تحقيقات
راجي مهديماذا نعرف عن البرنامج النووي الإيراني؟ - الجزء الأول
2025.06.22
تصوير آخرون
ماذا نعرف عن البرنامج النووي الإيراني؟ - الجزء الأول
تشن إسرائيل في هذه الأثناء حربًا على الجمهورية الإيرانية في إطار جهدها الإقليمي المتواصل لإعادة رسم شرق أوسط جديد تنفرد فيه إسرائيل بالهيمنة دون عائق أو منافس يحاول كسر تلك الهيمنة أو تحديها. الهدف المعلن للهجوم الصهيوني هو تدمير قدرات إيران النووية باعتبار أن سعي إيران لامتلاك ردع نووي سوف يمثل نقطة ارتكاز وضمانة للنظام الإيراني ضد أي محاولة لنسفه بتدخل خارجي كنظام مارق ورث تسمية إمبراطورية الشر من الاتحاد السوفييتي. إن الرادع النووي في العقلية الإمبريالية والصهيونية سوف يهدد موازين القوى في المنطقة ويُفقد إسرائيل ميزة امتلاك ما يقارب أربع مئة رأس نووية بحسب التقديرات، فبروز قوة نووية جديدة في المنطقة يعني تحييد التهديد النووي الإسرائيلي وشل إسرائيل عن استخدام قدرتها النووية ضد ما يتهددها من أخطار، إن هذا يمثل أحد محاور الأمن القومي الإسرائيلي: بسط سيادة مطلقة على كل المستويات.
لكن الأكيد أن هناك مبالغات في قدرات إيران النووية، مبالغات تعمل كتمهيد إعلامي للغزو، تمامًا كالسيناريو العراقي، ونتنياهو يقوم بهذا التمهيد الإعلامي والنفسي منذ ما يزيد على عشرين عامًا وقت أن كان البرنامج النووي الإيراني في طور طفولته. يقوم نتنياهو ببث دعاياته ومن قبله الإعلام والساسة الأمريكيون تحت غطاء الخوف من إبادة إسرائيل أو تسرب التكنولوجيا لجماعات أخرى معادية لإسرائيل، فلإسرائيل الحق الممنوح إمبرياليًّا لفرض وجودها بالمذابح المستمرة دون أن يتهددها خطر.
المعلومات عن البرنامج النووي الإيراني ليست كاملة، بها قدر كبير من التكهنات، وما تسرب نتيجة العمل الاستخباراتي الأمريكي الصهيوني، غير أننا سنحاول هنا رسم صورة ولو عامة لملامح البرنامج النووي الإيراني الذي تتخذه قوى العدوان ذريعة لسحق إيران.
البدايات
بدأ البرنامج النووي الإيراني في عهد الشاه باتفاقية بين إيران والولايات المتحدة لتطوير برنامج نووي إيراني تبعه في عام 1967 إنشاء أول مفاعل نووي بحثي وهو مفاعل طهران النووي في جامعة طهران وكانت طاقته 5 ميجاوات. الذي كان يعتمد على يورانيوم عالي التخصيب تتزود به إيران من الولايات المتحدة. في 1970 كانت إيران واحدة من الدول المؤسِّسة لاتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية والتي دخلت حيز التنفيذ في 5 مارس من نفس العام. في 1974 تأسست الوكالة النووية الإيرانية وكان أكبر اعتماد هو أول رئيس لها وظل في منصبه حتى عام 1978.
كان الهدف الذي حدده الشاه هو إنتاج 23000 ميجاوات من الطاقة خلال 20 عامًا. من أجل تحقيق هذا الهدف تعاقدت إيران مع جهات أوروبية وأمريكية لإنشاء محطات نووية ومنشآت لإنتاج الوقود النووي، غير أن الشاه في تحركه هذا كان يتحرك من موقع إيران الخاضعة للنفوذ الغربي، وكان سقوطه عام 1979 وصعود حكومة الثورة الإسلامية إيذانًا بتغير نوعي في طبيعة وأهداف المشروع النووي الإيراني.
