هوامش
محمد حسنيأن تأتي متأخرًا... غزة تفجّر غضب التظاهرات داخل إسرائيل
2025.08.09
مصدر الصورة : AFP
أن تأتي متأخرًا... غزة تفجّر غضب التظاهرات داخل إسرائيل
بعد سنتين من الحرب على غزة، تحت ضغط التخويف والقمع، خرجت مظاهرات في أراضي 48 ضد الحرب في غزة، لأكثر من أسبوع وبشكل شبه يومي، وبشعارات معلنة ضد الإبادة والتجويع.
تعد تلك التظاهرات، التي خرجت بداية من الجمعة 25 يوليو وحتى الأول من أغسطس، الحدث النضالي الاحتجاجي الأضخم، في الوسط العربي، كمًّا وكيفًا، ضد الحرب منذ اندلاعها. وقد دعت إليها عدة جهات على رأسها: لجنة المتابعة العليا، والحزب الشيوعي والجبهة [i] ، وحركة "نقف معًا".
في يوم الجمعة 25 يوليو خرج عشرات الآلاف في مسيرة ببلدة "سخنين"، انطلاقًا من ساحة مسجد النور، رغم قيود الأجهزة القمعية. كانت دعوات التظاهر تتحدث بشكل واضح لا لبس فيه عن جرائم الحرب: الإبادة والتجويع والقصف، وتدعو صراحة إلى التظاهر والمقاطعة ورفض الخدمة. بعدما كانت هذه الشعارات قاصرة على قلة من اليسار الراديكالي، وتقابل بالقمع الشديد.
لا ننتظر المسيح
تقدم هذه الدعوات، رغم بساطتها ومحدوديتها، طرحًا مهمًّا، هو أن هناك بديلًا من سياسات العنصرية والتفوق اليهودي، فحركة "نقف معًا - عومديم بيَحَد"، وهي حركة عربية- يهودية، من أهم الذين نظموا التظاهرات، وجاءت دعوتها بعنوان: "لا ننتظر أن يأتي أحد لينقذنا" - لا تدين الحرب وحسب، بل وتهاجم الحكومة وتفضح أهدافها الحقيقية للتوسع الاستيطاني والتشبث بالسلطة.
وقد دعت الحركة إلى مواصلة التظاهرات، والانتقال إلى أماكن أخرى، وفي اليوم التالي نظم منتدى إنهاء الحرب، الذي يضم أهالي المختطفين وأهالي مجندين ومصابي حرب، وضباطًا سابقين، تظاهرة احتشد لها المتظاهرون في ميدان "هبيماه" بتل أبيب، وقد ربطت الدعوة بين النضال لوقف الحرب على غزة والنضال ضد الحكومة [ii] ، خلال تلك الفعالية التي أُطلق عليها "مسيرة الطحين"، حيث دعا منظموها المشاركين إلى حمل أكياس الطحين (الدقيق) تعبيرًا عن رفضهم للتجويع والإبادة، وهو ما ظهر في تعليقات المشاركين، خصوصًا "نقف معًا"، التي أشار أحد ناشطيها في تعليقات صحفية، قائلًا إن "أغلبية الجمهور تؤيد وقف إطلاق النار وإنجاز صفقة تبادل – لا مزيد من الحصار، ولا القصف" [iii] .
مضيفًا: "لا يمكننا الصمت أمام فظائع تُرتكب باسمنا: أطفال يموتون جوعًا، آباء يواجهون الموت من أجل فتات، ومدن تُمحى ومعسكرات اعتقال تُقام. ما يحدث في غزة ليس حربًا، بل جريمة تُنفذ بدم بارد وتواطؤ معلن".
بينما أكدت "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" على أهمية تصعيد النضال ضد الحرب، واعتبرت مظاهرة سخنين نقطة تحوّل، لكنها تتطلب مواصلة الفعل السياسي لكسر حاجز الترهيب المفروض على المواطنين العرب، وتحويل هذا الزخم إلى قوة شعبية منظمة تفرض معادلة جديدة من مواجهة الترهيب، وتصعيد النضال في البلدات العربية إلى هز أركان المجتمع الاسرائيلي، وتنظيم نشاطات ومظاهرات كبرى ضد الحرب، في تل أبيب والمدن المركزية في البلاد، وذلك بالتوازي مع جهود على المستوى الدولي لتعميق عزلة حكومة إسرائيل. ومن ناحية أخرى إطلاق حملة إغاثة واسعة تحت شعار "فكر بغزة".
