عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

رؤى

محمد حسني

صعود الفاشية الصهيونية في إسرائيل

2025.03.29

مصدر الصورة : آخرون

صعود الفاشية الصهيونية في إسرائيل

 

سنة ونصف من الحرب، لا يمكن لإسرائيل ادعاء النصر، برغم الدمار والإبادة. لهذه الحرب أن تزلزل كيانها الداخلي، لتفرز تحولات، ربما تتشابه مع قوة التحولات التي أعقبت حرب اكتوبر 1973، بأي قدر؟ وفي أي اتجاه؟

منذ وقعت أحداث السابع من أكتوبر، لم تعدم إسرائيل السبل لتجنب الحرب، أو لتحديد مداها، ولكن بالنسبة إلى نتنياهو، القابع على كرسيه نحو ربع قرن، كأنه "ملك اليهود"، كان يدرك أنه مغادر لا محالة، لذا فقد آثَر أن يتمادى في الحرب، بغَض النظر عن كم الدمار، بغَض النظر عن المذابح، وبغَض النظر حتى عن حياة الأسرى أنفسهم. كل يوم جديد في الحرب كان يمد عمره في السلطة يومًا. والخطوة التالية هي الترحيل أو الإبادة.

 نكبة جديدة

لا يجب أخذ خطة ترامب لترحيل مواطني غزة إلى سيناء على محمل الهزل، فحتى إن بدت غير واقعية، فمجرد طرحها سيكون له انعكاسات خطيرة، فهي تعزز -وربما تفضح- التطرف والاستعداد لاستخدام العنف ضد الفلسطينيين ليس في غزة وحسب، بل وفي الضفة الغربية المدجنة، وحتى ضد الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي، إذ تمهد لشرعنة التشريد والاضطهاد في أماكن العمل والمستشفيات والجامعات، وفي الشوارع والمواصلات العامة، في المدن المختلطة، وتخلق جوًّا يتيح ارتكاب جرائم الكراهية دون خشية العقاب.

خطة ترامب هي من الأساس خطة إسرائيلية

امتدح نتنياهو خطة ترامب ناعتًا إياها بالـ"الخطة السَّبّاقة للرئيس ترامب للسماح بحرية الخروج للغزاويين"، بينما شكّل وزير الدفاع يسرائيل كاتس إدارة "الخروج الطوعي من غزة". على الرغم أن كل ذلك قد ورد في خطة "جمليلئيل". في نهاية أكتوبر 2023، أي بعد أسابيع من السابع من أكتوبر، نشر ميرون رابوبورت الخطة التي تقدمت بها جيلا جمليئيل، وزيرة شؤون المخابرات في الحكومة "لإجلاء سكان غزة نحو سيناء". وللعلم فإن وزارة شؤون المخابرات لا تمثل الموساد، وليست لها سلطة عليه، وبالتالي فهي تطرح مشروعات الحكومة وحسب.

نكبة جديدة ليست مجرد مخاوف أو مبالغة، بل طرحت حرفيًّا كتهديد سافر من قِبَل اليمين أولًا، ثم امتدت لتهيمن على الخطاب السائد، بالتوازي مع إجراءات فعلية ينفذها الجيش من تشريد وتدمير وإبادة. وبعد أن كان تصريح الوزير عميحاي إلياهو أن الحل الوحيد هو إلقاء قنبلة ذرية على غزة يبدو فجًّا، أصبحت فكرة الإبادة مطروحة ومهيمنة دون مواربة.

حسب استطلاعات قنوات الأخبار 12، و13 فإن نسبة تتراوح بين 68-72% من الإسرائيليين يؤيدون خطة ترامب للتطهير العرقي، وهو ما يعني أن تأييدها لا يقتصر على اليمين المتطرف برافديه القومي والديني.

