رؤى
محمد حسنينتنياهو وسموتريتش.. تحالف أم ابتزاز؟
2025.05.03
مصدر الصورة : آخرون
نتنياهو وسموتريتش.. تحالف أم ابتزاز؟
ربما يجد المتابع للسياسة الإسرائيلية الداخلية صعوبة في فهم العلاقات داخل الائتلاف الحاكم، وبشكل خاص علاقة بنيامين نتنياهو من جانب بكل من بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن جڤير علاقة تعكس ما أسماه أحد المحللين "شذوذ" السياسة الإسرائيلية، تناقض حاد بين الوزن السياسي الواقعي وبين التأثير في اتخاذ القرار، تناقض بين علاقة التحالف السياسي داخل الائتلاف، وعلاقة الابتزاز بين أطرافه.
بدأ سموتريتش مسيرته السياسية، كناشط في حركة يمينية متطرفة تسمى "رجاڤيم" التي عارضت تفكيك المستوطنات، حتى اعتقله الشاباك، حينئذ أدرك أن هناك سبيلًا آخر لتأثير أقوى وأكثر أمنًا، حتى أصبح من أهم أوجه الحكومة الإسرائيلية. بفضل ألاعيب سياسية لتوسيع الائتلاف الحاكم انتقل سموتريتش من "صفر" الاستطلاعات إلى أقوى رجل في الدولة، على حد تعبير المحلل السياسي يوسي ڤرتر في "هآرتس".[1]
تمكن سموتريتش من خلال منصبه المزدوج في وزارتي المالية والدفاع، من تدعيم وجوده السياسي، دفع بمليارات إلى المستوطنات والمؤسسات الحريدية، كما عمل على كبح أي فرصة لوقف الحرب، بل وتسبب في استئنافها بعد الصفقة الأخيرة.
اشتهر سموتريتش بمشاجراته المتعددة مع أهالي المخطوفين، وتصريحاته العلنية عن عدم أهمية استعادة الأسرى من الأساس. أَتبع ذلك بمواجهاته العنيفة ضد رجال الجيش والمنظومة الأمنية، بدرجة أذهلت المعلقين. كان آخر من هاجمهم سموتريتش رئيس الأركان آيال زامير الذي استلم فورًا منصبه، حيث هدده بالإقالة إن لم ينفذ، والمقصود هو أن ينفذ ما تعهد به في تصريحاته الإعلامية، وما فشل فيه سابقه هرتسي هاليڤي، من استئناف الحرب واستكمال الإبادة والطرد.
مَن يحرك مَن؟
نتنياهو ليس أقل سوءًا من سموتريتش، ولا من بن جڤير أيضًا، سواء فيما يتعلق باسترجاع الأسرى أو استمرار الحرب، لكن الواقع يؤكد أنه لطالما تقاعس عن أي محاولة لاسترجاع الأسرى للحفاظ على سموتريتش وبن جڤير في الائتلاف، كما أنه تعمد إفشال الصفقة الأخيرة لاستعادة دعمهم له، أو على الأقل هذا ما يبدو.
هل سموتريتش بهذه القوة؟
يروج سموتريتش لحلم الحكم العسكري لقطاع غزة، والمشروعات الاستيطانية، بعد إبادة وطرد أهلها، وخلافًا لِبِن جڤير، لا تزال كلمة سموتريتش مسموعة في الائتلاف الحاكم.
بينما يرى المحلل يوسي ڤرتر أن تقدم سموتريتش في مسيرته السياسية، وإن كان قد بدا محتملًا قبل الانتخابات الأخيرة، فقد صار خيالًا. لأنه في رأيه، كل مظاهر صعود سموتريتش وتصدره للمشهد، مجرد فقاعة تُضخِّم من قَدر سموتريتش الحقيقي. هذه الحالة تعكس ما أسماه المحلل السياسي يوسي ڤرتر بـ"شذوذ" الشارع السياسي الإسرائيلي.
مقارنة ببن جڤير، مثال الفاشية الغاشمة، قد يبدو سموتريتش أخف وطأة وأكثر أناقة، لكنه يظل جزءًا من اليمين الفاشي، حتى في بعض أجنحة الصهيونية الدينية ينفرون من سموتريتش باعتباره ممثلًا لأكثر الأجنحة تطرفًا، ولأنه يهاجم بفجاجة المنظومة الأمنية، كما يطرحون عوفر ڤينتر الذي له خبرة في ميادين القتال.
سياسة الجنون
عقب السابع من أكتوبر صرح سموتريتش: "لقد فشلنا، أنا أتحمل المسؤولية عمَّا كان وعمَّا سيكون"، لكنه تنكر لتصريحه على طول الخط. ترى صوفي رون-موريا في معاريڤ أن سموتريتش القابع دائمًا في قاع كل الاستطلاعات، يزعم أن الجمهور يعاقبه على عدم قبوله بالصفقة الأولى في نهاية 2023 -باعتباره موقفًا وطنيًّا من وجهة نظره- وبعد أكثر من عام تراجع نتنياهو عن استكمال الصفقة الجديدة خشية خروج بن جڤير وسموتريتش من الائتلاف.[2]
لسنوات ظل سموتريتش يحرض المتدينين على التهرب من التجنيد بحجة وجود نساء في الجيش. وما زال يتمسك بتحريضه. 19 ألف أمر تجنيد خلال فترة الحرب لم يستجِب منهم غير 300 متدين.[3] في الوقت الذي يحرض على استمرار الحرب وتصعيدها، بالإبادة والترحيل، وتدشين مرحلة استيطانية جديدة.
