رؤى
جون بيترسونترامب ضد الدولة العميقة
2025.03.15
مصدر الصورة : آخرون
ترجمة: عمرو جمال
المقال الأصلي منشور على موقع:
الحزب الشيوعي الثوري الفرنسي-PARTI COMMUNISTE REVOLUTIONNAIRE في تاريخ 5 مارس 2025[1]
قال كارل ماركس إن: "الحكومة الحديثة ليست سوى لجنة تدير الشؤون المشتركة للطبقة البرجوازية بأكملها". لا يزال هذا صحيحًا. بالطبع، الطبقة الحاكمة ليست كتلة واحدة متجانسة، وهي مؤلفة من فصائل مختلفة، رغم أن مصالحها العامة متعارضة تمامًا مع مصالح العمال.
يتعايش الرأسماليون بشكل جيد إلى حد ما طالما الأرباح كافية للجميع، في إطار استقرار سياسي واجتماعي. لكن في أوقات الأزمات، يتصارعون ويتنافسون، وتتصادم الفصائل المختلفة من البرجوازية حول كيفية التعامل مع المخاطر التي تهددها.
منذ ثلاثينيات القرن العشرين، توسع جهاز الدولة الأمريكي بشكل متناسب مع تطور إمبرياليته، حيث أنشئت وكالات فدرالية جديدة للدفاع عن مصالح البرجوازية. في هذا السياق، وافقت على بعض الإصلاحات الاجتماعية المحدودة جدًّا من أجل "شراء السلام الاجتماعي". على سبيل المثال، أُسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، التي يقدمها الآن الزعماء الإصلاحيون والليبراليون على أنها منظمة خيرية، وذلك أثناء الحرب الباردة، للدفاع عن مصالح الإمبريالية الأميركية وتحريض الانقلابات، والتجسس على الأنظمة المعادية والتسلل داخلها، وإفساد الصحفيين والنقابيين، وما إلى ذلك.
إن هذا الجهاز الحكومي الضخم غير مناسب على الإطلاق للوضع الحالي للإمبريالية الأمريكية. وتنبع هجمات ترامب على ما يسميه "الدولة العميقة" من ضرورة اقتصادية وجيوسياسية لا هوادة فيها، لأن لم تعد الولايات المتحدة تملك الوسائل للسيطرة على العالم أجمع من دون تنافس، كما كانت الحال بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية. ونتيجة لذلك، فإن جزءًا من الطبقة الحاكمة -التي يجسدها ترامب- يريد توفير المال من أجل تركيز أقصى قدر من موارد الإمبريالية الأميركية ضد منافستها الرئيسية، أي الإمبريالية الصينية.
ديماغوجية
بعد عقود من الخيانة والأكاذيب، فقد الليبراليون والمحافظون التقليديون مصداقيتهم بشكل كبير بين أغلبية الأمريكيين. وفي غياب بديل يساري جاد ومحدد المعالم، نجحت الديماغوجية الترامبية في اكتساب دعم أغلبية صغيرة من الأمريكيين.
يهاجم دونالد ترامب وإيلون ماسك وأتباعهما الرجعيون بوحشية المؤسسة الحاكمة في واشنطن والوكالات الفيدرالية، التي يتهمونها بأنها تقع تحت سيطرة "الماركسيين الووك" (المستيقظين الواعين بالعنصرية والاضطهاد، إلخ[2]). إنها اتهامات سخيفة، لكن الواضح أن ترامب وأمثاله يحاولون إنقاذ الرأسمالية الأميركية من المشاكل التي خلقتها هي نفسها، ومن الغضب المتزايد لدى الجماهير، عن طريق توجيهه بالديماغوجية "الشعبوية" و"المناهضة للنظام".
"فاشية"؟
على الرغم من هلع الليبراليين والإصلاحيين، فلا تعني عودة ترامب إلى السلطة ظهور نظام "فاشي". ففي إيطاليا في عشرينيات القرن العشرين وألمانيا في ثلاثينياته، اعتمد الفاشيون على مجموعة كبيرة من الميليشيات البرجوازية الصغيرة لفرض نظام الإرهاب وتدمير جميع منظمات الطبقة العاملة.
لكن اليوم أصبح ميزان القوى الاجتماعية في صالح الطبقة العاملة الأميركية، وبالتالي يعتبر قيام نظام فاشي في الولايات المتحدة أمرًا مستبعدًا على المدى القصير والمتوسط. إن ترامب لا يسحق زعماء النقابات عن طريق ديكتاتورية فاشية عنيفة، ويحاول الحصول على دعمهم من خلال الوعد بالعودة إلى "الأيام الخوالي". مثال آخر على اختلاف الأوضاع، نجح هتلر وموسوليني في القضاء فعليًّا على كل أشكال المعارضة، بما في ذلك المعارضة القادمة من البرجوازية، في حين أن المؤسسة الليبرالية الأمريكية لا تزال على قيد الحياة وتقاوم هجمات ترامب بكل قوتها.
يضيف هذا الصراع بين جناحي الطبقة الحاكمة هشاشة إلى وضع متقلب جدًّا بالفعل. وبدلًا من أن يؤدي هذا الصراع إلى توازن جديد، فإنه قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة وتأجيج الغضب المتزايد داخل الطبقة العاملة.
من وجهة نظر الحركة الشيوعية، نعتبر أن معيار الحكم على أي ظاهرة سياسية واجتماعية بسيط، حيث ندعم كل ما يزيد من وحدة الطبقة العاملة وثقتها ووعيها، وذلك في إطار أممي. نحن نعارض أي شيء يضعف الطبقة العمالة. ولذلك، لا ندعم أي جانب في الصراع بين ترامب والفصائل الأخرى -الرجعية بنفس القدر- من الطبقة الحاكمة الأمريكية.
هذا لا يعني أننا غير مبالين بخفض الميزانية والتسريح الجماعي للعمال. يزعم ترامب أنه يحارب "البيروقراطية"، لكن أغلبية الموظفين المدنيين المسرحين هم من العاملين العاديين في الخدمات الاجتماعية. كما هو الحال دائمًا، نحن نقف مع العمال. نعارض ترامب إذًا، ولكننا نفعل ذلك من خلال الدفاع عن الاستقلال السياسي للطبقة العاملة والتأكيد على الحاجة إلى ثورة اشتراكية. نحن لا نعارض "الدولة العميقة" للمؤسسات الليبرالية فحسب، بل نعارض الدولة البرجوازية ككل. نحن نناضل من أجل حكومة عمالية قادرة على اقتلاع جهاز الهيمنة الرأسمالية والقضاء على المجتمع الطبقي الذي يقوم عليه.
1- https://marxiste.org/donald-trump-contre-letat-profond
2- ملاحظة من المترجم.
ترشيحاتنا
