هوامش
كيرت هاكبارثالمكسيك تُعلّم العالم كيف يواجه دونالد ترامب
2025.07.05
ترجمة: أشرف إبراهيم
المقال الأصلي منشور في مجلة JACOBIN في تاريخ 3 يونيو 2025 [1]
يحب دونالد ترامب ممارسة البلطجة على المكسيك، إلا أن الرئيسة كلوديا شينباوم أظهرت للعالم كيف يمكن الوقوف في وجه إدارة MAGA ("Make America Great Again") دون الوقوع في فخها.
في 9 مارس، احتشد أكثر من 350 ألف شخص في ساحة زوكالو المركزية في مكسيكو سيتي، رفضًا لتهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك. قبل أيام فقط، كانت شينباوم قد أعلنت عن التوصل إلى اتفاق ضمن إطار اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA)، يعفي المكسيك من معظم هذه الرسوم. وقالت للجماهير: "لحسن الحظ، انتصر الحوار، والأهم من ذلك، الاحترام بين أمتينا". وبالفعل، عندما أعلن ترامب عن "رسوم يوم التحرير" في 2 إبريل، تم استثناء كل من المكسيك وكندا.
لكن النزاع الجمركي لم يكن سوى بداية لعلاقة متوترة بين البلدين. ففي حين اكتفى ترامب في ولايته الأولى بتحقيق مكاسب في ملف الهجرة، يبدو أن هذه المرة، وتحت تأثير الدوائر المتطرفة من حوله، قررت إدارته تصعيد التوترات باستمرار، ما وضع إستراتيجية شينباوم القائمة على "الرأس البارد" أمام اختبار حقيقي.
تضييق الخناق
في 21 مارس، ولأول مرة منذ توقيع اتفاقية تقاسم المياه عام 1944، رفضت الولايات المتحدة طلبًا مكسيكيًّا للحصول على مياه لصالح مدينة تيخوانا. وبعد أسابيع من الأخذ والرد، تم التوصل إلى تسوية في نهاية إبريل. وفي 11 مايو، أعلنت الولايات المتحدة تعليق استيراد المواشي من المكسيك بعد اكتشاف دودة "نيو ورلد" في الجنوب المكسيكي، ما أثار غضب وزير الزراعة خوليو بيرديغي، الذي ذكّر واشنطن بتقاعسها عن المساعدة حين ظهرت هذه الآفة مجددًا في بنما عام 2023. وحتى وقت كتابة التقرير، لا يزال الحظر ساريًا.
في أوائل مايو، تم إلغاء تأشيرات حاكم ولاية مورينا دون توضيح، ما أشعل موجة من التكهنات. ثم في 16 مايو، قام السفير الأمريكي الجديد، رونالد جونسون، بزيارة مشبوهة للسياسي اليميني المتطرف إدواردو فيراستغي، ووصفه بـ"أخي"، في مشهد أثار الريبة على مواقع التواصل، خاصة مع خلفية جونسون كعميل سابق في القوات الخاصة ووكالة الاستخبارات، وكمستشار خلال الحرب الأهلية في السلفادور.
وبعدها بقليل، سمحت إدارة ترامب بدخول 17 فردًا من عائلة غوزمان الإجرامية إلى الولايات المتحدة، رغم تصنيف كارتل سينالوا -ضمن منظمات أخرى- كمنظمة إرهابية أجنبية. كما لو كان يؤكد استخدام هذا التصنيف لتبرير التدخل العسكري الأمريكي في البلاد. وقد أخبر ترامب شينباوم، في مكالمة هاتفية أنه "سيشرفه" أن يرسل قوات لمساعدة المكسيك ضد الكارتلات، وهو عرضٌ رفضته شينباوم بوضوح.
في 21 مايو، أعلن الجمهوريون في مجلس النواب عن فرض ضريبة على التحويلات المالية، كجزء من خطة لتحميل المهاجرين كلفة التخفيضات الضريبية. ووصفت شينباوم الخطة بأنها "ازدواج ضريبي"، ولوّحت بإمكانية تنظيم تعبئة شعبية ضدها. بعد عشرة أيام، زعمت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم أن شينباوم تحرّض على احتجاجات عنيفة في لوس أنجلوس، مستندةً إلى مقطع مجتزأ، وهو ما اضطر السفير جونسون إلى التراجع عنه لاحقًا.
لكن لم يتدخل أحد في الحادثة التالية: في 12 يونيو، نشر أحد نواب مورينا تغريدة ساخرة حول تأشيرته، ما دفع نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو إلى الإعلان بأنه شخصيًّا أمر بإلغائها، كاشفًا معلومات سرية عنها للعامة.
