ثقافات

شيماء ياسر

نوادي القراءة ومجموعة غادة لبيب

2024.04.05

تصوير آخرون

عن تطور ظاهرة نوادي القراءة
مجموعة غادة لبيب نموذجًا

 

لم تعد ظاهرة مجموعات القراءة بشكلها الافتراضي جديدة على المجتمع الثقافي في مصر، خاصة مع تزايد عدد هذه المجموعات كل يوم بشكل يطرح تساؤلًا حقيقيًّا حول معدلات القراءة الحقيقية في مقابل نسبة الاهتمام بالكتاب والإقبال عليه. 

ظاهرة نوادي الكتاب ومجموعات القراءة قديمة نسبيًّا، فعلى الأقل هي شكل حديث من الصالونات الأدبية التي عُرِفت بها عدة بيوتات لأهل الفن والصحافة والشخصيات العامة، اتخذت الفكرة أشكالًا مختلفة في تطبيقها؛ سواء كانت قاصرة على شخصيات عامة كصالون العقاد مثلًا، أو منفتحة على حضور أكبر كمجالس نجيب محفوظ على مقاهي القاهرة، أو مجرد جلسة بين أصدقاء لقراءة ومناقشة كتاب بشكل منتظم، وفي موعد محدد. وشكلها الحديث ربما هو الأقرب لما ظهر لنا في الأفلام الأجنبية التي قدمت فكرة الـBook Club.

من الصعب تحديد وقت ظهور مجموعة القراءة الأولى في العالم الافتراضي التي مهدت لمثل هذا الطوفان من مجموعات القراءة، لكن المؤكد هو تطور شكل العمل فيها، وتفاوت اهتماماتها، ومستويات الوعي والأعمال المطروحة للمناقشة. 

قرر كثير من هذه المجموعات الخروج عن عالم ما وراء الشاشة وعدم الاكتفاء به؛ ليكون هناك موعد ثابت وبشكل منتظم للقاء الحي بين أعضاء المجموعة، ومع الوقت لم يعد اللقاء قاصرًا أيضًا على وجود الأعضاء والقراء، وإنما قد يصاحبه وجود الكاتب نفسه لمناقشة عمله وطرح التساؤلات عليه. على مستوى القاهرة على سبيل المثال، واتباعًا لفكرة المركزية كنقطة جذب لها مبرراتها، كانت اللقاءات تكاد تتوحد في محيط وسط البلد. 

شكوى أهل المحافظات والأقاليم، انضم لها مع الوقت شكوى أهل التجمعات السكنية التي ظهرت حديثًا على أطراف المدينة، من تجاهل النسبة غير القليلة من القراء في هذه المناطق. بُعد المسافات، وعدم وجود منطق يبرر كل هذا التمركز في وسط العاصمة، كان الدافع لكثير من الحركات لكي تخلق مساحاتها الخاصة في أماكنها البعيدة نسبيًّا، يضاف إلى ذلك النظرة الطبقية بشكل كبير إلى بعض أهل هذه الأماكن البعيدة، وافتراض صورة معينة لشكل وطبيعة اهتمامات سكانها.

قررت غادة لبيب، وهي قارئة تحب الكتب، كسر عدة دوائر مغلقة، بداية بقرار مشاركة اهتماماتها كقارئة، والتفاعل على مجموعات القراءة، تلا ذلك انضمامها لجروب قراءة خاص بالتجمع السكني الحديث نسبيًّا والبعيد "مدينتي"، ومن عملها طبيبة أسنان لفترة طويلة، إلى تركيز اهتمامها في مجال القراءة وتوجيه الوقت والجهد فيه، تواجدت غادة لبيب في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ من خلال عدة لقاءات جمعت فيها بين الكاتب والقارئ.

تقول غادة: إن القراءة كانت موجودة طوال الوقت، وإن قرارها بترك مجال العمل في طب الأسنان لظروف خاصة بعد العمل فيه لفترة طويلة، أتاح لها فرصة التركيز في مجال اهتمامها بالكتب، وتقريب مساحة هذه الأنشطة لقراء مجتمع مدينتي، كان الحافز لخلق هذه المساحة لهذا النشاط في الداخل.

