تحقيقات
دينا عزتالتضخم وأهل الخير: حوارات مع نجوى وسماح ونادية
2025.03.23
مصدر الصورة : آخرون
التضخم يخطف "الكحكة من إيد الفقير"! حكايات عن السعي لمد يد العون "القصيرة"
منذ مساء السابع عشر من شهر رمضان، تنهي نجوى إفطارها وصلاتها وتتوجه كل مساء مع بعض المعاونات والمعاونين إلى إحدى الشقق الصغيرة في مدينة طنطا لتقوم بعملية فرز أكياس كبيرة من الملابس التي وصلت إليها وإلى "رفيقات في الخير"، كما تسميهم، بغرض توزيعها على من يحتاج. وبحسب ما تقول نجوى التي قررت تخصيص الجزء الأكبر من وقتها للعمل الخيري بعد تقاعدها من عملها الحكومي منذ خمس سنوات تقريبًا:
"الموضوع مهم جدًّا السنة دي لإن الناس المحتاجة زادت بشدة واحنا بقي لنا كذا سنة بنشتغل في موضوع توزيع الكساء خصوصًا في الأعياد والمواسم زي دخول المدارس والشتا لإن في ناس كتيرة الصراحة بقت محتاجة المساعدة".
نجوي، كما تقول، كانت دومًا منخرطة بدرجة ما في العمل الخيري:
"لكن قبل كده كان التركيز نجيب فلوس لحد محتاج عملية كبيرة ومش عارف يجيب قرار علاج على نفقة الدولة أو علاج لمرضى السرطان، لكن مع الوقت الموضوع توسع لإن الاحتياجات اتسعت عند ناس كتير، وأصبح في ناس كتير محتاجة مساعدة علشان العلاج والأكل واللبس وحتى الإيجار للسكن وفلوس مواصلات المدارس والجامعات.. الموضوع وسع جامد".
تقول نجوى إن الدافع لبدء عملها الخيري كان إحدى الفتيات التي تساهم في أعمال النظافة بمقر عملها والتي كانت حزينة لتكرار تأجيل زواجها بسبب عدم قدرة والدها أن يتمم المطلوب للانتهاء من التجهيزات اللازمة لعقد القران والزفاف:
"أبوها كان جوز بنتين تانيين لكن الرجل خلاص ماكانش قادر وهو شغال على ميكروباص ... إحنا هنا بردو الناس مش بتحب تأخر جواز البنات عن أول العشرينات والبنت كانت عدت ٢٥ سنة والموضوع كان أزمة، ولما إديناها الفلوس الفرحة ما كانتش سايعاها".
بعد نجاحها في تسهيل الزفاف المتعطل، قررت نجوي إن:
"ربنا بعت لي رسالة مع إيمان إن عليَّ أفكر إزاي أساعد الناس".
جاء ذلك سابقًا بشهور قليلة لتقاعدها:
"ونويت إن لما أطلع معاش هاخصص وقت ومجهود أكبر للخير ولقيت ناس كتير مهتمة تساعد".
في البداية، ولتزامن تلك اللحظة مع جائحة كورونا التي بدأت تداعياتها تظهر في مصر في مارس 2020، كان تركيز نجوى ومن معها في العمل على تقديم الدعم الطبي، خاصة وإنك
"في الوقت ده كان في حالات كتير مش كورونا علاجها بدأ يتأخر بسبب التركيز على علاج كورونا".
لم يتراجع الاحتياج للدعم الطبي بعد تراجع الجائحة، كما تقول نجوي، لأن ذلك تزامن مع ما حل من ارتفاعات متتالية في أسعار الدواء:
"بشكل مرعب، وناس كتير ما بقتش قادرة تغطي العلاج الشهري، العادي يعني ضغط وسكر وكده، مش علاجات حاجات تانية".
لكن، كما تضيف، لم تكن الأدوية هي فقط من وقع في دائرة زيادة الأسعار الكبيرة:
"لإن كل حاجة زادت والناس بقت الصراحة مش عارفة تلاحق وناس كتير مابقتش قادرة تقضي نفسها".
أهل الخير كما تقول نجوى:
"خصوصًا اللي بيشتغلوا بره.. يعني في دول عربية وكمان في إيطاليا وحتت زي كده".
هؤلاء ساهموا في تعويض الزيادة في الاحتياجات والتراجع في قدرة القيمة الشرائية للتبرعات بسبب التضخم الناتج عن تعويم الجنيه، وأيضًا بسبب تراجع حجم التبرعات الناتج عن تراجع قدرة المتبرعين أنفسهم. وحسب ما تقول نجوى:
"إحنا صحيح بييجي لنا تبرعات كبيرة، لكن كمان بنعتمد في حاجات تانية مهمة، زي العلاج الشهري للناس اللي بنساعدها ومصاريف المواصلات وكده على تبرعات شهرية بتيجي من ناس كتير، مبالغ صغيرة بس بتكمل".