منذ أيام انتصارها الأولى دخلت الثورة الإيرانية في تناقض مع الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل ومع بعض الأطراف العربية وكان اشتعال الحرب العراقية الإيرانية أول الأخطار الفعلية التي هددت الثورة الإيرانية ودفعتها نحو البحث عن سبل لصيانة أمنها، وتعاظمت الحاجة إلى إستراتيجية ردعية مع بداية أفول الكتلة الشرقية وتفككها وسيادة الهيمنة الإمبريالية على المسرح الدولي.
مع بداية تعافي إيران من الآثار المدمرة لحربها مع العراق، وقَّعت إيران في 1995 بروتوكول تعاون مع روسيا لاستئناف العمل في بناء موقع بوشهر النووي، الذي تعاقدت إيران الشاه على بنائه مع شركة سيمنز الألمانية قبل أن تتخلى الأخيرة عن المشروع نتيجة القصف العراقي للموقع. بالإضافة إلى هذا استكشفت إيران إمكانية التعاقد على بناء منشأة لتخصيب اليورانيوم بالتعاون مع الروس. بالطبع لم تُلبِ روسيا كل الطلبات الإيرانية استجابة للضغوط الأمريكية. كانت المساعدات الصينية الروسية لإيران في التكنولوجيا النووية مغلَّفة بسرية تامة، وبالإضافة إلى هذا استطاعت إيران الوصول إلى تكنولوجيا التخصيب من خلال السوق السوداء وبمساعدة عبدالقادر خان أبو المشروع النووي الباكستاني.
مشروع آماد
في أواخر التسعينيات اعتمدت إيران ما يُعرف بمشروع آماد لبناء ترسانة من خمسة أسلحة نووية بحلول عام 2004. قاد المشروع عالم الذرة الإيراني محسن فخر زاده وتضمن جلب نماذج أسلحة خارجية وتطويرها ومحاكاة عمليات تفجير وتطوير رؤوس نووية وكيفية تحميلها على صواريخ شهاب-٣. كانت العملية سرية وحققت تقدمًا ملحوظًا غير أن بعض قوى المعارضة الإيرانية المنضوية تحت ما سُمي بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وعلى رأسها منظمة مجاهدي خلق، قد كشفت في صيف عام 2002 بعض تفاصيل المشروع وخاصة وجود موقعين نوويين أحدهما موقع نطنز لتخصيب اليورانيوم ويقع في محافظة أصفهان، والثاني هو منشأة آراك لإنتاج الماء الثقيل وتقع في محافظة مركزي التي تبعد حوالي 250 كيلومترًا جنوب غربي طهران. بالرغم من أن الموقعين ذوا طبيعة سلمية فإنهما أيضا قادران على إنتاج يورانيوم وبلوتونيوم بدرجة تخصيب تسمح بإنتاج أسلحة نووية.
مثَّل غزو الإمبريالية الأمريكية للعراق عام 2003 تحت ذريعة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، أو سعيه إلى امتلاكها، تهديدًا مباشرًا دفع القيادة الإيرانية إلى تجميد خطة آماد وإعلام وكالة الطاقة الذرية بموقعي نطنز وآراك كمنشأتين نوويتين لأغراض سلمية، غير أن إيران استمرت في استخدام المنشأتين لأغراض بحثية بغية سد الفجوة المعرفية بخصوص تكنولوجيا الإنتاج النووي.
