حرب أكتوبر

د. سيد علي إسماعيل

أكتوبر في المسرح الجامعي والثقافة الجماهيرية

2024.04.12

تصوير آخرون

الرقابة والعروض المسرحية الأهلية عن حرب أكتوبر – دراسة وثائقية  

هذا البحث [1] دراسة توثيقية للمبادرات المسرحية الأهلية المتنوعة (المسرح الجامعي والمدرسي والثقافة الجماهيرية) التي تحدثت عن حرب أكتوبر المجيدة، أو وظفت الحرب في سياق أحداثها، أو تقاطعت مع عملية السلام التي تلت الحرب، وموقف الرقابة المسرحية المسجل من جميع تلك العروض. وسأبدأ بموقف الرقابة من مسرحية «البرنسيسة» التي أرادت جامعة القاهرة عرضها في الأيام الأولى من حرب أكتوبر!

مسرحية البرنسيسة:

قبل اندلاع حرب أكتوبر المجيدة بيومين، وتحديدًا يوم الرابع من أكتوبر 1973، تقدم اتحاد طلاب جامعة القاهرة بطلب إلى الرقابة المسرحية بالموافقة على عرض مسرحية «البرنسيسة»، تأليف: نجيب الريحاني وبديع خيري؛ من أجل عرضها داخل الجامعة، من إخراج: فؤاد الجزايرلي. وتم توزيع النص على الرقباء، فوافقت عليه الرقيبة «ثريا الجندي» يوم 8/10/1973- أي: بعد اندلاع الحرب بيومين- ووافق عليه أيضًا الرقيب «فؤاد خطاب» يوم 18/10/1973، ووافقت عليه كذلك الرقيبة «فاطمة حسنين» يوم 21/10/1973، وهذا التأخر في كتابة التقارير سببه ظروف الحرب! ورغم موافقة الرقباء الثلاثة على العرض فإن مدير رقابة المسرحيات رفض العرض بتأشيرة قال فيها: "المسرحية بوضعها الحالي لا تصلح للعرض؛ فهي تتعرض للزواج من الأمريكيات، الأمر الذي لا يجوز عرضه بأي حال من الأحوال؛ لذلك أرى منع الترخيص بها".

وعبارة «الزواج من أمريكيات» في تأشيرة المدير-وأثناء اندلاع حرب أكتوب- جعل مدير عام الرقابة «اعتدال ممتاز» تكتب تأشيرة في 4/11/1973 تقول فيها: "الأستاذ أمين رضوان .. برجاء قراءة هذه المسرحية وافادتي بالرأي فيما إذا كانت تتناسب والظروف الحالية من جهة، وفيما إذا كان من الممكن حذف أجزاء منها ليستقيم المفهوم، وشكرًا". وبالفعل كتب «أمين أحمد أمين رضوان» تقريرًا في 6/11/1973 أشار فيه إلى شخصية الأجنبي في المسرحية؛ لكونها شخصية هيستيرية خائفة بسبب خوضه الحرب، وهي لا تتناسب مع الظرف الحالية؛ لذلك يطالب بحذفها من المسرحية! كما أشار إلى ملاحظات عديدة، وأنهى تقريره برأي أخير قال فيه: "إن من الأنسب -والمسرحية مقدمة من اتحاد طلاب جامعة القاهرة- ألا تجاز هذه المسرحية؛ فقد تصلح المسرحية بعد إجراء بعض الحذوفات للعرض على أي مسرح من المسارح، أما أن تُعرض تحت قبة الجامعة في مثل ظروفنا الراهنة فهذا أمر غير مستساغ". وبناءً على هذا التقرير تم منع عرض المسرحية بقرار رسمي من الرقابة يوم 7/11/1973.

وهذا يعني أن الرقابة المسرحية كانت تراقب كل ما يُعرَض أو سيُعرض على الجمهور، مع علمها بأهمية جمهور طلاب جامعة القاهرة لكونه يُمثل المستقبل؛ لذلك فهي تريد حمايته وحماية أفكاره من أي أثر سلبي أثناء نشوب معركة أكتوبر، لا سيما وأن المعركة لم تكن انتهت وقت مراقبة نص المسرحية!

