ثقافات
شيماء ياسر"بيت الحياة" أول مدرسة فلسفة بالمعنى الكلاسيكي
2024.03.22
تصوير آخرون
"بيت الحياة" أول مدرسة فلسفة بالمعنى الكلاسيكي
لعل تهمة التفلسف هي التهمة الفكرية الوحيدة التي لم ينجُ منها أحد في مجتمعاتنا العربية، حتى الأطفال. فطَرْح السؤال والبحث في الفكرة ومحاولة كشف جذورها، ثم إعادة السؤال وإعادة البحث، كلها كانت خطواتنا الأولى لاكتشاف الحياة من حولنا عندما كنا في عمر الطفولة.
بعضنا كان سعيد الحظ؛ إذ كانت تنشئته في مناخ يشجع على طرح السؤال واستمرار البحث، أما بعضنا الآخر فكانت تنشئته في مناخ يمنع السؤال بالتخويف من طرحه أو تحريمه أو تجريمه، فاستسلم لذلك وأصبحت أشباحه الخاصة هو السؤال والبحث والتفكير.
بالرغم من ذلك، فإن هناك من لم يستسلم واختار طواعية الذهاب إلى المساحة التي ترهب الكثيرين، المساحة التي نتعارف عليها بأنها الفلسفة، والتي تقوم على إعمال العقل ووضع رؤيتنا عن الحياة تحت الاختبار والسؤال بشكل مستمر.
في مجتمعنا المصري، ولفترة طويلة، اقتصر الدخول إلى عالم الفلسفة على الدراسة النظامية؛ سواء من خلال المداخل البسيطة التي يتلقاها طلاب القسم الأدبي في المرحلة الثانوية، أو من خلال أقسام الفلسفة بمختلف الجامعات، بينما قرر البعض الاكتفاء بمطالعة كتب الفلسفة ومؤلفاتها القديمة والحديثة، العربية والمترجمة.
وفي كل هذه المساحات تظل الفلسفة في دائرة الرفاهية الفكرية والتنظير، من خلال أفكار يقبلها البعض ويرفضها ويخافها البعض، أو كما نقول: يظل الفيلسوف في برجه العاجي بعيدًا عن أرض الواقع والحياة العملية، ويظل توصيف الفيلسوف نوعًا من الهزل، أو السخرية، أو الاتهام.
ربما كانت هذه المقدمة الطويلة نسبيًّا مهمة لعرض حال وسمعة الفلسفة في حياتنا الحالية، خاصة وأن حديثنا سيتجه الآن إلى صورة معكوسة تمامًا تجسدت من خلال «بيت الحياة»، كأول مدرسة فلسفة بالمعنى الكلاسيكي في مصر.
أنديرا حيدر، 35 سنة، منسقة النشاط في الفرع الرئيس لـ«بيت الحياة»، وهي من الدفعات الأولى التي درست في «بيت الحياة»؛ حيث بدأت رحلتها في 2006 بعد إنهاء دراسة الحاسبات والمعلومات التي اهتمت بعدها بدراسة التربية وحصلت على ماجستير في مجال التربية.
تعرفنا أنديرا على «بيت الحياة» فتقول:
"بيت الحياة، مبادرة تابعة لجمعية ملتقى الحضارات بين مصر والعالم، مشهرة بوزارة التضامن الاجتماعي برقم (5555\2004)، وهي مدرسة فلسفة على النهج الكلاسيكي، وتعتبر مساحة لتلاقي مختلِف العلوم والفنون والحضارات والثقافات بشكل عام. أما "فلسفة بالبلدي"، فهي مبادرة متفرعة من «بيت الحياة» تهتم بمجال الفلسفة العامة، حيث تقوم بتبسيط الفلسفة والعودة بها لتكون متاحة للجميع. ومنها جاءت منصة "فلسفة بالبلدي" كمساحة رقمية لمختلِف الكتابات الفلسفية.
