عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

هوامش

درو فافاكيه

«لا قيمة للحياة».. مأساة الأسرى الفلسطينيين التي يتجاهلها الإعلام الأمريكي

2025.10.05

مصدر الصورة : آخرون

«لا قيمة للحياة».. مأساة الأسرى الفلسطينيين التي يتجاهلها الإعلام الأمريكي

 

بينما تتصدر أخبار الإسرائيليين [i] المحتجزين لدى «حماس» الصفحات الأولى بانتظام، نادرًا ما تتناول وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى حالات الفلسطينيين الذين يموتون في الأسر الإسرائيلي.

من بين 13 وفاة معروفة لفلسطينيين في السجون الإسرائيلية هذا العام، لم تحظَ سوى حالة واحدة بتغطية إعلامية في الصحافة الأمريكية.

إن هذا التفاوت في التناول الإعلامي بين معاناة الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين يكشف عن ازدواجية مستمرة في المعايير، تعتبر بعض الأرواح أكثر قيمة من غيرها.

خذ مثلًا حالة الأسير الفلسطيني أحمد سعيد طزَازَعَة، البالغ من العمر عشرين عامًا، الذي توفي في سجن مجيدو الإسرائيلي بعد قرابة ثلاثة أشهر من الاحتجاز غير القانوني، وفقًا لهيئة شؤون الأسرى والمحررين التابعة للسلطة الفلسطينية.

اُعتقل طزازعة، المنحدر من جنين في شمال الضفة الغربية المحتلة، في السادس من مايو من هذا العام دون توجيه تهمة، أو عرضه على محكمة. وقد احتُجز بموجب سياسة «الاعتقال الإداري» التي تنتهجها إسرائيل، والتي تتيح سجن الفلسطينيين إلى أجل غير مسمّى «بناءً على الاشتباه في نيتهم ارتكاب مخالفة في المستقبل»، وفقًا لمنظمة «بتسيلم» الحقوقية الإسرائيلية. وأكدت عائلته أنه لم يكن يعاني أي مشاكل صحية قبل اعتقاله.

وبحسب تقرير الهيئة الصادر في يوليو 2025، يوجد حاليًّا نحو 3613 فلسطينيًّا رهن الاعتقال الإداري في السجون الإسرائيلية، من أصل أكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني (من دون احتساب المحتجزين في المعسكرات العسكرية). حتى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية نفسها لا تصنف سوى ربع المعتقلين من غزة على أنهم «مقاتلون»، بينما تشير منظمات حقوقية وجنود إسرائيليون إلى أن النسبة الحقيقية لا تتجاوز 15% من أعضاء حركة «حماس».

ووفق الهيئة نفسها، فإن طزازعة هو الأسير الفلسطيني السادس والسبعون الذي يُعرف أنه توفي في الأسر الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023.

ورغم ذلك، بينما تتناول وسائل الإعلام الأمريكية باستمرار أوضاع الإسرائيليين المحتجزين لدى «حماس»، لم تشِر أي وسيلة إعلامية أمريكية كبرى إلى وفاة طزازعة، فضلًا عن التحقيق فيها. وقد اقتصرت التغطية على عدد قليل من المنصات، مثل وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، ووكالة الأنباء اليمنية، وصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، ومواقع DropSite وMiddle East Monitor وMiddle East Eye.

«لا قيمة للحياة»

منذ الأول من يناير 2025، سجلت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ووسائل إعلام أجنبية ما لا يقل عن 13 وفاة لفلسطينيين في الأسر الإسرائيلي:

  1. مصعب العيادة (20 عامًا) في سجن عوفر – 8 أغسطس 2025.
  2. أحمد سعيد طزازعة (20 عامًا) في سجن مجيدو – أُعلن في 3 أغسطس 2025.
  3. سمير محمد يوسف الرفاعي (53 عامًا) – 17 يوليو 2025.
  4. محيي الدين فهمي نجم (60 عامًا) في سجن النقب – 4 مايو 2025.
  5. وليد أحمد (17 عامًا) في سجن مجيدو – 22 مارس 2025.
  6. رفعت أبو فنونة (34 عامًا) في سجن الرملة – 26 فبراير 2025.
  7. خالد محمود قاسم عبد الله (40 عامًا) في سجن مجيدو – 23 فبراير 2025.
  8. علي عاشور علي البطش (62 عامًا) في سجن النقب – 21 فبراير 2025.
  9. سيل رجب أبو نصر (60 عامًا) – توفي في 21 يناير 2025 (كُشف عن وفاته في 30 يونيو).
  10. معتز أبو زنيد في سجن جادوت – 13 يناير 2025.
  11. مصعب هنية (35 عامًا) – توفي في 5 يناير (كُشف عن وفاته في 24 فبراير).
  12. إبراهيم عدنان عاشور (25 عامًا) – توفي في 23 يونيو 2024 (كُشف عنها في 29 يناير 2025).
  13. محمد شريف الأسلي (35 عامًا) – توفي في 17 مايو 2024 (كُشف عنها في 29 يناير 2025).

