قضايا

إيمان عوف

محمد حسن عوف.. عامل الغزل مرشحا للرئاسة!

2021.12.01

محمد حسن عوف.. عامل الغزل مرشحا للرئاسة!

الاسم محمد حسن عوف، من مواليد الخمسينيات، ولدت في قرية دمشاو هاشم بالمنيا، لأسرة متوسطة الحال، حصلت على دبلوم الزراعة، لكن فساد الاتحاد الاشتراكي وقتها أفسد الأمر كله، إذ امتلك والدي 6 أفدنة ومنزلاً كبيرًا، فجاءت قرارات الإصلاح الزراعي فسلبتنا كل الأرض التي كان يمتلكها والدي وليس جزءًا منها مثل الباقيين، وذلك بسبب خلافات كانت بين والدي وممثل الاتحاد الاشتراكي على من يأخذ العمودية، رأيت الظلم واستغلال الفلاحين لصالح الإقطاعيين الذين كانوا يمتلكون مئات بلا الآلاف الأفدنة.

عرفت مبكرًا قيمة أن يعرق فلاح في أرض غيره ويعاني من ويلات الظلم، ولا يجد قوت يومه، فانتميت إلى الفلاحين وانحزت إليهم منذ كنت طالبًا في الإعدادية، ساءت الأوضاع في بلدتنا التي كان يئن بها الفلاحين وأسرهم من الجوع والإقطاع وفساد رجال الاتحاد الاشتراكي، وكنت دائمًا أجلب الصحف لأعرف أخبار حرب اليمن وأخبار السياسة، اعتقلت عام 69 وحُكم علينا بالسجن ثلاث سنوات، قضيت منها عامين في سجن الحضرة بالإسكندرية، وسط معاملة لا آدمية، تلقينا فيها جميع أشكال التعذيب والضرب والإهانة، ثم نُقلنا إلى سجن استئناف المنيا، وخرجنا في العفو الذي حدث بعد انتصار أكتوبر 73.

رجعت إلى قريتنا مرة أخرى، وكان وقتها سياسات الانفتاح الاقتصادي وحكم السادات، والفقر المدقع وسيادة الواسطة والمحسوبية والانحياز للأغنياء على حساب الفقراء، وحدث أن قرأت إعلان في أحد الصحف عن أن شركة "إسكو" للصوف والحرير تحتاج لعمال وكان ذلك عام 76، وبالفعل تقدمت بأوراقي وقبلت للعمل كعامل غزل في شركة إسكو بشبرا الخيمة، حيث الاستغلال المكثف للعمال، كما نتقاضى ملاليم لا تكفي حتى أكل الفول والطعمية، وكان العمال يعانون من أمراض الربو والسل ولا أحد كان يرحمنا، انضممت للعمال وقررنا تشكيل لجنة للمطالبة بحقوقنا، فبدأت من هنا الملاحقة والتتبع الأمني، انخرطت أكثر في العمل النقابي والسياسي وأدركت وقتها أن كل قناعاتي هي قناعات يسارية من الدرجة الأولى، فارتبطت بمجموعة من المهندسين والعمال في الشركات الأخرى، كان من بينهم المهندس صابر بركات، والمهندس أحمد الصياد، والمهندس سعيد أبوطالب، وغيرهم من العمال والمهندسين الذين كانوا يرفضون السخرة التي يعمل بها عمال شبرا الخيمة وغيرها من المناطق. وقد أسست مع تلك المجموعة لجنة أطلقنا عليها "لجنة التضامن" ضمت العمال من عشرات الشركات والمصانع في شبرا الخيمة وقتما كانت منطقة عمالية من الدرجة الأولى، استطعنا أن نوصل صوت العمال من خلال مجموعة من الشباب والسياسيين الذين كان بينهم حمدين صباحي وطه سعد عثمان، وتعرفت وقتها على يوسف درويش ونبيل الهلالي، فتعرفت أكثر على العمل السياسي وانضممت للحزب الشيوعي المصري، ولكن حدث إضراب 86 في شركة إسكو ففصلت، وأصبحت أنا وأبنائي بلا دخل مع تهديدات أمنية عديدة بالاعتقال، لكني سرعان ما وجدت عملاً بشركة النشا والجلوكوزـ دخلت الشركة وأنا أعلم بأن حياتي ومصدر رزقي على كف عفريت، إذ أن الأمور في النشا والجلوكوز أسوأ بمراحل من إسكو، خاصة وأن عمالها لم يكونوا على دراية بحقوقهم بأي شكل من الأشكال، لكن وقعت العديد من الإصابات بين العمال وتو في البعض فقررت أن أخوض تجربة عمالية نقابية من جديد بالنشا والجلوكوز.