بدأ نشاط «بيت الحياة» في عام 2004 على يد مجموعة من المهتمين بالثقافة وبعض أساتذة الجامعة في تخصصات مختلفة، وكان الهدف الأساسي إحداث تغيير مجتمعي من خلال الفكر؛ لأن أي تغيير حقيقي لا بد أن تكون بدايته هي تغيير الفكر وتغيير الإنسان الفرد بشكل عام والعمل على بنائه، وهذا بدوره ينعكس على المجتمع.
من جانب آخر كان الهدف إحياء الفكرة القديمة عن مدارس الفلسفة بمعناها الكلاسيكي. والفلسفة بهذا المعنى ليست مجرد مدرسة فكرية تطرح وتناقش الأفكار فحسب، بل مدرسة تنشد طرح كيانات فعالة في المجتمع؛ من خلال لقاءات مستمرة، وتدارس للواقع في ضوء هذه الأفكار، وبحث سبل جديدة للمشاركة في المجتمع والحياة والتعلم المستمر".
اعتدنا أن يكون الحديث عن التطوع قاصرًا على النشاط في الجمعيات الخيرية، لكن أن يصاحب التطوع ممارسة نشاط فلسفي، فهذا كان أمرًا جديدًا نسبيًّا؛ ولذلك تكمل أنديرا قائلة:
"هذا بدوره يفسر اهتمامنا بالجانب التطوعي وليس مجرد النشاط الفكري؛ فالمعرفة والعمل وجهان لنفس العملة، وهذا ما جعل نشاط «بيت الحياة» منذ البداية وإلى الآن قائمًا بشكل كامل على التطوع، بصرف النظر عن مجال دراسة وعمل القائمين على المكان والنشاط من مسؤولين أو متعلمين.
ومن هنا نجد كلا الجانبين، الفكري والعملي التطبيقي، يتواجدان بقوة في نشاط «بيت الحياة»، وهو أمر يلمسه كل المتطوعين؛ حيث يحدث تغيير حقيقي حتى على مستواهم الشخصي من الإحساس بالمسؤولية تجاه المكان، والسعي للعب دور فعال، والرغبة في إيصال صورة هذا الجانب من الحياة لآخرين، بعيدًا عن الجري وراء الجانب المادي من الحياة، والخروج من نطاق اللحظة والأحداث، والنظر إلى الماضي والمستقبل برؤية أوسع".
يقول أحمد عبد العال، طبيب بشري، ومسؤول فرع «بيت الحياة» بمصر الجديدة:
"لا بد أن نعيَ أن الفلسفة ممارسة طويلة الأمد، فحتى قضية السعادة في حاجة إلى فهم حقيقي؛ لأنها ليست بسطحية وبساطة تعليبها في كورس سريع أو فيديو يختصرها في بعض الجمل؛ لذلك نهتم بتوفير هذه المساحة الفكرية والحياتية من خلال الاحتكاك والتعامل فيما بيننا، والعلاقة التي نبنيها مع الناس ومع أنفسنا أولًا؛ ولذلك أيضًا نهتم بالتطوع بهذا المعنى؛ لأنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفلسفة. فلا يوجد أي فكر حقيقي بدون مساحة للتطبيق، فالأفكار لا توجد في الفضاء، وإنما هي في حاجة للنزول إلى أرض الممارسة والتجربة لملاحظة نفعها، وإلى أي مدى هي صالحة له".
عن معنى الفلسفة، والاختلاف بين أن تكون مجرد حالة من التنظير والرفاهية الفكرية، وأن تكون أسلوبًا للحياة، يقول عبد العال:
"الفلسفة ككلمة تعني بالأساس: حب الحكمة. فهي ممارسة شخصية يحتاجها كل إنسان لبناء رؤية ومعنًى لكل فعل يمارسه ولما يحدث في العالم، وبالتالي فلا يمكن وفقًا لهذا المعنى أن تؤدي دراسة تاريخ الأفكار الفلسفية بشكلها النظري إلى ذلك، فالاحتكاك بالأفكار ومراجعة إلى أي مدًى تتماسُّ بالفعل مع حياتنا، وإلى أي مدى هي قابلة للتطبيق وملاحظة تبعاتها الفكرية على ذاتي وعلاقتي بنفسي وردود أفعالي وعلاقتي بالمحيط المجتمعي ضرورات للفعل الفلسفي.