من بين هذه الحالات، لم تحظَ سوى وفاة الأسير الشاب وليد أحمد (17 عامًا)، وهو فلسطيني برازيلي الجنسية، بأي تغطية من وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، بحسب بحث أجرته مؤسسة FAIR في قاعدة بيانات «نيوزستريم» ومصادر أخرى.

توفي وليد أحمد في سجن مجيدو في 22 مارس، وكان يُعتقد أنه أصغر فلسطيني يموت في سجن إسرائيلي منذ أكتوبر 2023. ونشرت وكالة «أسوشيتد برس» تقريرين عن وفاته (إضافة إلى متابعة قصيرة)، أعادت بعض الوسائل نشرهما، كما أعدّت شبكة CNN تقريرًا خاصًّا عن الحادثة.

في الأول من إبريل، نشرت وكالة «أسوشيتد برس» تقريرًا مفصلًا للصحافية جوليا فرانكل بعنوان: «فلسطيني من الضفة الغربية هو أول معتقل دون الثامنة عشرة يموت في سجن إسرائيلي». ذكر التقرير أن أحمد «احتُجز ستة أشهر دون توجيه تهمة، وتوفي بعد انهياره في ظروف غامضة»، ونقل عن والده أنه «كان مراهقًا حيويًّا يحب كرة القدم قبل أن يُعتقل فجرًا من منزله في الضفة الغربية بتهمة إلقاء الحجارة على الجنود»، وهي تهمة شائعة يوجّهها الجيش الإسرائيلي إلى الأطفال الفلسطينيين، وفق تقرير منظمة «أنقذوا الأطفال» الصادر في يوليو 2024.

أوضح التقرير أن «منظمات حقوقية وثقت انتهاكات واسعة في السجون الإسرائيلية»، وأن «سجن مجيدو متهم سابقًا بإساءة معاملة المعتقلين الفلسطينيين»، وأن «ظروف الاعتقال ساءت منذ بداية الحرب». وختم بالقول إن «تشريح الجثة ضروري لتحديد سبب الوفاة، وأن إسرائيل وافقت على ذلك، لكن لم يُحدد موعده بعد».

وفي السادس من إبريل، نشرت مراسلة الوكالة سام ميدنيك تقريرًا ثانيًا بعنوان: «تقرير طبي: الفتى الفلسطيني الذي توفي في السجن الإسرائيلي أظهر علامات الجوع». ونقل التقرير عن الطبيب دانييل سولومون، وهو جرّاح جهاز هضمي سمحت له محكمة إسرائيلية مدنية بحضور التشريح، أن أحمد «كان يعاني التهاب القولون وفقدان شديد في الوزن والعضلات». كما نقلت المراسلة عن الدكتورة لينا قاسم حسن، رئيسة مجلس «أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل»، قولها إن أحمد: «عانى الجوع الذي أدى إلى سوء تغذية حاد، وبالاقتران مع التهاب القولون غير المعالج تسبب في الجفاف واضطراب نسب الأملاح في الدم، ما أدى إلى اضطراب ضربات القلب والوفاة».

قال والد أحمد في ختام التقرير: «سنطالب بجثمان ابننا لدفنه، فما يحدث في السجون الإسرائيلية مأساة حقيقية، إذ لا قيمة للحياة».

ورغم أن تقارير «أسوشيتد برس» كانت موثقة وإنسانية وغنية بالسياق، لم تُظهر الصحافة الأمريكية الكبرى اهتمامًا واسعًا بها؛ فقد نشرتها «بوسطن جلوب» و«PBS» على موقعيهما، واكتفت «أتلانتا جورنال» بملخص من فقرتين. وبينما لم تنشر «لوس أنجلوس تايمز» التقرير الأول فإنها كانت الصحيفة الأمريكية الوحيدة التي نشرت نسخة كاملة من التقرير الثاني. أما «وول ستريت جورنال» و«واشنطن بوست» فنشرتا نسخًا مقتضبة، في حين تجاهلت «نيويورك تايمز» كلا التقريرين تمامًا.

كانت CNN الوسيلة الأمريكية الوحيدة الأخرى التي أعدّت تقريرًا أصليًّا عن وفاة أحمد، واستندت إلى نسخة من تقرير التشريح، الذي وصف «فقدانًا شديدًا للوزن والكتلة العضلية»، مضيفًا أن «سوء التغذية المطوّل زاد خطر الإصابة بمضاعفات معدية خطرة، بما في ذلك تعفن الدم».

روايات دولية ومستقلة

لم يكن من الصعب على الصحافيين الأمريكيين الوصول إلى تفاصيل هذه الوفيات والانتهاكات المصاحبة لها، إذ إن وسائل الإعلام الأجنبية -خصوصًا في الشرق الأوسط- وثَّقتها بدقة. كما تناولت بعض المنصات الأمريكية المستقلة، مثل DropSite وInfinite Jaz، حالات وفاة أخرى في السجون الإسرائيلية.

ومن بين ما ورد في التقارير الحقوقية والإعلامية الدولية، ذكرت «وفا» و«عرب نيوز» و«ميدل إيست آي» أن نجم كان يعاني من أمراض مزمنة وحُرم من العلاج اللازم.

