دراسات

غادة طنطاوى

نظرة على المسألة القبطية

2017.11.12

مصدر الصورة : stiricrestine

نظرة على المسألة القبطية

حملت السنوات الأخيرة تطورات جعلت مستقبل المسيحيين في الشرق الأوسط على المحك. حيث نتج عن المآل التعس الذي وصلت إليه موجة الثورات العربية تبعات خطيرة، أسفرت عن موجات سريعة من الهجرة المسيحية، أثارت مخاوف مشروعة من أن تصبح المنطقة خالية من المسيحيين في غضون بضعة أجيال. ويأتي المسيحيون المصريون في القلب من هذا التدهور، خصوصًا في ظل انتصار الثورة المضادة وخفوت آمال التغيير.

لكن فهم المآل الصعب لأقباط مصر لا يمكن أن يتم دون دراسة التطور التاريخي لوضعيتهم، الذي أدى إلى خلق ما يمكن أن يسمى بـ«المسألة القبطية». بصفة عامة، كانت هناك مدرستان تقليديتان في فهم المسألة القبطية، إحداهما ترى أن محنة الأقباط اليوم هي امتداد للتاريخ الطويل من القمع والاضطهاد الذي تعرضوا له منذ عصر الإمبراطور اليوناني دقلديانوس 284م، والذي استمر خلال عصور الرومان والبيزنطيين والعرب1، أما الأخرى فهي تنظر إلى تاريخ الأقباط من منظور «الجماعة الوطنية»، حيث تؤكد على الامتزاج الحضاري بين المسيحيين والمسلمين، باعتبارهما «عنصري الأمة» اللذين انصهرا في نسيج اجتماعي واحد على مدار قرون2.

وبينما يتسم المنهج الأول بالتبسيط المخل، حيث يتجاهل السياق السياسي والاجتماعي الذي اختلف بموجبه شكل وحِدَّة الاضطهاد من مرحلة لأخرى، فإن مشكلة الاتجاه الثاني أنه يرسم صورة غير حقيقية للتاريخ تجعله ينكر، أو على الأقل يستخف، بالمسألة القبطية في كثير من الأحيان، بإلقاء اللوم على عوامل خارجية، أو حتى على الأقباط أنفسهم بزعم عدم قدرتهم على الاندماج في المجتمع. وتتفق المدرستان في تجاهل عنصر التمايز الطبقي وتأثيره على حالة الأقباط، وإهمال رد فعل الأقباط أنفسهم ومساعيهم للالتفاف على الأزمات والتعامل مع التحديات التي يواجهونها3.

في مقابل هذين الاتجاهين التقليديين، ظهرت كتابات عديدة في العقود الأخيرة تفهم المسألة القبطية في إطار أزمة التحديث وتبعاتها. هنا يمكننا، بدرجة من التبسيط، الحديث عن خمسة مراحل من تطور المسألة القبطية منذ بداية الحكم الإسلامي، وهي مرحلة ما قبل التحديث، ومرحلة التحديث التي بدأت مع عهد محمد علي، والمرحلة «الليبرالية» التي بدأت مع ثورة 1919، والفترة الناصرية، وأخيرًا الليبرالية الجديدة.

عصور ما قبل التحديث

إضافة إلى وجود عديد من الكتابات العربية التي ترسم صورة وردية لوضع الأقباط تحت الحكم الإسلامي، وتشير إلى ترحيب الأقباط بـ«الفتح» العربي الذي وضع نهاية لاضطهاد الرومان والبيزنطيين4، فقد تبنى العديد من المستشرقين خلال العقود الأولى من القرن العشرين رؤية مفادها أن أقباط مصر لم يعانوا الاضطهاد تحت الحكم الإسلامي، وأن العلاقة بين الطرفين اتسمت بالتعاون والتآلف5. غير أن حقائق التاريخ تشير إلى عكس ذلك.

بصفة عامة، استند اضطهاد الأقليات في مجتمعات ما قبل الرأسمالية إلى مؤسسات المجتمع التراتبية التي تقسِّم السكان إلى مجموعات غير متساوية قانونيًّا6. وبالتالي، فإنه على خلاف الحال في المجتمعات الحديثة، كانت التفرقة في مجتمعات ما قبل الرأسمالية صريحة ومعترفًا بها.

وفيما يخص الأقباط، فقد كان عدم مساواتهم بالمسلمين يجد سنده القانوني في وضعية «أهل الذمة»، الذي بموجبه يأْمنون على حياتهم في مقابل دفع الجزية. لكن التمتع بالحقوق الأخرى مثل حرية اختيار المأكل والملبس والمسكن، وحرية ممارسة الشعائر وبناء دور العبادة، يظل رهنًا لإرادة ونزوات الحكام. وبالتالي، كانت التفرقة هي السمة الثابتة لوضعية الأقباط، على الرغم من أن أحوالهم تباينت بين نوبات من الاضطهاد الحاد يعقبها تخفيف تدريجي للقيود، وهكذا7. واستمر ذلك حتى منتصف القرن التاسع عشر، حين أُلغيت التزامات «الذمة».

اتسمت الفترة الأولى من الحكم الإسلامي بالغموض ونقص المعلومات. يشير جاك تاجر إلى أن الأقباط لم يكن بوسعهم استقبال العرب كمحررين لأنهم كانوا يدينون بديانة أخرى. كما أن اختلاف اللغة وعدم سعي العرب إلى طمأنة الأقباط حول نواياهم، أضفيا حالة من التوجس تجاه القادمين من شبه الجزيرة العربية. كذلك سادت حالة من اللامبالاة، فلم يساعد الأقباط أحدًا من الطرفين المتحاربين، حيث إن «الشعب قد أفسدته العبودية، فكان يتحمل تبدل سادته بشيء من عدم المبالاة»8.

على أي حال، تشير العديد من الكتابات إلى أن العقود الأربعة الأولى من الحكم العربي-الإسلامي اتسمت بالهدوء النسبي. فباستثناء فرض الجزية، تُرك الأقباط لحالهم وسُمح لهم بإعادة بناء الكنائس التي دُمرت تحت حكم الرومان. لكن على الرغم من حالة الهدوء التي سادت في الفترة الأولى من الحكم العربي، إلا أن ارتفاع الجزية وإجراءات هدم الكنائس في الفترة اللاحقة أديا إلى عدة ثورات خلال القرنين التاليين، كان أهمها ثورة البشموريين في الدلتا التي تلقت هزيمتها النهائية على يد الخليفة المأمون سنة 831. كذلك دفع ضغط الجزية أعدادًا متزايدة من الأقباط إلى اعتناق الإسلام، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في التوازن السكاني، حتى أصبح التوازن في صالح المسلمين بحلول نهاية القرن التاسع وبداية القرن العاشر9.

المحطة التالية المهمة كانت في عصر الخليفة العباسي المتوكل (847-861). فمع ازدياد أعداد المصريين المتحولين إلى الإسلام برزت الحاجة إلى تمييز المسلمين عن غير المسلمين، فبدأ التمييز في الزي، كما حُظر بناء الكنائس ومُنعت الكنائس الموجودة من دق الأجراس10.

ويمثل العهد الفاطمي بداية صعود الأقباط كموظفين لدى الدولة. ويقول صامويل تادروس إن استعانة الفاطميين بالأقباط ربما تعود إلى كونهم حكامًا غير سُنة لشعب سني. في هذا العصر شَكَّل الأقباط في كثير من الأحيان الشريحة العليا من بيروقراطية الدولة، وهو ما عرّضهم لهجمات متتالية من السكان المسلمين.

أما عهد المماليك، فقد كان صعبًا للغاية. إذ شهد الأقباط فيه اضطهادًا لم يشهدوه من قبل. فقد كانت للفوضى الناجمة عن الأزمات العديدة التي عانت منها الدولة المملوكية (المجاعات والأوبئة وضعف الفيضان واكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح) آثار سلبية على حالة الأقباط، حيث كان الاتهام بالتآمر والمسؤولية عن النكبات التي أصابت مصر آنذاك مدعاة للتنكيل بهم في مناسبات عديدة.

بعد ذلك، وفي العهد العثماني بدءًا من 1517، انتعش نفوذ الأقباط كبيروقراطيين مسئولين عن الإدارة المالية وجمع الضرائب. ومع ازدياد الأزمات المالية التي تواجهها الدولة، تصاعدت أهمية دورهم، وخصوصًا في الصعيد. وبرزت في هذه الفترة المدارس القبطية التي كانت تُدرِس مهارات ساعدت على احتكار الأقباط للمهام المالية. واستمرت الالتزامات المرتبطة بوضعية أهل الذمة، مثل القيود على بناء دور العبادة والتمييز في الملبس والجزية. وكان ارتفاع الجزية دافعًا لاحتجاجات الأقباط، كما حدث سنة 1734 وسنوات أخرى11.

بدايات التحديث

كان الأقباط خلال الحملة الفرنسية (1798-1801) مصدر ريبة، على الرغم من أن نابليون لم يعطهم وضعًا تفضيليًّا. ومن ثم فقد تعرضوا لهجمات متتالية، ليس فقط لأنه كان يُنظر إليهم باعتبارهم حلفاء للفرنسيين، ولكن أيضًا بسبب تحررهم من القيود التي كانت مفروضة من العصر العثماني. ويتفق كثير من المؤرخين على أن قطاعات من الأقباط سعت للتعاون مع الفرنسيين، وشكل أحدهم (المعلم يعقوب) «الفرقة القبطية» لمساعدة الفرنسيين12.

