رؤى
عبد الهادي محمد عبد الهاديلماذا نصبح انتقائيين في صداقاتنا مع التقدم في العمر؟
2019.01.01
مصدر الصورة : United Nations
لماذا نصبح انتقائيين في صداقاتنا مع التقدم في العمر؟
اسألوا الشمبانزي!
عندما يتقدم البشر في العمر، يميلون إلى تفضيل الدوائر الصغيرة من الصداقات القائمة بالفعل، بدلاً عن البحث عن صداقات جديدة، ويميلون أيضًا إلى العلاقات الإيجابية أكثر من ميلهم لتلك العلاقات التي يمكن أن تسبب لهم التوتر أو الصراع.
كان يُعتقد أن البشر وحدهم من ينفردون بهذه السلوكيات، ولكن اتضح أن الشمبانزي أيضًا، وهو من أقرب أقربائنا الأحياء، لديهم نفس هذه السمات والميول، ويقول علماء إن هذه المعلومات يمكن أن تساعدنا في فهم بيولوجيا الشيخوخة، بخاصة مع زيادة متوسط عمر الإنسان، وزيادة أعداد المسنين في العالم، وكذلك، فهم السلوك البشري في هذه المرحلة من أجل الوصول لأفضل الطرق الممكنة للتعامل مع المسنين.
نُشرت نتائج الدراسة التي مولتها جزئيًّا مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية، في مجلة العلوم- Science - وشارك فيها فريق من علماء النفس وعلماء الرئيسيات وباحثون في جامعة هارفارد.
واعتمدت الدراسة على 78000 ساعة من الملاحظات التي تمت بين عامي 1995 و2016. درس الباحثون التفاعلات الاجتماعية لـ 21 من ذكور الشمبانزي الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و58 عامًا ويعيشون في حديقة كيبالي الوطنية بأوغندا، ودرس ذكور الشمبانزي فقط، لأن الذكور وفق دراسات سابقة يظهرون روابط اجتماعية أقوى، وتتكرر تفاعلاتهم الاجتماعية بمعدلات أكبر من تكرارها لدى الإناث.
كشفت النتائج عما يُعتقد أنه الدليل الأول على أن الحيوانات غير البشرية تختار بنشاط من تتعامل معهم مع تقدمهم في العمر، فبعد تحليل البيانات وجد العلماء أن الشمبانزي أظهر الكثير من نفس سلوك الشيخوخة الذي يظهره البشر، على سبيل المثال، تفضل ذكور الشمبانزي الأكبر سنًا قضاء المزيد من الوقت مع الأقران الذين طوروا معهم صداقات متبادلة معهم على مر السنين، بينما كان لدى الشمبانزي الأصغر سنًا، علاقات أكثر من جانب واحد، وتتكرر كثيرا محاولاتهم في بناء صداقات جديدة.
وأن الذكور الأكبر سنًا يفضلون قضاء وقت أطول في التفاعل مع أصدقائهم المسنين، ومثلهم مثل أقرانهم من البشر الأكبر سنًّا، يبحثون عن بعض الهدوء والسكينة، كما أظهرت الدراسة، أن ذكور الشمبانزي أظهرت تحولاً من العلاقات السلبية إلى العلاقات الإيجابية عندما وصلوا إلى سنوات الشيخوخة.
تقول ريبيكا فيريل، مديرة البرامج في قسم العلوم السلوكية والمعرفية في مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية «هذه النتائج يمكن الاستفادة منها في فهم ومعالجة بعض أسئلة حول الشيخوخة والسلوك لدى الرئيسيات.. وعلى الرغم من أن البشر قد يسلكون سلوكًا معقدًا إلى أقصى الحدود أحيانًا، فإن المقارنات مع الأنواع القريبة الأخرى وطويلة العمر، توفر سياقًا لا يقدر بثمن لفهم السلوك البشري وتطور تاريخ حياة الإنسان».