تحكي غادة أنه في أواخر أكتوبر 2022، ومع نشاطها في ترشيحات الكتب والأفلام، كان الاقتراح من بعض الأصدقاء بضرورة وجود صفحة خاصة لذلك منفصلة عن الحساب الشخصي القاصر على الأصدقاء، فكانت بداية تجربة جروب بوك جاردن، كإحدى مجموعات القراءة، وبعدها بشهرين كانت فكرة عمل الصالون باستضافة من المركز الثقافي في مدينتي.

وفي يناير 2023 كان اللقاء الأول للصالون الثقافي، والذي توالت فيه اللقاءات ليضم مجموعة من الكُتَّاب لمناقشات العديد من النصوص، بمعدل شهري، يتم الإعلان عن كتاب معين أو عن عمل لقاء مفتوح تستضيف فيه كاتبًا معينًا لعرض مجمل أعماله، ومعرض القاهرة للكتاب 2023 شهد نشاطًا موازيًا لجروب القراءة في العالم الافتراضي من خلال تسجيل لقاءات من داخل المعرض، ثم جاءت فكرة صداقة وكتابة، وفيها حاولت غادة الإشارة إلى الجانب الإنساني في حياة الكاتب داخل مجتمع الكتابة. كان من الثنائيات التي تم استضافتها أحمد عبد المجيد وأسامة علام، والأخوان العادلي، وآخرون.

بدعوة من ديوان مصر الجديدة والكتب خان، خرجت غادة لبيب بلقاءين خارج حدود مدينتي، لكن التجربة -كما تقول- كانت بدعوة من الأماكن، وتظل مساحة الحركة التي اختارتها لها الأولوية.

خدمة مجتمع قراء مدينتي، في ظل بُعد المسافة بينها وبين مركز وجود مثل هذا النشاط، كان غرضًا أساسيًّا ولاقى إقبالًا كبيرًا من الناس، خاصة وأن المنتدى الثقافي غير قاصر على سكان مدينتي، وإنما يخدم ما حولها من مدن بدر والشروق والرحاب، وهو متاح للجميع.

الوجه الظاهر في الإعلام عن اهتمامات شريحة سكان مدينتي لا يعطي انطباعًا حقيقيًّا؛ لأنه غالبًا يركز على اهتمامهم بالجانبين الترفيهي والرياضي، لكن واقع ما تم من لقاءات ومن إقبال وحرص القراء هناك على الحضور والقراءة، يعطي مؤشرًا مختلفًا عن الشائع. ويظهر ذلك في مستوى النقاشات وطرح الأسئلة من القراء للكاتب، وكذلك اختيارهم للنصوص والأعمال المطروحة للمناقشة. 

"شيء صحي أن تجد مجموعة من الناس تشاركك اهتمامك؛ سواء في العالم الافتراضي أو لقاءات على الأرض"، ومن هنا تأتي أهمية مجموعات القراءة في رأي غادة أيًّا كان الشكل الذي تقام من خلاله. مزايا مجموعات القراءة أكثر من عيوبها، وأهمها مشاركة الاهتمامات بين القراء وتبادل الآراء وخبرات القراءة، وكذلك تحسين طرق الاختلاف، أو كما يسمى أدب الاختلاف. 

"أفاجأ أحيانًا بمستوى المناقشة ووعي القراء، مثلما حدث في مناقشة أسامة الشاذلي وروايته "عهد دميانة". وأحيانًا أخرى يكون الكتاب موضوعُ المناقشة مثيرًا للجدل والاختلاف في وجهات النظر في بعض آرائه، ويحتد النقاش بين الحضور والكاتب، مثلما حدث مع "أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي"، ولكنه يبقى داخل إطار الاحترام، وحتى عرض نقاط الاختلاف مع النص ضروري للكاتب نفسه وفرصة للتطوير. أحيانًا يحدث بعض التجاوزات على الصفحة، لكن في النهاية يصعب التحكم فيها؛ لأنها مفتوحة ومتاحة للجميع".

