بروفايلات
راشدة رجبسلوى محمد علي.. واحدة من الناس
2024.05.03
مصدر الصورة : آخرون
سلوى محمد علي.. واحدة من الناس
بساطتها وتلقائيتها، وملامحها المصرية الصميمة، دفعتها لأن تكون قريبة جدًّا من المشاهد، ولهذا ارتفع دوي التصفيق للفنانة سلوى محمد علي، التي كرمها مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة في يوبيله الفضي مؤخرًا؛ فهي واحدة من الناس.. الناس العاديين الذين نعرفهم ونقترب منهم ونحبهم.. ولا غرابة في ذلك؛ فقد تربت في حي القلعة، وعندما اكتشفت أثناء تصوير دورها في فيلم "فتاة المصنع" للمخرج الكبير محمد خان تغير مظاهر حياة الطبقة الشعبية عما عرفته، قررت الالتحام بالناس ورؤيتهم على الطبيعة حتى لا تنفصل عنهم، فبدأت تركب الميكروباص من وقت لآخر لتعيش بين الناس.
وهذا ليس بغريب على سلوى التي عرفت السينما وعمرها خمس سنوات؛ من خلال العروض الشعبية في الساحات التي كانت توفرها وزارة الثقافة للمواطنين في الستينيات.
وهكذا تربت سلوى –على غرار أبناء جيلها- على حفلات الأطفال الصباحية في دور العرض كسينما مترو في وسط البلد وغيرها. وتذوقت الفنون المختلفة من خلال برامج التلفزيون "الموسيقى العربية" للدكتورة رتيبة الحفني، أو "صوت الموسيقى" للدكتورة سمحة الخولي. وتمنى والدها المهندس أن يراها فنانة مثل فريدة فهمي؛ حيث كان يصطحب أولاده لرؤية عروض الفرقة القومية وفرقة رضا، بينما رفضت والدتها المدرسة عملها بالفن. ولم تكن المدارس الحكومية بغريبة عن هذا العالم الفني الثقافي لمصر الستينيات؛ إذ كانت فرق الموسيقى والإلقاء وحصص المكتبة تبني شخصية الطالب وتثقفه جنبًا إلى جنب مع الدروس التعليمية، وهكذا أصبحت سلوى -التي استفادت من مجانية التعليم والامتيازات التي منحها جمال عبد الناصر للطبقة المتوسطة والفقراء- ناصرية.
وفي 2011 انضمت للثوار في ميدان التحرير، وقد لعبت دور "سعدية" إحدى بطلات مسلسل "الحارة"، إخراج: سامح عبد العزيز 2010، وهو المسلسل الذي تنبأ بثورة يناير واستعرض الفساد في "الحارة"، الذي أدى إلى موت سعدية وصديقتها "صفية" أو سوسن بدر.
ولا عجب أن يمتد عطاء سلوى، التي تؤمن بالقومية العربية وبخاصة علاقتنا بالسودان، ولها جيران سودانيون في طفولتها، فتدرب ممثلي الفيلمين السودانيين الشهيرين "ستموت في العشرين" لأمجد أبو العلا 2019 ، و"وداعًا جوليا" لمحمد كردفاني 2023.
ولأنها واحدة من الناس، فلم تترفع عن الوقوف بجانب السينمائيين الجدد بخاصة الشباب، وقبلت أدوارًا بسيطة، أو مجرد ظهور مجاني لتدعم أفلامهم، حتى إنها اشتركت في ١٠٠ فيلم للشباب والطلبة والأفلام القصيرة، آخرها دورها في فيلم "حبيب" مع الفنان سيد رجب، إخراج: شادي فؤاد، وأطلق عليها اسم: "صديقة الطلبة"، وقد عشقت التصوير في بيوت الطلبة؛ حيث الدفء الأسري الذي تعكسه مشاعر الأمهات اللاتي يشاهدن تصوير أول مشاريع أبنائهن السينمائية، وهو ما تفتقده أماكن التصوير المؤجرة. وترى أن الطلبة الذين عملت معهم يمثلون جيلًا جديدًا سينهض بالسينما؛ كما تؤكد أنها استفادت كثيرًا من الطلبة فقد تعلمت التمثيل معهم، وشاركت في أفلام قصيرة لمخرجات صغيرات أصبحن أكثر شهرة فيما بعد؛ كهالة خليل في فيلم "طيري يا طيارة" 1997، وكاملة أبو ذِكري في فيلمي "لكنَّ شيئًا ما يبقى"، و"خلقة ربنا" من مجموعة أفلام "18 يوم" 2011، وفيلمي "أما أنا" 2008، و"علشان فريدة" 2012 للمخرجة ماجي مرجان.