وقد ارتبطت بالعمال وبقضاياهم كنت همزة الوصل بينهم وبين المحامين والصحفيين، وكنت وقتها أعيش وأبنائي السبعة في غرفة وحمام مشترك بأحد حواري شبرا الخيمة منطقة بهتيم، وعلى الرغم من ذلك تحول منزلي إلى مكان التقاء النشطاء والسياسيين والصحفيين، بل والباحثين والمترجمين وكل المهتمين بحقوق العمال، علمتهم وتعلمت منهم الكثير، ارتبطت بالقضايا السياسية مثلما ارتبطت بالقضايا العمالية، لكن دبت الخلافات في الحزب الشيوعي المصري فخرجت ويوسف درويش ونبيل الهلالي وسيد فتحي، وكونا وقتها حزب الشعب الاشتراكي. وفي عام 89 كنت ناشطًا في لجنة التضامن مع عمال الحديد والصلب، وألقي القبض عليَّ وسط مجموعة كبيرة من العمال والصحفيين في إضراب الحديد والصلب، كانت زنزانتي بها الدكتور محمد السيد السعيد الكاتب الصحفي، ومدحت الزاهد، والعشرات من المحامين والعمال، وكنا نقضي الوقت في النقاشات السياسية والنقابية والعمالية، وجهت إليَّ اتهامات بالانتماء للجنة القيادية للحزب الشيوعي المصري وقيادة منطقة القليوبية، خرجت من السجن بقرحة في المعدة والعديد من المشكلات الصحية نتيجة لتعرضنا للتعذيب. ومع مطلع التسعينيات أجريت أول انتخابات نقابية في شركة النشا والجلوكوز نتيجة لنضال العمال، وطلب مني العمال وقتها الترشح للانتخابات، وبالرغم من المضايقات الأمنية والتضييق عليَّ وعلى أسرتي برفض منحي شقة من شقق الشركة، بالرغم من استحقاقي، فإنني نجحت باكتساح، حيث حمي العمال صناديق الانتخابات بأجسادهم، وحصلت على أعلى الأصوات فأصبحت ممثل العمال في مجلس الإدارة وعضو صندوق التأمين الخاص لأربع دورات متتالية، تعرفت خلالها على كل عمال شبرا الخيمة وارتبطت بقضايا الفقراء اليومية.

وقد سعى الأمن لاعتقالي مرات عديدة، ولم أخش من الاعتقال، فكان الرد نقلي لمديرية الطب البيطري بمحافظة المنيا تعسفيًّا، كي أبتعد عن الشركة، ويتم إبعادي عن الانتخابات التي سعوا بكل الطرق أن يسقطوني فيها، وبالفعل نقلت وأقمت دعوى قضائية تولاها نبيل الهلالي بعودتي ووقف النقل التسعفي، وبعد مرور ستة أشهر عدت إلى الشركة قبيل الانتخابات وخضت الدورة الرابعة لي ونجت باكتساح دون دعاية انتخابية. كان من المفارقات التي حدثت وقتها أن رئيس مباحث قسم ثان شبرا الخيمة وممثل أمن الدولة مصمم على ألا يتم منحي شقة تابعة للشركة في الإسكان الصناعي، تخوفًا من أن أحول منزلي القديم لمقر سياسي أو حزبي، ولكن بعد سنوات عديدة قتل هذا الضابط وحصلت على الشقة، فكان الجميع يداعبني قائلين "أنت اللي قتلته عشان تاخد الشقة". وجاءت انتخابات البرلمان فقررت أن أخوضها، وأنا على ثقة بأنني لن أمر نتيجة لهيمنة رجال الحزب الوطني على الحياة السياسية في مصر وقتها، لكن كانت فرصة جيدة لأن نوعي المواطنين بحقوقهم، وأن نقول رؤيتنا. فقام رجال الحزب الوطني وقتها بملاحقتي وإرسال بلطجية لمنع العمال من التصويت لي، وقمع الأمن العديد من أعضاء الحملة الانتخابية، ووصل الأمر إلى اعتقالي شخصيًّا وتقطيع اللافتات القليلة التي تبرع بها العمال. في حرب الخليج الأولى والثانية زادت الخلافات بيني وبين مجموعة من السياسيين بسبب محاولات تدجين العمل النقابي والعمالي، وضرورة أن يشترك العمال في قيادة الأحزاب والتنظيمات السرية حتى يكون لهم الكلمة العليا، لأنهم أصحاب القضية وأدري بكيفية إدارتها.