ومع تزايد الاحتياجات، وتزايد الفئات المحتاجة، قررت نجوى ورفيقاتها مراجعة أولويات إنفاق التبرعات. شملت هذه المراجعة إدخال تعديلات متعددة على ما يقدم من مواد غذائية طوال العام وأيضًا خلال شهر رمضان:
"بقينا بنطلع لحمة مرة واحدة في الأسبوع وفراخ مرة واحدة في الأسبوع اللي بعده، بس علشان نقضي ناس كتير".
ومع اقتراب عيد الفطر هذا العام اتفقت نجوى والمجموعة التي تعمل معها:
"إن مافيش خبيز كحك السنة دي".
في العامين الماضيين كانت نجوي تعمل مع رفيقاتها لإعداد كيلوات محدودة من الكحك يتم توزيعها على بعض وليس كل العائلات:
"علي الضيق يعني ... كنا بنشوف مثلًا عائلة فيها أطفال تعرضوا لليتم أو ناس كبار ولادهم مش بيسألوا عنهم.. يعني بنختار اللي فعلًا ممكن نص كيلو كحك يفرق معاه".
تشعر نجوى بحزن شديد لقرار إلغاء الكحك هذا العام، لكنها تقول مقتبسة المثل الشعبي "الإيد قصيرة"، في إشارة إلى الرغبة وعدم القدرة. لكن ما يهون غياب الكحك، كما تقول نجوي، هو استمرار تقديم دعم الكساء بحيث تتمكن الأسر التي لديها أطفال من الحصول على "هدمة جديدة للعيال" بمناسبة العيد.
وبحسب سماح، التي تعمل مع رفيقات لها لأكثر من عشر سنوات، في القاهرة لتوصيل "رسائل من أهل الخير" للمحتاجين فتقول إن قرار إسقاط الكحك من بنود التوزيع الخيري اتخذ قبل سنوات خمسة:
"ماكانش في اختيار، أولًا لإن الناس بقت بتزيد كل سنة، وانا لو هاختار بين كيلو الكحك اللي كنت باعمله وأوزعه على كل الأسر اللي بنتعامل معها وبين توفير علاج للناس الكتير اللي أصبحت محتاجة علاج ولا مصاريف مدارس فأكيد هافضل العلاج والتعليم".
تقول سماح إن قائمة الأولويات لديها ورفيقاتها هي العلاج والطعام ثم التعليم والكساء:
"في الأول كنا بنقول الأكل قبل العلاج لكن بعد كده لما بقينا نشوف موظفين، والله موظفين كانوا ساترين نفسهم وأسرهم، بييجوا لنا علشان نكمل لهم العلاج الشهري والناس وشها في الأرض من الخجل والحزن، قررنا إننا نغير شوية في نوعية الأكل اللي بنوزعه علشان نوفر فلوس أكتر للناس اللي بقت محتاجة مساعدة في العلاج ... يعني مثلًا بقينا بنودي فراخ لمجموعة أسر في أسبوع والأسبوع التاني الأسر دي ماتاخدش فراخ وندي لأسر تانية الفراخ.. واللحمة للمواسم بس، يعني الأعياد وأول رمضان، كمان نقصنا في السكر والشاي".
في الوقت نفسه اضطرت سماح أن تتجه لشراء خضراوات مما يطلق عليه الباعة في أسواق الجملة الفرز التاني وهي خضراوات أصاب العطب أجزاء منها:
"طبعًا ده بياخد وقت أكتر كتير مننا علشان ننظف الخضراوات ونطبخها علشان توزيع الوجبات المطبوخة وطبعًا ما كناش نحب نعمل كده، بس أهو آدي االله وادي حكمته، ياكده يامافيش خالص ... وبعدين لو حد ماعندوش اللقمة خالص إحنا بنحاول نساعده بأي شكل، والناس دي مابقتش قليلة لإن في ناس كتير محتاجة، في اللي جوزها سافر يشتغل بره ومارجعش ومش بيبعت فلوس، وفي اللي كانت بتصرف على بيتها وعيالها من الشغل في البيوت ولما مرضت ومابقتش قادرة تشتغل أصبحت محتاجة ويعني الحالات الصعبة كتيرة".
وبحسب سماح فإن فئة المعاشات لصغار الموظفين أصبحت من أكثر الفئات احتياجًا للدعم:
"لإن المعاشات صغيرة بردو وكل حاجة بتزيد جامد ودلوقت غير زمان، مابقاش الواحد عنده عيال كتير لما رزقه يقل ولاده يشيلوه، وكمان في ناس دلوقت بتطلع معاش وولادها لسه في التعليم لإن في تأخر في سن الزواج وكمان تأخر في الانجاب، ففي فئة جديدة بالكامل عندنا".