مسرحية حكاية الشيخ يونس:

في عام 1978 تقدمت مديرية الشباب والرياضة بمحافظة المنوفية إلى الرقابة المسرحية من أجل الترخيص بتمثيل نص مسرحية «حكاية الشيخ يونس»، من تأليف: «يسري حسن عبيد»، وتدور أحداث المسرحية خلال حرب أكتوبر 1973، عندما يعثر أهالي القرية على جريح إسرائيلي ويريدون الفتك به انتقامًا لشهداء نكسة 1967، ولكن يمنعهم الشيخ يونس الضرير؛ حيث إن قتل الأسير الجريح خطأ، لا سيما وأنه ليس في ميدان المعركة! وتوافقه في الرأي ابنته «حليمة» رغم أن الإسرائيليين قتلوا أمها في النكسة، وكانوا سبب كف بصر أبيها! وبالفعل يتم إسعاف الأسير ويُسلم إلى المسؤولين، ويأتي «حسان» من سيناء ويحكي لأهالي القرية عن شجاعة الجنود المصريين، وعن استشهاد «إبراهيم» -ابن الشيخ يونس- فكان النصر حليفهم وأزالوا به عار النكسة، بناء على تخطيط محكم من القيادة العسكرية.

هذه المسرحية وافق عليها جميع الرقباء، فكتب المدير العام تقريره الأخير يوم 11/6/1978 قائلًا: "بعد الاطلاع على مسرحية «حكاية الشيخ يونس»، وبعد الاطلاع على تقارير الرقباء الموافقين عليها، وحيث إن مضمون هذه المسرحية حول أسير يقع في أيدي بعض الأهالي في إحدى القرى، ويحاول هؤلاء الاستدلال على شخصيته، ولكنه لا يستطيع الإفصاح عن ذلك. ولا مانع من الترخيص بهذه المسرحية، وقد سبق الترخيص بهذه المسرحية تحت اسم: «الغريب»، وقد غُيِّرت شخصية هذا الغريب الألماني إلى الإسرائيلي".

كانت مفاجأة كبيرة قول المدير بأن هذه المسرحية تم التصريح بتمثيلها من قبل تحت اسم: «الغريب»، وأن الأسير فيها كان ألمانيًّا وليس إسرائيليًّا! وبالبحث عن هذه المعلومة، اكتشفت أنها بالفعل مسرحية «الغريب»، تأليف: «محمود دياب» التي عرضها المسرح القومي عام 1967، وجاء في وصف الشخصيات في النص المُقدَّم إلى الرقابة أن الغريب هو "أسير ألماني، هارب، في حوالي التاسعة والعشرين"، والمكان "قرية متطرفة من قرى الشرقية"، والزمان "نهاية الحرب العالمية الثانية، صيف سنة 1945". وبناءً على ذلك يتضح لنا أن «يسري حسن عبيد» قام بإعداد مسرحية «حكاية الشيخ يونس» من مسرحية محمود دياب «الغريب»، وذلك بتبديل الزمان والمكان وشخصية البطل من إحدى قرى الشرقية أيام الحرب العالمية الثانية والأسير الألماني، إلى الإسماعيلية أيام حرب أكتوبر 1973 والأسير الإسرائيلي.

 

 

مسرحية حكمة أخناتون:

رغم أنني من أوائل من كتبوا عن الرقابة المسرحية، فإنني لم أتوقع أن الرقابة بقوانينها تُطبَّق على النصوص المسرحية المدرسية، كما تُطبَّق على نصوص المسارح الكبرى! والأغرب أنني وجدت نصًّا مسرحيًّا تقدمت به مدرسة التجارة الثانوية بنات في بورسعيد عام 1979! وربما هذا الأمر سببه أن النص يتعلق بمبادرة السلام! فالنص عنوانه: «حكمة أخناتون»، تأليف: «أ.أ. جرنتام»، ترجمة: «إيريس حبيب المصري»، ويحكي العرض عن الحياة التي تسير سيرها الطبيعي الهادئ في قصر أخناتون؛ إذ تسير عبادة الإله آتون إله النور الأعظم في سيرها العادي، يتعبد إليه الكهنة، ويقدسه حاملو مياه التطهير، والحرس يقومون على الخدمة في القصر، ولكن الحرس يصلهم أنين مكتوم أثناء الليل، فيعلمون أنه أنين الجندي «ثادو» الذي عاد من الحرب شبه مجنون.

