ذخائر
أنور كاملهذا المجتمع!!
2018.01.01
تصوير آخرون
هذا المجتمع!!
ولد أنور كامل عام 1913، وبدأ نشاطه في الحركة السياسية والثقافية في مصر في أوائل الثلاثينيات. شارك في تأسيس جماعة «الفن والحرية» في بداية عام 1939. وأصدرت الجماعة في يناير 1940 العدد الأول من مجلة «التطور»، لتكون لسان حالها، واختير كامل رئيسًا لتحريرها. وكان شعار المجلة «التطور الدائم والتغير المستمر» معبرًا عن القيم التي تبنتها المجلة والتي أعلنتها في إحدى الافتتاحيات في بدايات إصدارها قائلة «هذه المجلة تحارب الروح الرجعية وتحمي حقوق الفرد وتؤكد على حق المرأة في أن تعيش حرة. هذه المجلة تناضل من أجل الفن الحديث والفكر الحر».
وفي عام 1941 شارك كامل مع آخرين من بينهم كامل التلمساني وجورج حنين ورمسيس يونان في تأسيس جماعة «الخبز والحرية».
ونشر كامل مجموعة من الإصدارات من أهمها «الكتاب المنبوذ» وهو كتاب يدافع فيه عن حقوق المرأة والحريات، و«أفيون الشعوب» (1948) وثلاثة كراسات، وهي: «مشاكل العمال في مصر» و«الصهيونية» (1944) و«لا طبقات» (1945) الذي ينتقد فيه الإصلاحية العربية ويدعو إلى ثورة اشتراكية تلغي المجتمع الطبقي. كما اشتهر عنه مواقفه المعادية للامبريالية والرجعية المصرية.
ما يطرحه كامل من أفكار في هذا المقال حول المجتمع المأزوم بين واقع صعب وغير إنساني ومستقبل يصارع ليولد مازال منطبقًا على مجتمعنا اليوم. لم تنتصر الإنسانية في صراعها مع كل ما هو رجعي ومُستغِل وإن كانت الإمكانية -مثلما كان الحال وقت كتابة هذا المقال- موجودة اليوم للانتصار في هذه المعركة من أجل مجتمع إنساني أفضل.
هذا المجتمع!![1]
لم يكن المجتمع فى عصر ما - فى مثل حاجته اليوم إلى الإنصات إلى الإذاعات غير المنظورة التي تخفق بها الأجواء العميقة من القلب... إلى الإنصات إلى الرسالات الهامسة المنبعثة من مكامن النفس - من الأغوار البعيدة القريبة- وتلاقي ألف عقبة وعقبة لتصل إلى عالم الوعي.. إلى الإنصات إلى الصوت الموحي الدافئ المتفجر من الينابيع الحارة الأولية. ينابيع الحياة.. وصوت الفن.
إننا نعيش فى عصر إما أن يكون على شفا هاوية.. وإما أن يكون على أبواب عالم جديد.. جديد، نحتاج معه إلى ولادة جديدة، إلى الرجوع إلى الجذور والبذور، إلى الدوافع والحوافز الكامنة. إلى القوى الأصيلة. إلى اللهب المقدس الذى اغتصبه بروميتوس، من الآلهة وأودعه في كل قلب...
عصر مضطرب، قلق، مفجع... أفنشهد نحن النهاية الدامية -الفصل الأخير- لقصة لا مغزى لها - هى قصة تاريخ الإنسان... أم أنها البداية الدامية المريرة التى لا مفر من أن تمتحن كل وليد؟ كل شيء في أمر هذا الوليد يعتمد على ما في الجذور من قوة وذخر.. على ما في اللهب المقدس من حرارة... على ما فينا من شهوة الحياة.
بين المجتمع الحاضر المريض والجنين الذي يرتكض صراع.... قوتان متعارضتان تتنازعان الوجود.... وقوة ظاهرة تأمرنا بإيصاد النوافذ، وخمد الأنوار، والتحجب بالأقنعة، والفرار إلى الأماكن الآمنة... وقوة باطنة ثائرة تدفعنا إلى فتح نوافذ جديدة، وإشعال الأنوار الحمراء، وارتياد المجاهل الخطرة، والتجرد من الأقنعة..
***
الجو محمل بالأكاذيب الضخمة تذيعها الأبواق في كل ميدان وفي كل بيت..
دكتاتورية السندات والأسهم تحتفل بعيدها المئوي...
يقررون مصير الناس في جلسات سرية. صلة الإنسان بالإنسان عملة للتجارة.. العواطف لا تصرف إلا بإذن رسمي.. الشعر في منزلة المهربات.
***
إن صوت الفن فى المجتمع الحاضر -الفن الصادق الرسالة- لا يمكن أن يكون إلا قوة إيجابية دافعة... قوة تخترق الجدران وتفتح النوافذ... تشعل المواقد في كل مكان وترتاد أخطر المجاهل.. تمزق الأقنعة، وتغير على الحدود.. كل الحدود..
أنور كامل