البحث العلمي
حسناء الجريسيأحلام البحث العلمي ترتطم بأرض الواقع
2024.03.29
تصوير آخرون
الباحثين بين سندان البيروقراطية ومطرقة التمويل
يواجه البحث العلمي في مصر الكثير من التحديات والمعوقات التي تقف حائلًا دون تحقيق رغبة وهدف الباحثين العلميين، هذه المشكلة ليست وليدة اللحظة الراهنة، بل هي موجودة منذ سنوات عدة، ما جعل عددًا كثيرًا من الدارسين والباحثين المصريين يتجهون للخارج ليجدوا هدفهم ومبتغاهم، وهذا ما حدث مع رحمة الله عليه د. أحمد زويل وغيره من الباحثين المصريين، وعلى الرغم من إنشاء بنك المعرفة في الفترة الأخيرة، مما وفر للباحث وسهل عليه فكرة الحصول على المعلومة، فإن البيروقراطية وقلة الإمكانيات المادية، ما زالت تمثل حجر عثرة أمام البحث العلمي في مصر؛ لذلك كان لنا هذا اللقاء مع عدد من الباحثين والدراسين؛ لمعرفة التحديات التي تواجههم في هذا الصدد.
في البداية كان لنا لقاء مع الدكتورة حنان السعداوي أستاذ الميكربيولوجي بالمركز القومي للبحوث، والتي أكدت أن البيروقراطية "الروتين الحكومي" في مصر أهم تحدٍّ أمام البحث العلمي؛ فهو يحتاج إلى مزيد من الحرية؛ لأن الروتين الحكومي يلعب دورًا كبيرًا في توقف مسيرة البحث العلمي، فضلًا عن عدم توافر الإمكانيات اللازمة لعمل الباحث، وهذا لا يساعده باللحاق بركب التقدم أسوةً بزملائه في الخارج.
وتضيف: ضروري لنجاح البحث العلمي سرعة التنفيذ؛ لأنه مرتبط بفكرة إذا لم تُنفَّذ في الحال فسيكون هناك آخرون يفكرون فيها وينفذونها؛ لأن أي مشروع هو عبارة عن فكرة. وتأسف د. حنان السعداوي قائلة: نحن في مصر لا نعمل بنظام فريق العمل، فكل شخص يعمل بمفرده، والبحث العلمي من أسس نجاحه العمل في فريق عمل صحيح، لا أنكر أن هناك سرقاتٍ للأفكار لكن لا بد من قوانين تنظم هذا الأمر.
وتقول: عندما سافرت لعمل أبحاث علمية خارج مصر، فإن المشرف على البحث وفر لي كافة الإمكانيات اللازمة، فضلًا عن خلق بيئة عمل سليمة وصحية ، والمعامل كانت مجهزة بشكل جيد يتوافر فيها كافة الأجهزة، بينما هنا في مصر لكي أنفذ الفكرة أظل أعد في أوراق، وأذهب للموظفين، ومن الممكن أن أجد موظفًا بسيطًا يكون سببًا لتأخير تنفيذ الفكرة، أيضًا الباحث في مصر يقوم بكل شيء في المعمل وينفذ كل شيء بيده؛ لأنه لا يتوافر له فريق العاملين معه في المعمل، على عكس المعامل في الخارج فإنها تعمل وفق خطة معينة ودقيقة.
د. حنان السعداوي
تلفت د. حنان السعداوي النظر إلى فكرة مهمة جدًّا، وهي فكرة التسويق، فنحن غير بارعين في هذا الأمر.
وتشيد بجهود د. هاني الناظر إبان فترة توليه رئاسة المركز القومي للبحوث، حيث قدم الكثير من الخدمات للباحثين، منها عمل "بنك معرفة" داخل المركز، ومكتب لرجال الأعمال والمستثمرين.
وكان يسهل على الباحث تسويق أبحاثه، طبعًا في الوقت الحالي يوجد عندنا في المركز مكتب براءات الاختراعات، لكنه مكتب فاشل لا يقوم بدوره الرئيس، أيضًا هناك مشكلة تواجهنا كباحثين وهي المبالغ الزهيدة التي نحصل عليها عند بيع المنتج؛ لذلك يضطر الكثير من الأساتذة والباحثين إلى عدم بيع أبحاثهم.
وتقول: أنا أستاذ متفرغ، عندي أبحاث ترتبط بالتطبيق الحقلي، ومعنى ذلك: أنه لا بد من سفري لأحد الحقول، والمفترض أن المركز يوفر لي سيارة مجهزة لتطبيق المشروع في الحقل، مع توفير الإمكانيات الضرورية، وتسهيل مهمتي، ولكن للأسف فإن الموظفين يقفون عائقًا وحائلًا، وتختتم حديثها: نحن كباحثين إذا لم نراعِ الله سبحانه وتعالى في عملنا، فستجدين كوارث ناتجة؛ لأن هناك من يفبركون نتائج أبحاث دون بذل أي مجهود، وهذا يمثل خطورة شديدة على مستقبل البحث العلمي في مصر.
ومن جانبه يقول د. حسام حسن بالمركز القومي للبحوث: من أهم المشكلات التي تواجه البحث العلمي في مصر؛ عدم وجود استراتيجيات أو سياسات واضحة في مجال البحث العلمي، وضعف التمويل المالي للبحث العلمي والنشر في مجلات ذات قيمة عالية.
