حوارات

راشدة رجب

أحمد كمال: المسرح مدرسة الممثل الحقيقية

2024.08.17

تصوير آخرون

أحمد كمال: المسرح مدرسة الممثل الحقيقية

 

بهدوئه وصوته المنخفض الواثق، وأدائه الصادق، مَلَكَ قلوب الجماهير واحترامهم.. إنه الفنان الكبير أحمد كمال، صاحب البصمة العظيمة في عالم المسرح والسينما والتلفزيون، ومدرب العديد من النجوم الذين أَثْرَوا حياتنا، والذي شارك فيلمه "شرق 12" في مسابقة نصف شهر المخرجين بمهرجان "كان" هذا العام.

 

· هل "شرق 12" أول فيلم لك يشارك في مهرجان "كان"؟

- نعم هي المرة الأولى، ولم نكن نعلم أن فيلم "شرق 12" إخراج هالة القوصي سيشارك في المهرجان؛ فقد قدمت المخرجة، دون علم فريق العمل، الفيلم لمسابقة نصف شهر المخرجين Quinzaine des cineastes)) بمهرجان "كان" ضمن 160 فيلمًا على مستوى العالم، وفوجئتْ بقبول الفيلم مع 16 فيلمًا في هذه المسابقة المهمة التي تضم تجارب المخرجين الجدد في أعمالهم الأولى، والتي قد تخرج فيها تيارات جديدة في السينما.

 

· الفيلم من بطولتك، فهل شعرت بالمسؤولية بشكل أكبر؟ وما الذي جذبك لقبول الدور؟

- لا لم أشعر بذلك. السيناريو هو الذي جذبني؛ فقد بذلت المخرجة مجهودًا كبيرًا في كتابة السيناريو الذي استغرق سنوات. والموضوع قوي جدًّا ويدور في إطار خيالي حيث مجموعة من البشر محجوزين في مكان وممنوعين من الخروج منه، وهناك من يحكم هذا المكان (وهو أنا شوقي البهلوان)، والأحداث لا ترتبط بزمن محدد، وهناك من يسلي الشباب بالحكايات (منحة البطراوي)، وهناك من بين الشباب من يود الهرب ورؤية البحر الذي تحكي لهم عنه ولم يروه من قبل. فهناك خيال طفولي وفي ذات الوقت موضوع عميق عن حرية الإنسان.

واختيارات المخرجة جميلة ولكنها صعبة؛ فقد تم التصوير في (هنجر) في حلوان حولته إلى أستوديو في حرارة شهر يوليو الشديدة، لكن التصوير كان ممتعًا جدًّا؛ لأن المخرجة منظمة و(محضرة) كويس ولديها إكسسواراتها وأشياؤها، وقد اعتادت تجميع إكسسوارات وهي تكتب منذ فترة طويلة؛ كراديو قديم، تليفون قديم... إلخ؛ فهي شخصية عايشة للسينما، وعمل كهذا لا بد أن احترمه وأشارك فيه. وهذا فيلمها الثاني بعد "زهرة الصبار".

والفيلم أبيض وأسود؛ لأن المخرجة أرادت عمق الخام لتخرج الصورة مثل الأفلام الأبيض والأسود القديمة، إلا أن به بعض المشاهد الملونة لكنها أيضًا خام (35 مم). واختارت التحميض في مصر، فأحيت معملًا في مدينة السينما عن طريق التبرع بمبالغ مالية حتى يمكن لمكن الخام القديم أن يعمل.

 

· هل كان قبول الفيلم في مسابقة نصف شهر المخرجين مفاجأة بالنسبة لكم؟

- نعم، لكن لي وجهة نظر في المهرجانات العالمية.. فأنا لا أحب أن أسعى وألهث حتى يعترف بي الغرب، لكن أن أشارك بندية كممثل للشرق بما لدي من أعمال مقابل أعمال غربية أخرى مشاركة. هذا التفاعل الفني أوافق عليه لكني لا أذهب ليُقال لي: "أنت كويس". وأنا مع المشاركة لكني ضد التسابق، فمن يستطيع أن يقول هذا أفضل فيلم وهذا أسوأ فيلم؟ فهذا ذوق اللجنة، بالإضافة للاعتبارات السياسية والجغرافية والعنصرية والاقتصادية، أحيانًا يعطون جوائز أوسكار لأفلام معينة لتسويق مكن أو تكنولوجية معينة تم استخدامها فيها.