وبعد الحملة الفرنسية أتى محمد علي. لم يكن لدى محمد علي مشروعًا للتحديث، ولا كان في ذهنه تطوير المجتمع ولا تحسين أحوال المصريين13. لكن الحاجة إلى بناء جيش ضخم فرضت عليه إدخال إصلاحات عديدة على صعيد التصنيع وتنظيم الزراعة والاهتمام بالتعليم. وبالتالي فقد دشن عصره بداية مرحلة التحديث في مصر.

وفيما يخص عملية تأسيس الجيش، كان الأقباط معفيين من التجنيد، كما أنه بحسب معظم الكتابات لم يظهر اسم أي قبطي في بعثات محمد علي للخارج. لكن الحاجة الملحة إلى تنظيم الموارد وتوسيع حصيلة الضرائب أدت إلى بروز الأقباط كي يلعبوا دورهم التاريخي في إدارة المالية، خصوصًا وأنهم كانوا يملكون مهارات متميزة لم تكن تتوفر لدى المسلمين. وبالتالي زاد عددهم في الوظائف الحكومية، دون المناصب الإدارية العليا في معظم الأحيان14.

على صعيد الممارسات الحياتية، أتاح ذلك العصر حريات جديدة للأقباط، حيث أصبح مسموحًا للمسيحيين، للمرة الأولى منذ قرون، دق أجراس الكنائس وارتداء الصليب علنًا، وتم تسهيل رحلات الحج إلى القدس. ويشير جاك تاجر إلى أن محمد علي لم يرفض أي طلب للأقباط ببناء الكنائس. لكن ذلك لم يترتب عليه اختفاء القيود كليةً. فبعدما أثارت هذه الحريات غضب المسلمين، صدر مرسوم عام 1817 يضع قيودًا في الزي على «الأقباط والأروام»15.

وكان من الضروري بالنسبة للكنيسة القبطية مواكبة هذه الإصلاحات، وإلا ستصبح مؤسسة خاملة وتفقد دورها المحوري في حياة الأقباط، خصوصًا في ظل التحدي الذي فرضه انتعاش نشاط البعثات التبشيرية بفعل تزايد عدد الأجانب في مصر. في الوقت نفسه، فإن الجمود الذي كانت عليه الكنيسة منذ قرون انعكس على تواضع مستوى الكهنة التعليمي والفكري16. في ظل هذا الوضع اضطلع البابا كيرلس الرابع، المعروف بـ«أبي الإصلاح»، والذي نُصِّب بطريركًا سنة 1854 وتوفي في 1861، بإدخال تطورات مهمة على صعيد التعليم والثقافة. فأنشأ مدارس (منها أول مدرستين للبنات) فُتحت للمصريين بغض النظر عن الدين. كما استقدم مطبعة من أوروبا، وأنشأ المدرسة البطريركية ومكتبًا لتنظيم الأوقاف القبطية.

 وخلال الفترة التالية على حكم محمد علي، وحتى الاحتلال البريطاني، اتُخذت عدة إجراءات للقضاء على وضعية الذميين، ارتبطت في الأغلب بمساعي كل من الخديوي سعيد ومن بعده إسماعيل للحصول على استحسان الأوروبيين. وبالتزامن مع هذا التوجه، كان من نتائج الخط الهمايوني الذي أصدره السلطان عبد الحميد عام 1856، بضغط من بريطانيا وفرنسا لإصلاح نظم الإدارة في السلطنة وتحقيق المساواة بين الرعايا، إنشاء المجلس الملِّي.

ويشير صامويل تادروس إلى أن إصلاحات البابا كيرلس في فترة توليه القصيرة نسبيًّا، والتي ارتكزت على محورين هما إصلاح نظام الكنيسة والاهتمام بالتعليم، أدت في الفترة التالية إلى صدام بين الكنيسة والعلمانيين17. ذلك أن الإصلاح الإداري للكنيسة سوف يؤدي إلى نشأة مؤسسة مركزية تعتبر نفسها الحارس الفعلي للجماعة، بينما نتج عن إدخال التعليم الحديث نشأة جيل جديد من الأقباط المتعلمين، المتأثرين بقيم الحداثة والمرتبط بعضهم بالجماعات التبشيرية، يرون في أنفسهم الممثلين الحقيقيين للجماعة والقادرين على إدارة شؤونها18.

حملت السنوات التالية على الاحتلال البريطاني لمصر (1882) تغيرات وتحديات جديدة للأقباط، نتج عنها في نهاية المطاف ظهور «المسألة القبطية الحديثة». فبعدما تخلص الأقباط من وضع الذميين، وعززوا فرصهم في التعليم والتوظف الحكومي، نتج عن الحكم البريطاني تناقضات لم تكن موجودة في السابق. فمن ناحية، تراجعت الملكيات الزراعية للأتراك، ليحل محلهم الملاك المصريين، وكان للأقباط وضع متميز لدورهم التاريخي كجباة للضرائب. وبالتالي فقد أصبح نصيبهم من ملكية الأراضي نحو 20٪19. إضافة إلى ذلك، استخدم الأقباط الصحافة، التي كانت قد تطورت في السنوات السابقة على الاحتلال، كمنبر للترويج لمطالبهم والدفاع عنها.

لم يعمد الاحتلال البريطاني إلى تفضيل الأقباط، لأنه لم يبد أن هناك مكسبًا يمكن أن يتحقق من تفضيل أقلية صغيرة، تقريبًا 8٪ من السكان. كما أن المعتمد البريطاني اللورد كرومر كان يحتقر الأقباط مثلما يحتقر المسلمين، ويرى أن التأخر وتواضع القدرات هو السمة المميزة للطرفين. لكنه كان يعتقد أن لديهم قدرات لا تتوفر للمسلمين في مجال الحسابات، بالتالي عزز وضعهم في وزارة المالية. إلى جانب ذلك، فقد كان يعتمد عليهم أكثر من المسلمين في وزارة الداخلية لمعرفتهم باللغات الأجنبية، حيث كان كثير منهم من خريجي مدارس الإرساليات20. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن عدد الأقباط في الوظائف الحكومية والمدارس العليا كان أعلى من نسبتهم إلى السكان21، فإنهم كانوا بصفة عامة مستبعدين من المناصب العليا.

لكن على صعيد آخر، لم يكن هناك ما يعزز من إمكانات التحالف بين الأقباط والحركة الوطنية في الفترة التالية على الاحتلال. فمن ناحية، تعاون أعضاء من النخبة القبطية الحديثة من أعضاء المجلس الملِّي مع الاحتلال الذي دعمهم في مواجهة الكنيسة22. ولم يكن المنحى الإسلامي الذي اتخذته الحركة الوطنية بوسعه أن يُشجع الأقباط على الالتحاق بهذه الحركة. وقد كان تعاون مصطفى كامل مع الخديوي عباس حلمي وتأييده لتبعية مصر إلى السلطنة العثمانية مثار ريبة من الأقباط.

وفي أعقاب قيام شاب من الحزب الوطني باغتيال بطرس غالي باشا، جرى تفعيل فكرة عقد المؤتمر القبطي في أسيوط سنة 1911 بمشاركة كبار الأعيان وأصحاب الرأي. وقد طالب المؤتمر بأن يكون تولي الوظائف العليا بحسب الكفاءة، وبتدريس الدين المسيحي للطلبة المسيحيين في المدارس، وإنفاق الحكومة على المرافق القبطية أسوة بالمرافق الإسلامية23. وردًّا على ذلك، انعقد المؤتمر المصري (الإسلامي) في العام نفسه «للنظر فيما يسمى بالمسألة القبطية، وفيما يجنح له كبار موظفي القبط من التحيز لأبناء طائفتهم»24، وخلُص هذا المؤتمر الأخير إلى أن الأقباط يتمتعون من الحقوق بأكثر مما يتمتع به بقية المصريين»25.

التحديث واﻷقباط

تطرح هذه التطورات العديد من الأسئلة حول علاقة عملية التحديث بالمسألة القبطية. فأولاً، لماذا فشلت هذه العملية في حل مشكلة اضطهاد الأقباط؟ وهل نجح التحديث في الدول التي تأخرت في التطور الرأسمالي في التعامل مع مشكلة الأقليات؟ ويقودنا ذلك إلى تساؤلات أكثر شمولاً، حول مدى نجاح الرأسمالية، بما فيها الدول الأكثر تقدمًا، في حل مشكلة الأقليات.

على الرغم من أن مساحة هذه الورقة لا تسمح بتقديم إجابات وافية على هذه التساؤلات، فإنه يمكن الإشارة إلى بعض الملاحظات الأولية. بادئ ذي بدء، كان التحديث في مصر، بمعنى ما، «تعسفيًّا»، فرضته وسرّعت من وتيرته رغبة محمد علي الملحة في تأسيس جيش قوي. وبالتالي، وكما سبق القول، فنحن لم نكن بصدد مشروع متكامل للتحديث، والدليل على ذلك أن محمد علي لم يول أي اهتمام لدراسة العلوم الإنسانية. وعندما جرى تحطيم ذلك المشروع في 1840، حدث تراجع ملحوظ في التعليم وأُغلقت عديد من المدارس.

لكن هذه السمة ليست قاصرة على مصر، بل هي خاصية عامة للدول التي تأخرت في التطور الرأسمالي. فهنا يكون التحديث نتاج المنافسة مع الخارج أو أي عوامل أخرى بخلاف التطور المضطرد للمجتمع وقواه المنتجة. ومن ثم، يتم استيراد أكثر التقنيات تقدمًا، لتعمل في بيئة سياسية وثقافية متأخرة إلى هذه الدرجة أو تلك.

