نصوص ووثائق
قوت القلوب الدمرداشيةوثيقة رحلة قوت القلوب الدمرداشية إلى جنوب أفريقيا
2024.03.16
مصدر الصورة : ويكيبديا
وثيقة رحلة قوت القلوب الدمرداشية إلى جنوب أفريقيا
وثائق عابدين
الهيئة المصرية العامة للكتاب
دار الوثائق القومية
محفظة 131\ كود أرشيفي 002703-0069
الموضوع: تقرير مقدم من السيدة قوت القلوب الدمرداشية، إلى الدكتور محمد عبد العزيز بدر بك، مدير الإدارة العربية لديوان جلالة الملك، عن رحلتها إلى جنوب أفريقيا من 15\2 إلى 15\4\1947.
إلى حضرة صاحب العزة الدكتور محمد عبد العزيز بدر بك، مدير الإدارة العربية لديوان جلالة الملك، هذا التقرير مقدَّم من السيدة قوت القلوب الدمرداشية، عن رحلتها إلى جنوب أفريقيا في المدة من 15 فبراير عام 1947 إلى 15 إبريل 1947.
تمهيد:
كان سفرنا بالطائرة، فلم يَضِع الوقت سدًى في الانتقال، بل قضينا معظم الوقت المخصص للرحلة في جنوب أفريقيا، وزرنا من بلادها المهمة "جوهانسبرح وبروتوريا و دربان وإست لندن وبورت إليزابيث وكيب تاون"، ورجال هذه البلاد الرسميون في المجالات التجارية والصناعية والمنشآت وشركات البلاد الكبرى. وقابلنا من الشخصيات البارزة رئيس الوزراء، ووزراء الزراعة والاقتصاد القومي والخارجية، ووكيل الشؤون التجارية، ووكيل وزارة الخارجية، ووكيل وزارة الزراعة، وأمسكنا بفضل المساعدات التي قدمت إلينا الوقوف على أحوال هذه البلاد من الناحية الاقتصادية، ورأينا رضا على عزتكم في هذا التقرير، لعل منها فائدة تعود على البلاد.
أولاً: المساحة والسكان:
إذا نظرنا إلى خريطة أفريقيا فسنجد أن مصر في أقصى شمالها، واتحاد جنوب أفريقيا في الجنوب هما أهم بلاد هذه القارة، وسنجعل أساس بحثنا في هذا التقرير المقارنة بين هاتين الدولتين.
تبلغ مساحة اتحاد جنوب أفريقيا 1,224000 كم2، بينما مساحة القطر المصري تبلغ المليون متر مربع؛ إذ إن المسكون من هذه المساحة لا يزيد على 35168 كم2، وبالنسبة لعدد السكان في جنوب أفريقيا يقطنها حوالي 11,500000 نسمة، منهم 8,600000 من الوطنيين السود، و270000 آسيويون، و2,500000 أوروبي، وفي مصر بلغ عدد السكان أخيرًا 19,280000.
أما عن كثافة السكان؛ ففي جنوب أفريقيا لا تزيد هذه الكثافة عن 9,4 من الكيلو متر المربع، بينما في مصر قد زادت هذه الكثافة عن 543 في الكيلو متر المربع في المساحة المسكونة. من هذا يتضح أن تلك البلاد ذات المساحة العظيمة لا يستثمرها إلا عدد ضئيل من السكان، وأن في قدرتها من الناحية الاقتصادية والمعيشية أن تستوعب عن طريق الهجرة ملايين عديدة خصوصًا وهذه المساحة معظمها بل كلها قابل للاستثمار.
ثانياً: الزراعة والمحاصيل الزراعية:
وتبلغ مساحة الأراضي المنزرعة في اتحاد جنوب أفريقيا حوالي 19 مليون فدان، بينما أنها في مصر لا تزيد عن 6 ملايين فدان. ونظرًا لقلة الأيدي العاملة في تلك البلاد، وبسبب قلة السكان، فإن ثمن الفدان حوالي 25 جنيهًا، وإذا أحسن استغلاله ينتج في السنة ضعف ثمنه.
وتهتم الحكومة جديًّا بالزراعة في تلك البلاد، ومساعدة الزُّراع وإرشادهم، وتضحي في سبيل ذلك بمبالغ طائلة، وفي سبيل هذا أنشأت كثيرًا من محطات للتجارب الزراعية زودتها بالخبراء، وقد ساعد هذا جميعه على وفرة المحاصيل الزراعية وجودتها رغم اعتماد الأراضي الزراعية هناك على مياه الأمطار دون غيرها.
