مشاهير قالو لا!

راشدة رجب

روجر ووترز يعلن الثورة على إسرائيل

2024.06.01

مصدر الصورة : آخرون

روجر ووترز يعلن الثورة على إسرائيل

"نحن الشعب منخرطون في معركة وجودية من أجل روح الجنس البشري. نحن الشعب سوف نتغلب. استمروا فى ذلك يا طلاب، نحن فخورون بكم جدًّا!"

هكذا قال المؤلف الموسيقي، المغني البريطاني روجر وترز Roger Waters (81 عامًا)، معلقًا على المظاهرات التي قام بها الطلاب في الجامعات الأمريكية والبريطانية لوقف الحرب والإبادة الجماعية في غزة ولوقف الجامعات عن دعم إسرائيل. 

هذا ليس بغريب على ووترز الثائر المجدد الذي شارك كعازف جيتار في تأسيس فريق الروك الشهير "بينك فلويد" (Pink Floyd) في لندن عام 1965. تميز الفريق باتباع نمط "السايكديلك روك" (Psychedelic Rock) والعروض الحية المباشرة (اللايف) على المسرح وكلمات أغانيه الفلسفية التي كتبها ووترز. إذ بعد انسحاب كاتب الأغانى "سيد باريت" من الفريق عام 1968، أصبح ووترز كاتب الأغاني والمغني الرئيسي للفريق. وقد انسحب ووترز بدوره من بينك فلويد عام 1985 إلا أن علاقته بالفريق استمرت، فأحيانًا يعمل منفردًا وأحيانًا ينضم إليهم.

وتعكس أشعار ألبومات بينك فلويد التي حققت شهرة عالمية، وكتبها ووترز -الثائر الحالم- مبادئ وأفكارًا عميقة، مثل ألبوم "أتمنى لو كنت هنا" Wish you were here)) 1975، التى تحمل فكرة الغياب، غياب شخص ما تحبه، كغياب سيد باريت عن زملائه وأصدقائه مؤسسي الفرقة بعد انسحابه منها. فبعد ألبومه الشهير "الجانب المظلم من القمر" (Dark Side of the Moon) 1973، الذي حقق شهرة واسعة، لم يجد الفريق ما يتحدث عنه سوى سيد وما حدث له وإدمانه للكحوليات، الذي يرجع إلى ضغوط الشهرة وطمع شركات الأسطوانات. ولذلك يتساءل ووترز فى ألبومه "أتمنى لو كنت هنا": هل تقوم بالأشياء التى أردت أن تقوم بها، هل تشعر بأنك ستنجح أم هل قمت بما يُتوقع منك مقابل الحصول على المال. وتعكس الكلمات شخصية ووترز النبيلة التي تضع أهمية للمبادئ والقيم حتى ولو لم تؤد إلى المكاسب المادية. وتؤكد أننا كبشر لا يمكننا أن ننجح فى بيئة تحبسنا فى أقفاص حيث لا يكون لنا إرادة فيما نفعله. وبالتأكيد فالأفضل أن نكافح وننفذ ما نؤمن به بدلًا من أن نشعر براحة تنفيذ ما يطلبه منا الآخرون. وتنطبق الكلمات مع مبادئ وقناعات ووترز ورؤيته للشعب الفلسطيني فيما بعد. 

أما ألبوم الجدار (The Wall) 1979، فترمز أغنيتاه الجدار 1 و2 إلى أكثر من المستوى الفيزيائى للكلمة، إلى مجموعة القرميد التى تعزلنا عن شيء آخر والشيء الآخر هنا هو الحياة نفسها، أي التي تقودنا إلى العزلة عمَّا حولنا، مثلما يحدث للطفل الذى يتعرض لسوء المعاملة من المدرسين والمدرسة فيقرر الابتعاد النفسي عن العالم المحيط. وسوء المعاملة هنا هو القرميد النفسي. وتنتج روح الثورة المستمرة لدى ووترز أوبرا "Ca Ira" 2005، وهي كلمة فرنسية تعنى "سيكون كل شيء على ما يرام" وتعني أن هناك أملًا والأوبرا تعتمد على نص كتبه إتيان (Roda-Gil Etienne) وزوجته نادين (Nadine) ويدور حول المرحلة المبكرة من الثورة الفرنسية. 