من أهم قضايا «بيت الحياة» كمدرسة فلسفة، إعادة تعريف مفهوم الأخلاق وممارستها بعمق أكبر. فالمجتمع طوال الوقت يعبر عن مدى احتياجه للأخلاق، لكن الواقع بالفعل يقول: إنها غير موجودة أو غير مفعَّلة على نحو حقيقي. فالمشكلة إذن قد تكون لها علاقة بالوضوح الفكري عن حقيقة معنى الأخلاق، وعن مساحتها في حياتنا".
ما يقوله كلٌّ من أنديرا وعبد العال يتماشى مع تصورنا عن سر اختيار اسم «بيت الحياة»، فتقول أنديرا:
"اختيارنا للاسم جاء من الحضارة المصرية القديمة وما كان يرمز إليه من أماكن للتعلم بـ"رعنخ". ومن هنا كان الاهتمام بالشأن الإنساني بشكل عام، وبرؤية أوسع من اللحظة الحاضرة فحسب؛ فالتاريخ والمستقبل مَعْنيان لا ينفصلان عن الواقع بأي شكل من الأشكال، فكان التركيز على أن يكون «بيت الحياة» امتدادًا لبيوت الحياة في مصر القديمة وأكاديمية أفلاطون وما شابه ذلك من محاولات سابقة للمساهمة في الفكر الإنساني ككل، وإعادة مفهوم المواطنة لمعناه الأصيل من القيام بالدور والمسؤولية تجاه المجتمع. وتعتبَر فسلفة الحضارة المصرية القديمة رافدًا مهمًّا من روافد أفكار «بيت الحياة»، وهو ما تؤكد عليه أنديرا أنه جزء مهم من هويتنا كمصريين، فالاتصال بالجذور لا يتعارض مع اهتمامنا بالإنسانية ككل، بل هو ضروري".
قد يظل السؤال قائمًا عند البعض عن الفرق بين ما يقدمه «بيت الحياة» كمدرسة للفلسفة، وبين دراستها بشكل أكاديمي متكامل. توضح أنديرا قائلة:
"ما يقدمه «بيت الحياة» من مواد فلسفية مختلف بالكلية عمَّا تقدمه الدراسة الأكاديمية للفلسفة. يمكنني القول: إن الفلسفة فقدت طريقها بشكل عام؛ فمنذ ظهورها في عهد الإغريق، حدث تغير كبير في تعاملنا مع الفلسفة، من أهمها أن تم حبسها في إطار أكاديمي والتعامل معها كفرع معرفي، بينما هي أقرب إلى كونها موقفًا من الحياة، وشتان بين هذا وذاك. على سبيل المثال: نجد أن تطرق الأكاديميات لفرع الأخلاق في دراسة الفلسفة، يتم تقديمه كنظريات فحسب دون اعتبار لمدى تأثيرها على الدارس بشكل عملي يجعله قادرًا على رؤية الفجوات الفكرية في تلك النظريات على حياته كإنسان.
وبالتالي فإن تقديم الفلسفة في هذا الإطار النظري فحسب، يجعلها نخبوية بشكل يطغى على حقيقتها كنشاط عام متاح للجميع، بصرف النظر عن تخصصه العلمي والدراسي. وحقيقة الفلسفة بهذا المعنى الشامل هو ما نهتم به، وظهر في "فلسفة بالبلدي" كنشاط فرعي من أنشطة «بيت الحياة»، حيث يتم تقديم ما يسمى بالفلسفة العامة، وهو مصطلح ظهر مؤخَّرًا يشير إلى ضرورة عودة الفلسفة إلى الساحة العامة من حياة الناس ككل.
