هوامش
محمد حسنينتنياهو والدولة العميقة – الجزء الأول
2025.04.05
مصدر الصورة : الجزيرة
من ينتصر؟ وفي أي صراع؟!
"لا توجد ديمقراطية هنا، كل شيء تحت هيمنة البيروقراطية ورجال القضاء!"
بنيامين نتنياهو
في 16 مارس 2025 أعلن بنيامين نتنياهو عزمه التقدم باقتراح لإنهاء ولاية رونين بار كرئيس للشاباك، في مخالفة قانونية صارخة، كما وصفتها المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، فما كان من نتنياهو إلا أن أقالها هي الأخرى. وربما ليس سرًّا أن قاضي المحكمة العليا إسحاق عميت، هو التالي في قائمة الإقالات. يأتي ذلك في خضم صراع نتنياهو مع ما أسماه "الدولة العميقة" فمن ينتصر في هذا الصراع؟!
لا يحق لنتنياهو إقالة رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك"، وقد رد بار بأن ولاءه أولًا وأخيرًا لمواطني إسرائيل، أما توقع رئيس الحكومة أن يكون ولاؤه له فهو أمر مرفوض. في تلميح أن نتنياهو يعين الموالين له شخصيًّا.
في المقابل، دأب رجال نتنياهو على تحميل قيادات المنظومة الأمنية المسؤولية عن أحداث السابع من أكتوبر. كان الموقف المتبلور لدى الشاباك أن حماس في حالة ارتداع، ولا تسعى إلى الحرب وتسعى إلى الحكم والحصول على مزايا اقتصادية، كما سمح في 2022، تحت إلحاح من السلك السياسي لزيادة عدد العمال القادمين من القطاع من 7 آلاف إلى عشرة آلاف، واستندت إلى تغير الموقف الإسرائيلي تجاه غزة الذي تقبل السماح بذلك، بعد موافقة قيادة المنطقة الجنوبية، وكان الشاباك هو المنسق الميداني. وقبل أن يجنح بنا الخيال نأخذ في الاعتبار أن رونين بار، مثل سابقه ناداف أرجمان، تبنيا اقتراح تصفية السنوار حتى لو أدى الأمر إلى حرب في غزة.
لم تقتصر خلافات رونين بار على نتنياهو وحسب، بل شملت وزراء الائتلاف. ذكر بار أن إرهاب المستوطنين اليهود يشعل "الإرهاب" الفلسطيني على حد قوله. وفي فبراير 2023 حذر وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير من أن ممارسات الشرطة في القدس الشرقية تُسبب الإحساس بالتنكيل والعقاب الجماعي لدى الفلسطينين، وفي مطلع أكتوبر طلب من بن غفير عدم الصعود إلى جبل البيت/الحرم في عيد المظال.
وفي أكتوبر 2024 توجه برسالة إلى رئيس الحكومة وعدد من الوزراء حذر فيها من تنظيم "شباب التلال" الذي يمارس العنف ضد الفلسطينين ويؤدي إلى الإخلال بالوضع القائم في جبل البيت/الحرم وسيؤدي إلى مواجهات دامية. ويرى المحلل السياسي بن كسبيت (معاريف) أن بن غفير لعب دورًا في دفع نتنياهو إلى إقالة رونين، بينما يرى آخرون أن الحرب الكلامية التي يشنها بن غفير ضد رئيس الأركان بإيعاز من نتنياهو، كما فعلها من قبل حين وجّه ميري ريجيف للهجوم على رئاسة أركان الجيش.
لكن المواجهة الأكبر حدثت قبل السابع من أكتوبر، ففي حين صعّد نتنياهو ما أسماه بـ"الإصلاح القضائي" وأسمته المعارضة "الانقلاب القضائي"، وهي معركة أساسية في إطار الصراع مع ما يسميه نتنياهو بالدولة العميقة. في مارس 2023 عقب الانقلاب القضائي، حذر رونين بار نتنياهو من تضافر التهديدات الأمنية مع الوضع الاجتماعي، وقبل عملية الدرع والسهم، نصح بار بالاقتصار على عمليات دقيقة ومحدودة حيث كان تقديره أن حماس لا تريد الحرب وستضغط على الجهاد لوقف القتال، وخلال الحرب أيد بار الانتهاء السريع للعملية العسكرية.