كان من بين من خطبوا في الحشود، قادة المجتمع العربي في الداخل، "محمد بركة" رئيس لجنة المتابعة العليا، و"مازن غنايم" رئيس بلدية سخنين. وجاءت أكثر الكلمات تأثيرًا ما قالته "إيلا كيدار"، وهي من رافضي الخدمة، التي حكت عن محاكمتها بسبب رفض التجنيد، قائلة: "... عندما قلت: "الإبادة الجماعية"، تعرضتُ للتوبيخ، وألقوا عليَّ محاضرة أن بعد 7 أكتوبر كل شيء مباح...".
وفي سياق مواصلة النضال، دعت حركة "أكاديميون من أجل المساواة" إلى إضراب عن الطعام يبدأ من 27 يوليو ولمدة ثلاثة أيام، وجاءت الدعوة بالمشاركة مع لجنة المتابعة العليا، بمصاحبة دعاية إعلامية ودبلوماسية شعبية، وانتهت بمظاهرة أمام سفارة الولايات المتحدة بتل أبيب، قبل أن تتجدد المظاهرات، يومي الخميس 31 يوليو، والجمعة الأول من أغسطس، رافعة شعارات ضد التجويع والإبادة، وتمت المظاهرات رغم قمع الشرطة المتزايد، واستمرت حتى ليلة نشر المقالة.
وبالتزامن مع تلك الأحداث، خرج المتظاهرون في بلدات أخرى: يافا، رهط، والطيرة، رفعوا شعارات: "كفى للإبادة والتجويع في غزة"، و"نتنياهو يجر الدولة إلى الضياع" [iv] . وقد حظرت الشرطة رفع أعلام فلسطين، ونشرت مئات الأفراد لتخويف المتظاهرين. واعتقلت 24 متظاهرًا، باعتبارها مظاهرة "غير قانونية" بينما دعت منظمة "بتسلمو" اليمينية مؤيديها إلى الخروج لمنع المظاهرة [v] .
أن تأتي متأخرًا
رغم ذلك، يبرز سؤال مهم: لماذا تطلَّب الأمر عامين من القصف، والقتل المنهجي الذي تصاعد إلى حد الإبادة؟
تقول الحاخامة الإصلاحية "نوعاة ستات" -مديرة رابطة حقوق المواطن- إن "العنصرية في أساسها مفهوم تراتبي للمجتمع ومنظومة من التنميط السلبي، هدفها تبرير وضع قائم على التمييز. وكلما زاد جماح الإسرائيليين في غزة، زاد لدى الجمهور تصور ينزع الإنسانية عن الغزيين، لكي يسمح بمزيد من جرائم الحرب، فباتت حياة هؤلاء أقل أهمية من قطط الشوارع، وصار قتل الأطفال والنساء وحتى الرضع أضرارًا متوقعة ومقبولة". [vi]
من هنا، فإن طبيعة المجتمع الإسرائيلي كنتاج لمشروع استيطاني، وبشكل خاص خلال ما يقرب من نصف قرن من تصاعد متزايد لليمين القومي-الديني، قد أدى إلى الصمت على الإبادة. ومن الجدير الأخذ في الاعتبار، أنه حتى في صفوف معارضي الحرب هناك عنصريون.
يقول الشاعر الراديكالي إسحق لائور، إن "هناك فجوة شاسعة بين التضامن مع معاناة الفلسطينيين وبين التظاهر ضد نتنياهو، فحتى أولئك المستعدين للتظاهر ضد الحرب وأحيانًا معارضين للحرب، نجدهم يصرون على عدم التعاطف مع معاناة الشعب الفلسطيني، ويشكل هؤلاء أغلب المحتجين. وحتى لو كانت المجاعة هي ما دفعهم إلى الخروج، فإنهم لم يخرجوا خلال القصف والقتل الفوري".