 

· ما رد الفعل بفرنسا بعد عرض الفيلم في مهرجان "كان"؟

- كُتبت عنه مقالات عديدة جيدة جدًّا من نقاد جادين وشبه بعض النقاد المخرجة بمخرجين عالميين كجودار في رؤيتها الفنية. قد تحبين الفيلم أو لا تحبينه، لكنه بالتأكيد تجربة سينمائية مهمة خلفها مجهود وتحضير كبير جدًّا ورؤية وخيال؛ كما عُرض الفيلم بعد المهرجان في عدة مدن فرنسية، كما سيُعرَض في الصين وبعض البلاد الأوروبية ومهرجان البحر الأحمر.

 

· تهوى التمثيل منذ الطفولة حتى إنك بدأت تحصل على تدريبات إعداد ممثل وأنت في المرحلة الابتدائية. فحدِّثنا عن هذا الأمر.

- كنت تلميذًا في مدرسة ابن خلدون الابتدائية المشتركة في القاهرة، ولدينا فريق كشافة يشرف عليه أستاذ محمد؛ وهو نوبي، كان يجعلنا نقوم بتدريبات وارتجالات عَرَفت بعد ذلك أنها تدريبات إعداد ممثل، وهي التدريبات التي استمررنا نقوم بها مرتين أسبوعيًّا طوال السنوات الست لدراستنا الابتدائية. وأعتقد أنني أصبحت مدربًا للتمثيل بفضل ذلك؛ فقد زرع بداخلي أساسيات التدريب ومواصفات المدرب الجيد.

 

· ما دور المسرح في إعدادك وتكوينك كممثل ومدرب؟

- بدأت العمل في المسرح منذ الابتدائي ومرورًا بالإعدادي فالثانوي، وشاركنا في مسابقات كثيرة وخصوصًا في الثانوي. والمسرح هو الذي عرَّفنا الحياة ومعنى الدراما والكتاب المصريين، فعرفنا في المرحلة الثانوية نعمان عاشور ونجيب محفوظ وأعماله القصيرة من فصل واحد. فالمسرح هو الذي شكل تكويننا، ومن خلاله تدربنا وتعلمنا الالتزام وبناء الشخصية بشكل سليم، تعلمنا أن نذاكر ونحضر ونعمل. فالمدرسة الحقيقية هي المسرح؛ فقد أعطتنا وعلمتنا كل شيء، وجعلتنا نفهم السياسة والاقتصاد والتاريخ وتتعدد قراءاتنا.

ولا أعني بالمسرح مكانًا معينًا؛ فقد عملت في الثقافة الجماهيرية، والبيت الفني للمسرح، وفرق الهواة، وفرقة "الورشة" التي أسسها حسن الجريتلي، وحضرت تكوين فرق مسرحية، مثل: فرقة "مسرح الشارع"، حيث عرضنا في الشارع وعلى الأرصفة وفوق الأسطح وفي القرى والنجوع وعلى الترع وفي مسارح مغلقة، وقابلنا كثيرًا من المثقفين والشعراء العظماء، مثل: عبد الرحمن الأبنودي الذي كان يلف معنا في القرى والنجوع ليلقي شعرًا ونقدم مسرحًا.

 

· التدريب لم يكن معروفًا في مصر إلا منذ عام 1975، كيف التحقت بهذا المجال؟

- البدايات الصحيحة للتدريب كانت على يد د. نبيل منيب رئيس قسم التمثيل في معهد فنون مسرحية، الذي كان قد سافر إلى فرنسا ودرس الدراما وأصبح مخرجًا مسرحيًّا وله مسرحية مهمة هي "دماء على ملابس السهرة" لمحسنة توفيق. فقد كان أول من قدم شكلًا منتظمًا للتدريب في مصر. حضرت معه ورشة مجانية، أثناء دراستي الجامعية بكلية الآداب، فهو أول من قدم أستوديو الممثل، وبعدها ظهر كثير من المدربين الذين تدربوا معه؛ منهم: أنا، محمد عبد الهادي، علي خليفة، منصور محمد، أحمد مختار، وأحمد عبد العزيز (الممثل والمخرج).