لم تكن المنظومة القضائية "متعاونة" على المستوى الذي يطمح إليه نتنياهو وائتلافه الحاكم. على سبيل المثال، في يوليو 2024، صدر قرار المحكمة العليا للبلديات بضرورة عودة المواطنين الفلسطينيين وحمايتهم من عنف المستوطنين، لكن القرار لم يُنفَّذ، وعندما حاولوا العودة في أغسطس تعرضوا لمزيد من العنف من المستوطنين، كما أن الجيش الإسرائيلي منع دخول ناشطين مؤيدين لمساندة المواطنين، ومنع أيضًا وصول الصحفيين.
لم يكتفِ بار بذلك وحسب، حيث توالت التحقيقات ضد نتنياهو ورجاله، لعل أحدثها وأشهرها "قطر-جت" المتورط فيها بنيامين نتنياهو ومجموعة من أصدقائه. وهنا، استدعى نتنياهو بار إلى مكتبه وهدده بالإقالة بدعوى "انعدام الثقة" لكن منصب رئيس الشاباك محصن ولا يملك رئيس الحكومة نفسه إقالته دون الرجوع إلى لجنة تعيين المناصب الكبرى، والمستشارة القانونية للحكومة، التي كانت بدورها التالية في قائمة الإقالات.
رئيس الأركان
قبل أسابيع من إقالة رئيس الشاباك، تم تعيين آيال زامير، رئيسًا للأركان العامة، خلفا لهرتسي هاليڤي، الذي امتدت ولايته من 16يناير 2023- 5 مارس 2025. يوصف زامير بأنه أول رئيس أركان سياسي في تاريخ الجيش، في إشارة إلى خلفيات تعيينه، حيث عمل في الماضي سكرتيرًا عسكريًّا لنتنياهو لمدة ثلاث سنوات، حتى وصف البعض مراسم تقليده المنصب، بـ"قَسَم الولاء للملك"، إشارة إلى ولائه لنتنياهو.
في أثناء السابع من أكتوبر كان آيال زامير يشغل منصب المدير العام لوزارة الدفاع، وهو أعلى منصب تنفيذي ويلي الوزير مباشرة، حيث كان أقرب ما يمكن إلى المنظومة العسكرية، لكنه في الوقت نفسه لا يتحمل أي مسؤولية عن التقصير الميداني والاستخباراتي.
حسب تقرير لقناة 12 الإخبارية أن سارة نتنياهو أرادت أن تضيف إلى قائمة المرشحين لرئاسة الأركان دافيد زيني، كما أن ابنها يائير لم يَرُق له ترشيح تامير يدعي.
سيكون زامير مسؤولًا عن أكثر الملفات الشائكة وهو ملف تجنيد اليهود الحريديم. علاوة على استئناف الحرب على غزة وتداعيات ذلك، وكذا احتمالات فتح إسرائيل لجبهات أخرى ربما تكون إحداها إيران.
زامير له علاقات جيدة بالأمريكيين وكان ممثلًا لإسرائيل في صفقات سلاح عديدة. يتماهى زامير مع خطاب نتنياهو وائتلافه الحاكم، ففي مايو 2023، وخلال مؤتمر هرتسليا ركز في خطابه في "الأخطار الوشيكة غير المسبوقة وعلى رأسها إيران".
بارك الساسة تعيين زامير، بدءًا من بن غفير وسموتريتش وحتى يائير جولان (حزب الديموقراطيين) وبني جنتس (المعسكر الرسمي).
معظم القادة العسكريين الذين عملوا مع نتنياهو انتقدوا سياساته بشدة. وقبل انتخابات 2015 وقع عشرات الضباط بالجيش والمخابرات على رسالة تطالب بإقالة نتنياهو.
ويقول رئيس الشاباك السابق يعقوف بيري إن تحليل الأجهزة الأمنية بشأن الملف الفلسطيني والملف الإيراني تتناقض باستمرار مع سياسات نتنياهو، وهو ما حدا بالبعض إلى القول إن المؤسسة العسكرية تقود المعارضة، إلا أن بيري ينفي ذلك. جدير بالذكر أن نتنياهو استبعد رئيس "الموساد" دافيد برنياع من رئاسة الوفد الإسرائيلي لمفاوضات تبادل الأسرى.
