نظر

فتحية السيسي

عيد الصلح كيف تحولت نزاعات سيوة إلى عيد سنوي؟

2018.12.01

علي زرعي وفتحية السيسي

عيد الصلح كيف تحولت نزاعات سيوة إلى عيد سنوي؟

تقع واحة سيوة في الصحراء الغربية من جمهورية مصر العربية، وتبعد عن مرسى مطروح حوالي 330 كم. وكانت الواحة مركزًا لعبادة الإله آمون في العالم القديم، وكان الملوك يأتونها للزيارة ولاستشارة كهنة المعبد في أمورهم الكبرى. وشهدت الواحة تأثيرات من ثقافات شتى، الفرعونية والإغريقية والرومانية والأمازيغية والإسلامية والعربية.

تتكون الواحة من قرية «أغورمي» وهي أقدم القرى بالواحة، وقرية «شالي غادي». والسكان الأصليون هم من إحدى قبائل زناتة الأمازيغية الذين اختلطوا مع مرور الأيام بالبدو. وينقسم سكان الواحة إلى قسمين رئيسيين: الشرقيين في شرقها، والغربيين في غربها

  أخبرنا أحد شيوخ سيوة: منذ ما يقرب من القرن والنصف، حدثت خلافات بين قبائل سيوة الغربيين ذوي الأصول العربية والقبائل الشرقية ذوي الأصول الأمازيغية، وصلت إلى عدم زواج قبائل الشرقيين من قبائل الغربيين، لاختلاف الأصول بينهم، رغم أن جميعهم يتحدثون اللغتين الأمازيغية والعربية. وبعد اشتداد المنازعات بين تلك القبائل، جاء الشيخ محمد المدني إلى سيوة، وهو مؤسس الطريقة المدنية الشاذلية بالواحة، وهي إحدى فروع الطريقة الشاذلية الشهيرة، والشيخ محمد المدني يُنسب إلى المدينة المنورة مسقط رأسه، وكان من أعيان الصوفية في عصره.

 استطاع المدني التدخل فى الأمر ومحاولة حل النزاع، حتى نجح في عقد الصلح بينهما، ووضع نظامًا لتجديد تلك المصالحة سنويًّا، بأن يتناول الجميع الطعام معًا في حب الله وذكره، حتى لا يظل هناك خلاف بينهما، ثم أمر أحد كبار القبائل الجميع بالخروج، فخرجوا مهللين فرحين بما حدث، من هنا أطلق عليه عيد الصلح، والذي يحدث كل عام في الليالي الثلاث القمرية من شهر أكتوبر، وأطلق عليه أيضًا عيد الحصاد، نسبة إلى موسم جمع البلح والزيتون في مدينة سيوة في ذلك الوقت

   يستعد الطباخون في اليوم الذي يسبق الاحتفال بتجهيز الطعام الذي يشارك فيه أهالي الواحة بمجهودهم الذاتي، حيث تقوم المساجد بجمع التبرعات من جميع القبائل بالواحة لشراء مستلزمات الطعام، من لحوم وأرز وأواني طهي وإعداد مخبوز الرقاق (المجردق)، بينما ينشغل أصحاب الألعاب في نصب خيامهم في الطرق القادمة من الواحة إلى جبل الدكرور، استعدادًا للاحتفال.

 وفي الصباح الباكر، يترك الجميع منازلهم، متجهين إلى ساحة الاحتفال، كما يبدأ الزوار بالتوافد من المدن المجاورة، وكذلك الدول المختلفة لمشاهدة ذلك الاحتفال الضخم.

  يبدأ الطباخون بتحضير الطعام، ويقوم الجميع بمناولة الأواني بعضهم بعضًا، مرددين بعض الأذكار والأناشيد الصوفية، ويقوم أحد كبار شيوخ القبائل بمناداة الجميع بأن أقدموا وتعالوا «هيووا هيووا» وما إن يسمع الجميع الكبار والصغار هذا النداء حتى يلتفوا في حلقات على الأرض في الساحة المجاورة لجبل الدكرور، ويقوم أبناء القبائل بنقل الأواني إلى جميع الحاضرين أسفل الجبل، فيمدون أيديهم إلى «البركية» أي الفتة، وسميت بذلك لاعتقادهم بأنها تجلب البركة عند أكلها في جماعة.

وعندما يحل المساء، يقوم أبناء الطريقة الشاذلية بعمل حلقات ذكر بمشاركة جميع أهالي سيوة في الساحة الرملية المواجهة للجبل، ملتفين في حلقة واسعة يتوسطها شيخ الطريقة، مرددين بعض الأذكار والابتهالات الخاصة بهم مثل «حيٌ حيٌ»

و«لا إله إلا الله».

  تستمر طقوس الاحتفال ثلاثة أيام بلياليهم، حيث يذهب الأطفال بعد تناول الطعام فرحين بملابسهم الملونة إلى ساحات اللعب.

 في حين يذهب كبار الشيوخ إلى البيوت القديمة وسط الجبال، يتبادلون الحديث ويتشاورون فيما بينهم حتى تصفى جميع الخلافات، فلا ينتهي هذا العيد إلا وقد رُفعت راية الصلح بجميع أرجاء الواحة، وكأنهم وُلدوا من جديد، فلا يوجد مجال لتلك الصراعات القديمة مرة أخرى، حتى الخلافات الشخصية تنتهي بمجرد انتهاء الاحتفال وكأن شيئًا لم يكن.

 ويُختتم العيد صباح اليوم الرابع، حيث يبدأ الشيوخ والطباخون بالنزول من جبل الدكرور، في مسيرة يقودها كبير الشيوخ مهللين ومكبرين سيرًا على الأقدام، متجهين إلى المسجد الكبير بالواحة، تأكيدًا على نشر التسامح والتصالح بين الجميع.