وأفادت وكالة الأنباء اليمنية أن فنونة والبطش وهنية والأسلي وعاشور «مدنيون ليست لهم علاقة بالفصائل المسلحة، وتوفوا نتيجة التعذيب والإهمال الطبي المتعمّد».

ونقلت الوكالة نفسها أن أبو نصر «توفي في ظروف احتجاز قاسية ومهينة».

وذكرت الهيئة، نقلًا عن معتقل مفرج عنه، أن أبو زنيد كان «يعاني من جرب متقدم، وحُرم من العلاج حتى الموت».

كما نقلت «وفا» أن الرفاعي كان يعاني من أمراض قلبية تتطلب متابعة طبية لصيقة.

وروى المسعف الفلسطيني طارق ربيع صافي أن مصعب هنية «كان شابًّا قويًّا، لكن بسبب الجوع والعطش والتعذيب المتكرر استُشهد أمام أعيننا».

هذه الحوادث ليست سوى فصل جديد في تاريخ طويل موثق من الانتهاكات داخل السجون الإسرائيلية. فمنذ عام 1967 وحتى 2006، سجنت إسرائيل أكثر من 800 ألف فلسطيني، توفي منهم 314 في الأسر، والعدد الحالي مرجّح أن يكون أعلى بكثير.

استمرار الانتهاكات.. وغياب التغطية

شهد عام 2024 تغطية محدودة لبعض الوفيات، مثل وفاة الطبيب عدنان أحمد البُرْش، رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء، والطبيب إياد الرنتيسي، مدير مستشفى كمال عدوان. وقد نشرت «وول ستريت جورنال» تقريرًا مطولًا عن هذه الحالات وما تثيره من «اتهامات بالتعذيب».

كما سلطت الصحافة الأمريكية الضوء على الانتهاكات في مركز احتجاز سديه تيمان العسكري، بما في ذلك في تقارير لـ«واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال» و«CNN» و«نيويورك تايمز».

أما في عام 2025، فاستمر هذا التناقض؛ إذ كانت بعض المقالات الأمريكية تذكر الظروف القاسية في السجون الإسرائيلية، لكنها تضعها تحت سياق اتهامات الفلسطينيين بالإرهاب.

نشرت «نيويورك تايمز» تقريرًا بعنوان: «النيابة العسكرية الإسرائيلية توجه اتهامًا إلى خمسة جنود باحتجاز معتقل وتعذيبه»، لكنها لم تذكر اسم المعتقل، بل اكتفت بالحروف الأولى من اسمه.

وفي يوليو، كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تحقيق موسّع أن سجن مجيدو هو من أكثر السجون قسوة، حيث ينتشر فيه الإهمال الطبي والجرب وسوء التغذية والعنف الجسدي اليومي. ووثّقت الصحيفة وفاة أسيرين أحدهما تعرض «لكسر في الأضلاع والجمجمة»، والآخر «لضرر في الطحال والتهاب رئوي حاد». كما كشفت أن الأسير وليد أحمد «انهار في ساحة السجن وتوفي»، وكان «خالي الجسم من الدهون، مصابًا بالتهاب القولون والجرب».

ورغم خطورة هذه المعطيات، لم تتناول أي وسيلة إعلام أمريكية كبرى تقرير هآرتس أو تحقق في نتائجه.

الصفحة الأولى.. «الرهائن الإسرائيليون»

في المقابل، تحظى قضية الإسرائيليين المحتجزين لدى «حماس» باهتمام هائل من الإعلام الأمريكي، في انعكاس واضح للمعايير المزدوجة.

ففي السابع من أكتوبر 2023، اختطفت «حماس» وفصائل فلسطينية أخرى 252 شخصًا من داخل إسرائيل إلى غزة، أي ما يعادل 2% فقط من إجمالي عدد الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، أُعيد 148 أسيرًا إسرائيليًّا أحياءً، واستُرجعت جثامين أكثر من خمسين آخرين، فيما يُعتقد أن 28 من بين الخمسين الباقين في الأسر قد لقوا حتفهم.

وبحسب تحليل «FAIR»، فإن كل حالة من حالات استعادة رفات الإسرائيليين في عام 2025 (21 حالة) حظيت بتغطية إعلامية في الصحف الأمريكية الكبرى، وسبع منها ظهرت على الصفحات الأولى، مثل قضية عائلة بيباس وعائلة الحغاي والأشقاء الزيادنة.

ولا شك أن على الإعلام أن يغطي قضايا الأسرى الإسرائيليين -حياتهم، ومعاناتهم، والإفراج عنهم- لكن تركيز الصحافة الأمريكية في معاناة الإسرائيليين وتجاهلها شبه التام لمعاناة الفلسطينيين يخدم رواية الحكومة الإسرائيلية وحدها، خصوصًا في ظل ما يعتبره كثير من الدول والساسة والباحثين إبادة جماعية متواصلة.


[i] نشر التقرير في جاكوبيان بتاريخ 4 أكتوبر.