والمدهش أن دعوات الإبادة قد اشتدت بعد وقف إطلاق النار في 19 يناير الماضي. وأصبح "التطهير" التام لقطاع غزة، أو التطهير الجزئي لمدينة غزة والبلدات الواقعة شمالها، هدفًا معلنًا ليس من قِبَل سموتريتش وبن جفير وحسب، بل ومن قيادات الجيش الإسرائيلي. فقد ذكرت صحيفة يديعوت في منتصف ديسمبر أن الهدف المعلن لقيادة المنطقة الجنوبية هو "منع عودة الغزاويين إلى جباليا وبيت حانون وبيت لهيا".

بعد أن فشل العدوان الإسرائيلي في تحقيق هدفه بإخلاء غزة من سكانها، دفع ذلك الإسرائيليين إلى التفكير في أنه لا خيار إلا إبادتهم من "غرف الولادة وحتى الشيوخ"، فالإسرائيليون، خلافًا لرجل الأعمال في البيت الأبيض، الذي يتحدث عن ريفييرا على ساحل المتوسط، يدركون أن الفلسطينيين لن يغادروا طواعية. دمرت إسرائيل غزة، لكن الفلسطينيين لم يرحلوا، كما لم يرحلوا عن جنين ونور شمس وطولكرم، ولا من القدس وضواحيها، تحت وطأة إرهاب المستوطنين المحمي بالجيش والشرطة.

رغم وقف إطلاق النار، وضعت إسرائيل خطة تفصيلية لإعادة احتلال قطاع غزة ومحو ما تبقى من مبانٍ، وعزل الغزاويين في مناطق محدودة جنوب القطاع، فيها فقط توزع المعونات، ومن يتخطاها فمصيره القتل. إنها ببساطة معسكرات نازية.

هل المعارضة تمثل بديلًا؟

الأحزاب المصنفة كـ"يسار" أو كـ"وسط"، والتي سعت خلال العامين السابقين إلى الحصول على تأييد الأحزاب اليسارية الراديكالية، التي تنشط بين فلسطينيِ الداخل، أخذت موقفًا مرحِّبًا بمبادرة ترامب المذكورة، حيث علق بني جينتس بأن خطة ترامب "خلاّقة وأصيلة ومثيرة للاهتمام"، أما يائير لابيد فقد وصف المبادرة عقب المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه ترامب عنها بأنها "أفضل لإسرائيل"، بينما اكتفى يائير جولان زعيم "الديمقراطيين" الذي يعتبر وريثًا لحزبي العمل وميرتس - بوصف المبادرة بأنها "غير عملية"، إلا أنه تدارك الأمر وكتب في مقالة بجريدة هآرتس أن "الترحيل فكرة مخالفة لليهودية ومخالفة للصهيونية". بعد إعلان وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى، ذكرت الصحف أن زعماء "المعارضة" يائير لا بيد وبيني جينتس قد وعدا نتنياهو بدعمه طول فترة وقف إطلاق النار.

لم يتخذ اليسار الصهيوني أي موقف حاسم لا من الحرب، ولا من الصفقة، ولا حتى من تنامي تطرف المستوطنين. لقد فضلوا مسايرة التيار بدلًا من اتخاذ موقف مبدئي، وهو ما أدى بهم في النهاية إلى فقدان ثقة جمهورهم، الذي لم يرَ فيهم قيادة بديلة. وحتى لو ادعوا غير ذلك، فإنهم لا يطرحون رؤية بديلة من اليمين.

ما يطرح السؤال، لو حدث السابع من أكتوبر في عهد حكومة لابيد أو بنيت أو حتى يائير جولان، هل كان رد الفعل الإسرائيلي سيأتي أقل وحشية؟

إن الحلم المشترك للأحزاب الصهيونية هو "تطهير" البلاد من الفلسطينيين، وربما الاختلاف في الوسائل والوتيرة.

بدون بديل سياسي حقيقي، يتبنى بشكل حاسم موقفًا ضد الاحتلال والتمييز، من المتوقع أن تتفاقم أوضاع المجتمع الفلسطيني في داخل إسرائيل، عبر قوانين تمييزية وتحريض وملاحقات أمنية وتحجيم سياسي، ما يزيد الفجوة -الكبيرة بما يكفي- بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن الأغلبية العظمى من الإسرائيليين ترفض الاعتراف بأن الاحتلال هو السبب الأساسي للوضع الحالي.