ولا يفوتنا في هذا التقرير أن ننوه بأن تلك البلاد تقع جنوب خط الاستواء، بينما مصر شمال خط الاستواء، وتختلف الفصول تبعًا لاختلاف الموقع الجغرافي، ولها أهمية من ناحية أنه يمكن في الأحوال التي يستحيل على مصر فيها بسبب تغير الفصول الحصول على محاصيل زراعية بعينها من تلك البلاد.
ومن الجدول الآتي يمكن معرفة ما تشغله أراضي تلك البلاد من المحاصيل الزراعية، ومقارنته بما تشغله مصر، من هذه المقارنة يمكن الخروج بنتائج محققة ومفيدة إذا أردنا إنشاء علاقات تجارية بيننا وبين تلك البلاد.
المحصول الزراعي |
كمية في ج.أفريقيا مقدرة بالطن في العام |
كمية في مصر مقدرة بالطن في العام |
سكر |
480000 طن، ثالث بلد منتجة في أفريقيا، وعاشر بلد في العالم. |
200000 طن، الدولة السابعة عشرة في العالم من إنتاج السكر. |
قمح |
50000 طن |
1,500000 طن |
ذرة |
2,100000 طن. |
1,500000 طن. |
بطاطس |
ما تنتجه هذه البلاد يزيد قليلًا عن مصر. |
ما تنتجه هذه البلاد يقل قليلًا من جنوب أفريقيا. |
دخان |
37000 طن سادس بلد منتجة في العالم. |
لا شيء، ولا يمكن استيراد أي كمية من هذه البلاد. |
أرز |
لا شيء. |
700000 طن، ويمكن تصدير كميات وافرة إليها. |
والقطن في تلك البلاد غير موجود، ولهذا أهميته الكبرى من ناحية حاجة البلاد هناك إلى الزيوت والأقمشة القطنية.
أما عن الفاكهة: فهى محصول من المحاصيل الأساسية، وتشجع الحكومة زراعتها بكافة الطرق؛ لتضمن إنتاج كميات وافرة وجيدة منها.
وهناك هيئة تسمى Decidion Fruit Board تقوم باستلام المحاصيل المطابقة للمواصفات بعد تموين الزُّراع بالصناديق والعلامات التجارية؛ حتى يمكن تمييز البضاعة جيدًا كميةً ونوعًا، وهي التي تتولى بعد ذلك لحساب هؤلاء الزراع هذه المحاصيل.
وتُعنَى الحكومة جيدًا بالعنب، وتستهلك البلاد منه 450000 طن في صناعة النبيذ تحت إشراف هيئة تسمى Cooperative wine Growers Association و40000 طن للتجفيف تحت إشراف هيئة أخرى تُدْعى Dried Fruit Board هذا بخلاف 45000 طن من العنب الطازج للاستهلاك الداخلي والتصدير في بواخر مجهزة بالثلاجات، ويبلغ ما تنتجه البلاد من البرقوق 67000 طن، ومن الخوخ والنكتارين 2500 طن، ومن الكمثرى من 16 ألف إلى 18 ألف طن، ومن التفاح 22000 طن، أما المشمش فتنتج البلاد منه 15000 طن، منها 10000 طن لحفظها داخل علب، و4500 طن للتجفيف، و500 طن للأكل. وموسم جني الفاكهة يقع هناك في المدة بين ديسمبر ومارس من كل عام، وهو الموسم الذي لا توجد فيه عندنا في مصر فواكه من نفس النوع.