وكتبت الرقيبة «فادية بغدادي» تقريرًا قالت فيه: هذه المسرحية تبين نتائج الحروب على الشعوب؛ فهي تلحق بالشعوب الدمار والويلات، وتشعل الحقد في النفوس، كما تشوه الأفراد وتيتم الأبناء، وغير ذلك من نتائج رهيبة. وقد كان في القديم أيام قدماء المصريين تنشب الحروب من أجل الصراع على الأرض، وهذا ما حدث في عهد أخناتون؛ فقد استنجد به الملك بيبلوس من الأعداء الذين يهاجمون بلاده ويريدون الاستيلاء عليها، وقد استعد «حور محب» المسؤول عن الجيش واتخذ العدة للقتال، ولكن الملك أخناتون رأى أن السلام أبقى ويحمي الجند والأرض والحضارة من ويلات الحروب ودمارها. ورغم أن الجند كانوا على استعداد للقتال، فإن الملك أخناتون أقنعهم بالسلام من أجل الخير والرخاء، فاقتنع الجميع بأن السلام هو خير الطرق للحياة الهادئة والإخاء والمحبة.

وقد وافق الرقيب «محسن مصيلحي» على عرض النص قائلًا في نهاية تقريره: "أوافق على إتمام العرض العام لهذه المسرحية؛ حيث إنها توضح أن مجد مصر وحضارتها قائمان على البناء وليس الهدم، وعلى السلام وليس الحرب؛ كما أنها تستشف ذلك من التاريخ الفرعونى لمصر، وخصوصًا في الفترة التي توحدت فيها الآلهة على يد أخناتون الذي دعا إلى التوحيد".

وهذه المسرحية- رغم أنها مسرحية مدرسية- فإنها تهيئ الجيل الصاعد لقبول اتفاقية السلام، وإبعاد فكرة الحرب لكونها مدمرة ولا تصلح لمستقبل مصر، التي سيعم عليها الخير نتيجة لمبادرة السلام!

 

 

مسرحية البحث عن الذات:

في أبريل 1979 تقدمت «جمعية المجابرة الخيرية» ببورسعيد إلى الرقابة المسرحية بنص مسرحية «البحث عن الذات» من أجل تمثيلها، ووجدت مكتوبًا على الصفحة الأولى من مخطوطة النص الآتي: "جمعية المجابرة الخيرية ببورسعيد تقدم مسرحية «البحث عن الذات» تاريخ مصر من خلال حياة الزعيم محمد أنور السادات، إعداد وإخراج: «محمد طه حماد»".

ويحمل نص المخطوطة مقدمة، جاء فيها الآتي: "لا شك أن البحث في صفحات التاريخ للتعرف على مراحل النضال المصري واجب قومي، وعندما تساءلنا نحن الشباب: أين الطريق؟ بزغ في الأفق كتاب عظيم هو «البحث عن الذات» للرئيس المؤمن محمد أنور السادات، الفلاح المصري الذي نشأ وتربى على ضفاف النيل؛ حيث شهد الإنسان مولد الزمان، لقد حكى لنا ضمن ما حكى طفولته منذ وعى النضال المصري ضد الاحتلال، كما تحدث عن الثورة ومنجزاتها وأخطائها، وصحبناه في رحلته القدرية من أجل مصر بعد وفاة جمال عبد الناصر، وفي كل كلمة نطق بها كنا نشعر بالصدق والولاء لمصر، إلى أن جاء إلينا بثورة 15 مايو العظيمة؛ لكي يصحح أخطاء الماضي، فألغى المعتقلات وأقام دولة المؤسسات، وبعد ذلك حقق نصر أكتوبر رغم أنف المشككين وأصحاب المصلحة، والآن يكمل الرئيس رحلته بتحقيق السلام القائم على العدل وعودة الحقوق المشروعة والعادلة للشعب العربي الفلسطيني. وبذلك ضرب المثل الأعلى في الكفاح والتضحية، وفي سبيل تحقيق المصلحة العليا والصالح العام للشعب المصري، هذا الشعب الذي ذاق مرارة الهزيمة، وضحى بكل ما يملك في سبيل تحقيق النصر. وقد فكرنا نحن الشباب في تحويل كتاب السيد الرئيس «البحث عن الذات» إلى مسرحية؛ لتوضيح المعالم الرئيسة في الكتاب؛ وهي: تعرف الشباب على تاريخ مصر من خلال حياة الرئيس المؤمن محمد أنور السادات، وتوضيح دور القرية المصرية بما تحمل من أصالة وقيم ومبادئ في الكفاح ضد الاستعمار الإنجليزي وإبراز ما حدث في دنشواي، وإبراز الأسباب التي أدت إلى هزيمة 1967، وكيفية تلافي هذه الأخطاء في معركة 1973، ونشر الوعي السياسي الصحيح بين الشباب المصري؛ من خلال الظروف التي مرت بزعيم الأمة محمد أنور السادات، وإرساء بعض القيم والمبادئ التي تفيد الشباب من حياة القائد أنور السادات، وإلقاء الضوء على مبادرة السلام والجهود التي يبذلها السيد الرئيس في هذا الموضوع، وعودة أهالي القنال والمهجرين إلى ديارهم وفرحتهم بالعودة ثم السلام، والتضحية التي بذلها الشعب المصري والجندي المصري تحت قيادة الرئيس المؤمن محمد أنور السادات لكي يتحقق نصر أكتوبر المجيد".