ويكشف تعليقها على دورها في فيلم محمد خان "فتاة المصنع" عن إيمانها ومبادئها؛ إذ عشقت خان الذي يقدم شخصية وروح المصريين الحقيقية: "كنت خايفة أموت قبل ما أخلص تصوير الفيلم، كنت عايزة أسيب لعيالي فيلم ليا مع خان".
ولأنها الشخصية الطيبة المألوفة للجميع؛ فقد نجحت سلوى في أداء شخصية الخالة خيرية في برنامج الأطفال الشهير "عالم سمسم"، وكانت بوابتها للشهرة الجماهيرية، حتى إنها تقول: أغار من الشخصية لأنها نجحت أكثر مني، فالجميع يحدثني عنها، وكلما ذهبت إلى أي مكان يناديني الناس باسم الشخصية، فأحيانًا أخرج من المسرح بعد أداء دور عظيم لأجد الناس تناديني "خالة خيرية". ووفقًا لسلوى، تُعد "خالة خيرية" نقلة كبيرة في مشوارها الفني، وهي من فتحت لها باب الدخول إلى عالم الأطفال. وقد برعت في الأداء الصوتي لشخصية "زيزي" في بوجي وطمطم، وللعديد من شخصيات ديزني في النسخ العربية منها "شنزي" في lion king، والملكة في "Brave”، "والدة آندي" في Toy Story وغيرها. وترى سلوى أن أهم مواطن مصري، بل أهم مواطن في أي دولة، هو الطفل؛ فهو المستقبل.
وبنفس صافية تقول: هناك طبقية تمارس على ممثلي الأدوار الصغيرة مثلي، وهذا يزعجني أحيانًا، ومع ذلك أتعايش معه.. وضربت مثلًا بأن يقوم مساعد كوافير العمل بتجهيز شعرها مثلًا، وليس الكوافير نفسه الذي يقوم بذلك للنجوم. وتقول: أحيانًا يكون مساعد الكوافير أمهر منه ولكني لا أحب الطبقية.
وبرضا واقتناع الممثلة القديرة والشخصية التلقائية الطيبة في ذات الوقت تقول سلوى: كنت كومبارسًا في فيلم "جاءنا البيان التالي"، إلا أن الناس حتى اليوم تقول لازمة الشخصية: "ميرفت وعِلاء".. أليس هذا نجاحًا كبيرًا. والطريف أن سلوى اختارت اسم "ميرفت" لأنه اسم إحدى السيدات اللاتي أوصلتهن بسيارتها التي اشترتها وهي لا تزال تسكن في حي القلعة ليلدن في المستشفى، مما يكشف أن شخصية سلوى الحقيقية التي تحب الناس وتساعدهم لم تتغير حتى اليوم.
وتؤكد أنها لا تتضايق من الأدوار الصغيرة؛ لأن الخبرة علمتها أن التوفيق من عند الله، وترى أن الكومبارس لا بد أن يُحترَم؛ فهو يقوم بعمل مهم جدًّا، وتؤمن بأن قيمة الدور ليس لها علاقة بطوله؛ ولذلك ضحت بالكثير من الأدوار الطويلة غير ذات القيمة حتى تحصل على أدوار مهمة حتى ولو قصيرة، وتؤكد مقولة ستانيسلافسكي أحد مؤسسي المسرح الحديث: "لا يوجد دور صغير ودور كبير، لكن يوجد ممثل صغير وممثل كبير".
وقد أثبتت سلوى هذه المقولة من خلال كثير من الأعمال؛ منها: دور صفية، السيدة دافئة المشاعر التي تسكن وحدها وتربي عددًا من القطط في مسلسل "راجعين يا هوا" إخراج محمد سلامة، ودور "نعمة" في مسلسل "طريقي" حبيبة وزوجة الأب الطيبة التي تعيش مع أسرته بعد وفاته، إخراج محمد شاكر خضير.
كما أنها تشير في أحد الحوارات إلى نجومية أصحاب الأدوار الثانية، مثل شفيق نور الدين، وتوفيق الدقن، وعبد السلام النابلسي، وزينات صدقي، وترى أنها تنتمي لهذه الفئة، وهذا شرف كبير.