ثالثًا: الثروة الحيوانية:
الصوف من المحاصيل الأساسية؛ فهي تحصل منه على 130000 طن في العام من الصنف الخام، ومعظمه من النوع المعروف بالـ Merinos إلا أن الصوف الذي ينتجه البِيض من الأوروبيين المستوطنين والأخير يمتاز بنقاوته ونعومته ومعظمه من درجة 64 إلى 70، ويعتبر اتحاد جنوب أفريقيا أول البلاد المنتجة للصوف بعد أستراليا والأرجنتين وأمريكا ونيوزيلاندا، ويمكن للحكومة المصرية أن تعطي هذه المسألة عناية فائقة بالسعي لاستيراد الصوف من هذه البلاد، فبهذا تساعد على حل الأزمة الكبيرة الناشئة عن قلة الوارد من الأصواف من إنجلترا وغيرها من البلدان، والمصنوع من الجبنة قليل، ويمكن أن تساهم مصر في تصدير الجبن إلى هذه البلاد، والجلود متوفرة جدًّا إلا أن الحكومة تصرِّح بتصدير الخام غير المدبوغ منها، أما المدبوغ منها فتمنع الحكومة تصديره؛ لتشجيع صناعة الأحذية التي تطورت تطورًا غظيمًا نحو التقدم في السنوات الأخيرة، أما المواشي فأهمها البقر والأغنام، فمن الأغنام هناك Merinos ومن البقر Friesland وال Redhorn ويمكن أن تستورد مصر بعض هذه الفصائل الأصلية لتحسين نسل المواشي منها وعلى الأخص أغنام ال Merinos والتي شاهدناها هناك في إحدى محطات التجارب، فدهشنا عندما علمنا أن الرأس الواحد من الغنم يزن حوالي قتطارين من اللحم فضلًا عما يمكن الحصول عليه من الصوف الجيد منها بعد الذبح.
رابعًا: المعادن:
وإذا تكلمنا عن المعادن في تلك البلاد فيتجه إلى انتاج الذهب الذي ينتج منه في السنة حوالي 385000كجم صافٍ، فهي أول بلاد العالم إنتاجًا، والحكومة هناك بموجب الاتفاق بينها وبين إنجلترا لا تسمح بتصدير الذهب إلى أي بلد من بلاد العالم سوى أمريكا وإنجلترا، ولكن علمنا أنه يجوز بالمفاوضات الدبلوماسية الحصول على كميات من الذهب نظير تموين هذه البلاد من بعض المحاصيل التي تفتقر إليها وينعدم وجودها فيها.
ويأتي بعد الذهب معدن الكروم، ويمكن أن يصل ما تنتجه هذه البلاد على ما تنتجه روديسيا الجنوبية، وتنتج جنوب أفريقيا حوالي 100000 طن باعتبارها أولى بلاد العالم إنتاجًا لهذا المعدن المفيد، وروديسيا الجنوبية حوالي 80000 طن، والحديد من المعادن الأساسية التي تنتجها هذه البلاد؛ فهي أولى البلاد في أفريقيا إنتاجًا – فبالنسبة للحديد الزهر تنتج حوالي 500000 طن، ومن الحديد الصلب تنتج 330000 طن، أما الحديد الخام فتنتج منه حوالي 450000 طن، وتنتج البلاد من النحاس 25000 طن من النوع الخام، و23000 طن من النوع المصنوع، ولا ننسى روديسيا؛ فهي أول البلاد إنتاجًا للنحاس في أفريقيا، ويبلغ محصولها منه 300000 طن.
ومن المنجنيز تعتبر ثاني البلاد المنتجة في أفريقيا بعد ساحل الذهب، ورابع بلاد العالم، وكانت تنتج منه 270000 طن قبل الحرب العالمية الثانية في عام 1937، أما الآن فإنها تنتج منه حوالي 100000 طن، أما الرصاص والزنك والصفيح فهي موجودة ولكن بكميات قليلة، وينعدم هناك وجود البترول والفوسفات الموجود بكميات وافرة لدينا يمكن تصدير بعضها إلى هذه البلاد، أما الأسمنت فتنتج منه البلاد هناك حوالي 950000 طن، وهو لا يكفي للاستهلاك المحلي. والفحم موجود بكثرة، وتعتبر البلاد في إنتاجه الأولى في أفريقيا والسادسة في العالم، ويبلغ المستخرَج من المناجم هناك حوالي 21 مليون طن، ولهذا أهمية بالنسبة لمصر التي تحتاج إلى هذه المادة من الوقود.
خامسًا: الصناعة:
يمكن القول بأن الصناعة في تلك البلاد ما زالت ناشئة لم يتم لها النمو والانتشار بعد، والاهتمام موجه هناك إلى الصناعات الزراعية وصناعة المحفوظات والحلوى، وقد تقدمت هذه الصناعة الأخيرة تقدمًا كبيرًا، والحكومة تشدد من ناحية توفر الاشتراطات الصعبة في المصنع والمصنوع علاوة على جودة الصنف.