ولذلك، فعلى الرغم من أن العقود التالية لثورة 1919 شهدت تصاعدًا في قيم المواطنة والعلمانية والفصل بين الدين والدولة، إلا أن هذه القيم ظلت تتعرض لنكسات لا تنتهي. فمع كل أزمة يواجهها النظام، تعلو الأصوات المحافظة المدافعة عن «الأصالة» والعودة إلى القديم، معزية الفشل إلى البعد عن الدين والتقاليد.

وأخيرًا، فإنه حتى الدول الرأسمالية الرائدة لم تستطع تجاوز مشكلة اضطهاد الأقليات، بل قامت بتغيير شكل هذا الاضطهاد وإضفاء الطابع المؤسسي عليه. فإذا نظرنا إلى المشكلة الأهم في أوروبا في العصور السابقة على الرأسمالية، وهي مشكلة اليهود، نجد أنه على الرغم من كل التقدم الذي حدث على صعيد إدماجهم في المجتمعات الأوروبية خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، فقد كشف القرن العشرين فشل تلك الدول في حل المشكلة، وهو فشل بلغ ذروته في مذابح النازي التي أودت بحياة ملايين اليهود. وفي واقع الأمر، لم يتم حل هذه المشكلة إلا برحيلهم ليبيدوا شعبًا آخر ويحتلوا أرضه.

وإذا كان اضطهاد النازي لليهود ارتكز إلى نظرية عنصرية اعتبرتهم أحط أجناس البشر، فإن الاضطهاد في الوقت الحالي يتخذ أشكالاً أكثر تهذيبًا وتركيبًا. إذ يستند التمييز ضد المسلمين في الغرب مثلاً إلى «تكوينهم الثقافي» و«ديانتهم التي تحض على العنف» و«عجزهم عن الاندماج في المجتمع».

لكن عجز الرأسمالية في صورها المختلفة عن تجاوز العنصرية واستيعاب الأقليات و»المختلفين» في المجتمع ليس مصادفة، لأن هذا النظام من مصلحته ببساطة استمرار التمييز والحفاظ على الانقسامات، وأحيانًا تعميقها. ذلك أنه في فترات الأزمة، وهي سمة أصيلة لهذا النظام، تعمل الانقسامات العرقية والدينية في صالح الطبقات الحاكمة، حيث تحول في كثير من الأحيان دون وحدة القوى الاجتماعية متنوعة الهويات التي لها مصلحة في مقاومة الوضع الظالم. كما أنه كثيرًا ما تكون الأقليات كبش فداء لتفريغ الأغلبية غضبها في الطرف الأضعف. 

ثورة 1919 والحقبة الليبرالية

ينظر طارق البشري إلى ثورة 1919 باعتبارها انعكاسًا لإرادة الجماعة الوطنية المصرية التي تشكلت خلال العقود التالية على بناء الدولة الحديثة منذ محمد علي. ويرى الكاتب أن «خبرة القرن التاسع عشر والعشرين تشير إلى أن الامتزاج بين المسلمين والأقباط يسير بخطى حثيثة بقدر ما تُبنى مؤسسات الدولة على قاعدة الوطنية وعلى أساس الانتماء القومي»، وأن أساس الفكر القومي تكوّن عبر الامتزاج الحضاري بين المسلمين والمسيحيين على مدى قرون، مما كون المناخ التاريخي والاجتماعي والنفسي لتبلور مفهوم الجماعة26.

ويشير البشري إلى أن «الموقف الوطني الصارم الذي اتخذته جموع القبط... ومدى الاستنارة التي اتسمت به حركة الشعب وقيادته في هذه المسألة أديا إلى إفشال محاولات التفرقة بعد أن لاح في الأفق أن بذور مسألة قبطية تتشكل». ويبين أنه مع قيام ثورة 1919، «ذابت كل سياسات التفرقة الطائفية أمام ما ظهر من امتزاج كامل بين المصريين، قبطًا ومسلمين، وتكون الوفد المصري باعتباره المؤسسة الأم الحاضنة لوحدة الشعب المصري بعنصريه»27.

لكن خبرة تلك الفترة تشير إلى أن ما حدث هو المعكوس. فقد نقل التحديث وتبعاته الأقباط من الحالة المعتادة للأقليات في عصور ما قبل الرأسمالية، حيث يكونون رهنًا لنزوات الحكام وعرضة لهجمات الأغلبية نتيجة أزمات لم يتسببوا فيها، إلى حالة المواطنين الذين يطالبون بحقوق متساوية، وينظمون أنفسهم من أجل الحصول على هذه الحقوق. ويجسد المؤتمر القبطي والهجوم الحاد الذي شنته صحيفتا الوطن ومصر على الصحف المؤيدة للحزب الوطني التحول الضخم الذي طرأ على إحساس الأقباط بذاتهم وحقوقهم في الدولة الحديثة الناشئة.

وتُعلق فيفيان إبراهيم على التصور الذي وضعه البشري حول دور الأقباط في الثورة قائلة إن هذا الطرح «قدم الأقباط ككلٍ متجانس تبنّى منظورًا موحدًا وأحادي الجانب حول مسألة الاستقلال الوطني»28. ذلك أن تعبير «جموع القبط» يعطي انطباعًا بأن الأقباط قاموا مع المسلمين قومة رجل واحد للمطالبة بالاستقلال. لكن الحقيقة أنه باستثناء القمص سرجيوس، الذي كان أول رجل دين مسيحي يخطب في الأزهر، لا تشير معظم الكتابات إلى تفاصيل حول تحركات الأقباط من أسفل في أثناء الثورة.

وتلقي إبراهيم الضوء على المبالغة في تصوير مدى انتشار أعلام احتضان الهلال للصليب التي تُظهرها الأفلام ومعظم الكتابات والروايات حول الثورة، مشيرًة إلى أن هذه الأعلام نادرًا ما ظهرت في ثورة 1919 كما يظن البعض29. وتوضح أن مشاركة القمص سرجيوس، الذي تخرج من الكلية الإكليريكية التي أنشأها البابا كيرلس الخامس، كانت تعبيرًا عن ظهور جيل جديد من رجال الدين المسيحي الإصلاحيين، لكن تحركاته لم تكن لها أية علاقة بالكنيسة. وتؤكد أن الكنيسة تمسكت بدورها التقليدي في النأي بنفسها عن الثورة، والسعي إلى حماية حقوق الأقباط باعتبارهم «ملَّة»30.

إلا أن ثورة 1919 مثلت للنخبة القبطية من الأعيان والشخصيات العامة مخرجًا من المعضلة الناتجة عن التحديث. ففي ظل انسداد الأفق الذي وصل إليه وضعهم في ظل التحديث والاحتلال، بدا أن الارتباط بالحركة الوطنية ومطلب الاستقلال طريقًا للتحرر من السياسات التمييزية. لكن حالة ثورة 1919، بكل المبالغة التي صورتها الروايات اللاحقة، لم تكن سوى ومضة سرعان ما انطفأت. فقد أشارت أحداث السنوات التالية إلى عجز الوفد عن تحقيق أي من هدفي الاستقلال والديمقراطية اللذين كانا الأساس الذي ارتكزت عليه شرعيته. وفيما يخص الأقباط شهدت الفترة السابقة على يوليو 1952 تطورات مهمة، على صعيد العلاقة مع الدولة والمسلمين، إلى جانب العلاقات داخل الجماعة القبطية نفسها.

ظل الخلاف حول نصيب الأقباط في السلطتين التشريعية والتنفيذية حاضرًا في الفترة المذكورة. فعند إعداد دستور 1923، برز مطلب التمثيل النسبي للأقباط في البرلمان ليخلق خلافات حادة ويعكس مساعي قسم من النخبة القبطية، وليس كل النخبة، إلى توسيع نصيبها في المشاركة. وعلى صعيد الأحوال العامة للأقباط، لم تُحل مشكلة بناء وترميم الكنائس، بل زادت تعقيدًا. ففي سنة 1934 أُلغي الخط الهمايوني الذي كان ينصُّ على أن بناء وترميم الكنائس يجب أن يتم بأمر من السلطان العثماني، وتم وضع لائحة، عُرفت بلائحة العزبي باشا وكيل وزارة الداخلية آنذاك، فرضت 10 شروط صعَّبت عملية بناء الكنائس.

يصعب رؤية هذه الممارسات بمعزل عن تطورات المشهد خلال الثلاثينيات والأربعينيات. فقد اتسمت هذه الفترة بعداء مستحكم بين الوفد والملك فؤاد، ثم فاروق من بعده، سعى فيه الملك إلى الاستعانة بأحزاب الأقلية ورجال الأزهر في رسم صورة «الخليفة» أو «أمير المؤمنين» الذي يتزعم «الأمة الإسلامية». وفي هذا الصراع، كان الاهتمام بموالاة الأقباط اتهامًا أساسيًّا توجهه أحزاب الأقلية إلى الوفد.

الأمر الثاني المهم، هو أن التغيرات التي شهدها المجتمع وفشل الوفد، بسبب غياب رؤية اجتماعية لديه، في التعامل معها، رفعت إلى صدارة المشهد جماعات جديدة كانت بحكم نشأتها وطبيعتها معادية للأقباط. فقد نتج عن التحديث ظواهر الهجرة الواسعة إلى المراكز الحضرية، ونمو التصنيع وزيادة معدلات التعليم، وهذه كلها تغيرات تقوض أسس المجتمع التقليدي. وفي الوقت نفسه، عجز المجتمع الحديث عن تلبية طموح هذه الطبقة الجديدة من «الأفندية» في الصعود الاجتماعي، مما خلق رفضًا لدى هذه الطبقة المتزايدة العدد للأحزاب ولفكرة الحداثة والديمقراطية. وكان منطقيًّا أن ترى هذه الطبقة الحل في العودة للأصول والتقاليد31، وتعزو أزمات المجتمع إلى الانحلال وترك التقاليد والدين. وفي هذا السياق نشأت جماعات الإخوان المسلمين ومصر الفتاة.