الشارع ليس بالقوة الكافية

في إبريل 2023 وفي ظل تصعيد القوى السياسية المناهضة للانقلاب الدستوري لنتنياهو وشركائه، أعلن الإضراب في قطاعات كثيرة: اتحاد العمال والمطارات والموانئ والمواصلات والاتصالات والمستشفيات، ما حدا بنتنياهو إلى المناورة بتعليق التشريعات. وطوال مدة الحرب وحتى وقتنا هذا لم نشهد تصعيدات مشابهة ضد الحرب، حيث تواجه الشرطة بعنف شديد أي احتجاجات، حتى الوقفات السلمية لأهالي الأسرى.

انتقد البعض المظاهرات الأخيرة، المعارضة لإقالة رئيس الشاباك، لأن هؤلاء لم يحاولوا الخروج للتظاهر من أجل عودة المختطفين والتوصل إلى اتفاق مع حماس في أي مرحلة من مراحل الحرب. والهدف من التظاهرات هو تثبيت مكانتهم كجزء من السلطة وشركاء معها.

ومن ناحية أخرى شهد الوسط الأكاديمي اضطهادات، بل وتطورت إلى إجراءات تعسفية ضد عناصر أكاديمية بعينها، خاصة وأن الوسط الأكاديمي من أهم الدوائر التي خرجت منها معارضة الانقلاب الدستوري الذي يتبناه نتنياهو ومعسكره، واضطر إلى تجميده مؤقتًا بسبب الحرب.

حذر دانييل حاييموفيتش، رئيس جامعة بن جوريون ورئيس مجلس رؤساء الجامعات في إسرائيل، من أن هناك خطرًا وشيكًا على سيادة القانون في حالة إقالة المستشارة القانونية للحكومة، جالي بهاراڤ ميارا (وردت أخبار عن إقالتها بالفعل) التي تكررت مواجهاتها مع نتنياهو ووزراء من الائتلاف الحاكم.

تشهد إسرائيل تصعيد اليمين الديني من الهيمنة انتخابيًّا على الساحة السياسية إلى إحكام السيطرة على مؤسسات الدولة: القضاء والجيش والإعلام والمالية. في حين يتصاعد خطاب شعبوي يروج للانقلاب الدستوري تحت لافتات الانتصار للديمقراطية ضد "الدولة العميقة" ونَعْت مؤسساتها بـ"التعالي على إرادة الشعب".

الفلسطينيون في الضفة وفي الداخل

تضافرت الفاشية والنيوليبرالية من أجل مزيد من الاستبعاد للفلسطينيين على كل الأصعدة، في المؤسسات التعليمية والأكاديمية، وفي التوظيف في الجهاز الإداري للدولة وفي الشركات، وفي السكن سواء في المدن القديمة المشتركة، أو حتى في البلدات العربية. لا يطرح المجتمع الإسرائيلي إلا الاندماج الفردي والاكتفاء بمكانة المواطن من الدرجة الثانية في أفضل الأحوال.

حتى في الضفة الغربية وفي النقب، في يوليو 2024، صدر قرار المحكمة العليا للبلديات بضرورة عودة المواطنين الفلسطينيين وحمايتهم من عنف المستوطنين، لكن القرار لم يُنفَّذ، وعندما حاولوا العودة في أغسطس تعرضوا لمزيد من العنف من المستوطنين، كما أن الجيش الإسرائيلي منع دخول ناشطين مؤيدين لمساندة المواطنين، ومنع أيضًا وصول الصحفيين.

في القدس، تم هدم 255 مبنى من بينهم 181 مبنى سكني بدعوى البناء بدون تصريح، مع استحالة حصول الفلسطينيين على تلك التصاريح. والأنكى هو اضطرار الفلسطينيين في كثير من الأحيان إلى هدم بيوتهم بأنفسهم. وفي المقابل تشجع الحكومة ستة مشروعات استيطانية جديدة في القدس الشرقية، تتضمن آلاف الوحدات السكنية. في 2024 وحدها لم تمنح بلدية القدس سوى 57 تصريحًا بالبناء للفلسطينيين بإجمالي ألف وحدة في مقابل 120 تصريحًا للمستوطنين بإجمالي 11 ألف وحدة سكنية.