وبالتالي تحولت الفلسفة بشكلها الأكاديمي إلى دراسة تاريخ الأفكار ومعرفة كيف تناولت البشرية الأفكار المختلفة، لكنها لا تساعد على إنتاج أفكار خاصة بنا؛ ولذلك كان تأكيدنا على أن أي إنسان بوسعه أن يكون فيلسوفًا حتى لو لم يقرأ لأي من الفلاسفة، وحتى لو لم يكن يجيد القراءة والكتابة؛ وذلك لأن الفلسفة في النهاية عملية عقلية أكثر من كونها مجرد منهج أو مجال معرفي محدد".
يؤكد عبد العال على أن الهدف هو إعادة الفلسفة إلى الساحة العامة، فلا تقتصر على كونها فكرة منغلقة على مجموعة من الناس أكاديميًّا. ومن المنطلق الأكاديمي، هناك البعض من أهل «بيت الحياة» من خريجي تخصص الفلسفة، لكن الغالب هو وجود مختلف التخصصات الأخرى. وكطبيب بشري يرى د. عبد العال من تجربته الشخصية أنه لا يمكن فصل الطب مثلًا عن الفلسفة؛ لأن هذا الفصل "سينتقص كثيرًا من علاقتي بالطب وممارستي له، وسينتقص من قيمة مجال الطب نفسه؛ فعلى مدار 15 سنة في «بيت الحياة»، لم يكن الحافز على الاستمرار بهذا الشكل التطوعي الكامل من الوقت والجهد، هو فقط فكرة الواجب ونقل هذه الاستفادة إلى الغير، ولكن مدى أهمية الفلسفة بهذا المعنى للمجتمع والبشرية ككل، وإتاحة هذه المساحة الفكرية للجميع، خاصة الشباب. كان الهدف الأساسي إعادة المجال لطرح الأسئلة وكيف نتعامل معها بدون التوجس من طرحها، وتأكيد الوعي أنه من الخطأ تجاهل السؤال، والتعامل معه".
ومن هنا كان سؤالي لأنديرا عن تأثير وجودها في مناخ «بيت الحياة» على حياتها الشخصية، فتقول: "كان وجود «بيت الحياة» عامل أساسي في قراري بعدم السفر خارج مصر بعد انتهاء دراستي الجامعية؛ لأنه أعطاني مقترحًا آخر للحياة أَقْيم وأكثر إشباعًا لي من المقترحات الأخرى خارجه، كفرصة للنمو المعرفي والفكري والشخصي، خاصة من خلال تجربة التطوع وتحمل المسؤولية في سن صغيرة نسبيًّا، وما كان يتضمنه الأمر من نقل للخبرات. تجربة غنية منذ اليوم الأول وحتى اللحظة، خاصة أنه مع كل تجربة جديدة تتكون متطلبات وتحديات جديدة، وبالتالي فإن مسار التعلم واكتساب الخبرة مستمر".
وصفٌ تكرر كثيرًا على ألسنة كثير من أهل «بيت الحياة»، أنه كان لهم بمثابة محطة إنقاذ حقيقي على المستوى النفسي والفكري بوجوده كمجتمع وبيئة مميزة تتقبل طرح الأفكار والأسئلة بشكل حقيقي، مع استمرار الحوار ومحاولات البحث، وهو أكبر ما يفتقده مجتمعنا في اللحظة الحالية، وأكثر ما يميز مجتمع «بيت الحياة» كمساحة تساعد على توجيه وتشكيل طاقة البحث والأفكار والعمل.