تثير مواقف سموتريتش، بل وقدرته على فرض آرائه تساؤلات عن العلاقة بين الساسة والعسكريين. في 22 إبريل الماضي وبَّخ سموتريتش رئيس الأركان الجديد واتهمه بالتسويف والمماطلة في تحقيق المهمة، وهي احتلال غزة وإخضاعها للحكم العسكري، وبغض النظر عن رد فعل رئيس الأركان، فإنه بالتأكيد أدرك أنه أوقع نفسه في فخ حين وعد بالقضاء على حماس، متجاهلًا حقيقة أن الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى إعادة بناء وإعادة هيكلة، بسبب ما فقده خلال سنة ونصف من الحرب، وبسبب تقلص القوات البرية خلال العقدين الماضيين إلى ثلث حجمها تقريبًا، واعتماد الجيش أكثر على سلاح الجو.
يرى المحلل يتسحاك بريك (معاريڤ) أن سموتريتش تجاسر على إهانة زامير، والخطأ من البداية هو إقدام رئيس الأركان الجديد على التصريح بوعود يدرك جيدًا أنه لن يستطيع تحقيقها، فقط لينظر إليه الجميع بأنه رئيس أركان هجومي، على عكس سلفه، الذي لم يُشبِع طموحات الائتلاف، في "حسم" الحرب.[4] في حين لا يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي الصمود أكثر، وكل ذلك من أجل استمرار الائتلاف الحالي في السلطة.
نتنياهو في مأزق جديد
يواجه نتنياهو صراعات متعددة في نفس الوقت، تروِّج آلته الإعلاميه أنها حرب ضد "الدولة العميقة"، التي أفردت لها مقالتين على موقع المرايا.[5] وفي الواقع تضيق الحلقة حوله، رغم ممارسته كل وسائل المراوغة، وانهارت شعبيته إلى أدنى مستوى، ولا مجال للحديث عن رصيد مصداقية لدى جمهوره.
أظهرت نتائج الاستطلاعات التي يجريها معهد آجام بالجامعة العبرية بالقدس، التي يتعلق أحدها بالخلاف بين رونين بار وبنيامين نتنياهو، يصدِّق 55% بار مقابل 25% لنتنياهو. 50% يرون أن على نتنياهو الاستقالة فورًا، بينما 62% يرون أن رئيس الشاباك يجب أن يستمر في منصبه.[6]
يقول المحلل السياسي الأشهر، في صحيفة معاريڤ "بن كسپيت" إن "نتنياهو يكذب" بينما يحارب رئيس الشاباك رونين بار، من أجل وجود المؤسسة التي ينتمي إليها.[7] يعلق لواء احتياط نوعم تيبون بأن معظم الجمهور يصدق رونين بار ولا يصدق نتنياهو. وهو يرى أن رئيس الحكومة مسؤول عن التقصير في مواجهة السابع من أكتوبر كما أنه مسؤول عن سوء إدارة الحرب وطول أمدها، وعن التداخل السياسي العسكري الذي حدث، والصدامات وتبادل الاتهامات.[8] ومن ناحية أخرى، وفي ظل التناقضات بين تصريحات نتنياهو وتصريحات رونين بار، شككت حركة جودة السلطة في وجود نوايا مسبقة للتلاعب، منتقدة عدم نشر الوثائق المتعلقة بالتحقيقات،[9] كما تصاعدت أصوات تطالب بتقديم نتنياهو إلى المحاكمة.[10]
انتقال الأزمة إلى الداخل
أدت الضغوط إلى زعزعة في قلب معقل نتنياهو، حين اندلعت الصدامات بين مستشاريه خلال تحقيقات الشرطة. تحقق الشرطة في قضية الوثائق السرية، التي تسربت إلى صحيفة بيلد الألمانية، واستدعت العاملين في مكتب بنيامين نتنياهو.[11]
وقد وصف أحد المستشارين، وهو إيلي پلدشتاين بقية مستشاري رئيس الحكومة بـ"شلة الكاذبين" الذين يتنكرون له رغم أنه كان ينفذ التعليمات، بينما يوناثان أورليخ وهو أقرب المستشارين لنتنياهو قد اجهش بالبكاء.
حرب شعواء
يطلق نتنياهو مؤيديه لمهاجمة خصومه، هجومًا لا هوادة فيه. فبينما تدور المعركة السياسية حول عدم قانونية إقالة رئيس الشاباك، يهاجم عضو الكنيست موشيه سعدة (الليكود) المؤسسة القضائية ويطالب بإقالة المستشارة القانونية للحكومة.[12] كما تحدث عضو الكنيست عاميت هاليڤي (الليكود) مع إذاعة 103FM حيث هاجم رئيس الشاباك رونين بار واتهم قادة المنظومة العسكرية بالمسؤولية عن السابع من أكتوبر.