"نسبة الحضور كبيرة قد تصل أحيانًا إلى 70 فردًا، وأحيانًا يكون عدد السيدات أكبر، لكن يلاحظ مؤخرًا اهتمام عدد لا بأس به أيضًا من الرجال. والأعمار كذلك متفاوتة جدًّا، ونسبة كبار السن واهتماماتهم ملحوظة، وكذلك حرصهم على الحضور برغم ظروفهم الصحية والقراءة مسبقًا والمناقشة". 

"اختيار النص يكون بالتصويت، وكذائقة شخصية لا أفضل أدب الرعب، لكن لو تم ترشيحه من الأعضاء فسيتم طرحه للمناقشة". 

"ترشيحاتي للمناقشة في الغالب تكون في دائرة اهتمامي، لكن أحيانًا تتم مناقشة بعض الكتب التي أحدثت جدلًا أو نقاشًا كبيرًا وسط القراء ومع ذلك اختاروا طرحه للنقاش. اهتمامنا غير قاصر على الأعمال الأدبية، فقد تمت مناقشة واستضافة كريم جمال وكتابه "أم كلثوم وسنوات المجهود الحربي"، وأيضًا عمل لقاء مفتوح عن كتابات عمر طاهر، وهي كتابات نوعية في الأساس ومختلفة". 

وأما عن معايير اختيار النصوص للمناقشة، فتقول غادة: إنه ليس من ضمنها قوائم البيست سيلر. وبالفعل تمت مناقشة كثير من الأعمال خارج هذا التصنيف. "محاور المناقشة مبنية على رؤيتي الخاصة"، أحيانًا استرشد بقراءات أخرى للنص، بجانب أن أسئلة القراء والحضور يُفرَد لها وقت كبير، وتثري اللقاء. 

تؤكد غادة لبيب أن نشاط بوك جاردن كمجموعة قراءة، أو في تعاونه مع جروب قراء مدينتي والمركز الثقافي التابع لها، هو مجهود شخصي تمامًا وغير ممول أو مدعوم من أي جهة. النشاط كله مبني على توجهات وقناعة شخصية لها، ولا تفكر في أي خطوة أبعد من ذلك، حتى وإن تم التطوير فيها فلن يكون خارج توجهاتها واهتماماتها. 

"البعض له توجهات مختلفة؛ سواء في نوعية القراءة، أو جهات الدعم، وهي في النهاية اختيارات شخصية احترمها، سواء من أصحاب الجروب أو الأعضاء، ومن الصعب الحكم عليها إن كانت صوابًا أو خطأ".

مجموعات القراءة كتجربة كانت مهمة، وأحدثت بالفعل حركة وثراء في الوسط الثقافي بشكل كبير. ومنها عدد غير قليل بالفعل يتم بشكل تطوعي تمامًا وغير ممول؛ لمشاركة شغفها واهتمامها مع آخرين، وكل ذلك في الآخر يكون في مصلحة القراء أو الكُتَّاب وحركة النشر.

من الضروري كما تقول غادة لبيب منهية حديثها: "البحث في مشكلة تمركز معرض الكتاب في القاهرة، بدون أن يتواجد في كل المحافظات بنفس القدر، وكذلك كل التجمعات السكنية الجديدة البعيدة؛ فهناك ضرورة لوجوده على مدار السنة، خاصة مع خلو كثير من هذه المناطق أيضًا من منافذ لبيع الكتاب". وكان هناك تجربة لمعرض للكتاب في مدينتي من سنتين تقريبًا، وكانت تجربة ناجحة جدًّا لكن لم يتم تكرارها. "أبجد" سهَّل الطريق للحصول على الكتاب بشكل كبير، لكنه يظل غير مفضل لدى شريحة ليست بالقليلة من القراء؛ لحاجتهم للكتاب الورقي لظروف صحية أو عاطفية".