وحيث إن الفكرتين اللتين ارتكزت عليهما نشأة الإخوان كانتا عودة الخلافة وتطبيق الشريعة، فمن الطبيعي ألا ترى الجماعة الأقباط من منظور المواطنين الذين لهم حقوقًا متساوية، بل من منظور الأقلية التي لها حق الحماية وعليها واجب الطاعة. وكان من الطبيعي أيضًا أن ترفض الجماعة شعارات «الوطنية ديننا» و«الدين لله والوطن للجميع»، باعتبار أن رابطة العقيدة هي الأقوى. أما حزب مصر الفتاة، فقد كان تنظيمًا أصغر بكثير، ولكنه بدأ متأثرًا بالأفكار والممارسات النازية، ثم تبنى توجهًا إسلاميًّا، وساهم خلال الثلاثينيات والأربعينيات في الحملات الدينية للملك وفي الهجوم الحاد على الوفد والأقباط.

وتشير نتيجة انتخابات 1950 إلى التغير الحاد في وضعية الأقباط مقارنة بالفترات التالية مباشرة على 1919. حيث لم يصل إلى المجلس سوى 10 نواب أقباط (من بين 319 نائبًا) وهو العدد الأصغر منذ بداية الفترة الليبرالية32.

من ناحية أخرى، اتسم المشهد السياسي القبطي خلال الفترة من 1919 إلى 1952 بحيوية غير مسبوقة، لم تتكرر في عصر تالٍ. ففي ظل الانفتاح الذي خلقته ثورة 1919 ومناخ الحريات والتجربة الحزبية، رغم كل عيوبها، ظهر الأقباط، بمختلف توجهاتهم، كفاعل إيجابي في الدفاع عن المطالب ومهاجمة الخصوم. ولعبت الصحافة القبطية أدوارًا مهمة في الحملات السياسية في تلك الفترة. ونشطت الجمعيات الخيرية التي كانت معنية بتوفير التعليم وبناء الملاجئ وتقديم المعونات وتعليم الحرف للفقراء. وكانت هذه الجمعيات تلعب دور المجتمع المدني الذي يقدم للأقباط ما عجزت الدولة والكنيسة عن توفيره33. الأمر المهم الآخر هو نشأة جماعة «جنود الجيش المسيحي» في الصعيد، بتشكيلاتها شبه العسكرية، كرد فعل على انتعاش نشاط جمعية الشبان المسلمين والإخوان. وتشير فيفيان إبراهيم إلى أن نشاط هذه الجماعة تباين بين السياسي والاجتماعي والديني34.

وعلى جانب آخر، وفيما يتعلق بالعلاقات القبطية-القبطية، كان النزاع بين رجال الكنيسة والعلمانيين هو السمة المميزة لمعظم الفترة الليبرالية. فبعد سنوات من النقاشات والنزاعات بين الطرفين، صدر قانون المجلس الملِّي ليضع مالية الكنيسة تحت إشراف هيئة منتخبة. وبعد صدور القانون بأسبوعين، توفيَّ البابا كيرلس الخامس. وكانت المنافسة تنحصر في الأساس بين الأنبا يؤانس مطران الإسكندرية والبحيرة والمنوفية، ويؤيده رجال الدين، والأنبا مكاريوس، ويؤيده الإصلاحيون. وانتهت الحملة بصدور الأمر الملكي بتنصيب يؤانس وسط اعتراض قسم كبير من النخبة. وفي أعقاب تنصيب البابا، تغيرت لائحة انتخاب البابا، بحيث أصبح يمكن للمجلس الملِّي والمجمع المقدس ترشيح المطارنة إلى جانب الرهبان.

التطور المهم الآخر، هو ظهور مدارس الأحد، التي تأسست في العشرينيات، قبل وفاة البابا يؤانس، واستهدفت في البداية تعليم المسيحية للأطفال في القرى والمناطق التي لا تتوفر بها كنائس. وتطورت هذه المدارس في الثلاثينيات والأربعينيات لتصبح أداة تجذب أعدادًا كبيرة من الشباب المسيحي المتعلم تعليمًا حديثًا إلى الكنيسة. ومن هنا تكوَّن جيل «المجددين» الذي كان يؤمن أن عليه العمل على عودة المسيحيين إلى الكنيسة واستعادة هذه المؤسسة مجدها وعودة دورها في حياة الأقباط35. وكان نظير جيد روفائيل، الذي أصبح البابا شنودة فيما بعد، أول رئيس تحرير لصحيفة مدارس الأحد، وأصبح بعد ذلك من أهم رموز جيل المجددين.

الفترة الناصرية

لم يكن لدى عبد الناصر ميول شخصية معادية للأقباط، واتسمت علاقته بالبابا كيرلس السادس بتعاون ومودة استثنائيين مقارنة بعلاقات الحكام بالباباوات في الفترات السابقة واللاحقة. ومع ذلك، اتخذ التمييز ضد الأقباط في العصر الناصري طابعًا مؤسسيًّا لم يكن موجودًا من قبل، ولم تعد هناك مساحة لمقاومته أو حتى مجرد الحديث عنه في العلن. وحيث إن عدم المساواة في الفرص تعمق بقوة في هذا العصر، فقد بدأت موجات هجرة المتعلمين إلى الغرب، الذين أصبحوا فيما بعد نواة ما يُطلق عليهم «أقباط المهجر».

كان وضع الأقباط في الجيش، المؤسسة التي خرج منها الضابط الأحرار، أبعد من يكون عن المساواة. وقد سبقت الإشارة إلى ضعف تمثيل الأقباط في الرتب العليا. وعند قيام حركة الضباط، كان هناك قبطي واحد برتبة لواء36. وبالتالي، فإن البناء الذي خرجت من رحمه الناصرية كان يقوم على التفرقة، ولا يعتبر الأقباط عنصرًا أساسيًّا من مكوناته. 

من ناحية أخرى، فإن سياسة الإصلاحات من أعلى التي ارتكزت عليها الناصرية، لم تكن تسمح بالمطالبة بالحقوق. فقد استندت فلسفة هذا النهج إلى أن النظام يمنح الناس وسائل تجعل حياتهم أفضل، في حين أنه يتعين عليهم في المقابل لعب دور المتلقي السلبي. وفي حقيقة الأمر، فإنه بعد القضاء على الحياة الحزبية وتأميم النقابات والسيطرة على الصحف، إضافة إلى انتفاء مساحة الحرية والتعبير عن الرأي بشكل عام، لم يعد بإمكان أي فئة أو جماعة رفع أي مطالب. واختفى المجتمع المدني القبطي، وأهم صوره الجمعيات الخيرية والتعليمية والثقافية، ومعه الصحف ووسائل التعبير التي انتعشت في الفترة السابقة.

وفي سياق التغيرات الاجتماعية الكبيرة التي جاء بها العهد الناصري، استفاد المسيحيون من الإنجازات الخاصة بالعلاج والتعليم المجاني والتوظف، فتوسعت الطبقة الوسطى لديهم، كما لدى المسلمين. لكن لم يكن لديهم إمكانية للاعتراض في حالة التفرقة في اختيار المديرين أو المعيدين أو الحاصلين على بعثات للخارج. وتجاوب الأقباط مع شعار «التطهير» الذي رفعه الضباط الأحرار. ففي الفترة التالية مباشرة على حركة الضباط، تلقى مجلس قيادة الثورة مئات البرقيات التي تطالب بتطهير البطريركية «كما طهروا» البلاد. وشنت صحيفة مصر المؤيدة للمجلس الملِّي مقالات منتظمة تدعو إلى التطهير خلال الأسابيع التالية للحركة. وطالبت الصحيفة الضباط بتغيير اللوائح الحاكمة للبث الإذاعي، بحيث تعطى مساحة لبث المواد الإذاعية القبطية لأن الوضع الحالي يقصر بث هذه المواد على المناسبات الدينية. كما طالبت الجريدة بفصل الدين عن الدولة وإزالة القيود على بناء وترميم الكنائس. ومن جانبها، قدمت جماعة الأمة القبطية، الحركة الشبابية الأبرز بين الأقباط، مطالب بوضع دستور جديد، وجعل اختيار البابا بالاقتراع العام37.

وفي تلك الأثناء، اشتدت المعارضة تجاه البابا، إلى حد قيام شباب من جماعة الأمة القبطية باختطافه سنة 1954، قبل أن يعيده البوليس38. وفي سبتمبر 1955، قررت الحكومة عزل البابا بعدما ظهر التأييد الواسع من جانب عموم الأقباط لهذه الخطوة. وعندما جاء وقت انتخاب البابا الجديد، صعدت آمال جيل مدارس الأحد الذين أتموا تعليمهم الجامعي وطمحوا إلى إحياء دور الكنيسة، ومن هؤلاء القمص متى المسكين والأب أنطونيوس (الذي أصبح في 1962 الأنبا شنودة، أسقف التعليم الكنسي). وقاوم رجال الكنيسة من الجيل القديم مطامح هؤلاء الآباء الجدد، الذين كان يؤيدهم المجلس الملِّي. ورأى رجال الكنيسة أن عمر المرشح لمنصب البابا يجب ألا يقل عن 40 عامًا وأن يكون قضي 15 عامًا على الأقل في الرهبنة. وبعد مداولات استمرت نحو عامين، انتصرت الحكومة لرجال الدين القدامى وصدر قرار جمهوري في 1958 يحوي شرط السن ومدة الرهبنة. وجرى انتخاب البابا كيرلس السادس كمرحلة انتقالية بين الجيلين.

