي والاعتقالات.
وفي حين لا يكتفي السياسيون والصحفيون المهيمنون من الحديث عن اللاجئين، فإنهم نادرًا ما يتحدثون إليهم أو يتيحون لهم منصة لسرد قصصهم. صحيفة «Socialist Worker» التقت عددًا من اللاجئين الذين كشفوا قسوة إجراءات اللجوء وظروف المعيشة البائسة التي يُجبرون على تحملها.
«الفندق كان عقوبة»
نافيزا من السودان، واحدة من آلاف خاطروا بحياتهم هربًا من الحرب للوصول إلى بريطانيا، لكنها اضطرت إلى ترك طفليها خلفها.
تقول: «الوصول إلى هنا كان واحدًا من أصعب الرحلات التي يمكن أن يتخيلها إنسان. عند وصولك، يجبرونك على تقديم إفادة عن سبب مجيئك، وهذا أمر بالغ الصعوبة. في كل مرة تُجبر على تكرار القصة، كأنك تضغط على جرح غائر».
وتضيف: «لديّ طفلان كانا يبلغان 11 و16 عامًا حين اضطررت إلى تركهما. أن تكون طالب لجوء وتسكن في فندق، فهذا عبء جديد. لا تستطيع الذهاب إلى أي مكان لأنه لا مال لديك. من يعيش في الفنادق يتوقعون منه أن يعيش على أقل من 10 جنيهات إسترلينية أسبوعيًّا. كل ما عليك فعله هو الانتظار، لتعرف إن كان مسموحًا لك بالبقاء في البلد».
وتتابع: «الفندق كان كارثة بالنسبة إليّ. هناك الكثير من القوانين عمّا تستطيع وما لا تستطيع فعله. كنت أشتكي يوميًّا من أنني لا أستطيع فتح نافذة غرفتي. قالوا إنه أمر يخص الصحة والسلامة. لكنني أردت فقط هواءً نقيًّا. المكان كان أشبه بالسجن. أحيانًا شعرت أنني أُعاقَب بمجرد وجودي فيه».
توضح نافيزا أنها تعاني من مشاكل في النوم بسبب ما مرّت به، إضافة إلى قلقها المستمر على طفليها اللذين لم يكونا معها وفي بلد غير آمن. «حالتي النفسية كانت سيئة جدًّا».
داخل الفنادق، كثيرًا ما يُجبر الناس على مشاركة الغرف مع غرباء. تقول: «كنت أشارك الغرفة مع فتاة عمرها 21 عامًا تعاني مشاكلها الخاصة، وهذا لم يساعدني على النوم لأنه لم تكن هناك أي خصوصية».
أخيرًا حصلت نافيزا على وضع الإقامة المستقرة، وتمكّنت من لمّ شمل طفليها. «أستيقظ أحيانًا في منتصف الليل فقط لأتأكد أنهما بجانبي. أضمهما وأقبّلهما». لكنها لا تزال تنتظر لمّ شملها مع زوجها، بعد أن علّقت الحكومة البريطانية طلبات لمّ شمل الأسر منذ سبتمبر الماضي، ما ترك آلاف العائلات ممزقة.
«نحن مجرد أطفال في بلد جديد.. نخاف»
وصل خالد، في سن الحادية والعشرين، إلى بريطانيا عبر قارب صغير، بعد رحلة استمرت قرابة عام من سوريا.
يحكي: «عندما وصلت دوفر، أجرت وزارة الداخلية مقابلة معي، أخذوا بصماتي وصورتي، ثم وضعوني في حافلة نقلتني إلى فندق. لم يخبروني إلى أين سأذهب. استيقظت لأجد نفسي في دمفريس بإسكتلندا».
يضيف: «الفندق كان بسيطًا جدًّا، لا شيء مما يُقال عن الفخامة. في الغرفة سرير فقط، وكان قاسيًا إلى درجة أنني فضلت النوم على الأرض».
يرى خالد أن المعلومات المضللة هي ما يغذي الكراهية ضد طالبي اللجوء. «حين أبحث على الإنترنت أجد كثيرًا من الأكاذيب عنا. وسائل الإعلام مثل GB News تتجاهل ما نمر به. في المنطقة بدأ الناس يقولون إننا مجرمون. لأننا نسير معًا، اعتقدوا أننا عصابة. لكننا مجرد أطفال في بلد جديد، خائفون، لا نعرف ماذا نفعل أو إلى أين نذهب، فنظل معًا. نحن لم نفعل شيئًا خاطئًا».
ويضيف: «الآن أتجنب السير قرب المدارس. أراجع الشوارع على خرائط جوجل لأتأكد أنني لن أمر بجانبها. أخشى أن يصورني أحد ويدّعي أنني أفعل شيئًا سيئًا».