والمسرحية تدور أحداثها حول نشأة الرئيس محمد أنور السادات الذي قضى طفولته في قريته ميت أبو الكوم، التي علمته القيم والحب والثقة بالنفس، وعلمته الوطنية التي تأصلت فيه من خلال سماعه لبطولات الإنسان المصري في الريف، مثل: موال أدهم الشرقاوي، وزهران. ثم ينتقل الرئيس ومعه أسرته إلى القاهرة، وهناك يكتشف أن الأحزاب السياسية التي كانت موجودة في ذلك الوقت مسؤولة عن الفساد الداخلي للبلاد، هدفها الوحيد الوصول إلى السلطة وتملق الملك والإنجليز، وقد أحس الرئيس بكل ذلك فتأصلت في نفسه الكراهية للمعتدين والمنافقين، ورأى أنه لا بد من الخلاص من هذا الفساد، فكوَّن تنظيم الضباط الأحرار إلى أن كان يوم 23 يوليو، وكان هو أول من أذاع بيان الثورة، وكلف علي ماهر بتشكيل الوزارة، وأعطى الملك الإنذار بمغادرة البلاد. ومع ذلك نجد الرئيس بعيدًا عن الصراع والتنافس على السلطة، وكان هذا حرصًا منه على الثورة وليس عجزًا. وفي عام 1967 تتعرض قواتنا المسلحة للهزيمة، وكان لا بد من إعادة البناء الذي شارك فيه السادات بثورة 15 مايو التي صححت من مسار ثورة يوليو، بل استطاع بجهوده ومثابرته أن يغير كثيرًا من المفاهيم، واستطاع أن يعبر بمصر من الهزيمة إلى النصر في 1973، وأعاد للعرب كرامتهم، ولم يكتفِ بكل ذلك، بل نجده يقوم بمبادرته للسلام والتي غيرت من مجرى التاريخ، وكشفت للعالم أجمع أننا دعاة سلام قائم على العدل، لا دعاة حرب ودمار".

وبناء على موضوع المسرحية وافق جميع الرقباء على عرضها، وكتب المدير تأشيرة يوم 14/4/1979 قال فيها: "لا مانع من الترخيص بعرض هذه المسرحية «البحث عن الذات» بعد الاطلاع عليها، وهي معدة من كتاب "البحث عن الذات" للرئيس محمد أنور السادات، وهي تتناول تاريخ مصر ونضالها من خلال حياة الزعيم السادات، وذلك من خلال عدة مشاهد تبدأ من حادثة دنشواي، وتنتهي إلى قيامه بمبادرة السلام".