قد يرى البعض أن هناك مجالًا للشبه بين ما يقدمه «بيت الحياة» من العمل على تغيير الأفكار، وبين ما يقدمه مجال، مثل: التنمية البشرية بصورتها الشائعة في الفترة الأخيرة. ترى أنديرا أن المشكلة الحقيقية ترجع لفكرة سيطرة المادية بأشكال مختلفة على حياتنا وأفكارنا، والنظر إلى النفع السريع والجزئي على أنه الحل الأمثل، كذلك التركيز على اكتساب المهارات الخارجية فقط دون الاهتمام بداخل الإنسان نفسه ومحتوى أفكاره التي سيوظف فيها هذه المهارات. هذا ما يجعل أثر التنمية البشرية بصورتها الحالية ظاهريًّا وسطحيًّا ومؤقتًا. فمن الصعب التعامل مع الإنسان بدون طرح الأسئلة الكبرى عن ماهية وجوده ودوره في الحياة وفي مجتمعه ودوائر حياته؛ فهي جزء أساسي من فهمنا لذواتنا.
السؤال الأبرز الذي يُطرح دائمًا هو تمويل مثل هذا النشاط، وهو ما تجيب عنه أنديرا: "أنه من الصعب على الناس تصديق أننا نصرف على المكان بشكل ذاتي تمامًا، ومن الأصعب عليهم فهم أننا لا نتلقى تمويلًا من أي جهة، وأن تعاوننا مع جهات ممولة هو في إطار مشروعات محددة. ففعليًّا منذ نشأة «بيت الحياة» منذ 19 سنة وحتى الآن، يعتبر التمويل الذاتي من خلال اشتراكات الأعضاء الشهرية والاشتراكات الرمزية لبعض الأنشطة هما المصدران الأساسيان لتمويل المبادرة، مع وجود أنشطة أخرى مجانية تمامًا، مع ملاحظة أن حضور جميع الأنشطة متاح للجميع.
وجود قيمة للمكان والفكرة هو الدافع الحقيقي لاستمرار دعمنا الذاتي، مع حرصنا على استمرارية النشاط وتنميته بشكل مستمر. ولتطوير محتوى «فلسفة بالبلدي»، حصل «بيت الحياة» على منحة "آفاق" العام الماضي، كذلك كان هناك دعم مخصص لمشاريع تطوعية يقوم بها «بيت الحياة»، منها على سبيل المثال: الحملة الأخيرة التي قمنا بها لترميم وتجديد أجزاء من دار للمسنين في مصر الجديدة، أما ما دون ذلك، فهو صرف ذاتي على المكان".
ومن هنا كسر «بيت الحياة»، بوصفه مدرسة للفلسفة، الفكرة الشائعة عن التطوع في مصر، على أنه حبيس مساحات مخصصة للعمل الخيري فحسب. فلو لم يقابِل المعرفةَ عملٌ ستظل في إطار النظرية، وهو معنى الفلسفة العملية التي أشرنا إليها سابقًا.
ومن هنا جاءت فكرة التطوع كامتداد طبيعي لمهمة البحث عن كيفية أن أصبح إنسانًا أفضل، وعن دوري كإنسان في مساعدة المجتمع وتحسين واقعه. ومن هنا كان دور «بيت الحياة» في أكثر من 15 حملة تطوع في أماكن مختلفة، كدور الأيتام، والمستشفيات، والمدارس، ومجالات التوعية. هذا بجانب حملات التطوع في مجال البيئة والتشجير وحملات النظافة.
وبناء على أن الفلسفة للجميع، يؤكد كل من أحمد عبد العال وأنديرا: "أن المساحة مفتوحة لكل الاختلافات، سواء في النوع أو العمر أو الخلفية الاجتماعية. ومن جانب آخر، فإن فئة الشباب هي من أكثر الفئات التي نهتم بها، خاصة السن الأصغر، وخاصة مع التغير السريع الذي نشهده جميعًا في صورة تحولات في لغة الخطاب، بالإضافة إلى اختلاف طبيعة الأجيال الجديدة واستخدامها المكثف لوسائل التواصل الحديثة".