أرسطو لا يزال معاصرًا
فهو يذكرنا في كتابه «الأخلاق النيقوماخية» أن الصداقة، أو المحبة philia، هي أحد صور الحب، لذلك لا يجوز معاملتها باستهانة، ولا يمكن تحقيقها بسهولة، فهي إحدى الحاجات الأشد ضرورة للحياة، لأنه «لا أحد يقبل أن يعيش بلا أصدقاء حتى لو توفرت لديه كل الخيرات. ويؤكد على أنها ليست فقط ضرورية، ولكنها فوق ذلك جميلة وشريفة وأنها ضرب من ضروب الفضيلة، فبحكم الفطرة يظهر الحب كإحساس في قلب الكائن الذي يلد نحو الكائن الذي ولده، ولا يوجد هذا الإحساس فقط بين الناس، بل يوجد أيضًا بين الطيور والحيوانات التي يحب بعضها بعضا حبا متبادلاً متى كانت من نوع واحد، ولكنه يظهر على الخصوص بين الناس. ويؤكد أيضًا على أن «كل الناس على وفاق في أن الأصدقاء هم الملاذ الوحيد الذي يمكننا الاعتصام به في البؤس وفي الشدائد المختلفة الأنواع، فحينما نكون شبانًا نطلب إلى الصداقة أن تعصمنا من الزلات بنصائحها، وحينما نكون في كل قوتنا نعتمد عليها لنتم بها بهاء أعمالنا، وحينما نصير شيوخًا نطلب إليها عنايتها ومساعدتها التي تقوم مقام نشاطنا حيث ضعف السن يجلب علينا كثيرًا من أنواع الخور.
يميز أرسطو في الصداقة بين ثلاثة أنواع: صداقة المنفعة أو المصلحة، صداقة اللذة أو المتعة، وصداقة الفضيلة، وهي أعلى مستوى من الصداقة «فالذين يحبون بعضهم بعضًا للمنفعة أو الفائدة التي بها يكون كل منهم للآخر، هم يتحابون لا لذواتهم بالضبط، ولكن من جهة أنهم يصيبون خيرًا ما أو كسبًا ما من علاقاتهم المتبادلة. والأمر كذلك أيضًا في حال أولئك الذين لا يتحابون إلا للذة، وبالنتيجة، متى أحب الإنسان بالفائدة أو للمنفعة، فإنه لا يطلب في الحقيقة إلا خيره الشخصي، ومتى أحب الإنسان بسبب اللذة أو المتعة، فهو لا يبغي في الواقع إلا هذه اللذة نفسها، وفي الحالتين، فإنه لا يحب من يحبه من أجل ما هو في الواقع، بل هو يحبه لمجرد كونه نافعًا وملائمًا. هذه الصداقات ليست حينئذ إلا صداقات عرضية ومؤقتة وقصيرة العمر.
تنقطع الصداقات من هذا النوع بغاية السهولة، لأن هؤلاء الذين يزعمون أنفسهم أصدقاء، لا يلبثون طويلاً مشابهين لأنفسهم، ومتى صار هؤلاء الأصدقاء لا نافعين ولا ملائمين انقطع حبهم حالاً، لأن النافع أو المفيد لا ثبات له، بل هو يتغير من لحظة إلى أخرى على أتم وجه، وإذا انعدم السبب الذي صيرهم أصدقاء، انعدمت الصداقة أيضًا بسرعة مع العلة التي كانت كونتها.
ترتبط صداقات المتعة بالسرور المشترك والمتبادل من ممارسة نشاط ما، وتتكون صداقات المصلحة حين يخدم شخصان أحدهما مصالح الآخر. يندرج الأصدقاء الذين يستمتعون معًا بلعب كرة القدم أو مشاهدة أفلام الرعب مثلاً، تحت فئة صداقات المتعة واللذة. أما الزملاء أو الشركاء الذين يتفقون معا على نحو جيد في العمل، لكنهم نادرًا ما يتفقون في غيره من الأمور، فيندرجون تحت فئة صداقات المنفعة أو المصلحة. لذلك فصداقات المتعة أكثر شيوعًا في مرحلة الشباب، وصداقات المصلحة أكثر شيوعًا عندما نتقدم في السن.