 

 

مسرحية تاجر البندقية:

رائعة شكسبير «تاجر البندقية»، تم تمثيلها في مصر مئات المرات منذ عام 1926 بترجماتها المختلفة من محمد السباعي، وكامل الكيلاني، وخليل مطران ... إلخ، وفي كل مرة تنال التصريح بتمثيلها من قِبَل الرقابة دون أية ملاحظات؛ لكونها من المسرحيات العالمية، وإحدى روائع شكسبير، ولكن الأمر اختلف بعد انتصارات أكتوبر المجيدة، وتوقيع اتفاقية السلام عام 1979.

وتدور أحداث المسرحية المعروفة لنا جميعًا حول ضمانة «أنطونيو» لدين صديقه عند «شيلوك» تاجر البندقية اليهودي، الذي يشترط على الضامن استقطاع رطل من لحمه في حالة عدم الوفاء بالدَّين! وبالفعل لم يستطع المدين دفع الدين، فطالب شيلوك بحقه القانوني في قطع رطل اللحم من المدين! فيوافق القاضي شريطة عدم سقوط قطرة دم واحدة أو اقتطاع ما يزيد أو ينقص عن الرطل الواحد المنصوص عليه في وثيقة الدين؛ لأنه لو حدث هذا فيحق للمدين أن يتمتع بثروة شيلوك كلها! فينقلب الأمر ويستعطف شيلوك القاضي والمدين؛ لأنه سيخسر ثروته لا محالة؛ لأن قطع الرطل يصاحبه دم ينزف، ناهيك عن عدم قدرة شيلوك في تحديد وزن الرطل عند اقتطاعه بالزيادة أو النقصان، وبناءً على ذلك يخسر شيلوك ثروته ... إلخ.

هذه المسرحية التي عُرضت مئات المرات قبل عام 1980 دون أية ملاحظات رقابية، تعثرت رقابيًّا عندما أراد فريق التمثيل بكلية الآداب عرضها داخل الجامعة، فكتبت الرقيبة «شكرية السيد» تقريرًا في 24/1/1980 اختتمته برأي قالت فيه: "لا مانع من الترخيص بعرض هذه المسرحية بدون ملاحظات عرضًا عامًّا لتلك المسرحية الخالدة من روائع أعمال شكسبير، والتي تسجل صفحة سوداء من تاريخ اليهود وجشعهم وحبهم للمال الحرام، وكراهيتهم للمسيحيين المتسامحين، والمسرحية تمثل أيضًا نزاهة العدالة وتنفيذ القوانين بنصوصها وروحها، والإيثار والمحبة والصداقة الوثيقة والتضحية بين الأصدقاء، وكل معاني الخير والحق والجمال في عالم يطغى عليه الجشع والحقد والفساد وحب المال والكراهية للنفس الإنسانية بكل ما في هذه الكلمة من معانٍ. ولا مانع من الترخيص بالعرض مع إخطار الرقابة بموعِدَي التجربة والعرض".

ومن الواضح أن أثر اتفاقية السلام كان فعالًا في الضغط على الرقابة المسرحية، حيث كتب مدير الرقابة المسرحية تقريرًا في 3/2/1980، قال فيه: "بعد الاطلاع على مسرحية «تاجر البندقية»، وبعد الاطلاع على الترخيص السابق لهذه المسرحية وموافقة الرقباء عليها، وحيث إنها من المسرحيات الخالدة لشكسبير، والتي تسجل صفحة سوداء لتاريخ اليهود وجشعهم وحبهم للمال الحرام، وكراهيتهم للمسيحيين المتسامحين، وإحساسهم بأفضليتهم على الجنس البشري قاطبة. هذا، ولما كانت المسرحية تحبذ نزاهة العدالة، وتنفيذ القوانين بنصوصها وروحها، والمسرحية وإن كانت من روائع شكسبير ومن التراث الأدبي العالمي، إلا أن ظروفنا الحالية وصُلحنا مع إسرائيل يتطلب عدم المساس بالشخصية اليهودية عامة كما وصفها وليم شكسبير؛ لذلك نرى حذف الملاحظات في الصفحة 18 مع جعل شخصية شيلوك غير يهودية على الإطلاق، بل شخصية إنسانية مطبعة بالبخل، ولا مانع من عرض المسرحية بهذه الملاحظات".

