قضايا

أليس روتشيلد

يهود من أجل السلام: مأساة فلسطين أزمة أخلاقية

2022.01.01

مصدر الصورة : رويترز

أليس روتشيلد/ قيادية بحركة يهود من أجل السلام

ترجمة: أسماء يس

يهود من أجل السلام:  مأساة فلسطين أزمة أخلاقية

 

في الولايات المتحدة خلال عقد التسعينيات، تضافرت جهود عدد متزايد من الجماعات التقدمية الشعبية اليهودية المناهضة للاحتلال، بما في ذلك منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام JVP، والتي بدأت بثلاث نساء في عام 1996 في بيركلي، كاليفورنيا. وقد انطلقت المنظمة في عام 2001 ونمت تدريجيًّا لتصبح منظمة وطنية بحلول عام 2005، وضمت العديد من المجموعات الأصغر في جميع أنحاء البلاد.

ومنظمة الصوت اليهودي من أجل السلام لديها الآن نحو 70 كتابًا، و15 فصلاً طلابيًّا، ونحو 20.000 عضو دافع للاشتراكات.  بالإضافة إلى 150.000 متابع على تويتر Twitter و330.000 متابع على إنستجرام Instagram، و650.000 من المتابعين عبر الإنترنت. وفي الولايات المتحدة تمتلك منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام أكبر عدد لمتابعين على فيسبوك Facebook من أي منظمة يهودية أخرى. وقد وصلت مشاركات منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام إلى 17.5 مليون شخص على فيسبوك، وخمسة ملايين على إنستجرام، و8.75 مليونا على تويتر. وتضم المنظمة أيضًا مجلسًا حاخاميًّا، ومجلسًا للفنانين، ومجلسًا استشاريًا أكاديميًّا، ومجلسًا استشاريًّا للصحة، ومجلسًا استشاريًا مكونًا من كبار المثقفين والفنانين الأمريكيين. وفي خلال السنوات القليلة الماضية، تراوحت ميزانية منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام السنوية من 3 إلى 3.5 مليون دولار سنويًّا، وذلك بمتوسط 75 دولارًا لكل متبرع.

معتمدة على التقاليد اليهودية، ركزت منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام في البداية على إنهاء احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، والتمسك بالقانون الدولي، وحقوق الإسرائيليين والفلسطينيين في الأمن وتقرير المصير. وتضمن عملها تثقيف الرأي العام الأمريكي، وتغيير السياسات الخارجية للولايات المتحدة، والدعوة إلى وقف جميع المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل حتى ينتهي الاحتلال، والعمل من أجل حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بما يتوافق مع القانون الدولي العادل، وإنهاء العنف ضد جميع المدنيين.

ومع نمو المنظمة ونضجها، بدأت قضايا أخرى في طليعة أنشطتها. قدمت منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام دورات تثقيف مكثف عن النكبة بين أعضائها، وخرجت لدعم مقاطعة المنتجات الاستيطانية الإسرائيلية، وبحلول عام 2015، دعت لدعم حركة المقاطعة الكاملة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، بما في ذلك المقاطعات الثقافية والأكاديمية. وقد نظمت حركة "يهود ملونون" فاعليات حول مناهضة العنصرية وتفوق البيض داخل وخارج المنظمة. وتطورت سياسة منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام لتبني موقف معاداة الصهيونية بحلول عام 2019، وعملت على بناء اليهودية والممارسة الدينية اليهودية خارج الصهيونية من خلال شبكة هافوراه Havurah، والفعاليات الثقافية والمجلس الحاخامي.