ما يمارسه أعضاء الليكود هو نتيجة لتحولات الحزب نفسه، الذي لم يكن يساريًّا بالطبع، إلا أنه كان على الأقل يدَّعي الليبرالية. يقول بروفيسور آساف ميداني، أستاذ السياسة والقانون، إن الحكومة التي تصف نفسها نظريًّا بالليبرالية، تقف على الأقل منذ 2019 في مواجهة مباشرة مع المنظومة القضائية بسبب تقديم أول لائحة اتهام ضد نتنياهو. وقد دفع نتنياهو بالليكود في الاتجاه المعاكس لتوجهها الليبرالي الأصلي، منذ عهد مناحم بجين.[13]
تحالف أم ابتزاز؟
نعود مرة أخرى إلى السؤال الأول، عن طبيعة العلاقة داخل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وبتسلئيل سموتريتش، وكذا إيتمار بن جڤير، هل هو تحالف أم أنها علاقة ابتزاز. بالرغم من أن سموتريتش وبن جڤير نجحا طوال سنة ونصف من الحرب من فرض كلمتهم على الحكومة، وعقب صفقة وقف الحرب استطاعا الضغط من جديد لعرقلة الصفقة، فإن هناك وجهًا آخر للمسألة، ألا وهو استغلال نتنياهو لهذه الحالة ليخرج رابحًا في جميع الأحوال، فيظهر في صورة رجل الدولة الذي لا يقف في طريق أي صفقة تعيد المختطفين، وتنهي الحرب، وفي الوقت نفسه يمكنه استئناف حرب الإبادة حتى النهاية، وكأنه يخضع لرأي الائتلاف. وفي جميع الأحوال هدفه الوحيد هو الاستمرار في الحكم.
وعلى الناحية الأخرى، يصعد سموتريتش ويقترب، دون مبالغة، نحو منصب رئيس الحكومة، فعلى الرغم من الرأي القائل إنه مجرد فقاعة، وهو رأي لا يجانب المنطق الصائب، ولكن في الوقت نفسه حالة "الشذوذ" الإسرائيلية لا تمنع مَن يرسب في الاستطلاعات مِن أن ينجح في الصناديق، سموتريتش ليس أول من يفعل ذلك، فعلها طوال الوقت بنيامين نتنياهو. وهكذا تظل العلاقة بينهما علاقة تطفل متبادلة، كل منهما لصيق بالآخر، لا يستغني عنه، وإن كان لا يمانع من أن يأتي عليه إن استطاع.
استقطاب يطرح فرصًا
ختامًا، بالرغم من حالة الاستقطاب، التي تمثل تهديدًا للمجتمع الإسرائيلي، على حد تعبير المراسلة السياسية لصحيفة معاريڤ آنا برسكي.[14] فإنها في الوقت نفسه تطرح فرصًا غير مسبوقة. فبعد ما يقرب من خمسين عامًا، ربما تكون الفرصة لخروج الليكود والأحزاب الدينية من مقاعد الحكومة إلى مقاعد المعارضة.[15] لكنها لن تقضي على محاولات نتنياهو للولوج بأي شكل في أي حكومة، وقد فعلها من قبل خلال فترة الحكومة التبادلية، بالتلاعب وعرض الشراكات مع أطراف مختلفة في الوقت نفسه.[16]
[1] - يوسي ڤرتر هآرتس 25/4/2025 https://2u.pw/GsgDi
[2] - صوفي رون-ميرون معاريڤ 26/4/2025 https://2u.pw/9Hg5C
[3] - -ليليخ سيجان، معاريڤ 26/4/2025 https://2u.pw/yLIHd
[4] -يتسحاك بريك معاريڤ 27/4/2025 https://2u.pw/pSolh
[5] - نتنياهو والدولة العميقة، ج1: https://2u.pw/7493E
- نتنياهو والدولة العميقة، ج2: https://2u.pw/zqPEq
[6] - https://2u.pw/rlKUl
[7] - بن كسپيت، معاريڤ https://2u.pw/YCFPG
[8] - معاريڤ 28/4/2025 https://2u.pw/SfcxA
[9] --أفراهام بلوخ معاريڤ 27/4/2025 https://2u.pw/OA4zt
[10] - يديعوت 27/4/2025 https://2u.pw/XNejb
[11] - 21/4/2025 https://2u.pw/oWUnU
[12] - معاريڤ 28/4/2025 https://2u.pw/k0tOn
[13] --آساف ميداني ، يديعوت https://2u.pw/vlWGw
[14] - آنا بريسكي، معاريڤ https://2u.pw/Ux6Au
[15] - شموئيل حرليف، يديعوت، https://2u.pw/PipYE
[16] - بن كسپيت، معاريڤ 27/4/2025 https://2u.pw/4Ph8d
ترشيحاتنا