ثم صعّد لاندو مجددًا بتعليق لاذع على منشور بسيط من جامعة UNAM حول الفرص التجارية مع الصين، ما كشف فوضى الخطاب الدبلوماسي، وجعل من قرارات إلغاء التأشيرات أداة انتقام شخصي، لا سياسة رسمية.
وفي 25 يونيو، صرّحت وزيرة العدل بام بوندي أمام مجلس الشيوخ بأن "إدارة ترامب ستحمي أمريكا من إيران وروسيا والصين والمكسيك". وردت شينباوم ببرود: "الوزيرة ليست مطلعة جيدًا".
" لسنا دمية أحد "
أخيرًا، نفد صبر الرئيسة كلوديا شينباوم بعد طول تروٍّ. ففي اليوم التالي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، مستندة إلى "قانون عقوبات الفنتانيل" و"قانون فند أوف فنتانيل"، عقوبات على ثلاث مؤسسات مالية مكسيكية، بدعوى أنها تشكّل "مصدر قلق رئيسي في قضايا غسل الأموال". وفي مؤتمرها الصحفي الصباحي، ظهرت شينباوم بنبرة أكثر حدة، متحدّيةً الوزارة أن تقدّم أدلة على هذه الادعاءات، "إذا كانت تملك أيًّا منها".
قالت شينباوم: "لن نحمي أحدًا، لا توجد حصانة، لكن يجب إثبات وجود غسل أموال، لا من خلال التصريحات، بل بأدلة قاطعة". وأضافت: "علاقتنا مع الولايات المتحدة قائمة على الندية، لا التبعية. نحن لسنا دمية أحد".
وبما إن المؤسسات الثلاث: CiBanco، Intercam Banco،Vector Casa de Bolsa ، تقوم بأعمال تجارية واسعة مع الصين، بدا واضحًا أن خطوة وزارة الخزانة تهدف إلى الإضرار بالعلاقات الصينية-المكسيكية تحت ذريعة تتبع مصادر الفنتانيل.
من المؤكد أن المكسيك ليست وحدها في التعرض لمثل هذه المعاملة؛ بل إن تأجيج الغضب حول العالم صار القاعدة في النسخة المتقلبة الجديدة من الترامبية. وفي مواجهة الإصرار المتعمد من إدارة ترامب على إثارة ردود أفعال تبرر إجراءات أكثر عدوانية، فإن إصرار شينباوم على عدم الانجرار يستحق الإشادة.
من المهم أيضًا التمييز بين ما يشكّل سياسة رسمية، وما هو نتاج فوضى مؤسسية وسمات شخصية وجنون سلطة وعنصرية - كما هو الحال مع تصريحات نويم، وبوندي، ولاندو.
ومع ذلك، فإن التحول المتأخر في لهجة شينباوم يعكس على الأرجح إدراكًا متزايدًا بأن الخصومة الإمبريالية لا يمكن صدها باللطف والمنطق وحدهما. فالموجة الحالية من الضغوط ليست سوى استمرار للإلحاح الأمريكي المزمن بأن "تنصاع" المكسيك. وإذا أمكن تحقيق ذلك دون تكلفة تدخل عسكري غير شعبي، فذلك أفضل.
لهذا الغرض، سيتم استخدام كل أدوات الضغط المتاحة: تشويه رسمي وغير رسمي، حملات إعلامية، ضرائب، عقوبات، إغلاق حدود، إلغاء تأشيرات، نزاعات معاهدات - وكلها مدروسة لتبدأ صغيرة ثم تتصاعد حسب الحاجة. وكل ذلك بهدف دفع شينباوم إلى موقف لا يمكن الانتصار فيه: فإن ردّت، اتُّهمت بالتصعيد، وإن سكتت، فُسّر الأمر على أنه ضوء أخضر لمزيد من التعدي.
هذا هو المأزق الذي يجب على شينباوم تجنّبه بأي ثمن. والحل يمر عبر تعبئة شعبية، وإعلام مستقل، وتحالفات إستراتيجية، وسيادة على القطاعات الاقتصادية الأساسية، وسياسات صناعية، وتنسيق إقليمي - وقبل كل شيء، رفض أي سذاجة في التعامل مع سياسة حافة الهاوية الأمريكية.
تنكيس الرأس ليس حلًّا، كما أن التعويل على أن التكامل الاقتصادي سيهدئ واشنطن هو وهم.
باختصار، التعامل بلطف لن يُنهي الأزمة. ومع استمرار الغرب في فقدان مصداقيته بصمته عن غزة، فإن صوت المكسيك بات مطلوبًا بشدة على الساحة الدولية. وبصفتها ثاني عشر أكبر اقتصاد في العالم وجسرًا جغرافيًّا بين الشمال والجنوب العالميين، على المكسيك أن تجد صوتها وتتصدى للمتنمّرين.
1- https://jacobin.com/2025/07/mexico-sheinbaum-trump-foreign-relations
ترشيحاتنا