ثم استقللت بالعمل السياسي وقررت أن أكون مجموعة من العمال في شبرا الخيمة ضد غزو الكويت والتدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، ملأنا جدران شبرا الخيمة والمناطق المجاورة بشعارات ضد الاستعمار وأمريكا، فاعتقلت ومجموعة من العمال والنشطاء السياسيين. وفي عام 95 بدأت تظهر الحركة الحقوقية التي كانت لها اليد العليا في تدجين العمال وتحويل القيادات منهم إلى "أفندية" لا يعرفون شيء عن مصانعهم، وفي أحد النقاشات التي كانت بحضور نبيل الهلالي وسيد فتحي ومجموعة من قيادات اليسار وقتها، دار الحديث عن أن هناك انفراجة سياسية وأن هناك دعوة للانتخابات الرئاسية، وأن هناك إمكانية لليسار أن يتقدم بمرشح، واحتمالية وجود انتخابات حقيقية يمكن التنافس فيها، كنت أرى أن كل هذا الحديث لا محل له من الإعراب، وقررت أن أتقدم بأوراقي للترشح على رئاسة الجمهورية وبالفعل تقدمت، لأثبت للجميع وقتها أن مجرد الحديث عن الجدية في تداول سلطة في مصر دون ثورة مجرد حديث لا معنى له. تقدمت بأوراقي لرئيس مجلس الشعب وقتها وكان الدكتور فتحي سرور، طلبوا مننا الانتظار أكثر من أربع ساعات، وقفناها أنا وسيد فتحي المحامي في انتظار أن يتسلموا الأوراق مننا، لكن فتحي سرور خرج علينا وأبلغنا بأن ننصرف على الفور، وعندما رأى إصراري على أن أتقدم بأوراقي، طلب مننا تسليم الأوراق في قسم قصر النيل، فذهبنا للقسم، فتعاملوا معنا على أننا فاقدين الأهلية، ورفضوا تسلم الأوراق، وبعد كثير من الجدل قررنا الذهاب لنقطة السيدة زينب فرفضوا، وطلبوا أن نعود لقصر النيل مرة أخرى وعندما ذهبنا طلبوا لنا مستشفى العباسية، وكانوا مصرين على أن يتم القبض علينا وترحيلنا لمستشفى العباسية.. وفي نهاية التسعينيات زادت المضايقات الأمنية وظللت لفترات طويلة رهن الاعتقال دون أية أسباب، سوى انحيازي للعمال ومصالحهم، جاءت الخصخصة لتنهي مسيرة طويلة من العمل النقابي، إذ بيعت الشركة والمصانع التابعة لها لرجل الأعمال ناصر الخرافي، وعرض عليَّ وقتها مناصب عديدة ورشاوى ليشتروا صمتي على كل الانتهاكات التي يعانيها العمال، بعد بيع الشركة، لكني رفضت وصممت على موقفي. وفي سنة 2000 هددت بالفصل، ولم يكن أمامي سوى تسوية معاشي والخروج معاش مبكر، ولم تنته مسيرتي النقابية، إذ ظللت بالقرب من العمال ومعهم في كل قضاياهم حتى الآن.