ومما ساعد على تقدم الصناعات سالفة الذكر رخص المواد الأولية وتوفرها خصوصًا بالنسبة للسكر الذي بلغ ثمن الطن منه 25 جنيهًا. والفواكه هناك ممتازة ومتوفرة، وتستورد البلاد حاجتها من الصفيح اللازم لصناعة المحفوظات والمجففات من الولايات المتحدة؛ نظرًا إلى عدم وجود قيود مفروضة على التصدير والاستيراد بين هاتين الدولتين. وقد أثر وقوف الحرب على بعض الصناعات وأهمها صناعة تجفيف الخضر، التي يمكن القول الآن: إنها في سبيلها إلى الزوال.
ولصناعة المشروبات الروحية أهميتها، خصوصًا صناعة النبيذ التي تلاقي رواجًا كبيرًا في ولاية الكيب تاون مدنًا وضواحيَ، أما صناعة الصوف فإنها في هذه البلاد تمر على مراحل: مرحلة التنظيف وتقوم به مغاسل خاصة، ومرحلة الغزل ويقوم به مصنع مهم تحت التأسيس أنشأه حاليًّا المسيو بوليه الفرنسي المقيم في مصر، وهذا المصنع على وشك الإنتاج في القريب العاجل، وهناك مصانع كبيرة للبطاطين تنتج أنواعًا صالحة للاستعمال بالنسبة للوطنيين، وأنواعًا أخرى ممتازة Super Merinos Blanket يستعمل الأوروبيون بعضها، ويصدَّر البعض الآخر، وتتركز هذه الصناعة الأخيرة في مدينة دربان.
وصناعة الجلود من الصناعات الناجحة؛ نظرًا لتوفر مواد الدباغة، وتنتج المصانع آلافًا من الأحذية لا تكفي حاجات التجار والصناع، ولا يزال المجال متسعًا أمام هذه الصناعة لتلقى ما تستحق من نجاح وانتشار.
وبمناسبة الكلام عن صناعة الجلود لا يفوتنا أن نذكر أن الصناعات الكيماوية هناك بلغت مستوًى كبيرًا من النجاح، وتقوم المصانع بصنع الأصباغ ومواد الدباغة والطلاء والأدوية ومواد التجميل والنظافة والذخيرة.
صناعة الماس: بلغ ما استُخرِج من الماس الخام سنة 1928 حوالي 5 ملايين قيراط بالنسبة للإنتاج العالمي البالغ 8 ملايين، أما الآن فقد هبط الإنتاج إلى العشر؛ أي: نصف ميلون قيراط فقط. وتقوم بصناعة الماس هناك شركات كبيرة أهمها De-Beers Trust التي تملك مناجم كمبرلي أهم وأكبر مناجم الماس في العالم، ويرأسها أوبنهايمر أعظم رجل أعمال في اتحاد جنوب أفريقيا، وقد بلغ نشاطه إلى حد إدارته لمئات من أعظم شركات المناجم وشركات الصناعة هناك.
ويقوم بقطع الماس وصقله رجال فنيون من المهاجرين الذين استوطنوا تلك البلاد، ورغم توفر الماس فإنه نظرًا لقلة العمال الفنيين الجيدين بالقطع والصقل يصعب جدًّا سد حاجة الأسواق العالمية من الماس المصنوع؛ ولذلك يصدَّر معظمه خامًا، ويمكن لمصر أن تستفيد من هذا باستيراده وقطعه وصقله وإعادة تصديره إلى بلاد جنوب أفريقيا وغيرها من بلاد العالم كما هو الحال في أسواق أمستردام وإنفرس ولندن وأخيرًا فلسطين.
صناعة الذهب: لم يجعل لهذه البلاد شهرتها العالمية، ولم ينقلها من حالة البداوة والفطرة إلى حالة الحضارة إلا اكتشاف الذهب بها، فيكفي العثور على منجم حتى تنشأ حوله وبسرعة مدهشة مدينة كاملة بمنشآتها ومبانيها وشوارعها وميادينها، ولو كان هذا المنجم في قلب الصحراء! وأهم المناجم هناك هى تلك الموجودة في الترنسفال وأورانج الحرة. والذهب الذي يُستخرَج من المناجم يحوَّل إلى سبائك تسلَّم إلى الـ Mint وهي إدارة تابعة لوزارة المالية، تتسلَّم الذهب والمعادن الثمينة وتتولى اختبارها وتنقيتها ودمغها لحساب الحكومة والأفراد.