اللذة وحدها يظهر أنها هي التي توحي صداقات الفتيان، فإنهم لا يعيشون إلا في الشهوة ويسعون على الخصوص إلى اللذة بل حتى لذة الساعة التي هم فيها، ومع تقدم السنين تتغير اللذات وتصير غير ما كانت بالمرة، لهذا يعقد الشبان علاقاتهم بغاية السرعة، وينقضونها بسرعة لا تقل عن الأولى. إن الصداقة تنحل مع اللذة التي كانت ولدتها، فتغير اللذة سرعان ما يكون. إن الفتيان ميالون للعشق، والعشق في الأغلب لا يتولد إلا تحت سلطان الشهوة واللذة، للك تراهم يحبون بغاية السرعة ويقطعون ما وصلوا من حبهم بغاية السرعة أيضًا، إنهم يتغيرون في أذواقهم عشرين مرة في يوم واحد، لكن هذا لا يمنع من أنهم يريدون أن يقضوا كل الأيام مع من يحبونه ويعيشوا إلى الأبد لأنه هكذا تحصل الصداقة وهكذا تفهم في الشباب.
يشدد أرسطو على ضرورة أن تتضمن الصداقة الحقيقية أكثر من مجرد المتعة أو المصلحة المتبادلة، لذلك لا توجد الصداقات الحقيقية والمستمرة إلا بين هؤلاء الذين ظلت نياتهم الحسنة تجاه بعضهم البعض ثابتة أمام اختبارات الزمن. والأرجح أن هذا النوع من الصداقات نادر، نظرًا لندرة هؤلاء الأشخاص الطيبين، كما أنه يحتاج إلى الوقت أيضًا، ليعتاد بعضهم على الآخر، مثلما يقول المثل، لن تعرف فلانًا إلا بعد أن تتقاسما معا العيش والملح، ولن يتقبل أحدهما الآخر إلا بعد أن يظهر أحدهما الحب للآخر، ويكتسبا ثقة أحدهما الآخر.
الصداقة على هذا النحو، يظهر أنها توجد على الخصوص في الناس المسنين فالشيخوخة لا تطلب بعد ما هو ملائم، بل تطلب ما هو نافع ليس غير، يقول أرسطو، وهذا هو أيضًا عيب هؤلاء الرجال الذين هم في كل قوة العمر وهؤلاء الفتيان الذين لا يقصدون إلا إلى منفعتهم الشخصية، إن الصديقين من هذا القبيل ليس من شأنهما عادة أن يعيشا معًا، ولا يجدان أية حاجة إلى المعاشرة، عدا تلك اللحظات التي يرضي فيها كلاهما منفعته، ولا يرضى كلاهما عن الآخر، إلا بقدر ما يكون لهما من الأمل في أن يجز أحدهما إلى نفسه من الآخر فائدة ما.
ويذكرنا أرسطو أن الأصدقاء الحقيقيين يعتبرون بعضهم بعضا أحباء، وهو شرط غائب تمامًا في صداقات المصلحة أو المتعة، وتأكيدًا على هذه النقطة، يضع الصداقة الحقيقية في مرتبة تضاهي مرتبة الحب والرغبة (eros) ويزعم أنه ليس بإمكان أحد أن يصادق كثيرين، مثلما لا يمكن لأحد أن يشعر بالرغبة الجسدية نحو عدة أشخاص في وقت واحد، لأن الصداقة الكاملة، مثل الرغبة الجسدية، أمر فائض، والفائض يوجه طبيعيًا نحو شخص واحد.
يشدد أرسطو على ضرورة أن تتضمن الصداقة أكثر من مجرد المتعة أو المصلحة، لذلك لا توجد الصداقات الحقيقية والمستمرة إلا بين الذين ظلت نياتهم حسنة تجاه بعضهم البعض
متى أحب الإنسان بالفائدة أو للمنفعة، فإنه لا يطلب في الحقيقة إلا خيره الشخصي، ومتى أحب الإنسان بسبب اللذة أو المتعة، فهو لا يبغي في الواقع إلا هذه اللذة نفسها
مثلما لا يمكن لأحد أن يشعر بالرغبة الجسدية نحو عدة أشخاص في وقت واحد، لأن الصداقة الكاملة، مثل الرغبة الجسدية، أمر فائض، والفائض يوجه طبيعيًا نحو شخص واحد
الزملاء الذين يتفقون معا في العمل، لكنهم نادرًا ما يتفقون في غيره من الأمور، يندرجون تحت فئة صداقات المنفعة أو المصلحة. لذلك فصداقات المتعة أكثر شيوعًا في مرحلة الشباب