وعندما تسألها: أي دور تحبين القيام به؟ تجيب: دور "ست عادية"؛ لأن الست العادية لو كانت ربة بيت أو موظفة فلديها تفاصيل كثيرة غنية إنسانيًّا، وتستحق أن نشاركها أحاسيسها ومشكلاتها. ومن هنا برعت سلوى في تقديم شخصية "أم جمال" في مسلسل "رمضان كريم"، و"فاتن" الأم الحنون التي تحاول إثناء ابنها "إياد نصار" عن تأجير رحم إحدى السيدات كسلوك غير ديني وغير أخلاقي في مسلسل "صلة رحم"، لكنها من جانب آخر تتقن دور السيدة الأرستقراطية؛ إذ يبدو أن سلوى قادرة دائمًا على ملاحظة الاختلافات، فتنجح في دور "درية" والدة آسر ياسين في مسلسل بـ"100 وش" التي لا تستطيع الاستغناء عن تفاصيل حياتها المرفهة، رغم تدهور الحالة الاقتصادية للأسرة، و"سوسن" والدة أسماء جلال في "أشغال شاقة" التي لا تتحمل أن تغير حفاضة حفيدها إلخ. كما أنها تجيد تقديم الشخصية القوية ومنها الطبيبة الأم "اعتماد" في مسلسل "لأعلى سعر"، ورغم هذه الأدوار وإعجابها بملكات مصر القديمة القويات كحتشبسوت ونفرتيتي والملكة تي التي تشبهها، إلا أنها تفضل تقديم دور مواطنة عادية في مصر القديمة.
ولم نرَ سلوى في التلفزيون والسينما سوى في مرحلة متأخرة نسبيًّا من العمر؛ إذ إنها بدأت في المسرح حيث الالتحام المباشر مع الجمهور والناس، الذي يتماشى تمامًا مع شخصيتها، وقد شاركت في ٧٠ مسرحية خلال مشوارها الفني، من أشهرها دور "ريجان" ابنة "الملك لير" الشريرة مع الفنان القدير يحيى الفخراني، وهو العرض الذي استمر 10 سنوات، كما حضرت ورشًا مسرحية في مصر والوطن العربي وأوروبا وأفريقيا.
وحتى الآن تعمل بالمسرح، وهي على استعداد للعمل في مسارح صغيرة، وقد لعبت بطولة المونودراما دنماركية الأصل "طبخة" على سطح مبنى تاريخي عريق في وسط القاهرة في مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة "دي- كاف" 2022، وترى أن معظم الممثلين الجيدين بدؤوا مشوارهم الفني من المسرح.
وتعتقد سلوى، التي عملت لسنوات في الثقافة الجماهيرية وسافرت إلى الأقاليم؛ حيث شاركت في مسرحيات قُدمت في "الوسعاية" وهي أماكن خالية في القرى تُستخدَم لتجمع أهلها، أن دور المسرح أن يذهب إلى الناس، وهي سعيدة بإعجاب الناس في الأقاليم مثلًا بالملابس والفساتين في مسرحية "الملك لير" التي صممها الفنان محمود مبروك، وترى أن هذه الملابس التاريخية عكست نوعًا من الجمال، وأن دور الفن هو إيصال الجمال؛ جمال العواطف والمعاني.
ولذلك ليس بغريب أن تستغلَّ سلوى فترة تربيتها لتوأمتيها؛ مي ومريم؛ لتدرس دبلومة معهد النقد الفني الذي تتلمذت فيه على يد مجموعة من النُّقَّاد لعبوا دورًا كبيرًا في تكوين وإثراء شخصيتها الفنية، منهم الراحلة الكبيرة د. نهاد صليحة التي تعلمت منها تحليل النص وتحليل الشخصية الدرامية؛ كما درست دبلومة معهد فنون شعبية الذي تقول عنه: هو معهد جميل جدًّا، ندرس أمثلتنا الشعبية، والحواديت التي اندثرت، والموسيقى، حتى أغاني الأفراح الفلاحي والصعيدي، وقد تعلمت الكثير منه مما أفادني في تقديم الأدوار الفلاحي والشعبي، ومنها دوري في مسلسل "رمضان كريم"، فوقت التنجيد له أغانٍ، ونقل الموبيليا لبيت العروسة له أغانٍ أخرى.. إلخ.
وبنفس الإحساس بأفراح الناس وآلامهم كتبت سلوى منذ خمس سنوات بوست "اللي عنده هدوم مش محتاجها وما لبسهاش الشتا اللي فات، يديها للمحتاج دلوقت، مش لازم نستنى البرد الهدوم مش هتولد في الدولاب.. الأقربون أولى بالمعروف.. والدفا عفا".
أحبت الناس وعاشت معهم، واستحقت حبهم واحترامهم، وما زال لديها الكثير لتعطيه فنيًّا عن جدارة واستحقاق.