التحول إلى مجتمع فاشي

يعيش المجتمع الإسرائيلي في ظل تركيبة اجتماعية جديدة، وتنامٍ للتعصب الذي قد يمتد إلى الداخل ولن يقتصر على الآخر غير اليهودي. يشكل إرهاب المستوطنين خطرًا متزايدًا، حيث ارتفعت مبيعات السلاح، فقد بلغت طلبات التراخيص 236 ألفًا منذ السابع من أكتوبر، ما يوزاي طلبات التراخيص خلال عشرين سنة بأكملها، حدث ذلك برعاية إيتمار بن جفير وزير الأمن القومي، الذي سهّل شروط الحصول على ترخيص سلاح، كما وزّع 20 ألف قطعة على المستوطنين، الأمر الذي دفع رئيس هيئة ترخيص الأسلحة بالوزارة إلى الاستقالة احتجاجًا على تسليح المستوطنين.

ولا يكترث اليمين الديني إطلاقًا بالعلاقة بالفلسطينيين ولا بالعرب عمومًا، لا سيما وأن نتنياهو استطاع تطبيق وجهة نظره بإمكانية التطبيع مع الدول العربية دون الحاجة إلى تسوية مع الفلسطينيين بتاتًا. وبعد السابع من أكتوبر أصبحت أولويات اليمين الإسرائيلي هو الانتقام الذي لا يعرف أحد حدوده.

ما بعد نتنياهو

ربما يُعدُّ بيني غانتس، رئيس حزب "المعسكر الوطني" ووزير الدفاع السابق، هو الأوفر حظًّا لتولي منصب رئيس الوزراء القادم، إذ من المُرجّح أن يحصل حزبه على عدد مقاعد يتراوح بين 36 و42 مقعدًا، وهو حوالي ضعف عدد المقاعد التي من المتوقع أن يحصل عليها "الليكود". وأشار 50% من المُستطلعين إلى أنهم يرون في غانتس، الشخص الأكثر ملاءمة لمنصب رئيس الوزراء، في مقابل 29% لنتنياهو. كذلك تشير الاستطلاعات إلى تراجع مقاعد الائتلاف الحاكم حاليًّا إلى 42، في مقابل 78 مقعدًا للمعارضة.

يذهب نتنياهو وتبقى الفاشية

لأكثر من عقدين من الزمان، يؤسس نتنياهو لِـ"مُلك لا يبلى"، يضع أنصاره في كل المواقع المؤثرة، يبتدع الوزارات والمناصب لإرضاء أعضاء الائتلاف الحاكم، حتى وُصفت حكومته الأخيرة بأنها الأكثر يمينية والأكثر دينية. جاءت الحكومة الائتلافية الأخيرة بعد أربع حكومات قصيرة العمر، واكتسبت قوتها من ضعف المعارضة.

لا شك أن عملية الإحلال في المناصب، التي تمثل حلقة من مسيرة طويلة، قام بها نتنياهو منذ صعوده إلى السلطة، وإن كانت في الوقت نفسه لا تضمن احتفاظه هو نفسه بالسلطة، فإنها تكرس سيطرة اليمين الديني على الدولة. فمن غير المستبعد أن تنجح أحزاب اليمين الديني المتشدد، مثل: حزب "الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وحزب "القوة اليهودية" بقيادة إيتمار بن غفير، في توسيع قاعدتها الانتخابية، وإقناع شرائح كبيرة من المجتمع برؤيتها الفاشية تجاه غزة وحركة حماس، والتعامل مع القضية الفلسطينية بشكل عام. وقد تتبدّل المقاعد خلال السنوات المقبلة، وينجح سموتريتش أو بن غفير في تشكيل حكومة يمينية أكثر تشددًا من النسخة الحالية.