وقد برزت قوة الصلات بين عبد الناصر والبابا في مناسبات عديدة. فعندما حدث خلاف بين البابا والمجلس الملِّي حول النفقات عام 1967، أعلن الأخير أنه لن يستطيع دعم رواتب العاملين في المقر البابوي. وهنا كتبت الأهرام أن البطريركية تعاني عجزًا ماليًّا مقداره 31 ألف جنيه. ورفض البابا استقبال مكالمات المهنئين في عيد القيامة. وبعد لقاء بين البابا وعبد الناصر، أمر الأخير بتسديد العجز من ميزانية الدولة وحل المجلس فورًا39. وكان طبيعيًّا أن يدعم عبد الناصر البابا كي يحافظ على البناء السلطوي للكنيسة وعلى رأسه البابا.

وكان نظام يوليو قد اتخذ عدة خطوات لتقويض المجلس الملِّي في إطار سياسته العامة لتحطيم كل المؤسسات المستقلة. فقد ألغى النظام كل من المحاكم الشرعية والاختصاص القضائي للمجالس الملِّية. ثم صدر قانون في 1957 يستبدل الأوقاف جميعها بسندات حكومية، ثم تغير لتحديد جميع مساحات الأديرة والكنائس الموقوف عليها في حدود 200 فدان، وبالتالي تقويض مساحة التصرف لدى المجلس.

وتقول فيفيان إبراهيم إن الصلة الوثيقة بين عبد الناصر والبابا ساعدت على رسم صورة «مصر المتحدة» في مواجهة القوى الإمبريالية40. كانت هذه الصلة وراء مشاركة الدولة في بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، التي أصبحت منذ ذلك الحين المقر البابوي. ويشير صامويل تادروس إلى أن عبد الناصر قد أحال للبابا جميع شؤون الأقباط، بما في ذلك الذين يجري تعيينهم في البرلمان41. وكان عبد الناصر قد ابتدع سياسة تعيين نواب أقباط في البرلمان بعدما أصبح يتعذر نجاح الأقباط في الانتخابات، حيث لم ينجح أحد منهم في انتخابات 1964 و1968 (وكذلك 1971 و1976 و1979)42. وليس ذلك مستغربًا لأن ذروة تمثيل الأقباط في البرلمان كانت في الفترة الذهبية لشعبية الوفد الذي كان تعزيز مشاركة الأقباط دعامة أساسية لدعايته ونشاطه. كما دأب عبد الناصر على تعيين وزير قبطي في كل وزارة، على ألا يتضمن ذلك الوزارات السيادية. وكذلك ابتدع سنُّة الـ 5٪ من المقبولين في كلية الشرطة والجيش. أما مشكلة تصاريح بناء الكنائس، التي ظلت قائمة، فقد كان عبد الناصر يتدخل شخصيًّا لحلها بإعطاء البابا تراخيص لعدد معين من الكنائس سنويًّا. لكن في خلفية هذا كله، لا ننسى أن ناصر حقق الأمان الشخصي للأقباط، ليس فقط نتيجة القضاء على الإخوان المسلمين والمنظمات الأخرى ذات الميل الإسلامي، ولكن أيضًا بفعل قبضة الدولة الحديدية التي لم يكن أحد يجرؤ على تحديها43.

لم يكن عبد الناصر إذن يعترف بوجود «مسألة قبطية» يتعين العمل على مواجهتها من جذورها، بل كان الحل في نظره يقوم عبر الهروب إلى الأمام بواسطة قرارات من أعلى تحافظ على صورة البلد الهادئ الخالي من الصراعات، الذي تعيش فيه الأغلبية والأقلية في تآخ وتحظى الأخيرة بقدر من الحقوق. ولكن كذلك لا يمكن إغفال أثر الطبيعة السلطوية للنظام في تعامله مع مسألة الأقليات. فالنظم الديكتاتورية القائمة على الولاء وأهل الثقة، من الطبيعي أن ترتاب في ولاء الأقليات، وهو ما ينجم عليه بالضرورة التمييز في الحياة العامة والفرص.

السادات

برحيل عبد الناصر في سبتمبر 1970، الذي تبعه بعد بضعة شهور رحيل البابا كيرلس السادس في مارس 1971، انتهت مرحلة احتواء المسألة القبطية. كانت رؤية كل من عبد الناصر وكيرلس تختلف كلية عن رؤية السادات والبابا شنودة. ويمكن القول إن العلاقة بين هذين الأخيرين كانت الأسوأ بين حاكم مصري وبابا في العصر الحديث. فقد كان السادات، بميوله المحافظة ونزوعه القوي إلى استخدام الرطان الإسلامي بغرض تعزيز شعبيته، غير متعاطف نفسيًّا مع حقوق الأقباط. كما أن تشجيعه للاتجاه الإسلامي بغرض مواجهة حركات المعارضة الأخرى وسَّع الهوة بينه وبين المسيحيين وشجع روح التعصب ضدهم.   

ومن ناحية أخرى، فعلى عكس البابا كيرلس، الذي كان يرى الكنسية كمؤسسة روحية في المقام الأول، كان البابا شنودة يرى الكنيسة كمؤسسة شاملة، تتولى كل من الجانب الروحي والجانب الدنيوي في حياة المسيحيين44. وفي ظل تخفيف القبضة الحديدية للأمن في عهد السادات، وكذلك بفعل عودة التعصب المرتبط بمناخ التحلل والانقسام الناتج عن الهزيمة، عادت الهجمات على المسيحيين بسبب الصلاة في أماكن ليست مرخصة ككنائس.

بدأت المواجهة في نوفمبر 1972 عندما تم حرق منزل جرى تحويله إلى كنيسة في منطقة الخانكة. وبناءً على أوامر البابا، توجه الأساقفة والكهنة للصلاة على أنقاض المنزل المحطم، مما استفز أبناء المنطقة من المسلمين، فهجموا على المنازل والمحال المملوكة للأقباط. وكانت هذه بداية التوتر بين السادات والبابا الذي ظهر طابعه المتحدي والصارم. والأمر اللافت للانتباه أنه عندما شكل مجلس الشعب لجنة لدراسة الأحداث، اتضح أنه من بين 1442 كنيسة هي إجمالي عدد الكنائس في مصر، توجد 500 كنيسة فقط مرخصة45. وهو ما يعني أنه في ظل صعوبة الحصول على الموافقات الأمنية والإدارية اللازمة لبناء الكنائس، كثيرًا ما يلجأ المسيحيون إلى تحويل المباني أو الدور إلى كنائس تدريجيًّا بالأمر الواقع.

لكن الأهم من ذلك أن التغيرات التي شهدتها مصر في حقبة السبعينيات كان لها أعظم الأثر على تصاعد حالة التوتر الطائفي والتمييز ضد الأقباط، واتخاذ هذه الحالة أبعادًا جديدة. فكما هو معروف، سعى السادات إلى استخدام الورقة الدينية من أجل توجيه الضربات إلى أعدائه من اليساريين والناصريين، وهو ما تُرجم في صورة سياسة ودية مع الإخوان المسلمين، وتشجيع الجماعات الإسلامية في الجامعات ومناطق الصعيد على التصدي لـ«المختلفين» بكافة الوسائل. أيضًا غُض الطرف عن العنف التي كانت تمارسه «الجماعة» ضد من تعتبرهم أعداءها، ومنهم الأقباط، واتخذ الإعلام توجهًا إسلاميًّا، بلغ حد إذاعة خطب الدعاة التي تحوي تعريضًا ضد عقيدة الأقباط، وأطلق السادات على نفسه لقب «الرئيس المؤمن» وعلى مصر «دولة العلم والإيمان». وفي 1980، أُقر التعديل الدستوري المهم الذي جعل مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، في إطار تعديلات دستورية كان الغرض الأساسي منها تمكينه من الترشح لفترة رئاسية ثالثة.

وفي ديسمبر 1976، ومع رواج الحديث عن تطبيق الشريعة ومشروع قانون الردة، الذي أُقر بالفعل في العام التالي، انعقد المؤتمر القبطي الثاني في الإسكندرية، بناءً على دعوة مجلس كهنة هذه المدنية. خرج المؤتمر بثمانية مطالب أهمها رفض قانون الردة والدعوة إلى حماية الحريات الدينية والمساواة بين المسلمين والأقباط في التوظف والتمثيل في البرلمان واتخاذ الإجراءات المناسبة للتعامل مع المتطرفين ووقف الهجمات على الأقباط. وفي أغسطس من العام نفسه، أرسل البابا خطابًا إلى السادات محتجًا على قانون الردة46. وفي الشهر التالي، أعلن المجمع المقدس الصوم ثلاثة أيام احتجاجًا على القانون. وفشلت محاولات التفاهم بين الطرفين خلال الفترة اللاحقة، في ظل تصاعد ما يتعرض له الأقباط من هجمات مع غض الطرف من جانب الأجهزة الأمنية.

وفي مارس 1981 قرر البابا عدم استقبال أي مسؤولين حكوميين للتهنئة بعيد القيامة. بعدها بشهور قليلة، في يونيو، وقعت أحداث الزاوية الحمراء التي بدأت بالخلاف على أرض مخصصة لبناء كنيسة، ثم تطورت إلى هجمات راح ضحيتها نحو 80 مسيحيًّا. وبحلول سبتمبر شن السادات هجومًا عنيفًا على البابا وقرر إلغاء الأمر الرئاسي بتنصيبه ونفاه إلى دير الأنبا بيشوي. هنا أصدر المجلس الملِّي آنذاك بيانًا أكد فيه أن البابا، الزعيم الروحي للكنيسة، لا يمكن استبداله في حياته47.