وهكذا يدمج ووترز السياسة فى أعماله وقد بدأ في مناصرة القضية الفلسطينية في إحدى جولاته الغنائية، في إسرائيل 2006، حيث دعاه مناصرو القضية الفلسطينية لرؤية الجدار العازل، الذى يشبه أغنيته الجدار، وكان من المقرر أن يقدم حفلة فى تل أبيب ولكنه نقلها إلى كنيس نيف شالوم فى إسطنبول بتركيا، ودعا إلى إزالة الجدار، قائلًا: الجدار صرح فظيع. ويحرسه جنود إسرائيليون شباب، عاملوني، وأنا شخص عابر من عالم آخر، بعدوانية واحتقار. ويتهم إسرائيل باستخدام سياسة التمييز العنصرى ضد الفلسطينيين. وفى تعليقاته يشبه إسرائيل بألمانيا النازية، يقول: التشابه بين ما حدث عام 1930 في ألمانيا وما تقوم به إسرائيل واضح جدًّا. وبعض عناصر عروضه الجماهيرية، أدت إلى اتهامه بمعاداة السامية، مثل اتهامه بوضع نجمة داوود على بالون فى إحدى الحفلات، وهو الرمز الذي أكد ووترز أن لأحد الرموز السياسية والدينية المتعددة فى الحفل وليس مقصودًا منه الإساءة إلى الديانة اليهودية. 

وينبه ووترز، الذي يدعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل التى بدأت عام 2005، إلى عدم الخلط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية. فانتقاد الإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل فى غزة لا يمكن أبدًا أن نعتبرها معاداة للسامية. ويُرجِع قلة عدد المشاهير الأمريكيين الذين انضموا إلى هذه الحركة إلى القوة الشديدة للوبي اليهودي هناك، خاصة في المجال الموسيقي. 

وكان ووترز قد انتقد كثيرًا من الفنانين الذين قدموا عروضًا في إسرائيل، ومنهم فريق موسيقى الروك بون جوفي (Bon Jovi) عام 2015. وفي عام 2017 طلب من فريقي راديوهيد (Radiohead) ونيك كيف (Nick Cave) إلغاء حفلتيهما إلا أنهما رفضا ذلك. وفى عام 2023، كان أحد المغنين الرئيسيين الذين وقعوا على رسالة يُطلق عليها "فنانون ضد التمييز العنصري" (Artists Against Apartheid).

كما قام ووترز بالتعليق الصوتي على الفيلم الوثائقي "احتلال العقل الأمريكي" (The Occupation of the American Mind) عام 2016، عن حرب العلاقات العامة التي تقوم بها إسرائيل في الولايات المتحدة من خلال الأفكار التي تستخدمها لتشكيل الرأي العام الأمريكي.

ويؤكد ووترز أن مقاومة الاحتلال مبررة قانونيًّا وأخلاقيًّا منذ احتلال 1967 وهذا التزام على المقاومة، ولا يعني هذا أنه لا يدين جرائم الحرب أيًّا كان مرتكبوها. وأكد أن قتل حماس لـ 400 جندي إسرائيلي في بداية الأحداث لا يُعد جريمة حرب وأنه لا يوافق بالطبع على استهداف مدنيين أو اختطافهم، ولكنه يشير إلى تضارب أقوال الإسرائيليين حول ما حدث للأطفال الإسرائيليين وضغطهم على الرئيس الأمريكى بايدن ليقول إنه رأى صورًا للأطفال الإسرائيليين مقطوعي الرأس. فى حين أنه غير مؤكد إذا كانت العملية، يقصد الهجوم نفسه كاذبًا أم لا، أي إنها عملية "راية كاذبة". وما حدث ويُطلق عليه 11 سبتمبر يشبه 11 سبتمبر الأصلي في أن كلا الحدثين يحملان ثغرات كبيرة (كلماته منذ أشهر تعكس ما تتحدث عنه الأخبار هذه الأيام).

ويؤكد أنه لا يُقدّر حياة الفلسطينيين أكثر لكن الاختلاف بين موقفه وموقف الحكومة الإسرائيلية في أنه يؤمن بتساوي الحقوق الإنسانية لجميع البشر في جميع أنحاء العالم بغض النظر عن أصلهم أو دينهم أو جنسيتهم. الحكومة الإسرائيلية لا تفعل ذلك، فعلى سبيل المثال هناك في المنطقة التي يمكن أن نطلق عليها الأرض المقدسة يعتبرون أن اليهود لهم حقوق تختلف عن أي شخص آخر، ويقول: هل تؤيد فكرة المساواة فى حقوق الإنسان أم لا؟ لأنك بمجرد ألا تفعل ذلك فأنت نازي.

وفكرة المساواة وحقوق الإنسان ليست غريبة على ووترز، فجده لوالده عامل منجم وعضو نشيط فى حزب العمال ووالده عضو فى الحزب الشيوعي.