وبناءً على هذا التقرير، واستحالة تنفيذ ما فيه من ملاحظات، تم إيقاف إجراءات الترخيص؛ لأن المطلوب فنيًّا ومسرحيًّا يعني عرض مسرحية أخرى مشوهة، خلافًا للمسرحية المعروفة عالميًّا! كما أن مكان العرض ينتمي إلى البيئة الجامعية، والممثلين ينتمون إلى كلية الآداب صاحبة العرض، والتي تُدرس الآداب العالمية، فكيف يرضى أساتذتها وطلابها بعرض صورة أدبية مشوهة خلافًا لما يُدرس في قاعات الكلية؟! كل هذا من المؤكد تمَّ عرضه أمام المسؤولين، فتدخل وكيل أول وزارة الثقافة وأمر بعرض المسرحية في كلية الآداب بدون أية ملاحظات في 26/2/1980، وهذا واضح من التأشيرة العلوية على تقرير مدير الرقابة!

 

 

مسرحية الثغرة:

في نوفمبر 1985 تقدم الدكتور «غبريال وهبة» بطلب إلى الرقابة؛ للترخيص له بعرض مسرحية من تأليفه عنوانها: «الثغرة» أو «أمسيات في قرية عين غصين» وفقًا لما هو مدوَّن على غلاف المخطوطة. والنص المُقدَّم منسوخ بالآلة الكاتبة، وأظنه لم يُنشر حتى الآن، مما يعني أننا أمام أثر إبداعي مسرحي مجهول لغبريال وهبة، الذي كتب إهداءً قال فيه: "إلى الجندي العربي المجهول الذي قذف بروحه سخية لتحقيق النصر للأمة العربية .. أهدي مسرحيتي".

والمسرحية تحكي أحداث «الثغرة» الشهيرة التي حدثت أثناء حرب أكتوبر 1973، وذلك من خلال مجموعة من أهالي قرية «عين غصين» بالإسماعيلية كونوا فرقة مقاومة شعبية سُمِّيت باسم "وحدة الشهيد عبد المنعم رياض"، وذلك أثناء اندلاع حرب 1973 بيننا وبين إسرائيل التي انتهت بانتصارنا على الأعداء، وعودة سيناء لنا، وعبورنا المظفر لخط بارليف المزعوم! وبالرغم من فتح الأعداء الثغرة وقربها من السويس فإننا بفضل الله ثم الجيش والمقاومة الشعبية انتصرنا، حيث تكونت المقاومة الشعبية من «حافظ» رئيس مجلس قرية عين غصين وقائد وحدة الشهيد عبد المنعم رياض للمقاومة الشعبية، و«مصطفى» مسؤول الدفاع الشعبي، والشيخ «عبد السميع» مدرس اللغة العربية بالمعاش، الذي استشهد أثناء تأدية واجبه الوطني، و«بطرس» ناظر مدرسة بالمعاش كان يقاتل انتقامًا من الأعداء لقتلهم أخاه في حرب 1967، والدكتورة «سعاد» أخصائية التحاليل الطبية بالوحدة الصحية بالقرية، وكانت تحل محل حافظ في إلقاء الأوامر أثناء دفاعه، و«درية» زوجة حافظ، و«عايدة» زوجة مصطفى تستشهدان لتجسسهما على مخابئ ذخيرة الأعداء، و«بثينة» مهاجرة عائدة من أمريكا تسللت عبر خطوط الأعداء على أنها صحفية أمريكية، واتخذت اسم «ماري ستاري» الأمريكية، وطلبت التطوع للعمل كممرضة، وكشف الأعداء أمرها وقتلوها واستشهدت، و«هاني» غلام من الفلاحين وهو عضو بوحدة الشهيد عبد المنعم رياض للمقاومة الشعبية، و«عبد الستار» مهندس زراعي انتسب لكلية الآداب، وتخرج في قسم اللغات الشرقية، وانضم لأفراد المقاومة الشعبية، واستطاع مع مصطفى أن يجمعا الجنود الإسرائيليين وينزعا أسلحتهم، ودمرا موقع قيادة الأعداء، ونسفا مخزن ذخيرتهم، وكَبَّداهم الخسائر والهزيمة.