وقتها، كان السادات يحظى بكراهية كاسحة بين الأقباط. ففي هذه الفترة، عادت إلى الظهور صورة ذهنية كانت قد اختفت منذ عقود. فعلى خلاف الستينيات، حينما كان الخطاب السائد في المجتمع، على الأقل على المستوى الرسمي، يؤكد على «وطنية الكنيسة» في مواجهة الغرب والإمبريالية، أصبح الأقباط يواجهون اتهامًا بالاستقواء بالغرب. وإذا كان الإسلاميون هم المروج الأساسي لهذا الخطاب، فقد تغلغل هذا الاتهام في النفوس وأصبح راسخًا في أذهان الطبقات الوسطى والشعبية. ومن ناحية أخرى، تطور شعور لدى الأقباط بأن أمريكا سند لهم في مواجهة الظلم الذي يتعرضون له في الداخل، وهو الشعور الذي استمر حتى منتصف 2013، ثم بدأ يتغير حينما اعترضت إدارة أوباما على انقلاب الجيش على محمد مرسي.  

مبارك والليبرالية الجديدة

كان طبيعيًّا أن تتأزم المسألة القبطية وتتخذ أبعادًا جديدة في ظل الليبرالية الجديدة. فحينما قررت الدولة التخلي عن دورها الاجتماعي، انتهى النذر اليسير من مظاهر المساواة. فعلى سبيل المثال، كان الأقباط والمسلمون يستفيدون من تعيين الخريجين، لكن عندما توقفت هذه السياسة، وأصبح التعيين في الجهات الحكومية والشركات المملوكة للدولة بالاختيار، انفتح المجال أمام التمييز في التوظف بالدولة. من ناحية أخرى، ظهرت المؤسسات الإسلامية والمسيحية التي تعوض دور الدولة. فظهرت الشركات الإسلامية التي لا تعين غير المسلمين والعكس بالعكس. وفي ظل مناخ التعصب السائد بصورة عامة، أصبحت فرص التوظف لدى المسيحيين محدودة. ومن جانبها، اعتمدت الشركات المملوكة للأقباط بشكل أساسي على موظفين أقباط. وينطبق الأمر نفسه على التعليم والعلاج.

في هذه المرحلة، وبسبب منظور البابا شنودة لدور الكنيسة وعلاقتها بالشعب، اكتسبت هذه المؤسسة قوة غير مسبوقة، على الأقل في التاريخ الحديث. فمن ناحية التنظيم الداخلي، اهتم البابا بتعزيز الطابع المؤسسي للكنيسة، فجرى سن لوائح لتنظيم عمل المجمع المقدس، وتكونت سكرتارية دائمة للمجمع، يضطلع أعضاؤها بمختلف شؤون الكنيسة. وبالتزامن مع ذلك، حدث توسع هائل في نشاط الكنيسة خارج مصر48.

وعلى صعيد علاقة الكنيسة بالأقباط، أصبحت هذه المؤسسة محورية في حياة كل قبطي49: يلتحق الصغار بمدارس الأحد، ويُعالج المرضي في المستوصفات الخيرية المسيحية، ويتعلم الأميون في فصول لمحو الأمية تابعة للكنيسة أو للجمعيات الخيرية القبطية. كما أصبحت الكنيسة مجالاً أساسيًّا للتواصل الاجتماعي بين الأقباط، عن طريق الرحلات والأنشطة الاجتماعية. واعتمد نمو دور الكنيسة ونفوذها على مساهمات رجال الأعمال والتبرعات القادمة من أقباط المهجر.

ويلاحظ أن طبيعة العلاقة الحالية بين الكنيسة والعلمانيين هي معكوس ما كان عليه الحال في الفترة الليبرالية. فقد انهزمت دعاوى الإصلاح والتحدي لهيمنة الكنيسة مع هزيمة التجربة الليبرالية السياسية، واستطاع جيل المجددين صياغة علاقة جديدة تقوم على ما يمكن وصفه بوحدة «الشعب القبطي» في مواجهة المجتمع المعادي. لا يعني ذلك أنه لا تحدث خلافات بين العلمانيين ورجال الدين، ولكن حدود الخلاف وطريقة إدارته اختلفا تمامًا عن جو الشفافية السائد قبل 1952.

على الجانب الآخر، اتسع دور المؤسسات الإسلامية في حياة فقراء المسلمين. فقد تضخم نشاط الجمعيات الخيرية الإسلامية، وكذلك النشاط الخيري للإخوان المسلمين، تعويضًِا للفقراء عن الخدمات التي توقفت الدولة عن تقديمها. وفي الوقت نفسه، صعدت جماعات الإسلام الراديكالي في ظل انسداد الأفق الناتج عن إجراءات الليبرالية الجديدة. حيث وجد مئات الآلاف من الشباب أنفسهم بلا أمل في المستقبل في ظل عجز الدولة وآليات السوق عن استيعابهم. فوجد هؤلاء ملاذًا في جماعات العنف، التي اتخذت موقفًا معاديًا للأقباط في القول والممارسة. وفي ظل هذا الظرف، انكفأ كل طرف على ذاته، واختفت حتى علاقات الجيرة التاريخية التي كانت في الماضي تُتخذ مثالاً على الامتزاج والتآخي.

وبصفة عامة، تصاعدت مظاهر التمييز والقهر وتشعبت. فقد اتسم أداء أجهزة الدولة بتمييز طائفي واضح مقارنة بالعقود السابقة. فالطبيعة الاستبدادية للنظام انعكست على الموقف من الأقلية، فتزايد تعنت الأجهزة الأمنية في عرقلة بناء وإصلاح الكنائس، وزاد من التشدد في تطبيق لائحة العزبي باشا. وكي يتم تحسين صورة مصر أمام العالم باعتبارها دولة تحترم الأقليات، أصدر مبارك مرسومًا يخول المحافظين اتخاذ القرار في إصلاح وتوسيع وترميم الكنائس ودور العبادة القائمة. غير أن القرار ظل حبرًا على ورق، حيث استمر تدخل الأجهزة الأمنية في إعاقة هذه العملي. وفيما يخص التمثيل البرلماني، عزف الحزب الوطني عن ترشيح أقباط في الانتخابات، برلمانية كانت أم محلية. حتى أنه في بعض الدورات، مثل دورة 2000، لم يرشح الحزب قبطيًّا واحدًا في انتخابات مجلس الشعب، بينما رشح الحزب يوسف بطرس غالي وحده في انتخابات المجلس في 2005.

وعلى الرغم من هذا التمييز السافر، فقد حرصت دولة مبارك على الظهور أمام الداخل والخارج بصفتها الدولة المتسامحة حامية الأقباط من الإسلاميين، العدو الأساسي للنظام. وفي هذا السياق، قرر مبارك في 2002 أن يكون يوم عيد الميلاد، السابع من يناير، إجازة رسمية50.

لكن الحقيقة هي أن تصاعُد وتيرة الاعتداء على المسيحيين يعد من السمات الرئيسية للمشهد الطائفي لعصر مبارك. ذلك أن تأثير الحركات الإسلامية لم يقتصر على الجانب الفكري. فخلال حرب التسعينات بين الدولة والجماعات الإسلامية الراديكالية التي تمركزت في الصعيد، لقي عشرات الأقباط حتفهم وتعرضت ممتلكاتهم للنهب في مدن عدة، مثل المنيا وأسيوط وسوهاج. وساهم ذلك في موجة نزوح إلى القاهرة51. كما حظيت الجماعات السلفية بانتشار هائل، وجذبت مئات الآلاف من الأتباع في مدن عديدة، أهمها الإسكندرية. وكانت هذه الجماعات قد نشأت في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات مع انهيار المشروع القومي الناصري نتيجة هزيمة 1967 المروّعة52. واستخدم نظام مبارك التيار السلفي بديلاً للإخوان المسلمين وجماعات الإسلام الراديكالي، فالدعوة إلى الالتزام بالشعائر والانغماس في توجيه المسلمين نحو كيفية تغيير سلوكياتهم الشخصية لتتماشى مع «السلف الصالح» لن تضير النظام في شيء، خصوصًا وأن أصحاب هذا التوجه لم يكونوا معنيين بانتقاد ممارسات النظام على المستويين السياسي والاقتصادي.

وكان العداء للأقباط أهم مجالات الدعاية بالنسبة للتيار السلفي، سواء من خلال المساجد التي يسيطرون عليها، أو من خلال قنواتهم، مثل «الرحمة» و»الناس». أما الإخوان المسلمون، القوة السياسية الأكثر نفوذًا خلال العقد السابق على الثورة، فقد كانت علاقتها بالأقباط إشكالية منذ الثلاثينيات. وخلال عصر مبارك، لم تُحدِث الجماعة أي تطور ذي شأن في خطابها يمكن أن يساهم في رأب الصدع مع المسيحيين. ومن المدهش أنه حتى ذلك الوقت، كانت قضايا مثل ولاية المسلم على غير المسلم، لا تزال مثار نقاش من جانب الجماعة.