وقد تعرض ووترز لمضايقات عديدة. فقد بلغ الحنق ضد ووترز أن تنتج الحملة البريطانية ضد معاداة السامية (The British Group Campaign Against Semitism) فيلمًا تسجيليًّا يزعم معاداة ووترز للسامية، هو فيلم "الجانب المظلم لروجر ووترز" (The Dark Side of Roger Waters) عام 2023. يقدم الفيلم حكايات بعض المتعاونين مع ووترز كـ"بوب إزرين" منتج "الجدار" الذي يثير غضبه أن ووترز، لا تقتصر آراؤه على انتقاد سياسة إسرائيل، بل يشير إلى إزالة الدولة اليهودية الوحيدة من الوجود. بينما أكد ووترز أن الفيلم أساء تفسير آرائه. كما أنتج الكاتب إيان هالبرين الفيلم التسجيلى "أتمنى أن لم تكن هنا"، على سبيل السخرية من أغنية ووترز الذي يتهمه بمعاداة السامية وإقامة نفس الجدران التى تعوق السلام فى المنطقة وتشعل الكراهية. 

وأثناء جولة للغناء فى أمريكا اللاتينية، نوفمبر الماضي، ألغت فنادق شهيرة بالأرجنتين حجز ووترز فاضطر إلى إلغاء حفلاته هناك، وقد رفض نواب برلمانيون أرجنتينيون وجود ووترز بالبلاد، كما طالب نواب في أوروجواي بسحب صفة الزائر البارز عنه ورفض فندق شهير هناك أيضًا استقباله. 

ورغم هذه المضايقات والافتراءات على الفنان النبيل، استمر ووترز صامدًا وواصل نشر فيديوهات لآرائه التى تستنكر الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي وتطالب بوقف إطلاق النار فورًا. 

وقد ألغت مجموعة برتلسمان الموسيقية، فى يناير الماضى، اتفاقية نشر أعمال ووترز بسبب تعليقاته حول إسرائيل، وأوكرانيا والولايات المتحدة.

إذ يرى، من جانب آخر، أن حرب روسيا وأوكرانيا تسببت فيها تصرفات الناتو (حلف شمال الأطلنطي) المستفزة حيث وصل إلى حدود روسيا عكس ما وعد به جورباتشوف فى الماضي عندما تفاوض من أجل انسحاب الاتحاد السوفييتي من أوروبا الشرقية.

كما قال ووترز إن توقف دوري كرة البيسبول الرئيسي عن الإعلان عن حفلاته يرجع إلى نفوذ رجل الأعمال اليهودي الأمريكي شيلدون أديلسون الذي يتحكم فى السياسة الأمريكية بخيوط الماريونيت. وفى إطار الحديث نفسه عن السياسة الأمريكية، أشار إلى أن الولايات المتحدة قتلت جورج فلويد (إفريقي أمريكي قتلته الشرطة أثناء اعتقاله 2020) بالتكنيك الذى اعتادت إسرائيل استخدامه مع الفلسطينيين، ما أثار فخر الإسرائيليين. كما انتقد خطة الرئيس الأمريكي السابق ترامب لبناء جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك. وسبق استنكار ووترز في ألبومه الفردي، "مستمتع حتى الموت" (Amused to Death) 1992، الحرب الأمريكية على العراق. 

واستاء ووترز من انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (البريكسيت) قائلًا: أخطأت عندما ظننت أننا أفضل من ذلك. 

وفي المقابل، مُنح جائزة محمود درويش للإبداع لعام 2022، لمواقفه الداعمة لحركة مقاطعة إسرائيل. وقد غنى ووترز لدرويش: خطبة الهندي الأحمر أمام الرجل الأبيض، وغيرها. 

ووترز رمز عالمى كبير شاء اليهود أم أبوا، وقد حضر حفلته فى برلين، احتفالًا بإنهاء الانقسام بين شرق وغرب ألمانيا عام 1990، 450 ألف شخص. كما تم ضمه إلى متحف الروك آند رول الأمريكي، كعضو في بينك فلويد، عام 1996، وتكريمه في حفل توزيع جوائز إنجاز العمر في المجال الموسيقي في المملكة المتحدة عام 2005 (Uk Music Hall of Fame)، وفي نفس العام انضم ووترز إلى بينك فلويد في حفلات (Live 8 global awareness event)، 11 حفلًا موسيقيًّا في عدة بلدان حول العالم، هدفت إلى زيادة الوعي بالقضايا الإفريقية. كما حققت جولته الحية "الجدار" حول العالم (2010-2013)، أعلى أرباح يحصل عليها مغنٍّ حينذاك. 

وفي رائعته اللاجئ الأخير (The Last Refugee) من ألبوم "هل هذه حقًّا هي الحياة التي نريدها؟" (Is This The Life We Really want?) عام 2017، يقول ووترز: كنت أقول وداعًا لطفلتي، التي تنظر نظرتها الأخيرة إلى البحر.. وستجد طفلتي على الشاطئ تحفر حولها من أجل سلسلة أو عظمة، تبحث في الرمال عن أثر غسله البحر.