ويقول: «الناس يسألون: لماذا لم تأتِ عبر طرق قانونية؟ هل أنت مجرم؟ أجيب: ليست هناك طرق قانونية. يسألون: كيف تترك أمك وأختك؟ أقول: لن أضع أمي في قارب. استغرقت الرحلة شهورًا، وكثيرون يموتون وهم يحاولون الوصول».
ويتابع: «يقولون إن هناك مشرّدين هنا، لكن الحكومة قادرة على إيواء الجميع لو أرادت. الأمر ليس نحن أو هم».
«ستبقى الندوب معي»
كاليب، طالب لجوء يعيش في لندن، يصف تجربته بأنها «صادمة ومؤلمة». يقول: «لقد تسببت لي بآلام عميقة، وأعلم أن هذه الندوب ستبقى معي مدى الحياة».
يوضح: «لم أتفاجأ، فقد كنت أعلم أن نظام الهجرة معادٍ. عملية اللجوء ليست عادلة ولا إنسانية، خصوصًا لمن هم ليسوا من البيض. الأسئلة والإجراءات وسوء كفاءة موظفي وزارة الداخلية تبدو وكأنها مُصممة لإعادة صدماتنا وللتشكيك فينا. كل كلمة تقولها يُنظر إليها ككذبة».
ويحكي عن إقامته في فندق لشهرين تقريبًا، قائلًا: «المتعهدون الذين تعاقدت معهم وزارة الداخلية لإدارة الفنادق كانوا من أكثر الناس قلة احترام ممن قابلتهم. لديهم سلطة كبيرة لأنهم يرفعون تقارير مباشرة للوزارة، وهذا يخلق مناخًا من الخوف والترهيب».
ويضيف: «رأيت نساء يتعرضن للتحرش الجنسي من قِبل المتعهدين. بعضهن أردن التبليغ، لكن أغلبهن خفن من أن يؤثر ذلك سلبًا في طلبات لجوئهن».
بالنسبة إليه، «اللاجئون أهداف سهلة في بريطانيا لأننا بلا صوت. وحتى حين نتحدث، يُنظر إلينا بعين الشك. الجميع يعرف أن النظام ضدنا، لذا نادرًا ما يُحاسب من يسيء إلينا».
عن الاستيقاظ مجمدةً
ما زالت فاطمة في طور طلب اللجوء، تعيش في غرفة مشتركة وتعمل متطوعة في فندق مخصّص للواصلين الجدد.
تقول: «الإقامة في الفندق ليست سهلة. عمال النظافة يأتون مرة واحدة في الأسبوع. طلبت أدوات تنظيف كي أقوم بالأمر بنفسي، لكنهم قالوا هناك قواعد ويجب أن أنتظر. المكان كان قذرًا، أرض الغرفة لم تُكنس لشهر كامل».
أما الطعام، فتصفه بـ«السيئ إلى درجة لا يُحتمل أكله»، وحين كانوا يشتكون كان الرد: «الأمر ليس بأيدينا».
وتضيف: «العائلات التي معها أطفال كانت تعاني بشدة، وهي ترى أبناءها يعيشون في هذه الظروف».
خلال الشتاء، كانت التدفئة المركزية تُطفأ ليلًا. تقول: «كنت أستيقظ متجمدة. أعاني الربو، واضطررت إلى مراجعة الممرضة. لم تُحل المشكلة إلا حين تدخلت بنفسها».
وتروي عن حادثة حين وُضعت فتاتان في غرفة واحدة، إحداهما مريضة بمرض معدٍ، ولم يسمحوا للأخرى بالانتقال. «حتى عمال النظافة رفضوا الدخول خوفًا من العدوى. قضتا شهرًا كاملًا هكذا».
وتضيف: «حين أسمع الناس الآن يتحدثون عن الفنادق وكأنها خمسة نجوم، بها حمامات سباحة وكل شيء مجاني، لا أصدق كم أن هذا بعيد عن الحقيقة. كنت أقول لنفسي: إذا بقيت هنا سأفقد عقلي».
نافيزا، وخالد، وكاليب، وفاطمة، مجرد أربعة من آلاف البشر الذين دفعتهم الحروب والكوارث إلى ترك أوطانهم. اللاجئون بشر لهم عائلات وآمال وحقوق. يستحقون المعاملة بكرامة واحترام، والعيش بعيدًا عن الخوف والاضطهاد. لكن الأهم من التعاطف معهم هو التضامن. فهم جزء من الطبقة العاملة العالمية، وقادرون على المساهمة في تشكيل مستقبلهم، إذا تحطمت الحواجز العنصرية وقام التضامن على وحدة المصير.