عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

هوامش

محمد حسني

نتنياهو والدولة العميقة – الجزء الثاني

2025.04.19

تصوير آخرون

من ينتصر؟ وفي أي صراع؟!

 

عمل نتنياهو منذ توليه على قذف كل من يعارضه بالـ"يسارية" أو البيروقراطية وأخيرًا بـ"الدولة العميقة"، في الوقت الذي كان هو نفسه يوطد دولته العميقة في كل المؤسسات المدنية والعسكرية، بكل مستوياتها. فالصراع الدائر منذ سنوات هو صراع على السلطة.

هذا الصراع ليس وليد اليوم، وليس من المبالغة الزعم أن جذوره في الحركة الصهيونية ذاتها، حيث عملت على تجميع توفيقي (تلفيقي) لكل التيارات، تحت شعار "دع الكل يعمل، ومن يصل نصل معه". بالأخذ في الاعتبارات العديد من الصدامات المحدودة، على خلفية طبقية-إثنية في أوساط الشرقيين (والإثيوبيين فيما بعد) ضد المؤسسة الأشكنازية، والصدامات بين المتدينين والعلمانيين. فإن التحولات المفصلية في المجتمع الإسرائيلي ترجع إلى:

- فوز بيجن بالانتخابات.

- فوز نتنياهو بالانتخابات – وقبلها اغتيال رابين.

لقد شهد التحول المفصلي الأول نجاح مناحم بيجن في حشد أصوات سكان الضواحي والأحياء الفقيرة، لحزب الليكود، في الوقت نفسه مالت الأحزاب الدينية التي كانت متحلقة حول حزب العمل يمينًا، كما أفرزت المرحلة نفسها تنامي حركات اليمين المتطرف بين مستوطني الضفة وغزة، والجولان وسيناء أيضًا. ومن تجليات تنامي التيار الديني توغله في الجيش الإسرائيلي، المؤسسة المفترض بها دعائيًّا "صهر" الإسرائيليين بغض النظر عن أصولهم وانتماءاتهم السياسية والعقائدية.

المرحلة نفسها كانت إعلانًا عن تحويل الاقتصاد نحو الليبرالية، وبرغم أن هذا التحول كان ينطوي على تشوهات وتناقضات لا مجال لشرحها، فإنه أفرز طبقة جديدة ذات مصالح متماهية مع التوجه اليميني نفسه. ولمزيد من التناقض تضاعف جمهور المتدينين الذين يمثلون عبئًا على اقتصاد الدولة حتى صاروا يشكلون أكثر من نصف سكان إسرائيل اليهود.

يأتي التحول المفصلي الثاني مع حدثين أولهما اغتيال إسحق رابين زعيم اليسار الصهيوني الأشكنازي على يد شاب يميني شرقي، تلاها صعود بنيامين نتنياهو، وبقاؤه في السلطة حتى الآن، ماعدا فترات متقطعة.

بالرغم من أن تاريخ إسرائيل هو تاريخ للحرب الدائمة، فإن المرحلة المذكورة شهدت وتيرة أعلى، مع قِصر الفترات البينية، بين كل حرب وأخرى، كما شهدت وأد كل اتفاقيات السلام السابقة، وتصفية كل قوى السلام واليسار الفلسطيني، وتدجين السلطة الفلسطينية، وتحفيز الانشقاق بين القوى الفلسطينية، بين الضفة (فتح) والقطاع (حماس). واحتضان القوى العشائرية والعمل على تناميها.

والمرحلة نفسها شهدت تراجعًا شديدًا لليسار في إسرائيل، حتى اقتصر على بضعة آلاف من الناشطين، نسبة كبيرة منهم تنشط في الأوساط العربية.

من سلطة الحزب إلى سلطة الفرد

انتقل نتنياهو من تثبيت أقدامه في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، إلى "تأبيد" رئاسته، عبر تحالفات مع كل قوى اليمين، الذي هيمن بدوره على الساحة السياسية، والسيطرة على مفاصل الدولة بكل أجهزتها، بدءًا من البلديات وحتى الجيش والمخابرات، عن طريق الدفع بعناصر موالية في جميع المناصب صغيرة أو كبيرة. ثم صعّد مساعيه إلى سن تشريعات لا تضمن بقاءه وحسب، بل تغير من توازنات القوى بين السلطات: التشريعية والقضائية والتنفيذية، لصالح سلطة الكنيست الذي يهيمن عليه اليمين القومي والديني.

إلام يفضي الصراع؟!

"الدولة العميقة" هي محض شعار يستخدمه نتنياهو -مثل ترامب- للابتزاز وحسب. يدرك نتنياهو أن اليسار في إسرائيل أضعف من أن يشكل أي تهديد على سيطرة اليمين.

وعلى الرغم من أن الصراع الديني-العلماني قديم قِدم الصهيونية، فإنه، فيما عدا الجدالات النظرية والإعلامية، لا يُطرح كصراع سياسي حقيقي ومؤثر على الأرض. حقًّا إن الصهاينة العلمانيين يرون بأعينهم تنامي اليمين الديني وهيمنة المتدينين على الساحة السياسية، واستفحالهم ديموغرافيًّا، ويدركون أنهم يشكلون عبئًا على الاقتصاد، إلا أنهم يتعامون عن كل ذلك، في خضم حربهم المسعورة لطرد وإبادة الشعب الفلسطيني.

كما أن طبيعة اقتصاد المشروع الصهيوني كاقتصاد حرب، تلغي فرص تصاعد الصراع الطبقي المتوقع في حالة الاقتصاد الطبيعي، لذا نجد الطبقات المفترض أن تتحرك ضد النظام الحاكم، هي نفسها من تحتشد لدعم هذا النظام. كما أن طبقة البرجوازية هي أيضًا داعم أساسي للنظام، وحيث أن مصالحها تتماشى مع استمرار الحرب، وتشتهي ضم مزيد من الأراضي لإشباع نهمها من الأرباح العقارية المنتظرة، فليس من المتوقع بالطبع أن تضغط لوقف الحرب.

طوال أكثر من عام ونصف من الحرب، لم نشهد أي ضغوط دولية رسمية حقيقية على إسرائيل لوقف المذابح والتدمير، على العكس، وللأسف، فإن مجرم الحرب نتنياهو يحظى بتأييد ومساندة دول عربية، وبالتالي فإن الموقف الدولي لا يشكل أي تأثير في السياسة الإسرائيلية.

أي انتخابات قادمة لن تأتي بما يدهشنا. تتزايد فرصة نفتالي بينت يومًا بعد يوم، وبينت هو ربيب نتنياهو ونسخة أكثر يمينية منه، حيث أنه مرتبط منذ صغره بالأوساط الدينية، وترأس مجلس مستوطنات الضفة وغزة، وهو من دعاة "أرض إسرائيل الكاملة"، وفي حالة تحالفه مع بيني جنتس أو يائير لابيد، فلن يتبنى الائتلاف سياسات مختلفة عن سياسات الحكومة الحالية.

أما نتنياهو، المنتحر سياسيًّا -كما يقولون- فليس مستبعدًّا من قائمة الفائزين المحتملين. ورغم أن الاستطلاعات تشير إلى عدم تجاوزه 29% من عينة الاستطلاع، فإنه كما تكرر في الماضي ، يخسر في الاستطلاعات ويفوز في الصناديق.