في محاولة لتلافي مصير العراق، وقَّعت إيران عام 2003 اتفاقًا مع ثلاث دول أوروبية هي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وافقت بموجبه إيران على تعليق تخصيب اليورانيوم مؤقتًا وتوقيع البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي، الذي يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش على المنشآت النووية الإيرانية، للتأكد من سلمية برنامجها النووي، في مقابل ذلك تعهدت تلك الترويكا الأوروبية بعدم إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن، وضمان الحقوق النووية السلمية لطهران مع مواصلة الحوار السياسي والاقتصادي. تبع ذلك اتفاق باريس عام 2004، الذي كان امتدادًا للاتفاق السابق وتفصيلًا له، حيث التزمت إيران بعدم تشغيل أجهزة الطرد المركزي أو تجميع مكونات ذات صلة بعملية التخصيب أو استحداث منشآت جديدة، وفي مقابل ذلك تتلقى إيران مساعدات اقتصادية وتكنولوجية ودعمًا أوروبيًّا لانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، كان ذلك في فترة ولاية محمد خاتمي التي انتهت عام 2005 ليخلفه محمود أحمدي نجاد، الذي واجه ضغوط الوكالة الدولية للطاقة الذرية وادعاءاتها بعدم التزام إيران، وإحالة الملف إلى مجلس الأمن بإعلان إيران استئناف تخصيب اليورانيوم، لتصل درجة التخصيب إلى 3.6% بحلول إبريل 2006. في يوليو من نفس العام اقترحت كل من الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا (5+1) إطارًا آخر للعمل تتخلى بموجبه إيران عن تخصيب اليورانيوم مقابل مجموعة من الحوافز، في نفس الوقت أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1696، الذي يُلزم إيران بوقف تخصيب اليورانيوم أيضًا. غير أن الضغوط على إيران اشتدت في سبتمبر 2009 حين أعلن أوباما وساركوزي وجوردان براون عن وجود موقع تخصيب إيراني آخر بالقرب من قم، الذي عُرف فيما بعد بمنشأة فوردو النووية لتخصيب الوقود النووي، التي جرى العمل بها لسنوات، وبينما استمرت الجهود الدبلوماسية كانت إيران ترفع درجة التخصيب إلى نسبة 20%، ليصدر مجلس الأمن الدولي عام 2010 القرار رقم 1929 الذي وسَّع العقوبات على إيران بشكل حاد، بينما هاجم فيروس ستكسنت أجهزة الطرد المركزي بمنشأة نطنز ليخرج العديد منها من الخدمة، في عملية تشير التكهنات إلى مسؤولية الولايات المتحدة وإسرائيل عنها.
غير أن إيران استمرت في عملية التخصيب، وبشكل متسارع في محاولة لامتلاك سلاح رادع قبل أي هجوم إمبريالي صهيوني يهدف إلى تغيير النظام بالقوة، فتم تركيب أكثر من 18000 جهاز طرد مركزي آي-آر من الجيل الأول بالإضافة إلى 1300 جهاز طرد مركزي متقدم من طراز IR-2M عبر مختلف منشآت التخصيب لتراكم ما يقدر بـ 9700 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 5% ونحو 370 كيلوجرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%.
عام 2013 انتصر التيار البراجماتي في السباق الانتخابي ليتولى حسن روحاني رئاسة إيران بخطة مرنة تستهدف مبادلة المشروع النووي برفع العقوبات، في الوقت الذي اشتدت فيه التناقضات الداخلية الإيرانية، وعبر قناة خلفية للتواصل مع مجموعة (5+1) من خلال عُمان استمر العمل الدبلوماسي لينتج عنه ما عُرف بالاتفاق النووي الإيراني، وفيه تلتزم إيران بتقليص عدد أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها من طراز IR-1 إلى نحو 5060 جهازًا، وتمتنع عن تخصيب اليورانيوم بمعدل أعلى من 3.6% لمدة 15 عامًا، وتتخلص من اليورانيوم عالي التخصيب الذي تمتلكه، وألَّا تُراكِم أكثر من 300 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بالنسبة المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى هذا تمتنع عن أي عمليات تخصيب في منشأة فوردو لمدة 15 عامًا، وإعادة تصميم منشأة آراك لإنتاج الماء الثقيل بحيث لا تكون قادرة على إنتاج بلوتونيوم عالي التخصيب، حيث تم بالفعل إغلاق قلب المفاعل بالخرسانة، والسماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول والاطلاع على كل المنشآت ومتابعة التزام إيران ببنود الاتفاق. في مقابل هذه الشروط القاسية التزمت المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة بتعليق معظم العقوبات المفروضة على إيران وخاصة على قطاعي الطاقة والبنوك وألغيت أغلب عقوبات مجلس الأمن بالإضافة إلى الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة تقدر قيمتها بنحو 4.2 مليار دولار.
يتبع..
ترشيحاتنا
