غزة تقاوم

راجي مهدي

ما هي فصائل المقاومة في غزة اليوم؟

2024.09.07

مصدر الصورة : وكالة الأناضول

ما هي فصائل المقاومة في غزة اليوم؟

 

بالرغم من تركيز التغطية الإعلامية للحرب على قطاع غزة، والقتال الذي تخوضه المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدو الصهيوني بشكل رئيس على مجهود كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس باعتبارها الفصيل الأكبر من حيث القدرات البشرية والعسكرية والمالية، تليها سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، فإن المقاومة الفلسطينية في الواقع تتشكل من طيف واسع من الفصائل لا يلقى التركيز الإعلامي الكافي لأسباب أيديولوجية، بالإضافة لقدرات الفصائل الباقية مقارنة بقدرات الفصيلين الأكبر. وكنا قد قدمنا لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مقال سابق، فإننا نقدم هنا عرضًا للمكونات الأخرى الفاعلة في إطار الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، التي تأسست عام 2018.

كانت الغرفة قد تأسست كنواة عامة 2006 للتنسيق بين كتائب القسام وسرايا القدس، بينما انطلقت بشكلها الحالي الموسع والذي يضم 12 جناحًا عسكريًّا في منتصف يوليو 2018 كجبهة تستهدف توحيد الموقف السياسي والرد العسكري في مواجهة العدو الإسرائيلي، مستفيدة من أخطاء الثورة الفلسطينية التي كانت فصائلها تعمل منفردة في مواجهة العدو بالرغم من انضوائها الشكلي تحت قيادة العمل العسكري في منظمة التحرير التي كانت مسؤولية الشهيد سعد صايل. وقد أجرت الغرفة المشتركة أكبر مناورة لفصائل المقاومة في قطاع غزة –الركن الشديد– في ديسمبر 2020 ولمدة يومين، تضمنت تنفيذ مهام صاروخية تجاه بحر غزة الذي كان قد تم إخلاؤه بشكل مسبق، بالإضافة لتدريبات برية وبحرية وجوية تحت غطاء من الطائرات المسيَّرة.

ويتبدى التنسيق بين الفصائل في عمليات القصف المشتركة لقوات العدو في محاور التوغل داخل القطاع، وفي القصف المشترك المتكرر لمحور نتساريم القاطع، بالإضافة لاستهداف مستوطنات الغلاف، كما تتصدى الفصائل بشكل مشترك لقوات العدو بريًّا، ويبدو أن هناك توزيعًا للمهام والأدوار، وادخارًا للقوى في إطار الإعداد لمعركة طويلة، وهي درجة من التنسيق لم تصل لها المقاومة الفلسطينية عبر تاريخها، وإليكم أبرز الفصائل العاملة في القطاع اليوم:

كتائب المقاومة الوطنية - قوات الشهيد عمر القاسم:

هي الذراع العسكرية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إحدى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، تأسست في عام 2000 مع اندلاع الانتفاضة الثانية على أيدي إبراهيم أبو علبة وأيمن البهداري، وتُعتبَر امتدادًا لكتائب النجم الأحمر التي تأسست كذراع عسكرية للجبهة الديمقراطية إبان الانتفاضة الأولى. عمر القاسم هو إحدى القيادات التاريخية للجبهة الشعبية ثم للجبهة الديمقراطية بعد الانشقاق في 1969، وقد وقع في الأسر أثناء عملية تسلل على رأس خلية فدائية للجبهة الشعبية في 1968 أثناء تسللها إلى رام الله عبر نهر الأردن، وقد استشهد في سجون العدو عام 1989 وتمت تسمية الذراع العسكرية للجبهة الديمقراطية باسمه تخليدًا له.

شاركت كتائب المقاومة الوطنية في "طوفان الأقصى" منذ البداية، ودفعت بمقاتليها عبر السياج مع مقاتلي الفصائل الأخرى، وتنوعت نشاطاتها العسكرية في التصدي للعدوان الصهيوني على القطاع، وتظهر بلاغات الناطق باسم كتائب المقاومة الوطنية "أبو خالد" نشاطًا عسكريًّا كثيفًا يتنوع بين أعمال القنص ونصب الأكمنة واستخدام الهاون بمختلف الأعيرة ضد قوات العدو المتوغلة في محاور القتال. وتضم ترسانتها العسكرية الأسلحة الفردية الخفيفة، وقذائف الآر بي جي، والهاون محلي الصنع، بالإضافة إلى قدرات صاروخية قصيرة المدى ضد مستوطنات غلاف غزة. شهدت "طوفان الأقصى" طفرة في الأداء العسكري لقوات عمر القاسم مقارنة بدورها المحدود في جولات الحروب السابقة على القطاع، بينما تغيب بشكل شبه كلي عن المواجهات في الضفة الغربية. جدير بالذكر أن كتائب المقاومة تضم وحدة نسائية مقاتلة.