الوسط الأكاديمي
شهد الوسط الأكاديمي اضطهادات، بل وتطورت إلى إجراءات تعسفية ضد عناصر أكاديمية بعينها، خاصة وأن الوسط الأكاديمي من أهم الدوائر التي خرجت منها معارضة الانقلاب الدستوري الذي يتبناه نتنياهو ومعسكره، واضطر إلى تجميده مؤقتًا بسبب الحرب.
كان دانييل حاييموفيتش، رئيس جامعة بن جوريون ورئيس مجلس رؤساء الجامعات في إسرائيل، قد حذر أن هناك خطرًا وشيكًا على سيادة القانون في حالة إقالة المستشارة القانونية للحكومة، جالي بهاراڤ ميارا، التي تكررت مواجهاتها مع نتنياهو ووزراء من الائتلاف الحاكم، وقد تمت بالفعل إقالتها كما ذكرنا.
يعيش المجتمع الإسرائيلي في ظل تركيبة اجتماعية جديدة، وتنامٍ للتعصب الذي قد يمتد إلى الداخل ولن يقتصر على الآخر غير اليهودي. تشهد إسرائيل تصعيد اليمين الديني من الهيمنة انتخابيًّا على الساحة السياسية إلى إحكام السيطرة على مؤسسات الدولة: القضاء والجيش والإعلام والمالية.
هناك بالفعل انقسام في المجتمع الإسرائيلي، وبغض النظر عن شدته، فإن أربعة انتخابات سابقة لم تنجح في حسمه بالتوافق أو لصالح أحد الأطراف، ولا يُنتظر ان تحسمه الانتخابات المنتظرة عقب الحرب.
وقد أيقن نتنياهو أن كل يوم من الحرب يمد من عمره السياسي يومًا آخر، وتصعيده للتوترات الخارجية والداخلية -ضد المؤسسة العسكرية والقضائية- يخدم مصالحه ومصالح شركائه في اليمين الديني، ويمهد لخطوات مصيريه، من بينها إقرار الموازنة االعامة.
في إبريل 2023 وفي ظل تصعيد القوى السياسية المناهضة للانقلاب الدستوري لنتنياهو وشركائه، أُعلن الإضراب في قطاعات كثيرة: اتحاد العمال والمطارات والموانئ والمواصلات والاتصالات والمستشفيات، ما حدا بنتنياهو إلى المناورة بتعليق التشريعات. وطوال مدة الحرب وحتى وقتنا لم نشهد تصعيدات مشابهة ضد الحرب، حيث تواجة الشرطة أي احتجاجات حتى الوقفات السلمية لأهالي الأسرى بعنف شديد.
في حين يتصاعد خطاب شعبوي يروج للانقلاب الدستوري تحت لافتات الانتصار للديموقراطية ضد "الدولة العميقة" ونعت مؤسساتها بـ"التعالي على إرادة الشعب".
عقب اتفاق غزة في يناير الماضي، استقال إيتمار بن غفير (القوة اليهودية) احتجاجًا على الاتفاق، ومعه وزيران من حزبه، وعدد من رؤساء اللجان بالكنيست، للسبب نفسه. بعد الانسحاب من الائتلاف انخفضت سيطرته من 68 مقعدًا إلى 62 فقط وبات يوصف بائتلاف هش، لكن المعارضة أكثر هشاشة من أن تستفيد من الموقف. في الوقت نفسه لم يُقدِم بتسلئيل سموتريتش على الاستقالة رغم تهديده المتكرر بالاستقالة مثل بن غفير. في استطلاع للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية 52.4% متشائمون من الوضع الأمني. أكثر من 50% يثقون بالمؤسسة العسكرية أكثر من ثقتهم بنتنياهو.
نتنياهو والدولة العميقة.. (ما) هو الصراع؟
ربما تكون معرفة كنه هذا الصراع (ما هو الصراع) أهم بكثير من التكهن بنتائجه!
لقد صار مصطلح "الدولة العميقة - Deep state" متداولًا في الآونة الأخيرة، وبشكل خاص في الولايات المتحدة، وإسرائيل. وقد ظهر بصيغته هذه (الدولة العميقة) في التسعينيات في تركيا "derin devlet"، لكن المفهوم كان رائجًا بصيغ مختلفة. وبرغم انتشار المصطلح، الذي لم ينطوِ على دلالة سلبية بالضرورة، لم يكن له تعريف علمي دقيق، لا سيما أنه انتشر بنسبة أكبر في الخطاب الشعبوي، حتى اعتبره البعض نسخة جديدة من الاتهامات بالسحر والماسونية، والطابور الخامس، وتهمة "الشيوعية" في دول المعسكر الغربي، في مقابل تهمة العمالة للرأسمالية، في دول الكتلة الشيوعية.