وبالرغم من ذلك لا يمكن التقليل من أي حركة احتجاج ضد الحرب، وفي الوقت نفسه يجب عدم تجاهل الفروق التي على أساسها يحدث الفرز في المواقف، فهناك فجوة هائلة بين التضامن مع الشعب الفلسطيني وبين الأنانية القومية اليهودية التي تتبنى الإنكار الدائم تمهيدًا للنسيان الإجباري، وهو ما نلحظه في تعليقات بعض المستوطنين، الذين يعدون جنود الجيش "أبناء" و"أبطال"، مثلما قالت والدة أحد المختطفين "نمرود ولدي وبطلي" [vii] .
أو مثلما يرى آخرون أن الجيش الإسرائيلي لم يخطئ: "لقد نفذ الجيش مهمته بنجاح وأخضع حماس [viii] . كون المختطفين لا يزالون في الأسر هو فشل تام، شعب إسرائيل لن يغفر للحكومة جرّ أرجلنا التي تكلفنا دم جنود ودم مختطفين" [ix] .
فهم يعلقون الذنب على نتنياهو وسموتريتش وبن جفير وحسب، وفي حين كانت عائلات المختطفين تهتف "نتنياهو يتاجر بنا". توصلت أم أحد المختطفين إلى استنتاج أن "المفاهيم التي فرضها علينا بن جفير وسموتريتش قد فشلت" [x] .
وكما يعلق إسحق لائور: "لا يريد هؤلاء أن يكونوا جزءًا من الشرق الأوسط بين الأغلبية العربية، بل يصرون على ذهنية التفوق والاستعلاء، والعيش كـ سادة وسط عبيد".
في أعقاب الحرب، خرجت معظم أصوات اليسار مرتعشة، لا تدين حماس وحسب، بل وتدين التضامن الدولي، و تتنكر لكل مواقفها السابقة الداعمة للحق الفلسطيني، لكن تظاهرات سخنين عكست التحول بين كل الاحتجاجات السابقة منذ اندلاع الحرب، والاحتجاجات الحالية، بدون استنكار للشعارات العربية، وبذلك يظهر الفارق الحقيقي بين المحتجين -يهودًا وعربًا- وبين مؤيدي القتل. وكذلك يظهر عدم الخضوع لحالة الابتزاز من جانب اليمين، فطوال سنوات لم يؤدِّ تجنب العرب إلا إلى مزيد من دعم اليمين، والتصويت لأمثال لابيد وجنتس وبنيت، بزعم أنهم "وسط"، وفي ظل ابتزاز "الإجماع الصهيوني" بدأت الإبادة واستمرت ولا تزال.
[i] - الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، "حاداش" جبهة من الأحزاب والحركات الراديكالية وتضم يهودًا وعربًا.
[ii] - www.standing-together.org
[iii] - עומדים ביחד نقف معًا https://omdi.me/4mbnKiR
[iv] - חסן שעלאן :אלפים הפגינו בסכנין למען סיום המלחמה: "די להשמדה ולרעב בעזה" www.ynet.co.il
[v] - האם המשטרה דואגת לשלום הציבור? נראה שהיא דואגת יותר לשלום השר، מערכת הארץ 28.07.25
[vi] - נועה סתת: החשבון על פשעי המלחמה בוא יבוא, הארץ, 22.07.25
[vii] -מאיה כהן משפחות החטופים ממשיכות לזעוק: "נתניהו סוחר במשפחות שלנו באופן פוליטי" www.maariv.co.il 26/07/2025
[viii] -حسب BBC فقدت حماس السيطرة على 80% من القطاع، الذي محته إسرائيل بالفعل، وأدخلت عصابات إجرامية تبث الذعر في الأهالي، تنهب وتستولي على المعونات: אורלי נוי שלטון הכאוס،7.7.2025 www.mekomit.co.il
[ix] -מאיה כהן משפחות החטופים ממשיכות לזעוק: "נתניהו סוחר במשפחות שלנו באופן פוליטי" www.maariv.co.il 26/07/2025
[x] -מאיה כהן משפחות החטופים ממשיכות לזעוק: "נתניהו סוחר במשפחות שלנו באופן פוליטי" www.maariv.co.il 26/07/2025
ترشيحاتنا