 

· هل جمعت بين التمثيل والتدريب؟ وماذا عن أستوديو الممثل؟

- لا، لقد بدأت بالتدريب في أواخر التسعينيات، وقبل ذلك كنت أتدرب وأمثل فقط، وقد دربت في أستوديو الممثل أول مقر ثابت لتدريب الممثل في مصر والذي يرجع الفضل في تأسيسه إلى الفنان محمود حميدة؛ فنبيل منيب ومحمود حميدة لا بد أن يذكرهما التاريخ في تأسيس الممثل في مصر؛ لأنهما عملا قواعد ونظامًا لتدريب الممثل في مصر.

 

· درَّبت عدد كبير من الفنانين المعروفين الآن على التمثيل في هذا الأستوديو. فحدِّثْنا عنهم.

- من بينهم أحمد مالك، باسم سمرة، بسمة، حنان مطاوع، نيللي كريم، كريم قاسم، علي قاسم وغيرهم.

 

· ما هي مواصفات المدرب الناجح؟

- التدريب الجيد على يد أساتذة، ممارسة التمثيل، قدر من الثقافة والوعي، الارتباط بقيم الإرادة والمثابرة والإحساس بالمسؤولية تجاه الفن الذي يقدمه لأنه يؤثر في الناس، القدرة على الاختيار، احترام العمل الجماعي، الانضباط، الاستماع الجيد إلى الآخر والحوار الجيد، ولذلك كنت أعمل على شخصية الممثل قبل أن أعمل على الشخصية التي سيقدمها. أعرف شخصية الممثلين قبل التدريب وأعطيهم فرصة للتعرف على أنفسهم والتعبير عنها، وأيضًا للتعرف على مشكلاتهم والمشكلات التي ستواجههم كممثلين.

 

· ما هي شروط نجاح المتدرب على التمثيل؟

- الجدية وحب الفن للفن وليس للشهرة والمال. يتضح مع الوقت من المجتهد والمحب للفن ولديه خبرة تمثيل سابقة في المدرسة أو الجامعة. وأقوم باختبارات فنية بسيطة لأتأكد من الموهبة والاستعداد لدى الملتحق بالورشة مما يجعله يستحق التدريب.

 

· هل قدمتم ورشًا للأطفال؟

- قدمنا فترة ورشًا للأطفال وكانت تجربة مهمة جدًّا، وتتطلب التدريب في مواعيد مبكرة من اليوم حتى لا يسهروا، والأطفال لديهم قدرة على التخيل والتحمل طالما أنكِ تعاملينهم باحترام وتحترمين خيالهم وأفكارهم وتتفاعلين معهم، وحينئذٍ يريد الطفل أن يستمر في الورشة ويحزن جدًّا إذا توقفت لفترة.

 

· إذن لماذا توقفت عن التدريب؟

- اكتفيت، 20 سنة أدرب؛ فالتدريب يحتاج إلى وقت طويل؛ إذ عليَّ أن ألتزم بورشة التدريب لمدة سنة أو أكثر. وكنت أحاول أن أنسق بين مواعيد الورشة ومواعيد التصوير في الأعمال الفنية.

 

· هل الورش قد تكون كافية لإعداد ممثل جيد؛ فأنت صُقلت عن طريق الورش مثلًا، أم أن هناك ضرورة أيضًا للدراسة المنتظمة؟

- لا بد للممثل من أن يلتحق بالورش ويشارك في التمثيل في المسرح والأفلام القصيرة، ويمارس القراءة والبحث والمشاهدات، ويحضر الندوات الفنية، ويتابع الأعمال الموسيقية والفنون التشكيلية، ويراقب الحياة والنماذج البشرية الموجودة فيها. الممثل يتكون من كل ذلك، بالإضافة للعمل مع أكثر من مدرب من خلال الورش.

وأنا مثلًا ظروفي لم تسمح بالالتحاق بالدراسة المنتظمة؛ لأنها تحتاج إلى وقت وتكلفة وعمر معين. ومشكلة معهد الفنون المسرحية أنه يتقدم إليه آلاف ويتم اختيار عشرين فقط.

