مشاهير قالو لا!

نهى مصطفى

فانيسا ريدجريف.. تتحدَّى الصهاينة

2024.03.29

تصوير آخرون

فانيسا ريدجريف.. تتحدَّى الصهاينة

قليلون هم من يستطيعون قول كلمة حق والصُّمودَ لتحمل عواقبها، والممثلة والناشطة الحقوقية الإنجليزية فانيسا ريدجريف، لم تَخَف يومًا من التعبير الصريح والواضح عن مواقفها السياسية.

في عام 1978، وقفت فانيسا ريدجريف لتتسلَّم جائزتها في حفل توزيع جوائز الأوسكار عن دورها كأفضل ممثلة مساعدة في فيلم "جوليا"، وفي خطاب الشكر وبشجاعة متناهية، أمام جمهور الحفل، وصفت الصهاينة بـ"السَّفَّاحين".

فانيسا ريدجريف الناشطة السياسية

في حفل توزيع جوائز الأوسكار في عام 1978، وفي موقف لن يتكرر في أيامنا الحالية، شكرت فانيسا ريدجريف القائمين على الحفل على اختيار الفائزين، مشيدة بصمودهم وشجاعتهم ضد التهديدات الموجَّهة لهم من قِبَل "حَفْنة من الصهاينة السفاحين". فور أن قالت هذه الجملة، ضجَّت القاعة بصيحات الامتعاض والغضب، وعبَّر عدد من مشاهير هوليوود عن انزعاجهم من كلماتها في الحفل قائلين: إنه لا يجب استغلال الفوز بالجائزة في الدعاية للآراء السياسية.

رغم موهبتها الطاغية وترشحها لنيل جائزة الأوسكار ست مرات من قبل، فهذه هي المرة الوحيدة التي فازت بها ريدجريف بجائزة الأوسكار. والسبب بالطبع: هو قوة آرائها السياسية المؤيدة لفلسطين. وفور ترشحها للجائزة، بدأت المنظمات الصهيونية في أمريكا في محاربتها، وحاولت أن تَحُولَ بينها وبين الفوز بالجائزة.

لعبت فانيسا في فيلم "جوليا"، للمخرج فريد زينمان، دور امرأة ألمانية تقف ضد الممارسات النازية ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية. وبالرغم من هذا الدور المساند لليهود، فإن منظمة الدفاع اليهودية قادت حملة عنيفة ضد حصولها على جائزة الأوسكار وضد حضورها الحفل لتسلُّم الجائزة، وخرج بعض اليهود في مظاهرات قاموا فيها بحرق عرائس على هيئتها، وحاولوا تفجير إحدى السينمات حيث يُعرَض الفيلم.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقف فيها ريدجريف مع الشعب الفلسطيني لتدعم قضاياه، وتتحدى وتتحمل كل العراقيل والتهديدات بسبب آرائها السياسية المناهضة لسياسات إسرائيل. أنتجت فانيسا عددًا من الأفلام الوثائقية التي تعكس قناعاتها، حيث قامت بتمويل فيلم وثائقي بعنوان: "الفلسطينيين" في عام 1977 حول أوضاع الفلسطينيين وأنشطة منظمة التحرير الفلسطينية، وأنتجت فيلم "فلسطين المحتلة" عام 1980، ولم تحصد أفلامها عن القضية الفلسطينية أي جوائز عالمية، لكنها أفلام تعبِّر بوضوح عن معتقداتها وإيمانها بالدفاع عنها.

اهتمت ريدجريف بقضايا سياسية عديدة؛ فقد كانت ناشطة ضد السلاح النووي وضد حرب فيتنام، وداعمة للقضية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ودعمت الجيش الجمهوري الأيرلندي الذي كان جيشًا مؤقَّتًا يسعى لتحرير أيرلندا الشمالية من الحكم البريطاني وإعادة توحيدها مع الجمهورية، كما أنها شاركت في المظاهرات المعارضة للحرب على العراق عام 2003، وعملت سفيرة منظمة اليونيسيف في الأمم المتحدة.

لم تتوقف فانيسا مع تقدمها في العمر عن دعم قضاياها من خلال الفن، فانتقلت من التمثيل إلى الإخراج، وفي عام 2017 أخرجت فيلم Sea Sorrow، وهو فيلم وثائقي عن أزمة المهاجرين الأوروبيين ومحنة المهاجرين المخيمين خارج مدينة كاليه بفرنسا، في محاولتهم للوصول إلى بريطانيا عبر السباحة في القناة الإنجليزية.