تقسم سماح ورفيقاتها المستحقين للدعم إلى فئات متعددة: الأولى، هم من لا يملك حتي وجبة طعام واحدة في اليوم حتي لو كان لديه مسكن يعيش فيه؛ الثانية، هي من يحتاج الدعم لأحد أساسيات الحياة، سواء الطعام أو العلاج أو الكساء؛ والثالثة، هي فئة المساكين الذين لا يكفي دخلهم احتياجاتهم الأساسية؛ أما الرابعة، فهي فئة الطوارئ وهي تخص من يستطيع التكفل بكل أساسيات الحياة ولكنه يحتاج لدعم سريع إذا ما حل به طارئ مثل الاحتياج لعملية جراحية مفاجئة او الإصابة بمرض عضال. وحسب ما تقول:
"وطبعًا الفئة الأخيرة دي أعداد الناس اللي فيها بتزيد لإن ناس كتيرة مابقتش قادرة توفر أي فلوس على جنب لبند الطوارئ".
أما نادية التي تقوم أخواتها وعدد من القريبات بالعمل "التطوعي لدعم المحتاج" في الإسكندرية، فهي تخصص جزءًا كبيرًا من مجهودها لمساعدة كل من يمكن تأهله للانضواء تحت مظلة أي من شبكات الرعاية الاجتماعية التابعة للدولة أو لإحدى الجمعيات الخيرية الكبرى:
"الموضوع ده بيكون محتاج ورق وقنوات تواصل ولو حد على أد حاله يعني بيكون مش عارف إيه الشبكات اللي ممكن يستفيد منها".
بدأت نادية هذه "المهمة" بعد تقاعدها في عام 2017، وهي تعتقد أن حصول:
"البني آدم على الدعم من برامج الحكومة هو الأفضل ... إللي بياخد فلوس من برنامج دعم حكومي مش بيحس إنه بيمد إيده ودي حاجة مهمة بردو".
يلي ذلك، كما تضيف، الانضواء تحت شبكة الرعاية للجمعيات الكبرى التي تقوم بتوفير الدعم سواء المادي او العيني بصورة منظمة وفيها احترام بدرجة معقولة من الخصوصية.
وفيما عدا ما تلتزم به نادية وأخواتها وقريباتها وصديقات لها من المستحق من أموال الزكاة والصدقات، فهي لا تقوم بجمع تبرعات مالية لأي شيء سوى لثلاثة أمور: الأول توفير الأموال اللازمة للتعامل مع حالة وفاة طارئة، الثاني تقديم الدعم لإجراء طبي مُلح وسريع ريثما يتم التحرك في مسارات العلاج الحكومي لغير القادرين، والثالث هو توفير رأس مال صغير يسمح لأحد الأفراد ببداية مشروع يدر عليه دخلًا يجعله يعتمد على نفسه:
"يعني نجيب ماكينة خياطة لحد أو نساعد حد يشتري يبدأ مشروع صغير يكسب لقمته بنفسه سواء علشان يحسن دخله ويكفي نفسه وعيلته أو علشان يوفر على الأقل جزء من الفلوس اللي محتاجها".
فيما عدا ذلك فإن نادية والمجموعة التي تعمل معها تقوم كل أسبوع بالمرور على مجموعة من بائعي الطعام وتطلب من كل واحد منهم "شنطة الخير":
"كل حد بيدينا كيس فيه اللي عايز يطلعه، شوية بطاطس، كام كيس مكرونة ولا كام علبة زبادي، يعني أي حاجة بتيجي وبعد كده بنقسم الحاجات دي ونزود عليها على قد ما نقدر ونوزعها حسب الاحتياج".
إلى جانب ذلك تمكنت نادية من الاتفاق مع عدد من الأطباء ليقبلوا حالات كشف مجاني مرة كل شهر:
"يعني أنا بابعت له المريض ويكشف عليه وماياخدش فلوس، والحمد الله عندنا دلوقت فوق الـ30 دكتور تخصصات مختلفة، ولو الدكتور عنده علاج من اللي شركات الأدوية بتوزعه أهو بيديه للمريض، غير كده بنفوت على الصيدليات نشوف إيه اللي نقدر ناخده، وبنحاول نكمل على أد ما نقدر".
تقول نادية إن شهر رمضان هو أفضل الشهور بالنسبة لما تجمعه من "شنطة الخير"، كما إنه أفضل الشهور بالنسبة لأعداد الحالات التي يوافق فريق الأطباء على مناظرتها بدون رسوم للكشف الطبي:
"الناس في رمضان بتكون خيرة، في فكهانية بيطلعوا حاجات زي برتقان أو موز مثلًا وفي بقالين بيطلعوا زبادي أكتر وساعات جبنة بيضا بردو وفي أفران بتطلع قطايف أهو بردو الفقير له نفس ياكل حاجة حلوة، وفي العشرة الأواخر في أفران بتطلع كحك بردو، واحنا بنقسم الحاجات دي على أكبر عدد ممكن من الناس يعني على قد مابنقدر".
وتحرص نادية على أن تقوم بخبز عدد من الكيلوات من الكحك كل عيد فطر لتضيفها إلى ما يتم التبرع به وتقوم بتوزيعها:
"موضوع الكحك ده عادة واخدها من أمي الله يرحمها وأمي واخداها من جدتي، كانت تقول الفقير من حقه يدوق كحك العيد".
ترشيحاتنا