 

· أليس العدد الكبير أيضًا مشكلة وكثير من الممثلين لا يجدون أدوارًا في الأعمال الفنية؟

- المجتمع بأكمله تغير، وصناعة الفن في مصر -لو جاز التعبير- مرتبطة بشكل عام بتكوين المجتمع نفسه ومدى تطوره؛ فنحن نتأثر بالظروف السياسية والاقتصادية، كما أننا مرتبطون بما يحدث بشكل عام من سياسات حكومية؛ فبلد به 120 مليون مواطن ومعهد فنون مسرحية واحد في القاهرة.. لا يوجد منطق. على الأقل في القاهرة فقط يلزمنا 7 أو 10 معاهد لتكفي هذا العدد الضخم.

 لكن المشكلة الأخرى أن الإنتاج أقل من عدد الممثلين الكبير جدًّا والذي يزيد كل يوم، بل إن الإنتاج يقل ولا يزيد، فمثلًا: مسرح القطاع الخاص انتهى؛ لأن الدولة وضعت عليه قيودًا ضريبية مُعجِزة، جعلت كل المنتجين المسرحيين يتوقفون عن العمل فيه، فبعدما كان الإنتاج 20 مسرحية قطاع خاص، اليوم لا شيء. أما السينما فلدينا نوع واحد هو الأفلام الكوميدية ولا أستطيع أن أقول: عندنا سينما، السينما المصرية لها تاريخ عريق وطويل جدًّا؛ حيث كنا نقدم مئات الأفلام في السنة والآن 6 أو 7 كلهم أو معظمهم سيئون. والدراما التليفزيونية مفروض عليها احتكارات ضخمة جدًّا والدولة تترك الموضوع لمن يتحكم بلا أي قيود أو ضوابط، فلا تدافع عن صناعتها أو تحميها وتحمي فنانيها.

وبالتالي أين سيذهب هذا الشباب اللي (طالع وسط هذا اللانظام)؟! فالفن صناعة، مثلًا: في الهند -لن أقول أمريكا ولا أوروبا- كل حي به دار سينما وأكثر.. وإنتاج ضخم جدًّا وفي حاجة للكثير من الفنانين، أما اليوم فإن دور العرض في مصر تقل وتنقرض بينما المفروض أن تزيد، ففي الماضي صناعة السينما والقطن كانتا تمثلان دخلًا قوميًّا لمصر.

 

· هل تخليت عن التواجد المسرحي لصالح السينما والتلفزيون؟

- لا لم أتخلَّ؛ فعندما يُقدَّم لي نص فني جيد في المسرح لا أرفضه، خاصة لو كان العمل مناسبًا لي وأحبه وأتحمس له؛ إذ لا بد أن أشعر بالتحدي وأن الدور صعب. والحماس ضروري للعمل المسرحي؛ لأنه يستغرق وقتًا طويلًا ومشكلاته كثيرة جدًّا ويحتاج إلى صحة أيضًا، (وأضاف ضاحكًا: "وتقدر تصرف عليه!") فالحقيقة أن ميزانيات المسرح في وزارة الثقافة تقل بينما الأسعار تزيد وهذا شيء عجيب! فمن الممكن تثبيت الميزانية على الأقل بدلًا من إنقاصها!

 

· هل الحل رفع أسعار التذاكر.. الآن تذاكر المسرح القومي بين 60 و100 جنيه؟

- نعم هذه هي الأسعار، ولا أريد أن أقول: إنه من المفروض أن تكون هذه المسرحيات مجانية فهي خدمة ثقافية، لكن الأسعار حاليًّا معقولة. وأنا رأيي ألا نرفع أسعار التذاكر عن ذلك. الحل هو الإدارة، فالإدارة الصحيحة للمشروع الثقافي ستوفر أماكن وكوادر جيدة وميزانيات ودعاية.

 

· لماذا درست آداب تاريخ ولم تختر معهد سينما أو فنون مسرحية رغم ميولك للتمثيل منذ الصغر؟

- طبعًا مثلت في ابتدائي وإعدادي وثانوي، وعندما التحقت بالجامعة اخترت آداب تاريخ وقررت أن ألتحق بمعهد فنون مسرحية فيما بعد، لكني وجدت صعوبة في دخول المعهد لمدة أربع سنوات دراسية أخرى بعد الحصول على ليسانس الآداب.