كتائب شهداء الأقصى:

هي إحدى الأذرع العسكرية لحركة فتح التي تأسست خلال الانتفاضة الثانية على أيدي رموز كرائد الكرمي وثابت ثابت وعاطف عبيات في الضفة الغربية، وجهاد أبو العمارين وعمرو أبو ستة وخالد حجازي في غزة كشبكة فضفاضة من الخلايا العسكرية المنتشرة في غزة والضفة الغربية؛ كما يشار لدور ما للأسير مروان البرغوثي في تأسيس الكتائب، بالإضافة إلى ارتباطها باسم الأسير زكريا الزبيدي. بقيت علاقة كتائب شهداء الأقصى بحركة فتح مثار جدل كبير، باعتبار أن الحركة قد تخلت عن الكفاح المسلح وأدانته باعتباره إرهابًا كما ورد في خطاب عرفات لرابين قبل اتفاقية أوسلو، لكن الأكيد أن "فتحًا" كتنظيم فضفاض قد أنتج ظواهر مستقلة بل ومناقضة للخط الرسمي لقيادة الحركة، وبلغ التناقض ذروته بصدور مرسوم رئاسي فلسطيني بحل الكتائب في 2007 وتوقيع اتفاق بين حكومة سلام فياض وإسرائيل يتضمن الإفراج عن 180 من مقاتلي شهداء الأقصى مقابل تسليم السلاح والانضمام للأجهزة الأمنية الفلسطينية، وقد رافق هذا هجوم على المراكز الرئيسة للكتائب التي رفضت الامتثال للقرار؛ مما أدى إلى ضرب الكثير من قدراتها في الضفة وإن كانت ما زالت تحتفظ بوجود نشط في نابلس وجنين. وتعمل كتائب شهداء الأقصى بشكل نشط في قطاع غزة، وتضم عدة قطاعات تعمل بشكل لا مركزي خاضع لمبادرات القيادات المحلية في الغالب؛ مثل: لواء نضال العامودي، وكتائب أيمن جودة. لا تمتلك كتائب شهداء الأقصى مصادر تمويل وتسليح واضحة، وهي تعتمد في الأغلب على التصنيع المحلي للهاون والصواريخ قصيرة المدى، بالإضافة للأسلحة الخفيفة.

ألوية الناصر صلاح الدين:

هي الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية التي أسسها الضابط السابق في أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في رفح جمال عطايا أبو سمهدانة رفقة مبارك الحسنات وأبو يوسف القوقا مع بداية انتفاضة الأقصى، ويمكن اعتبارها انشقاقًا إسلاميًّا عن حركة فتح على خلفية رفض الدور الذي تلعبه فتح والسلطة عبر التنسيق الأمني واستكمال المسار التفاوضي، وهو ما دفع أبو سمهدانة لقيادة تظاهرة في أثناء خدمته في الأمن الفلسطيني تم على إثرها اعتقاله الذي تكرر مرة أخرى لمدة عام بتهمة مساعدة حركة الجهاد الإسلامي على تنفيذ عملية فدائية في الداخل المحتل. وقد قامت إسرائيل اغتياله بغارة في عام 2006، بالإضافة لعمليات اغتيال عدة طالت قادة اللجان وألوية الناصر من ضمنها اغتيال كمال النيرب وعماد حماد وزهير القيسي؛ مما أثر بشدة في فاعلية التنظيم وتماسكه، فتعرض لانشقاقات عدة كان أبرزها انشقاق "لواء التوحيد" عام 2012.

يضم تاريخ الألوية عدة عمليات نوعية فكانت أول من استطاع تدمير الميركافا الإسرائيلية، كما نفذت عملية الوهم المتبدد –أسر جلعاد شاليط– بالاشتراك مع كتائب القسام وجيش الإسلام، بالإضافة إلى كمين العلم عام 2018، وبالطبع انخرطت مع بقية فصائل المقاومة في عملية طوفان الأقصى؛ حيث تمكنت من أسر عدة رهائن، كما أعلنت في يناير الماضي عن مقتل ضابط إسرائيلي ممن أسرتهم في قصف استهدفه مع مجموعة التأمين. وكبقية الفصائل، تمتلك ألوية الناصر قدرات تصنيع صاروخية، وقد تمكنت من تصنيع صواريخ يصل مداها إلى 15 كيلومترًا، بالإضافة لامتلاكها مسيَّرات مشابهة لمسيَّرة الزواري الانتحارية لدى القسام.

كتائب المجاهدين:

هي الجناح العسكري لحركة المجاهدين الفلسطينية التي تُعد أيضًا انشقاقًا إسلاميًّا عن حركة فتح تأسست عام 2006 بقيادة عمر أبو شريعة، وقد كانت في السابق أحد ألوية كتائب شهداء الأقصى، وتحمل اسم لواء جمال العماري. تعتمد الكتائب على هيكل شديد السرية، أمينها العام الحالي هو أسعد أبو شريعة (أبو الشيخ) والمتحدث الرسمي باسمها أبو بلال، وتتكون ترسانتها العسكرية من وسائط دفاع جوي محمولة كتفًا وأسلحة خفيفة وهاونات من مختلف الأعيرة، بالإضافة إلى العبوات المتفجرة محلية الصنع التي تستخدمها خلايا المجاهدين السرية في الضفة الغربية.

بالإضافة إلى الفصائل المذكورة هناك أيضًا كتائب الأنصار الفلسطينية الجناح العسكري لحركة الأحرار التي تأسست كانشقاق آخر عن حركة فتح بقيادة خالد أبو هلال، والتي كانت تحمل اسم فتح الياسر، كما توجد عدة فصائل أصغر لا تمثل ثقلًا في المعركة الحالية ككتائب الشهيد جهاد جبريل الذراع العسكرية للجبهة الشعبية – القيادة العامة، وكتائب أحمد أبو الريش وكتائب عبد القادر الحسيني؛ وهما أيضًا تمثلان انشقاقًا عن حركة فتح.

ومن الملاحظ أن كثيرًا من تلك الفصائل تمثل انشقاقات عن فتح؛ كتعبير عن كتلة رفض واسعة لمسار التسوية الذي انتهجته فتح، والذي دشنته بالمفاوضات التي سبقت أوسلو، واستكملته حتى يومنا هذا.