وفيما يخص الحقوق الخاصة ببناء الكنائس وتولي المناصب، كان الاعتقاد السائد هو أن الأقباط يحصلون على أكثر من حقوقهم بفعل استغلال الكنيسة لضعف النظام في علاقته بأمريكا. في هذا السياق، تكررت الاعتداءات من جانب فقراء المسلمين ضد فقراء الأقباط، لأسباب تتعلق في الأغلب ببناء كنيسة بدون ترخيص أو علاقة حب بين فتاة مسلمة وشاب مسيحي. ففي ظل مشاعر الغضب لدى الجمهور من سياسات الإفقار المصاحبة لليبرالية الجديدة، ليس هناك أسهل من أن ينفّس المقهورون من الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى والمهمشين، الذين تطحنهم كل يوم آلة الليبرالية الجديدة، غضبهم في جيرانهم الأضعف، الذين هم من الطبقة نفسها ويتعرضون للإذلال نفسه، لكنهم يختلفون في الدين. وكانت أحداث الكشح، في سوهاج، في أول يناير 2002، واحدة من أكثر الحوادث المأساوية. حيث تطور خلاف بين تاجر قبطي وزبون مسلم إلى هجمات واسعة أودت بحياة نحو 20 قبطيًّا.

وتشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي ضحايا الاعتداء على الأقباط في عصر مبارك بلغ 157 قتيلاً و811 جريحًا، ونُهبت أموال وممتلكات 1384 فردًا من خلال 324 حادثة، وبلغ عدد دور العبادة المسيحية المضارة  103 دارًا53. وفي ظل الاعتداءات المتكررة، ظهر ما يُعرف بالجلسات العرفية، حيث ترعى أجهزة الأمن جلسات صلح بين الطرفين، تكون بمثابة جلسة إملاءات على الأقباط، يتنازلون فيها عن حقوقهم ويتم عقد صلح، دون أن يُعاقَب الجناة بالطرق القانونية. ولم يكن تسامُح الأمن مع ما يتعرض له الأقباط من اعتداءات مرجعه فقط أن الأمن بتكوينه الحالي جهاز مغرق في الرجعية والتعصب، ولكن أيضًا لأن هذه الأجهزة ترغب في احتواء الأوضاع وتسوية الأزمات في أسرع وقت، فيكون الحل السهل هو الضغط على الطرف الأضعف.

وأضفى الدور البارز الذي قام به المسيحيون المصريون في الخارج مزيدًا من التعقيد على المسألة القبطية. ففي أعقاب الموجة الأولى من هجرة المتعلمين الذي يعانون تمييزًا في الفرص أيام عبد الناصر، شهدت العقود التالية عدة موجات من الهجرة إلى الغرب من الطبقة العليا والشرائح والعليا من الطبقة الوسطى، المتعلمين تعليمًا جيدًا والذين يريدون لأبنائهم أن يحيوا حياة أفضل. لكن الهجرة أيضًا امتدت لتشمل خلفيات طبقية متنوعة54.

وفي أثناء الأزمة بين السادات والبابا نشط دور المسيحيين في الخارج في الدعاية ضد ممارساته تجاه الأقباط، وقاموا بمظاهرة في أثناء زيارته لأمريكا سنة 1977، في أعقابها ابتدع السادات تعبير «أقباط المهجر» في هجومه على هذه الجماعات55 . وخلال السنوات الأخيرة لعهد مبارك، نشط الدور الإعلامي لأقباط المهجر، خصوصًا في أمريكا، في انتقاد وضع الأقباط في مصر، حيث نظموا عشرات الوقفات الاحتجاجية. وفي ظل هذا الدور، أصبح الإسلاميون، وغيرهم كثيرين من المصريين، يرون أن الكنيسة تستخدم صلاتها في الغرب في الضغط على النظام المصري الضعيف، من أجل تعزيز وضع الأقباط.

 وعلى الرغم من التردي الواضح في أوضاع الأقباط في عهد مبارك، ظلت الكنيسة تؤيده حتى اللحظة الأخيرة. وفي أثناء انتخابات 2005، أول انتخابات رئاسية تعددية، أعلن البابا تأييده لمبارك. ذلك أن الكنيسة كانت ترى فيه أفضل الضررين؛ مقارنة بالإسلاميين، البديل الأكثر احتمالاً حال حدوث تغيير. لكن الأهم من ذلك، إنه في ظل طبيعة البابا المحافظة وإصراره على الهيمنة على الأقباط في شؤون الدين والدنيا، فإنه ما كان سيسعد بنمو حركات معارضة قد تؤدي إلى حراك سياسي، يمكن أن يُخرِج المسيحيين من تحت عباءته. ونتيجةً لذلك ظل المسيحيون، بشكل عام، منعزلين عن حركة التغيير الديمقراطي وحركة المطالب الاجتماعية، في الفترة من 2005 وحتى 2011.

الأقباط بعد الثورة

أعلن البابا شنودة في تصريح للتلفزيون الحكومي تأييده لمبارك في أثناء الثورة. كان الشعور الغالب في تلك الفترة هو الخوف من المجهول، على الرغم من أن أعدادًا لا يمكن تقديرها بالضبط من شباب الأقباط خرجت من عباءة الكنيسة وقررت المشاركة في الحدث.

لكن على مستوى آخر فتحت الثورة آفاقًا للعمل العام كانت قد أُغلقت منذ عقود. ففي ظل حالة الحراك السائدة، تراجعت بقوة حالة السلبية وبرز الأقباط كعنصر فاعل في الدفاع عن مطالبهم. وذلك رغم أن المشهد السياسي في الشهور التالية على سقوط مبارك بدا في غير صالح الأقباط. ذلك أنه بعد الإطاحة بمبارك، لجأت الطبقة الحاكمة إلى الاستعانة بالحركة الجماهيرية الأوسع لاحتواء المد الثوري، وحصر حدود التغيير في أضيق نطاق، وهي الاستراتيجية التقليدية للطبقات الحاكمة تجاه الثورات. ومن سوء الحظ، أن كانت هذه القوة هي الإخوان وظهيرهم من السلفيين. وفي أول منعطف، خرج ملايين الأقباط للتصويت بــ«لا» على التعديلات الدستورية التي كان يؤيدها المجلس العسكري والإسلاميون بمختلف أطيافهم. وفي ظل النجاح الساحق لمعسكر «نعم» (نحو 77٪)، انتعشت ثقة الإسلاميين في إمكانية إحراز المزيد من المكاسب.

وقد عادت الأحداث الطائفية إلى الظهور بعد الإطاحة بمبارك مباشرة. حيث تعرضت كنيسة أطفيح بالجيزة إلى هجوم، وقتُل قبطي بعدما تردد عن علاقة سيدة مسلمة برجل مسيحي. وفي أعقاب الحادث، شارك آلاف الأقباط في اعتصام أمام مبنى الإذاعة التليفزيون في ماسبيرو، يؤيدهم شباب الثورة. وطالب المعتصمون بإعادة بناء الكنيسة في موقعها الأصلي، وبتكوين لجنة تقصى الحقائق للتحقيق في الأحداث ومحاسبة المسؤولين عن الاعتداء، ووضع ضمانات لتوفير الحماية للأقباط وضمان عودتهم لمنازلهم، وتفعيل مبدأ المواطنة بين المصريين بما يضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية. لكن أحداث العنف الطائفي ضد الأقباط تكررت. إذ شجع عليها الغياب الأمني وشعور الثقة لدى الإسلاميين، السلفيين خصوصًا. وهكذا هوجمت كنائس في مايو من العام نفسه، وفي سبتمبر هوجم الأقباط في قرية المريناب في أسوان بسبب تحويل «مضيفة» إلى كنيسة. وقتها تظاهر الأقباط واعتصموا أمام ماسبيرو، وتدخل الجيش وقُتل أكثر من 20 قبطيًّا.

وعلى الرغم من أن الثورة فتحت الباب أمام الأقباط للتحرك النشط دفاعًا عن مطالبهم أو اعتراضًا على ممارسات رأوا فيها انتقاصًا من حقوقهم، فقد كانت الكنيسة حريصة على ألا تخرج هذه التحركات عن سيطرتها، ومن ثم فقد كانت حاضرة بقوة في جميع هذه الاحتجاجات. وكان القسس يساهمون بصورة أساسية في تنظيم الاعتصامات. في تلك الفترة، وقعت أحداث كثيرة أثارت الرعب لدى الأقباط. ففي منتصف 2011، اندلعت احتجاجات واسعة في قنا بعدما تَقرر تعيين محافظ قبطي، مما أدى إلى تراجع المجلس العسكري عن قرار تعيينه. وفي غضون ذلك، شارك الإسلاميين في مليونية بالتحرير أُطلق عليها إعلاميًّا «جمعة قندهار»، أكدوا فيها على «الهوية الإسلامية للدولة».

آنذاك بدا المشهد السياسي وكأنه ينقسم إلى معسكرين، المجلس العسكري الحاكم ومعه الإسلاميين في ناحية، والقوى المدنية للثورة والأقباط في ناحية أخرى. ونشأت في تلك الأثناء عدة حركات مستقلة عن الكنيسة تعبر عن حالة التمرد التي أتاحتها الثورة، أهمها اتحاد شباب ماسبيرو. كما ظهرت حركة عُرفت بـ«أقباط 38» تضم المسيحيين المتضررين من عدم سماح الكنيسة لهم بالطلاق إلا لعلة الزنا.

وعلى الرغم من محاولات التحرر من نفوذ الكنيسة، إلا أن هذه المؤسسة ظلت لاعبًا أساسيًّا في توجيه اختيارات الأقباط. ففي الانتخابات البرلمانية في نهاية 2011، اختار الأقباط تحالف «الكتلة المصرية»56،وهو اختيار النخبة المالية والفكرية القبطية. فقد كانت القضية الأساسية لهذا التحالف هي علمانية الدولة، وليس ترجمة الثورة إلى إنجازات اجتماعية وديمقراطية تصب في خانة الأغلبية التي سحقتها سياسات العقود السابقة. وتشير تقديرات إلى أنه غداة الانتصار الساحق للإسلاميين، تقدم نحو 10 آلاف مسيحي بطلب الهجرة للخارج57.