كانت حادثة غرق الطفل السوري آلان الكردي، الذي فرَّ عبر البحر مع عائلته من الحرب في سوريا، هي الشرارة التي دفعت فانيسا إلى خوض تجربة الإخراج مع ابنها كارلو نيرو؛ للتحدث عن معاناة اللاجئين الفارين من الحرب إلى المجهول.

في الفيلم انتقدت فانيسا بشدة سياسة الإقصاء التي تنتهجها الحكومة البريطانية تجاه اللاجئين، واصفةً إياها بانتهاك لحقوق الإنسان.

مسيرة ثرية وعائلة فنية

تسلمت فانيسا ريدجريف جائزة الإنجاز عن كامل أعمالها من أكاديمية الفيلم الأوروبي، في حفل توزيع جوائز الفيلم الأوروبي السادس والثلاثين الذي أقيم في برلين مؤخَّرًا.

وتُعَد حياة فانيسا ريدجريف المهنية ثرية بالأعمال المتنوعة ما بين المسرح والسينما والتلفزيون، ويمتد مشوارها المهني لأكثر من 60 عامًا، حصلت خلالها على جوائز كثيرة، فضلًا عن قائمة من الترشيحات لجوائز الأوسكار والإيمي والجولدن جلوب والبافتا. وتضم أعمالها 70 فيلمًا و20 مسرحية بين مسارح لندن وبرودواي. رُشِّحت لأكثر من 62 جائزة سينمائية، وحصلت على 28 جائزة بالفعل.

تنتمي فانيسا لأسرة فنية عريقة في التمثيل تمتد لخمسة أجيال، وتُعتبَر من الأرستقراطية الفنية في بريطانيا، وهي تستحق بجدارة لقب "أعظم ممثلة في عصرنا" الذي أطلقه عليها الكثير من النقاد والعاملين في المجال الفني، فهي ممثلة مسرح وسينما تستند إلى تاريخ فني عريق، فوالدها يحمل لقب "سير مايكل". ورفضت ريدجريف لقب "ليدي" عام 1999، الذي تحلم به كل ممثلة إنجليزية، علمًا بأن والدتها الممثلة رايتشل كمبسون كانت تحمل لقب "ليدي".

فانيسا هي الشقيقة الكبرى للممثلة لين ريدجريف وكورين ريدجريف، ووالدة الممثلتين ناتاشا وجولي ريتشاردسون، وهي والدة المخرج وكاتب السيناريو الإيطالي كارلو نيرو.

قامت بأول أدوارها المسرحية في عام 1957 وأول أدوارها السينمائية في فيلم وراء القناع عام 1958، وانضمت إلى مسرح شكسبير الملكي في عام 1959، ورُشِّحت لجائزة الأوسكار لأول مرة عام 1966 عن دورها في فيلم "مورجان: قضية للمعالجة"، ثم الفيلم التاريخي "رجل لكل العصور".

وقامت بعدها بعشرات الأفلام التي أذهلت المشاهدين؛ من بينها: "الشريرات"، و"ماري ملكة إسكتلندا" 1971، و"جريمة في قطار الشرق السريع" 1974، و"في فصل آخر" 1975، و"جوليا" في عام 1977 مع جين فوندا وميريل ستريب، والذي فازت عنه بجائزة الأوسكار.

ومن أفلامها أيضًا "اليانكيز" 1979، و"أجاثا والبوسطنيون" في عام 1984، و"هواردز إند" 1992 و"مهمة مستحيلة ومسز دالواي| 1997، و|الجريمة والعقاب" 2002، و|الكونتيسة البيضاء" 2005، و"فينوس" 2006، و"إيفا" 2009، واستمرت في نشاطها الفني حتى بعد أن تجاوزت الثمانين.

تبلغ ريدجريف حاليًّا من العمر 86 عامًا، وقد تعرضت لأزمة قلبية في عام 2015 (بسبب تدخين السجائر طوال حياتها)، ولكنها ما تزال تتمتع بقوة حيوية، بالرغم من الأحزان التي خيمت على الأسرة الفنية بعد أن فقدت ابنتها الممثلة ناتاشا ريتشاردسون في حادث تزلج في عام 2009، وفقدت أختها لين وأخاها كورين ريدجريف في عام 2010.