وكلية الآداب كانت بالنسبة لي خطوة كي أصل لمسرح الجامعة الذي شاركت فيه 10 سنوات وليس فترة دراستي بالجامعة فقط؛ فأنا خريج مسرح الجامعة، حيث تعلمت كل شيء من خلال مدربين جيدين جدًّا ومحاضرات؛ فقد عرفت القراءة المنتظمة وقابلت شخصيات مثقفة جدًّا وأساتذة عظامًا علمونا وكانت فترة مبهرة. وهناك أساتذة ومفكرون عظماء يشرفون على فريق التمثيل بالكلية، ولدينا فرصة التحدث معهم مثل: د. سمير سرحان، ود. عبد العزيز حمودة، ود. جابر عصفور، ود. محمد عناني، ود. فوزي فهمي، وهم أساتذة في آداب القاهرة.

 

· لم نعرف لماذا اخترت قسم التاريخ على وجه التحديد؟

- في ذلك الوقت كانت الفرصة متاحة للاختيار؛ فتنقلت بين أقسام جغرافيا وياباني وعبري في كلية الآداب حتى اخترت قسم التاريخ، فهذا قسم مناسب لي لأني لا أحضر المحاضرات كثيرًا بسبب ارتباطي بالنشاط المسرحي والدكاترة، مثل: د. محمد أنيس العظيم، الذي كان يعلم أنني "بتاع مسرح"، ويحترم جدًّا الطلاب الذين يمارسون أنشطة ولنا امتيازات في الحضور والغياب.

 

· كيف تستعد للدور؟ ثم بشكل خاص دورك في "واحة الغروب"؟

- أقرأ سيناريو المسلسل أو الفيلم كاملًا عدة مرات، ثم القراءات التالية أركز على الشخصية التي سأؤديها، وأفصل المشاهد الخاصة بي "وأشتغل" عليها وحدي، وأتخيل كيف سأؤديها بطرق مختلفة، وأكتب عن الشخصية، وأحاول أن أصنع لها تاريخًا متخيلًا ومواقف غير موجودة في النص، وأخلق لها عالمًا لن يظهر في العمل الفني، ولكن سيساعدني على الأداء بعمق.

أما في "واحة الغروب" فقد كانت الشخصية أكبر مني سنًّا بكثير وهناك "ذقن" وملابس سيوة منذ 300 سنة، والتي تشبه عمر المختار؛ لأنها قبائل واحدة هي قبائل الأمازيغ كانت تعيش في جنوب مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب ولها تاريخ وملابس مشتركة، وقد قامت ريم العدل مصممة الأزياء وفريق العمل بالبحث وقراءة الكتب للتوثيق. واستغرق التحضير والبروفات شهورًا طويلة وتطلب ميزانية ضخمة جدًّا، وقد بنى مهندس الديكور مدينة كاملة خصيصًا لتصوير المسلسل، ولم أقم في عام 2017 بدور سوى هذا. وقد استمر التصوير في سيوة وحدها شهرين، ورواية بهاء طاهر صعبة، والمخرجة كاملة أبو ذكري تهتم بالتفاصيل الكثيرة في العمل. وكل من عمل بـ"واحة الغروب" يعلم أنه عمل مهم، وقد قرأنا بتعمق في تاريخ سيوة كما قرأنا في فترة الاحتلال البريطاني لمصر، والتي بدأت بها الرواية، قراءات تاريخية كثيرة ومفيدة وممتعة. وكان ماكياج الشخصية صعبًا جدًّا ويحتاج إلى وقت كبير جدًّا في التحضير والإزالة.