بشيء من التبسيط والتعميم، يشير مصطلح "الدولة العميقة" إلى شبكة من أصحاب المصالح التي تسيطر من تحت السطح على مقدرات الدولة وتوجهه لصالحها. في الاستخدام الفعلي للمصطلح لا يقصد به الشيء نفسه، فقد يُقصد به على سبيل المثال لا الحصر:
- الاستخبارات وأجهزة الأمن السرية.
- مؤسسة القضاء والشرطة.
- المنظومة العسكرية.
- الجهاز البيروقراطي.
- مؤسسات الإعلام.
- المؤسسات المصرفية.
- المؤسسة الدينية.
- رجال عصابات وشبكات الفساد.
مع الأخذ في الاعتبار أن المقصود أحيانًا هو "المؤسسات" ومرات أخرى عناصر بعينها داخل تلك المؤسسات، كـ"مراكز القوى" في عصر السادات. وقد تتشكل الدولة العميقة من تكاتف عدة مؤسسات -أو عناصر داخل تلك المؤسسات- وفي الوقت نفسه قد يقتصر نفوذها على الدولة وحدها أو تكون عابرة للحدود، مثل الاحتكارات والشبكات الإعلامية الدولية.
ولقد تبنى دونالد ترامب وأنصاره، منذ فترة رئاسته السابقة، مصطلح "الدولة العميقة" في اتهام خصومه بعرقلة سياسات "الرئيس المنتخب". نشر ترامب 56 مقالة عن الدولة العميقة في الفترة من يناير 2023 وإبريل 2024، تضمنت تسع مقالات منها خططًا لتدمير تلك "الدولة العميقة" المزعومة.
وفي مارس 2025، نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على حسابه الرسمي على X:
"في أمريكا وإسرائيل، عندما يفوز زعيم يميني قوي في الانتخابات، تُسلح الدولة العميقة اليسارية نظام العدالة لإحباط إرادة الشعب..."
هكذا التقم نتنياهو وأنصاره من ترامب المصطلح -"الدولة العميقة" أو "دولة الظل"- كتهمة معلَّبة ومشهره في وجه أي معارضة لسياسات نتنياهو، كما أشرنا أعلاه، سواء في المؤسسة العسكرية، او البيرواقراطية أو الإعلام أو الأكاديمية، والقضاء بشكل خاص، المتهم بـ"تلفيق" قضايا لـ"رئيس الحكومة المنتخب" والائتلاف "المنتخب" أيضًا.
هل هناك دولة عميقة في إسرائيل؟
يحمل المشروع الصهيوني مقومات تبلور "دولة عميقة":
- خضوع المشروع قبل وبعد قيام الدولة لحركة "العمل" بتطوراتها المختلفة، وذلك حتى عام 1977.
- سيطرة اليهود الأشكناز، وبالتحديد يهود أوروبا الشرقية على كل أجهزة الدولة، منذ مرحلة الاستيطان، ثم باعتبارهم "ضحايا النازية" فيما بعد. في مقابل اليهود الشرقيين الذين جاءوا لاحقًا ولم يتعرضوا للإبادة.
- عسكرة المجتمع منذ نشأته وإلى يومنا هذا، بدءًا من التجنيد الإجباري، وحتى تولي الجنرالات المتقاعدين للمناصب العليا في أجهزة الدولة وحتى الشركات الخاصة، بل وفي الأكاديميات.
انقلاب الليكود بيجن 1977 - نتنياهو 1996
بدأ الليكود مرحلة جديدة في تاريخه وفي تاريخ إسرائيل في 1977، سميت بالانقلاب، حيث شهدت إسرائيل تحولات على 3 مستويات:
السياسة الداخلية: انتهاء فترة حكم الحزب الواحد، (حزب العمل)، حشد أغلب أصوات الشرقيين حول حزب واحد (الليكود).
السياسة الخارجية: عقد معاهدة سلام مع مصر.
الاقتصاد: تبني سياسة اقتصادية ليبرالية.