وفي عام 2019، ولدت منظمة أفعال الصوت اليهودي من أجل السلام Action JVP، وهي حركة وطنية متعددة الأجيال ومتعددة الأعراق تعمل من أجل تحقيق العدالة لجميع الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال تغيير السياسة الخارجية للولايات المتحدة والضغط على الكونجرس الأمريكي. وتدعم منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام نشطاء السلام في فلسطين وإسرائيل، وهي في سبيل ذلك تعمل ضمن ائتلاف واسع مع شركاء آخرين من اليهود والعرب الأمريكيين والقائمين على مبادئ الدين والسلام والعدالة الاجتماعية، فيما يخص القضايا الشائكة. كما ترى أن المسؤولية المشتركة مع الشركاء الفلسطينيين هي جوهر عمل منظمة.

توجد العديد من الأمثلة المهمة على عمل منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، والتي تعكس تغييرات أوسع داخل المجتمع اليهودي، وظهور الاستعداد - وبخاصة بين الشباب اليهود - للتشكيك في ولاء آبائهم غير الناقد لإسرائيل، والرغبة في نزع الاستثناء عن إسرائيل سياسيًّا وشخصيًّا ومحاسبة الدولة على ما أفعالها. وتساعد حملة منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام Deadly Exchange Campaign في الكشف عن برامج التدريب المكثفة في وكالات إنفاذ القانون الأمريكية والشرطة الإسرائيلية والجيش والشين بيت، كما عملت في تحالف مع مجموعات أخرى، وركزت بشكل خاص على إنهاء وحشية الشرطة ودعم تحرير السود، وتوفير الموارد والأبحاث والهيئات على الأرض لمعارضة السياسات والممارسات العنصرية.

وقد نجحت حملة إسقاط شركة إني فيجن #Drop Any Vision، التي أطلقتها منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، وحملة MPower Change وSum Of Us، في الضغط على شركة ميكروسوفت Microsoft للتخلي عن شركة إني فيجن؛ وهي شركة إسرائيلية تستخدم تقنيات متطورة من أجل التعرف على الوجوه، ويستخدمها الجيش الإسرائيلي لمراقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وأقرت منظمة أفعال الصوت اليهودي من أجل السلام، التشريع التاريخي للنائبة بيتي ماكولم لتقييد التمويل العسكري الأمريكي الذي يدعم سجن أو تعذيب الأطفال الفلسطينيين، ومصادرة أو تدمير منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم، وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية. ويحتوي مشروع القانون الآن على أكثر من 70 منظمة معتمدة، وعدد متزايد (وإن كان لا يزال محدودًا) من أعضاء الكونجرس الذين يتحدثون علنًا حول هذه القضية ويناصرونها.

لقد لفت المجلس الاستشاري للصحة، الذي أنا عضو فيه، الانتباه مؤخرًا إلى أزمة الصحة وحقوق الإنسان التي انفجرت بعد الهجوم الإسرائيلي المدمر على غزة مؤخرًا. إذ على المدى القصير تحتاج غزة إلى 18 مستشفى وعيادة، فقد تضررت وزارة الصحة، والمختبر الوحيد القادر على إجراء اختبارات كوفيد 19 من جراء القصف الإسرائيلي، وكل هذه المؤسسات يحتاج إلى الإصلاح وإعادة البناء. كما أن نحو 80 ألف شخص فقدوا منازلهم، وتكدسوا معًا في ملاجئ ومنازل أعمامهم وأبناء عمومتهم، وبالطبع كلهم بحاجة إلى سكن. وتحتاج البنية التحتية للكهرباء والصرف الصحي وتنقية المياه الموجودة التي تحولت حاليًا إلى أكوام من الأنقاض، إلى الخرسانة وحديد التسليح من أجل إعادة بناء. كذلك فالشوارع التي تركت مدمرة وغير ممهدة؛ بما في ذلك الشارع الرئيسي المؤدي إلى مستشفى الشفاء، ينبغي إعادة بنائها ورصفها. ويبدو أن الصفقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي: نرسل ملايين الدولارات وأحدث المعدات العسكرية المدمرة لإسرائيل، هم يستخدمونها، ونحن نصلح ما دمروه. وقد أشرنا إلى أنه بالتأكيد سيكون أرخص وأكثر إنسانية أن تُكسَر تلك الحلقة المدمرة المجنونة.