 لكن سرعان ما انتهى شهر العسل القصير بين الإخوان والمجلس العسكري عندما قررت الجماعة التنافس على الرئاسة. فقد بدا آنذاك أن الجماعة خرجت عن إطار المقبول، وأصبحت راغبة في التحول من وضعية القوة الأكبر في الشارع إلى وضعية السلطة الحاكمة، وهو الأمر الذي ما كان يمكن أن تقبله الطبقة الحاكمة بمختلف فروعها، ولا حلفاؤها في الخليج، السعودية والإمارات أساسًا. وبعد انتخاب محمد مرسي لم يصدر عن الإخوان أي بادرة للتقارب مع الأقباط. والأسوأ من ذلك، استمر التحالف الوثيق مع السلفيين، الذين كانوا بالفعل بمثابة ظهير الجماعة الأكثر محافظة ورجعية وعداءً للأقباط، والأبعد عن قوى الثورة58.

وكان الإعلان الدستوري، في نوفمبر 2012، محاولة يائسة من جماعة الإخوان للإمساك بمقاليد الأمور في مواجهة النظام القديم، والمعارضة المتنامية من القوى الأخرى. وكان هذا الإعلان، الذي تم التراجع عنه بعد أيام بسبب قوة المعارضة، منعطفًا أساسيًّا في مستقبل رئاسة مرسي. إذ نُظمت احتجاجات ضخمة، شارك فيها الأقباط بقوة، على خلاف الحال مع يناير 2011، أدت في الشهور التالية إلى إطاحة الجيش بمرسي في منتصف 2013.

 وفي الأعوام الأربع التالية، دفع الأقباط ثمنًا فادحًا لما حدث في مصر والمنطقة. فقد استند الربيع العربي إلى اعتقاد ملايين الشباب في إمكانية التغيير عن طريق الانتفاضات الشعبية. لكن حجم الدمار والفوضى في سوريا وليبيا، وتقويض الديمقراطية والمذابح مروعة في مصر، وقمع ثورة البحرين، أدوا إلى اليأس من إمكانيات التغيير بواسطة الحركة الجماهيرية. فتح ذلك الباب لظهور «تنظيم الدولة الإسلامية»، غير المسبوق في تطرفه، الذي جذب عشرات الآلاف من الشباب المسلم الذي يرى الحل في رفع السلاح للتخلص من كل ميراث الماضي والعودة إلى دولة «الخلافة» الفاضلة. ومع عزل مرسي، تصاعدت بحدة دعاية الإخوان ضد الأقباط، وهو ما يرجع إلى الطبيعة الطائفية الأصيلة للجماعة، إلى جانب الرغبة في خلق حالة من الاستنفار والتعبئة بين الشباب. وفي توقيت مذبحة رابعة، تعرضت عشرات الكنائس للحرق والتدمير في مختلف الأنحاء.

لكن المأساة اتخذت أبعادًا جديدة في ظل حكم عبد الفتاح السيسي. فقد أصبح الأقباط هدفًا أساسيًّا للإرهاب. فذبح مقاتلو تنظيم الدولة 21 قبطيًا في ليبيا، وتعرض أقباط سيناء لهجمات متواصلة أدت إلى ترحيل كثيرين إلى محافظات أخرى. وفي ديسمبر 2016 وأبريل ومايو 2017 أسفرت هجمات على كنائس في القاهرة والإسكندرية وطنطا وعلى أتوبيس للأقباط في المنيا عن مقتل العشرات. وبدا أن الأقباط وقودًا في حرب السيسي وتنظيم الدولة. وفي ظل هذا الحال، أصبحت الهجرة الوسيلة، لمن استطاع إليها سبيلاً، للخروج من هذا الوضع المأساوي.

هوامش

______

1 على سبيل المثال، يتبنى كرياكوس ميخائيل هذه الرؤية فيKyriakos Mikhail, Copts and Moslems Under British Control: A Collection of Facts and a Résumé of Authoritative Opinions on the Coptic Question (London: Smith, Elder & Company, 1911).

2 من أهم رواد هذه المدرسة طارق البشري في كتابه «الأقباط والمسلمون في إطار الجماعة الوطنية»، لكننا نجد هذا الطرح أيضًا في كتابات عديدة، مثل علي ليلة، في فصل بعنوان «دور الأقباط في بناء المجتمع المصري»، في الأقباط في مصر بعد الثورة (الكويت: مركز المسبار، 2012).

3 يناقش هذين المنظورين صامويل تادروس في Samuel Tadros, Motherland Lost: The Egyptian and Coptic Quest for Modernity (California: Stanford press, 2013) وكذلك فيفيان إبراهيم فيVivian Ibrahim, The Copts of Egypt: The Challenges of Modernisation and Identity (I.B. Tauris, 2011.

4 مثلا سعيد عبد الحكيم زيد، نصارى العرب وأقباط مصر، مأخوذ من http://bit.ly/2we8f3r

5 أشار طارق البشري في كتابه «الأقباط والمسلمون في إطار الجماعة الوطنية» إلى كتاب «مصر» لجورج يونج، كما تحدث جاك تاجر في كتابه «وأقباط ومسلمون» عن كتابات مستشرقين فرنسيين وألمان تبنّت هذه الرؤية.

6  انظر  Alex Callinicos, Race and Class, International Socialism, Summer 1992.

7  راجع Alastair Hamilton, The Copts and the West 1439-1822 (London: Oxford-Warburg Studies, 2006).

8 جاك تاجر، أقباط ومسلمون من الفتح العربي إلى عام 1922 ميلادية (القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012).

9 راجع  Tadros, Motherland Lost, pp.33-4.

10  في Hamilton, The Copts and the West, p.27.

11 انظر  Febb Armanios, Coptic Christianity in Ottoman Egypt (London: Oxford University Press, 2011) pp. 4, 16, 18.

12 جاك تاجر، أقباط ومسلمون، ص184.

13 يقدم خالد فهمي في كتابه كل رجال الباشا رؤية متكاملة حول دوافع الإصلاحات التي أدخلها محمد علي.

14 طارق البشري، المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية (بيروت: دار الوحدة، 1982) ص22-23.

15 جاك تاجر، أقباط ومسلمون، نقلاً عن الجبرتي، ص195

16 انظر Tadros, Motherland Lost, p.80.

17 يُقصد بالعلمانيين في الخطاب المسيحي من هم خارج فئة رجال الدين.

18  انظر Tadros, Motherland Lost, p.98.

19 Ibrahim, p.49.

20 Ibrahim, pp. 43-44

21 Ibrahim, p. 45

22 Hbrahim, p.42

23 البشري، ص 78.

24 البشري، ص 83.

25 البشري، ص 89.

26 البشري، ص 43.

27 البشري، ص 109 و123.

28 Ibrahim, p.6

29 وتنقل فيفان إبراهيم عن بيث بارون في كتابها   Egypt as Women أنه تم تزييف بعض الصور القديمة للنساء المشاركات في الثورة بوضع هذا العلم في الخلفية، 60p.

30 Ibrahim, p. 62

31 Tadros, p.144

32 البشري، ص 561.

33 تعرض فيفيان إبراهيم بالتفصيل لنشأة وتطور هذه الجمعيات، 112-117 pp.

34 Ibrahim, p.91

35  Tadros, p.170.

36 أحمد حمروش، قصة ثورة 23 يوليو، الجزء الأول (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر) ، ص215.

37 Ibrahim, pp.159, 162, 166

38 Ibrahim, pp.196.

39 Ibrahim, p.177

40 Ibrahim, p.178

41  انظر Tadros, Motherland Lost, p.196.

42 البشري، ص 644.

43 Tadros, p.169.»

44 Ibrahim, p.167

45  انظر Tadros, Motherland Lost, p.184.

46 Tadros, p.187

47 Tadros, p.188

48 Tadros, p.190

49 Tadros, p.195

50 اللافت أنه لم يقرر أن يكون العيد المسيحي الآخر، عيد القيامة أجازة، فيما يبدو كي لا يُغضب المسلمين، حيث إن الإسلام لا يعترف بالقيامة.

51 Tadros, p.204

52 محمد يسري سلامة، السلفيون والأقباط في مصر، الأقباط في مصر بعد الثورة (الكويت: مركز المسبار للدراسات والبحوث، (2012ص205.

53  عصام عبد الله، مخاوف الأقباط من حقبة الإخوان في مصر، في الأقباط في مصر بعد الثورة، مرجع سابق، ص 185

54 Tadros, p.197

55  طارق العزباوي، الأقباط في المهجر والنشأة والمسار، الأقباط في مصر بعد الثورة، مرجع سابق، ص 281.

56  أشرف عبد العزيز عبد القادر مصر، مخاوف الأقباط بعد صعود الإخوان المسلمين، الأقباط في مصر بعد الثورة، ص 145

57  أشرف عبد العزيز عبد القادر مصر، مخاوف الأقباط بعد صعود الإخوان المسلمين، الأقباط في مصر بعد الثورة، ص 149. 

58 عندما أعلن مرسي استعداده لحضور مراسم تنصيب البابا إذا دُعي إلى ذلك، قامت الكنيسة بدعوته، لكنه عزف عن الاستجابة في خطوة نبعت في الأغلب من رغبته في ألا يثير استياء السلفيين.