 

· ما سر إتقانك للأدوار المركبة كأدوار الشخصيات المعقدة أو المضطربة: "فتحي" في "فرح ليلى"، "سليمان" في "الكيت كات"، و"عبد السلام" في "أحلى الأوقات"؟

- هي شخصيات موجودة في الحياة، ولافتة للنظر، ترينها في الشارع وعلى المقاهي وجيراننا في البيوت التي نسكنها وفي كل مكان. "فتحي" مثلًا مضطرب قليلًا وغير متناغم مع ذاته، طموحاته أكبر من إمكانياته، وشخصية "فتحي" كتبها المخرج خالد الحجر، ومسلسل "فرح ليلى" كان في الأصل فيلمًا من بطولة فؤاد المهندس (وأدى دوره في المسلسل عبد الرحمن أبو زهرة) وليلى علوي وخالد أبو النجا وأنا، ومات المشروع، ولكن أحيته ليلى علوي ليُقدَّم مسلسلًا.

 

· أديت أدوار الأب أكثر من مرة بشكل مميز جدًّا، مثل: "حارة اليهود" و"بنت اسمها ذات" و"كامل العدد" بجزأيه، وكل مرة كانت مختلفة فلم تقع في أي نمطية أو تَكرار، كيف استطعت أن تقوم بذلك؟

- الأبوَّة حالة وليست صفات للشخصية، لكن وظيفة الشخصية والظروف التي مرت بها وحالتها النفسية والاجتماعية هي ما أقدمه، بغضِّ النظر هل هو أب أم غير أب؟ والشخصية التي تجعلني أقبل الدور أو أرفضه. تصادف أنني مثلًا في "حارة اليهود" أب، قدمه مدحت العدل وهو كاتب ماهر، لـ"منة شلبي" وهي ماهرة جدًّا، وبعد ذلك أب مع نيللي كريم ودينا الشربيني وهما ممثلتان ماهرتان جدًّا، والممثلات الماهرات يعملن ويتفاعلن بشكل سليم، فيكون الأمر ممتعًا بشدة.

 

· ما سر ارتباط الناس بدور الأب الذي أديته في مسلسل "كامل العدد + 1"؟

- لأنه يوجد ناس كثيرون تحلم أن تعيش هذه الحياة، فهو لديه مزرعة يعيش فيها أقامها (بعرق جبينه) وهي مشروع عمره، واكتفى به.. في النهاية حياة بسيطة، والأشياء البسيطة تسعده ولا يبحث عن الكثير من المال، وهو مستمتع بالقهوة والقراءة والموسيقى.. فهو نموذج حياة يحب كثير من الناس أن يعيشه، أنا شخصيًّا أحب أن أعيش هكذا، لو لدي مزرعة كهذه من الممكن أن أعيش فيها وأعتزل التمثيل.. حياة جميلة جدًّا.

 

· تعاملت مع أجيال مختلفة من المخرجين منهم مروان حامد وداوود عبد السيد، فماذا أضافوا لك فنيًّا وإنسانيًّا؟

- كل مخرج وكل جيل من المخرجين وله طبيعته، جيل داوود عبد السيد لديه ثقل ثقافي وفني وحكمة ووعي شديد بالهوية المصرية، وانتماء للوطن، وانحياز للقضايا المصرية، ويظهر هذا في كتاباته وتوجيهه للممثل ورؤيته للشخصيات والأحداث، وإيقاع المشهد تقربكِ جدًّا من الواقع وتشعرين أنكِ تعيشينه، فالمشهد كأنه يحدث الآن.. إذ يُقدم سحر الواقع بشكل فني جميل.

جيل مروان حامد مختلف طبعًا، ففارق السن كبير، ولديه قدر أكبر من المهنية ويتميز باستخدام التكنولوجيا العالية جدًّا والإبهار والإيقاعات السريعة المغايرة للواقع؛ فهو يبتكر إيقاعات جديدة، ثقافة مختلفة تمامًا.. لا أستطيع أن أقول من الأفضل، فكل جيل له ظروفه ومكوناته وأحلامه وطموحاته ورؤيته للواقع ولمصر ومشكلاتها، وهناك متعة في العمل مع هؤلاء وهؤلاء.

وأنا الآن أعمل مع أبو بكر شوقي؛ وهو أصغر من مروان حامد، وفي الفيلم الجديد رؤية أبو بكر شوقي لمصر الستينيات بخياله هو، سواء أخطأ أو أصاب، ولا أستطيع أن أفرض عليه أن يرى بخيالي أو وجهة نظري أنا، فحقه أن يرى هذه الفترة بطريقته.. فمتعة اختلاف الأجيال واختلاف القراءات شيء عظيم.