ولا يُسمَح لمشتري الذهب إلا للصياغ المرخَّص لهم بمزاولة صناعته، ولكن مع الأسف لا يوجد هناك من العمال الفنيين في صناعة المصوغات ما يكفي لسد حاجة البلاد، فتضطر الحكومة لهذا السبب إلى أن تصرح باستيراد المصوغات من إنجلترا وأمريكا وسويسرا وفرنسا وغيرها من البلدان. وصناعة المباني هناك تقوم بها شركات المباني Building societies التي تقدم لأصحاب الأراضي الفضاء المال بفائدة 4% تشجيعًا لهم على البناء؛ مما ساعد على انتشار العمران.
سادسًا: التجارة:
يمتاز اتحاد جنوب أفريقيا بنظامه المصرفي؛ بمعنى: أن المصارف هناك تقوم بأعمالها نيابة عن وزارة المالية فيما يختص بتسلُّم وتسليم الذهب ومراقبة النقد، فضلًا عن أعمالها العادية باعتبارها مصارف تجارية مساعدة للبنك المركزي South African Reserve Bank فإنه يقوم بعملية إصدار العملة والمقاصة للبنوك الأخرى والحكومة والشركات المهمة، ويقبل الودائع المالية لها أيضًا ومقره بريتوريا، وله فروع في بعض المدن المهمة.
وقد بلغ ما أصدره هذا البنك من العملة الورقية في أواخر عام 1946 - 1965 مليون جنيه، وما هو موجود بخزانته من الذهب 236 مليون جنيه، وما قام بخصمه من الكمبيالات حوالي 19 مليون جنيه، والأوراق المالية الأخرى حوالي 12 مليون جنيه، وما أودعته الحكومة في خزانته حوالي 28 مليون جنيه، والبنوك حوالي 162 مليون جنيه، وبعض الشركات 11 مليون جنيه، ونسبة الذهب الموجود في خزائن هذا البنك المركزي إلى جملة خصوم البنك تبلغ حوالي 90%، وهذه ميزة لا توجد في أي بلد آخر من بلاد العالم، وأهم البنوك بعد البنك المركزي Barclays Bank and Stander Bank of South Africa ولكل منهما فروعه في معظم المدن المهمة، وتقوم بأعمال البنوك العادية. ولقد أنشأ الهولنديون المستوطنون هناك أخيرًا وهم الـ Settlers مصرفًا لهم نظرًا لاتِّساع أعمالهم التجارية ومساهمتهم في كثير من الأعمال الزراعية والصناعية.
وأخيرًا وافقت الحكومة على أن ينشئ اليونانيون فروعًا لبنكهم المشهور المسمى: بنك أثينا، بعد أن توطدت أقدامهم هناك، وزاد نشاطهم التجاري، ونمت ثرواتهم، وتدخلوا في كثير من الأعمال التجارية.
سابعًا: التجارة الداخلية:
نصيب الإنجليز في التجارة الداخلية في اتحاد جنوب أفريقيا يشمل فضلًا عن المصارف الاتجار في الماس والمعادن النفيسة، وإدارة الفنادق والسينمات والمحلات الكبيرة المخصصة لبيع البضائع على اختلاف أنواعها بالقطاعي، وتجارة الجملة في جميع أصناف البضائع المصنوعة ونقل الركاب والبضائع. ويقوم الهنود بتموين ومد الوطنيين بما يحتاجونه من ملابس ومؤونة، وتوجد لهم محلات في كل بلد أو قرية مسموح لهم بالاتجار فيها، وبعضهم يشتغل في صناعة وتجارة المصوغات العادية، أما المصوغات النفيسة فهي من عمل الإنجليز وتجارتهم.
ويقوم الـ Settlers (الهولنديون) (البوير) بالعمل في زراعة المحاصيل والمواشي والصوف والجلود ويزاولون نشاطهم في جميع أنحاء البلاد.
وأما الوطنيون - وهم السكان الأصليون - فتجارتهم تنحصر في الأعمال التافهة على نطاق ضيق؛ كافتتاح محلات البقالة الصغيرة، وأغلب السوريين واللبنانيين يمتلكون محلات لبيع الواردات الأجنبية من الخارج، والباقي يعمل في التجارة الخارجية؛ أي: شؤون التصدير والاستيراد، ويقوم اليونانيون - كما هي عادتهم - بإدارة المطاعم ومحال البقالة.