في عام 1996، وبشكل غير متوقع للكثيرين، فاز بنيامين نتنياهو بأول انتخاب مباشر لتولي منصب رئيس الوزراء في تاريخ إسرائيل. استسلم خصمه، السياسي الإسرائيلي المخضرم شيمون بيريز، لخصم شاب بعد سلسلة من العمليات المسلحة، استغلها اليمين للهجوم على عملية السلام بعد اتفاقية أوسلو عام 1993. وقد بدأ نتنياهو منذ مجيئه بـ"التحالف التلقائي" مع الأحزاب الدينية.
منذ اعتلائه للسلطة، عام 1996، دخل بنيامين نتنياهو في صراع مع قيادة الجيش وقيادة الخدمات الخاصة. من بين 17 من كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الذين عمل معهم رئيس الوزراء، كان 13 منهم ينتقدون سياساته بشدة. قبل أربعة أيام من الانتخابات البرلمانية لعام 2015، وقع العشرات من كبار ضباط الجيش والمخابرات على رسالة مفتوحة تطالب بإقالة نتنياهو.
ويشير ياكوف بيري، رئيس الشاباك السابق، إلى أن:
"بعض الناس يحلو لهم القول إن المؤسسة الأمنية تقود المعارضة في البلاد، وأعتقد أن هذه مبالغة، لكن لا شك في أن التحليل المهني للأجهزة الأمنية في ملفيّ إيران وفلسطين يتناقض باستمرار مع سياسات نتنياهو وتصريحاته".
وفي المقابل حدثت طفرة في أوساط اليمين، في حين لم يتجاوز المستوطنون 1300 فقط في عهد بيجن، تصاعد منذ تولي نتنياهو، حتى بلغوا حاليًّا 650 ألف مستوطن، ما يوازي 10% من سكان إسرائيل. وقد هيمن خطاب شعبوي متطرف بصيغتين قومية ودينية حسب جمهوره. في الوقت نفسه انتهت مرحلة الحزب القوي، وحتى المنافسة بين حزبين قويين، وبدأت مرحلة التكتلات والتيارات. كما ازدادت القوة السياسية للمستوطنين تحديدًا، حتى بالمقارنة بنسبتهم من السكان، وهو ما تجلى في التشريعات والقرارات السياسية الداعمة.
وفي القطاع الديني، يبلغ تعداد اليهود الحريديم 1.4 مليون، 60% منهم تحت العشرين -مقابل 31% في إسرائيل عامة- لكنهم يتمتعون بإعفاء من الخدمة العسكرية، رغم إعلان المحكمة عدم قانونية الإعفاء وهناك 63 ألف شاب حريدي كان يفترض تجنيدهم هذا العام. 53% من الحريديم من سكان المستوطنات. تصل نسبة البطالة بينهم 46.5%، يحصل كل طالب على معونة شهرية 1200 دولار.
في عهد نتنياهو، توغلت الصهيونية الدينية في مفاصل الدولة ومن بينها المؤسسة العسكرية، وعلى سبيل المثال من بين ست فرق تحارب في غزة، قيادة خمسة منها ينتمون إلى التيار الديني في مستوطنات الضفة، ومن خريجي أكثر المؤسسات التعليمية تطرفًا. وينتمي إليها أيضًا قائد المنطقة الوسطى.
وفي الدوائر القضائية، عمل نتنياهو على تعيين أنصاره في المناصب القضائية، ثم سعى إلى تغيير النظام القضائي نفسه، وفي المقابل فُتحت ملفات جنائية ضد أعضاء حكومة نتنياهو ومعاونيه. منهم وزير الداخلية السابق أرييه درعي، الذي اتُّهم بارتكاب جرائم اقتصادية، ووزير العمل والضمان الاجتماعي السابق حاييم كاتس المتهم بالاحتيال، ووزير الصحة الأسبق يعقوب ليتسمان المتهم بخداع الجمهور، كما واجه بنيامين نتنياهو نفسه عدة اتهامات.
لقد عمل نتنياهو منذ توليه على قذف كل من يعارضه بالـ"يسارية" أو البيروقراطية وأخيرًا بـ"الدولة العميقة"، في الوقت الذي كان هو نفسه يوطد دولته العميقة في كل المؤسسات المدنية والعسكرية، بكل مستوياتها. فالصراع الدائر منذ سنوات هو صراع على السلطة.
إسرائيل دولة استيطانية عنصرية، وهذا الجوهر الاستعماري العنصري هو "الدولة الأعمق" من "دولة نتنياهو" أو "دولة معارضيه".