 

· ألا تحلم بدور كوميدي؟ أين موقع الكوميديا بالنسبة لك؟

- كانت أدوار بداياتي في المسرح معظمها كوميدية، لكن الكوميديا التي أحبها كوميديا من نوع خاص؛ الأساس فيها رسم الشخصية الجيد والضحك بالصدفة؛ لأن تعمُّد الكوميديا شيء سيئ. مثل: أدوار الأستاذ العظيم فؤاد المهندس المسرحية كـ"سيدتي الجميلة".. دور مكتوب بشكل جيد جدًّا وبيضحك في ذات الوقت.. فمعاملة الدور بجدية تأتي بكوميديا. فلو جاءني دور كوميدي مكتوب بشكل جيد وفي إطار عمل جيد فلن أرفضه.

 

· شاركت في كثير من الأفلام القصيرة مع سينمائيين شباب منهم من يعمل لأول مرة، وكثير منها مشاركات مجانية، فلماذا؟ وهل تستفيد أحيانًا من المخرجين الشباب؟

- أشارك أساسًا لأقدم دورًا جيدًا جدًّا ومغريًا بالنسبة لي، ولا بد أن يكون السيناريو كذلك أيضًا، وفي هذه الحالة أساعد وأعمل بشكل مجاني، بل يمكن أن أصرف من جيبي الخاص. طبعًا أستفيد فنيًّا لو كان المخرج جيدًا ولديه قدر كبير من الثقافة والوعي والخبرة بالسينما والفيلم القصير.

 

· فيلمك القصير "ربيع شتوي" حصل على 42 جائزة وشارك في 250 مهرجانًا ولم نره حتى الآن.. كيف يمكن أن تنال الأفلام القصيرة دعم الدولة والإعلام ويتم عرضها للجمهور؟

- هذه قضية بلد، ولها علاقة بإدارة المشروع الثقافي التي تحدثنا عنها، ومن الممكن أن نخصص أوقاتًا لهذه الأفلام في المحطات التلفزيونية والفضائيات، وأن تقدم دور العرض الأفلام القصيرة قبل الطويلة؛ ففي الماضي كانت تُعرض الأفلام القصيرة في السينمات. وإدارة المشروع الثقافي أصبحت علمًا وتُدرس في الجامعات بالخارج.

 

· بعد فيلم "الكيت كات" سافرت سنوات للخارج.. حدِّثنا عن هذه التجربة.

- حضرت ورشًا للتمثيل لأتدرب على نفقتي الخاصة، وكنت أعمل في مهن مختلفة لأحصل على المال مثل أي شاب، وقد رأيت مسارح وأستوديوهات وأماكن تصوير عظيمة، وتعرفت على ثقافة الآخر، وكانت تجربة مهمة جدًّا في حياتي، وقضيت معظم التسعينيات في أمريكا وأوروبا، وعملت في إيطاليا لمدة 4 سنوات في تقديم البرامج وتدريب المذيعين وفويس أوفر في قناة (ART)، ومع كوادر إعلامية كبيرة منهم همت مصطفى، وسامية صادق.

 

· قرأت لك رأيًا حول ضرورة التوسع في الإنتاج السينمائي والتقليل من المهرجانات.. فما تعليقك؟

- نعم؛ فمهرجاناتنا كثيرة جدًّا وإنتاجنا ضعيف جدًّا، وتجدين مهرجانًا ليس به فيلم مصري واحد، فأرى أنَّ نصف تكاليف هذه المهرجانات يجب أن يذهب لزيادة الإنتاج، فالإنتاج السينمائي أهم من المهرجانات.

 

· ما الدور الذي تقوم به الآن؟

- أبدأ بعد يومين تصوير دوري مع المخرج أبو بكر شوقي في فيلمه الجديد "الصيف الـ 67"، وهو مخرج ماهر ولديه ثقافة وخيال سينمائي عالٍ جدًّا، والفيلم بطولة نيللي كريم، وأمير المصري، وصبري فواز، وحسن العدل، وشريف الدسوقي، وهو يقدم قصة بسيطة عن أسرة مصرية في هذه الفترة. وأعتقد أنه سيكون فيلمًا جيدًا جدًّا.