وهنا ينبغي أن ننتبه جيدًا إلى أن كل ما سبق قد حدث في أثناء الجائحة. وقد أدت سياسة الفصل العنصري في اللقاحات، وإيقاف تطوير هيئات الرعاية الصحية في إسرائيل إلى تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، بالإضافة إلى نقص حاد في أسِرَّة المستشفيات، والموظفين المدربين، وأجهزة التنفس الصناعي، والأكسجين، والأدوية الأساسية. كانت الرعاية الصحية نفسها على أجهزة الإنعاش، وذلك في أعقاب الإصابات الناجمة عن مسيرة العودة الكبرى، ثم الاعتداء الأخير. ومما زاد الطين بلة، أن منظمة الصحة العالمية قدرت أن 39٪ من المرضى في غزة فقط الذين يحتاجون إلى رعاية صحية عالية المستوى. كما لو أن مرضى السرطان الذين يتلقون علاجًا إشعاعيًّا كانوا قادرين على الوصول إلى مواعيد تلقيهم العلاج في مستشفيات القدس الشرقية والضفة الغربية قبل هجوم 2021.

أضف إلى ذلك مقتل الدكتور أيمن أبو عوف، رئيس قسم الطب الباطني والاستجابة لفيروس كورونا في مستشفى الشفاء؛ أكبر مستشفيات غزة، بالإضافة إلى العديد من الأطباء والعاملين الصحيين. لذلك لدينا دمار هائل للمستشفيات والعيادات، بالإضافة إلى مشكلة القيود الشديدة على الغذاء، والنظافة، والكهرباء، والمياه، ومئات الجرحى، وآلاف النازحين المتكدسين معًا دون تلبية احتياجاتهم الإنسانية الأساسية. وقد أكدنا أن هذا آثار هذا الاعتداء المدمر كانت بوضوح، فائقة الانتشار.

وقد قام المجلس الاستشاري للصحة بإجراء مراجعة شهرية لقضايا الصحة وحقوق الإنسان في فلسطين/ إسرائيل، بالإضافة إلى تحديث أسبوعي عن وضع فيروس كوفيد 19 في المنطقة. وخلص إلى أنه قبل القصف، كانت نسبة 99 ٪ من فيروس كوفيد 19 المنتشر في فلسطين من السلالة البريطانية B.1.1.7 شديدة العدوى.  ويُقدر أن 5٪ من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة قد تلقوا اللقاح، وأنه كان هناك تساهل كبير في استخدام الأقنعة الواقية خلال شهر رمضان. قبل الهجوم كانت نسبة إيجابية فيروس كورونا في غزة تقدر بنحو 30٪. ولا نعرف ما هو عليه الوضع الآن، إذ لم تُجمع البيانات بدقة بعد. الاختبار الوحيد الذي أجري حاليًا في غزة هو على المرضى المقيمين في المستشفى الذين يعانون من أعراض فيروس كورونا؛ ولا يوجد اختبار لبقية فئات المجتمع. وبسبب الاعتداء الإسرائيلي أيضًا، عُلِّق برنامج التطعيم، وذلك عندما أغلقت الحواجز، ولحقت أضرار كبرى بمعمل الفحص الوحيد، وتعرضت وزارة الصحة للقصف الذي طال مبنى سكنيًّا كبيرًا. يقوم المجلس الاستشاري للصحة التابع لمنظمة الصوت اليهودي من أجل السلام حاليًا بتوزيع التماسين يتناولان مخاوفه بشأن أحوال الصحة وحقوق الإنسان والوباء في غزة.