وافق كل الرقباء على عرض هذه المسرحية، ومنهم الرقيب «فتحي عمران» الذي أنهى تقريره قائلًا: "أرى أنه لا مانع من الترخيص بأداء المسرحية الوطنية، التي تخلد انتصار الجيش المصري في حرب أكتوبر المجيدة بمساندة المقاومة الشعبية المصرية، واسترداد سيناء الحبيبة". وأنهت الرقيبة «راضية سيد» تقريرها قائلة: "لا مانع من أداء المسرحية الوطنية التي تخلد انتصار مصر واتحاد الجيش والمقاومة الشعبية المصرية على العدو الإسرائيلي، واسترداد مصر لسيناء".

مسرحية موالك يا صابرة:

في عام 1987 تقدم «محمد عبد الدايم» مدير مديرية الثقافة بالقليوبية التابعة للثقافة الجماهيرية، بخطاب رسمي إلى مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية؛ من أجل الترخيص لقصر ثقافة بنها بعرض مسرحية «موالك يا صابرة»، تأليف: سليم عبد الحليم، من خلال فرقة الفنون الشعبية احتفالًا بأعياد أكتوبر المجيدة. والنص المخطوط المُقدم إلى الرقابة مكتوب في صفحته الأولى أن الأشعار والأغاني تأليف: «سليم عبد الحليم»، والألحان قام بها: «سيد مهدي»، والديكور صممه: «عبد الفتاح العدوي»، أما الاستعراضات فكانت من تنفيذ «ميرفت زعزع» و«مهدي محمد مهدي». وقام «محمد بحيري» بإعداد العرض وإخراجه.

وكتبت الرقيبة «ماجدة الشيخ» تقريرًا به ملخص العرض، قالت فيه: "استعرضت المسرحية مواقف الكفاح الشريف المرير المتواصل الذي خاضه الشعب المصري تجاه الدول المستعمرة، التي حاولت أن تحتل أرضه وتغتصب خيراته، مثل: التتار والمغول والصليبيين والترك والفرنسيين والإنجليز واليهود، فقدم المؤلف عدة استعراضات توضح حضارة أجدادنا الفراعنة في بناء الأهرامات والمعابد، واعتزازهم بالأرض، كذلك استعراض لثورة 1919 التي تبين مدى التحام الشعب من أجل طرد المستعمر، واستعراض مقاومة الشعب المصري ضد الشراكسة، وهكذا قدم المؤلف عدة مواقف شجاعة وبطولية لكفاح الشعب المصري ضد اليهود في انتصار أكتوبر".

واختتمت الرقيبة تقريرها قائلة: "الرأي: استعرضت المسرحية قصة كفاح الشعب المصري من عهد مينا إلى عهدنا الحديث بشكل مبسط بالأغنية والموال والاستعراض، فأراد أن يقول المؤلف: إن الشعب الذي واصل هذا الكفاح وحرر أرضه من الطغاة، لا بد له أن يتحد ويصبح على قلب رجل واحد لجسد واحد في البناء وفي الارتقاء إلى الأعلى بالنظام والاتحاد من أجل البناء. ولا مانع من ترخيص المسرحية، وليس بها أي موانع رقابية".

هذه إطلالة سريعة على نماذج من المسرحيات التي وَظَّفت انتصار أكتوبر المجيد، بما صاحبها من وثائق رقابية تُنشر لأول مرة، وهي نماذج جاءت بعد الانتصار بسنوات عديدة.

 

 


[1] تناولت مسرحيات حرب أكتوبر 1973 في مناسبتين: الأولى: في جامعة القاهرة عندما ألقيت ورقة بعنوان: «مسرحيات انتصارات أكتوبر في الوجدان الشعبي» ضمن ندوة «أكتوبر في الوجدان الشعبي»، التي أقامها مركز البحوث والدراسات التاريخية بالتعاون مع مركز دراسات التراث الشعبي يوم الخميس الموافق 26 أكتوبر 2017 بكلية الآداب جامعة القاهرة. والمناسبة الأخرى: عندما توسعت في الورقة وأصبحت بحثًا بالعنوان نفسه، ونشرتها في مجلة «سياقات» المجلد الثاني، العدد السابع، بتاريخ ديسمبر 2017. وفي المناسبتين كان حديثي حول المسرحيات التي قُدمت في العام الأول من الحرب ابتداءً من أكتوبر 1973 إلى أكتوبر 1974.