وتوجد بورصات للصوف في دربان وإست لندن وكيب تاون وبورت إليزابيث، أما بورصة الأوراق المالية (الأسهم والسندات) فمقرها جوهانسبرج، والتعامل فيها مهم جدًّا خصوصًا بالنسبة لأسهم المناجم، وتنقسم الأسهم إلى قسمين: أسهم مضاربة، وأسهم استثمار. وهذه الأخيرة تعطي دخلًا ثابتًا حوالي 5 أو 6%؛ بخلاف أسهم المضاربة فقد تأتي بريع مرتفع، وقد تأتي بريع منخفض، والآن أصاب أسعارَ الأوراق المالية هبوطٌ عام أثر على الأحوال التجارية الداخلية.
ثامنًا: التجارة الخارجية:
نظرًا إلى أن البلاد - (اتحاد جنوب أفريقيا) كما بينا في هذا التقرير - من البلاد السريعة التقدم في الزراعة والصناعة، فقد سُمِح لها هذا بالتبادل التجاري مع كثير من بلدان العالم؛ فقد بلغت قيمة الصادرات 35 مليونًا من الجنيهات في أوائل الحرب فضلًا عن الذهب المصدَّر منه إلى إنجلترا ما قيمته 70 مليونًا، كما بلغت الواردات 110 ملايين من الجنيهات، أما الآن ففي بحر الثمانية شهور الأخيرة بلغت قيمة الواردات 158 مليونًا من الجنيهات، ونسبة الصادر قبل الحرب من الذهب 60%، ومن الفواكه 4%، والماس 3%، والسكر 2%، والصوف 1,5% من البضائع المصدرة. أما بالنسبة للوارد فمن المنسوجات 23%، والآلات 12%، والمعادن 11,5%، والسيارات 10%، والأخشاب 4% من البضائع المستوردة.
والآن قد تغيرت هذه النِّسَب بسبب عدم استقرار حالة التجارة العالمية، وبسبب تقدم الصناعات المحلية داخل البلاد.
وفيما يختص بالاستيراد فقد وصلت نسبته قبل الحرب بالنسبة للبضائع الواردة إلى 50% من إنجلترا، و18% من الولايات المتحدة، و8% من ألمانيا واليابان، و2% من الهند. أما عن التصدير فقد بلغ قبل الحرب أيضًا 77% إلى إنجلترا، و4% إلى فرنسا، و4,5% إلى ألمانيا، و3% إلى الهند.
أما الآن فقد ازداد التصدير إلى إنجلترا والاستيراد من أمريكا، وانعدمت التجارة مع الهند واليابان وألمانيا، وزاد الوارد من فرنسا وبلجيكا وسويسرا.
ومما ساعد على نمو التجارة الخارجية لاتحاد جنوب أفريقيا سهولة اتصاله بالعالم الخارجي مائيًّا وجويًّا خصوصًا بأمريكا ودول أوروبا، واستقرار عملتها نظرًا لوفرة احتياطي الذهب ببنكها المركزي، حتى إن الجنيه هناك - وهو يساوي في القيمة الجنيه الإسترليني - يُقبَل بسهولة في التعامل الدولي، ولا يفوتنا بصدد بحث التجارة الخارجية أن نشير إلى مسألة مهمة جدًّا؛ وهي أن البرلمان في اتحاد جنوب أفريقيا قرر تشجيع الهجرة إلى البلاد حتى يتساوى عدد البِيض مع عدد السود؛ بأن أباح دخول 11 ألف شخص في السنة من البِيض للإقامة والتوطن.
- قيود التصدير والاستيراد: لا يصدر من الجلود الخام إلا نسبة معينة لكل بلد من البلاد المستوردة، والفحم طبقاً للاتفاق التجاري المبرم بين الاتحاد وبريطانيا العظمى لا يصدَّر أيضًا إلا نسبة معينة لكل بلد، وتوزيعه خاضع لرقابة هيئة خاصة مقرها لندن. وتشجع الحكومة تصدير الفواكه تحت رقابة هيئة تسمى Fruit Control Board أما تصدير المحفوظات الغذائية والحلوى فلكل بلد حصة معينة تحت إشراف ورقابة هيئة تسمى Supply And Distribution Department ولا قيود على تصدير الماس، إنما شركات مناجم الماس هناك تحدد الكميات التي لا يجوز تجاوزها في الإنتاج محافظة على مستوى أسعارها. أما القيود المفروضة على الاستيراد فتكاد تكون معدومة، عدا القيود المفروضة على الصوف والمشروبات الروحية والحلوى؛ نظرًا لتوفرها في البلاد.