في الأسابيع المقبلة، يمكننا أن نتوقع طفرة غير مسبوقة في أعداد المصابين بكوفيد 19 في غزة، خصوصًا في ظل نظام رعاية صحية متضرر بشدة، وعمال رعاية صحية منهكين غير قادرين على التعامل بشكل مناسب. وقد أكدنا أنه من المهم للغاية أن تلبي القوى الدولية هذه الاحتياجات الأساسية على الفور. إن مبلغ 735 مليون دولار مقابل الصواريخ "الموجهة بدقة" التي قال الرئيس بايدن إنه سيعطيها لإسرائيل، سيكون من الأفضل إنفاقه على تطعيم سكان غزة، وتمكين السكان من غسل أياديهم بالمياه النظيفة، واستخدام الكهرباء للطهي، وتبريد طعامهم، والحصول على سكن لائق، وإجراء الاختبارات حين تقتضي الحاجة، والحصول على رعاية صحية لائقة. ويمكن لإسرائيل أن تشارك الملايين من جرعات اللقاح التي تخزنها، وأن تعترف بمسؤولياتها كقوة محتلة. كما يمكن للولايات المتحدة أن تشارك اللقاح أيضًا، وقد تغيرت سياسة الولايات المتحدة مؤخرًا للسماح بمشاركة اللقاح مع البلدان الفقيرة، بما في ذلك إرسال جزء صغير إلى غزة والضفة الغربية. وفوق كل ذلك فإن علاج ما بعد الصدمات النفسية ومشكلات الصحة العقلية أمر يستدعي الاهتمام. إذ يستحق الفلسطينيون بالضبط ما نتمناه لأي من إخواننا في البشر، فهذه القضية ليست قطعًا طبية وقانونية وسياسية فقط، بل هي أزمة أخلاقية.

ما ينبغي أن نتذكره أن هذه ليست معركة بين حزبين متساويين.  بل هو صراع بين واحدة من أكبر القوى العسكرية في العالم؛ تدعمها من الولايات المتحدة، قوة غاشمة عازمة على إذلال شعب محروم من جميع حقوقه. وهذا مثال مخيف على الاستعمار الاستيطاني العنيف المستمر، بينما يعجز العالم عن رؤية الفلسطينيين باعتبارهم بشرًا مصابين بصدمة عنيفة من جراء العنف، ويستحقون أن يكونوا مثل جيرانهم ومحتليهم اليهود الإسرائيليين الأقوياء. وإذا لم يجبر المجتمع الدولي إسرائيل على التعامل مع الأسباب الجذرية لهذه الكارثة، فسوف تكرر المأساة نفسها مرة بعد مرة. لقد أفسدت سردية التحرر والاستحقاق اليهودي بسبب عقود من السياسات العنصرية الظالمة التي أطلق عليها الكثيرون إبادة جماعية بطيئة لفلسطين. وفي النهاية لا أحد يفوز. ويبقى الأمر متروكًا لوسائل الإعلام الدولية، والحكومات ومنظمات حقوق الإنسان، والمنظمات الشعبية والمجتمعات في جميع أنحاء العالم، سعيًا لجعل هذه القصة مختلفة هذه المرة.

في الأسابيع المقبلة، يمكننا أن نتوقع طفرة غير مسبوقة في أعداد المصابين بكوفيد 19 في غزة، خصوصًا في ظل نظام رعاية صحية متضرر، وعمال رعاية صحية منهكين غير قادرين على التعامل بشكل مناسب..

أشرنا إلى أنه بالتأكيد سيكون أرخص وأكثر إنسانية أن تُكسَر تلك الحلقة المفرغة المدمرة المجنونة، إذ يبدو أن الصفقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي: نرسل ملايين الدولارات وأحدث المعدات العسكرية المدمرة لإسرائيل، هم يستخدمونها، ونحن نصلح ما دمروه!

ركزت منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام في البداية على إنهاء احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، والتمسك بالقانون الدولي، وحقوق الإسرائيليين والفلسطينيين في الأمن وتقرير المصير..