وتواصل أنديرا: "لأن الفلسفة لا تقدم وعودًا بحلول سريعة وسحرية، فالمسؤولية تكون على الشخص نفسه لكي يبحث عن إجابات عن أسئلته الخاصة ليطرحها للبحث؛ لذلك فقد يجد البعض عملنا مجالًا غير جاذب مثل مجال التنمية البشرية. لكن على جانب آخر، يكتشف كثير من الناس احتياجهم القوي والحقيقي لمادة أكثر عمقًا. واللافت للنظر أنه في الفترة الأخيرة تزايد عدد الشباب صغير السن نسبيًّا الذي يأتي إلينا محمَّلًا بالكثير من الأسئلة، ورصيد من الخبرات في البحث عن إجابات في مجال مشكلات نفسية كالاكتئاب مثلًا، وهذا مفهوم بشكل ما بسبب ما يواجهه المرء من مدخلات معرفية كثيرة بشكل مباشر أو غير مباشر، وبسبب ما يجري من أحداث على مستويات مختلفة. قد يكون غياب إجابات قاطعة أمرًا مزعجًا للبعض في البداية، لكن مع الوقت يكتشف المرء مدى أهمية امتلاك أداة التفكير، حيث إنه أكثر أهمية من وجود إجابات جاهزة".
من أهم الصعوبات التي واجهت «بيت الحياة»، كانت فكرة اعتماده بشكل كامل على المتطوعين. وبالتالي، ومع صعوبات الحياة التي نعاني منها جميعًا، فإن الحفاظ على بقاء النشاط يكون صعبًا أحيانًا، هذا بجانب الصعوبات المادية بالطبع. كذلك عدم تفهم شريحة كبيرة من الناس لطبيعة النشاط، وضمان الاستمراية والكفاءة في تقديم النشاط، خاصة مع ازدياد الأعداد، هو أيضًا من أكثر التحديات التي يواجهها المكان.
كانت المعادي المقر الأول والرئيس لـ«بيت الحياة»، الذي تفرع منه فرع مصر الجديدة، ثم مؤخرًا تم افتتاح فرع الإسكندرية. كان الحرص في اختيار الأماكن أن تكون بالقرب من محطات المترو؛ لسهولة الوصول إليها من مختلف المناطق، وهناك أمل في تأسيس فروع أكثر في مناطق مختلفة.
يوضح أحمد عبد العال: "أن نشاطات «بيت الحياة» غير قاصرة على نطاق الفلسفة فحسب، وإنما هي تضم العمل على مهارات أخرى كالمنطق والمغالطات الفكرية من خلال نشاطنا في التمارين السقراطية، والذي من خلاله نركز على أهمية التفكير المنطقي كأداة وطريقة في التفكير، واكتشاف إلى أي مدًى نحن على تواصل واتساق مع أفكارنا، واكتشاف مساحة التناقضات، وكيفية التعامل مع العالم بحس نقدي تجاه ما نتعرض له".
كذلك هناك عدة أنشطة أخرى يقوم بها «بيت الحياة»، مثل: دوائر النقاش في سلسلة محاضرات شهرية -ساعة قراءة للتشجيع على القراءة حول نص محدد وطرح أفكاره للنقاش- وهو من أكثر الأنشطة التي تلقى الاهتمام. وهناك أيضًا "حوار الحكيم" الذي يُعرض من خلاله أعمالًا فكرية وفنية وأساطير العالم الإنساني بوجه عام. كذلك هناك كورس للفلسفة وهو أكثر الأنشطة التي عُرف بها المكان.
تختم أنديرا حديثها بأن من أهم شروط الوجود في «بيت الحياة» أن تكون لديك رغبة حقيقية في الحضور والمشاركة. أما عن أنشطة «بيت الحياة» فمن أهمها كورس الفلسفة، والذي يمتد الى 9 أشهر، وهو يحتاج درجة من الالتزام والحضور، وكذلك هناك نشاط "ساعة قراءة" وهو نشاط أسبوعي.
ختامًا: فإن وجود مثل هذه الكيانات التي تدعم النشاط الفلسفي والفكري بمعناه الحقيقي، ربما يكون مخرجًا لكثير من معضلات الواقع الذي يفاجئنا بتغيراته السريعة، ليس على مستوى المجتمع المصري أو العربي فحسب، بل على مستوى العالم ككل.