تاسعًا: الدخل القومي ومستوى المعيشة:
يُترَك للأرقام الحكم على الدخل القومي لهذه البلاد؛ فقد بلغ هذا الدخل في السنة حوالي 550 مليونًا من الجنيهات، وإذا وزع على عدد السكان البِيض المتمتعين بالنسبة الأكبر من هذا الدخل، ويبلغون حوالي 2,5 مليون، لاتَّضَح فورًا مقدار ارتفاع مستوى معيشة الأفراد هناك، حتى إنه لا توجد لديهم مشكلة بطالة، وبالتالي لا يوجد عمال عاطلون.
ونصيب الصناعة من هذا الدخل 106 ملايين، ومن المناجم 93 مليونًا، ومن الزراعة والصيد 72 مليونًا، ومن التجارة 67 مليونًا، ومن النقل 30 مليونًا. وتبلغ نسبة الدخل في جوهانسبرج 8%، وفي دربان حوالي 6%، وكيب تاون 4%، وذلك في الأحياء التي يقيم فيها البِيض من الأوروبيين، أما الهنود فلهم أحياؤهم الخاصة التي لا يجوز لهم تعديها.
والأراضي الزراعية تختلف قيمتها باختلاف الولايات؛ ففي ولاية ناتال مثلًا يبلغ ثمن الفدان 10 إلى 25 جنيهًا، ويوازي ريعه في السنة مثل قيمته إذا استُغل بواسطة مالكه. بينما إنه في ولاية كيب تاون قد بلغ ثمن الفدان حوالي 80 جنيهًا، وأجور العمال ومرتبات الموظفين مرتفعة؛ مما ساعد على ارتفاع مستوى معيشة معظم الطبقات هناك. ومن مظاهر ارتفاع مستوى المعيشة هناك أن العامل لا يشتغل إلا 5 أيام في الأسبوع فقط وبمقدار 7 ساعات في اليوم، ولكل خمسة أشخاص من البِيض هناك سيارة للاستعمال الشخصي، وتليفون لكل أسرة تقريبًا، فضلًا عن توفر سبل المواصلات داخليًّا، وارتفاع مستوى المرافق العامة، وكثرة المساكن الصالحة للسكن من الناحية الاجتماعية والصحية، وتكثر هناك النوادي الرياضية كما هو الحال في إنجلترا تمامًا، ومستوى التعليم والثقافة بلغ حدًّا لا يكاد يُذكَر بالنسبة للسكان الوطنيين، ويتنالون في غذائهم أجود الأطعمة وأشهاها وأنفعها لبناء الجسم، ويفضلون من الفواكه المحفوظ منها في العلب.
- مركز البلاد الاقتصادي والمالي في العالم: بلاد الاتحاد غنية بمواردها الطبيعية، وأراضيها الخصبة، ومعادنها النفيسة، وأحجارها الكريمة، وما زالت في حاجة إلى الاستثمار والأيدي العاملة. وتربطها بدول العالم روابط تجارية أوضحناها في هذا التقرير، وقد جَعَل لهذه البلاد أهميتها الاقتصادية سهولةُ اتصالها بالعالم الخارجي بحرًا وجوًّا، وهي رغم دخولها ضمن دائرة الإمبراطورية البريطانية فإن لها نقدها المستقل، وحريتها في العمل، وشخصيتها الدولية المتميزة. ولهذه الأسباب أصبح من السهل تصدير رؤوس الأموال إليها لاستثمارها، وإمكان الحصول من هذا الاستثمار على فائدة مغرية.
ولا يقتصر الأمر على هجرة رؤوس الأموال، بل يمكن بسهولة هجرة الأشخاص والجماعات، فبلاد اتحاد جنوب أفريقيا يصح اعتبارها المجال الحيوي لكثير من الشعوب التي ضاقت سبل العيش فيها، واكتظت بسكانها.
أما مركز البلاد المالي فمتين نظرًا لاستقرار نظامها النقدي، وتوفر معدن الذهب بها، وبالتالي وفرة الغطاء المعدني لعملتها الورقية، حتى إن الجنيه هناك له حرية التداول رغم ارتباطه بالجنيه الإسترليني مع الدولار الأمريكي. وبسبب المركز الاقتصادي والمالي الممتاز لتلك البلاد نجد أن معظم دول العالم تتهافت على إنشاء علاقات دبلوماسية وتجارية معها، بافتتاح المفوضيات والقنصليات في معظم مدنها المهمة.
ونقترح كحل جزئي لمشكلة الأرصدة الإسترلينية أن تصل الحكومة بالمفاوضات إلى عقد اتفاق مالي بينها وبين بريطانيا العظمى على جواز امتصاص جزء من هذه الأرصدة في بلاد اتحاد جنوب أفريقيا، في مقابل ما تستورده مصر منها نظرًا لوفرة ما بهذه البلاد من بضائع وخيرات ومواد أولية، ويكون حلًّا موفَّقًا جدًّا لهذه المشكلة نفسها لو أمكن تحويل هذه الأرصدة إلى كل بلد داخل نطاق الكتلة الإسترلينية، ولو تم هذا التحويل في مدة طويلة.
عاشرًا: الأحوال السياسية والعنصرية:
(كتب عنها الكثير من قبل).
خلاصة التقرير
كل غرضنا من هذا التقرير بيان أهمية تمكين العلاقات السياسية والتجارية بين دولتين من أهم البلاد في القارة الأفريقية، خصوصًا وأن مصر تقع شمال خط الاستواء، واتحاد جنوب أفريقيا يقع في جنوب هذا الخط، ولهذا ميزته بالنسبة لتنوع الفصول في كل من الدولتين، وإمكان تبادل السلع بين كل دولة وأخرى، في الوقت الذي تكون فيه إحداهما في مسيس الحاجة إلى هذه السلع، خصوصًا بالنسبة للفواكه والمحاصيل الزراعية.
ونستطيع أن نستخلص من تقريرنا هذا نتائج أهمها ما يأتي:
أولًا: إن اتحاد جنوب أفريقيا من أهم بلاد العالم من الناحية الاقتصادية؛ نظرًا لوفرة مواردها الأولية، وكثرة معادنها خصوصًا الفحم والذهب، واتساع رقعة أراضيها الخصبة، وقلة عدد سكانها، مع سهولة اتصالها بالعالم الخارجي بحرًا وجوًّا.
ثانيًا: إن التبادل التجاري بينها وبين مصر قابل للنمو والاتساع؛ بأن تصدِّر مصر إلى هذه البلاد ما هي في حاجة إليه من المنسوجات القطنية والأسمدة الكيماوية والزيوت والأرز والكُسب والبلح وعصير الطماطم والبترول والفوسفات، على أن تستورد منها في المقابل الفحم والصوف والفاكهة والجلود والماس والمواشي والأغنام، ولا نقول: الذهب نظرًا للقيود المفروضة على تصديره؛ احترامًا للاتفاق التجاري بين تلك البلاد وبين بريطانيا العظمى.
ثالثًا: إنه لإمكان تمكين العلاقات التجارية بين البلدين لا بد من إنشاء مفوضية في بريتوريا وقنصليات في الكيب وجوهانسبرج ودربان، خصوصًا بعد قطع العلاقات السياسية بين تلك البلاد والهند، وعدم وجود ممثل سياسي للهنود والماليين والسوريين والصينيين في تلك البلاد، وأغلبهم من المسلمين، وينظرون إلى قنصل مصر نظرة احترام وتقدير باعتباره ممثل الدولة الإسلامية الوحيدة في جنوب أفريقيا، وكان عجبًا أن تُنشئ جنوب أفريقيا مفوضية لها في مصر، ولا ننشئ مفوضية هناك، مع أن أهمية هذه البلاد لمصر تفوق أهمية مصر لها.
رابعًا: إن تلك البلاد يمكن اعتبارها مهجرًا طبيعيًّا صالحًا للمصريين، وبيئة صالحة للاستثمار برؤوس الأموال فيها، خصوصًا وأن القيود على هجرة الأشخاص أو رؤوس الأموال لا يعتد بها كثيرًا في هذه البلاد.
خامسًا: إنه بعد إنشاء علاقات دبلوماسية بين مصر واتحاد جنوب أفريقيا لتمكين العلاقات التجارية والاقتصادية بينهما، يمكن الاطمئنان تمامًا إلى أن الميزان التجاري سينقلب في صالح البلدين مستقبلًا، وسيزيد ذلك من استقرار نقدهما، ورفاهية شعبيهما.
وأرجو في ختام هذا التقرير التفضل بقبول فائق الاحترام
قوت القلوب الدمرداشية