د. حسام حسن
ويضيف أن معظم البحوث التي تقدَّم هي بحوث يقوم بها أفراد من أجل الترقيات، ولم يتم اختيارها ضمن استراتيجية تنموية شاملة، هجرة الكفاءات العلمية والخبرات الفنية المعمول بها في التخطيط للتنمية والعمل على تطبيق نتائجها، إحجام القطاع الخاص والشركات عن دعم البحوث والباحثين، وإن وجد فهو دعم محدود ولا يخدم إلا الجهات الداعمة نفسها، عدم توافر المناخ الملائم الذي يشجع ويحفز على البحث العلمي واستثمار نتائجه في التنمية والتطوير، فضلًا عن أسباب أخرى تتعلق بضعف الاهتمام بالبحث العلمي، وعدم اهتمام الباحث وانشغاله بتوفير مستلزماته للعيش الكريم، بسبب تدهور وضعه الاجتماعي بسبب تدني الرواتب والمكافآت المادية، قلة التنسيق بين القطاع الخاص ومراكز البحوث بشكل يسهم في العمل على تسويق البحوث وفق خطة اقتصادية وموضوعية، مع العلم بأن إدارة المركز القومي للبحوث تحاول جاهدة إزالة معظم المعوقات المذكورة؛ حيث تم ربط البحوث بالصناعة، ودمج القطاع الخاص مع المتخصصين بالمركز لحل مشكلات الإنتاج؛ من خلال إنشاء شركات وحاضنات علمية متخصصة، وكذلك عرض المنتجات التي توصل إليها الباحثون بالمركز، والقابلة للتطبيق والتصنيع الفوري، كما يتم دعم الباحثين من خلال المشروعات الداخلية بالمركز لتنفيذ النقاط البحثية المختلفة، التي تخدم المجتمع وتقدم حلولًا لمشكلات الإنتاج التي تواجه المستثمرين، كما يقوم المركز بتقديم مكافآت خاصة لأصحاب المخرجات البحثية المميزة كل 3 أشهر للتشجيع على التميز والإبداع.
بينما تؤكد د. غادة أن مشكلات البحث العلمي في مصر لها شقان؛ أولهما: أن استثمار الدولة في البحث العلمي ضعيف، وكذلك العاملون في الإدارات ليس لديهم وعي الكافي بأهمية الأمر، ولا يرون ضرورة للتعريف بالمشكلة، وليس هناك اهتمام كافي من الجهات البحثية، التي لا يشغلها سوى نشر أوراق البحث العلمي، وتلفت الانتباه إلى أنه لا بد للباحث من أن يكون لديه إحساس داخلي بأنه يقوم بعمل خدمة للمجتمع، وعليه مطالبة الدولة بالتمويل؛ لذلك لا بد أن يتم تدريب الباحث جيدًا قبل تنفيذ فكرته، كما يجب أن يتدرب على أهمية تسويق الفكرة، بحيث تفي باحتياجات المجتمع.
وتشير إلى أن ارتفاع سعر الدولار لعب دورًا في الاتجاه للمنتج المحلي بشكل كبير، واتجاه الدولة لحل مشكلاتها، وكذلك أحداث غزة لعبت دورًا في دعم المنتج المصري؛ لذلك سيهتم الباحثون في الفترة القادمة بمتطلبات السوق وتعزيز المنتج المحلي؛ لأن الأحداث الأخيرة أثرت بشكل مباشر على التعليم والأفكار والابتكارات.
ومن ناحيتها تؤكد د. سماح المرسي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن ميزانية البحث العلمي في مصر قليلة جدًّا، مقارنة بالدول الأخرى، فهناك تخصصات تقوم بأبحاث علمية وتكتشف أنها لا تتناسب مع متطلبات السوق؛ مما يصيب الباحث بالإحباط، مشيرة إلى أن بنك المعرفة وفر الكثير على الباحثين من الجهد والوقت؛ حيث سهل عليهم الحصول على المعلومة، مشيرة إلى أنه لا توجد بعثات للباحثين للخارج لتبادل المعارف والدراسات مع الغرب، وهذا لعب دورًا في تأخر البحث العلمي في مصر.
ومن جانبه يؤكد الباحث محمد زهران بكلية الدراسات الأفريقية؛ أن البحث العلمي يساهم في تطور المجتمع ونموه، وحل المشكلات وتعظيم الفائدة، لكنه يعاني في مصر من صعوبات كثيرة؛ مما جعل هناك فجوة كبيرة بيننا وبين الأبحاث العلمية في الخارج.
موضحًا أن السبب الحقيقي وراء عدم جدوى البحث العلمي في مصر، هو عدم وجود خطة استراتيجية واضحة للبحث العلمي في الجامعات والمراكز البحثية، تكون متسقة مع خطة التنمية المستدامة للدولة؛ ما أدى بدوره إلى عدم الدقة في اختيار الباحث للموضوعات البحثية، التي تخدم المجتمع وتعود بالنفع على الدولة، مشيرًا إلى أنه بسبب نقص التعاون بين الجهات البحثية ومؤسسات قطاع الإنتاج أصبح مجرد ورقات يدونها الباحث لأجل الحصول على الدرجة العلمية اللازمة للترقي، وفقد البحث معناه الحقيقي في الابتكار وتقديم الخدمات وإحداث التطوير وحل المشكلات، وهو ما أدى بدوره إلى انعدام آلية وأخلاقيات البحث العلمي، خاصة لدى صغار الباحثين المبتدئين.
لذلك يطالب د. زهران بضرورة خلق المجال الملائم لانخراط البحث العلمي في التطبيق؛ ليعود ذلك بدعم تلقائي للبحث العلمي، تعديل قانون تنظيم الجامعات ليصبح الإضافة الابتكارية من شروط منح الدرجات العلمية، والترقية وإلزام الباحث بالنشر العلمي العالمي، باعتباره المفهوم والمعيار الحقيقي، الذي يحدد القيمة العلمية لصاحب البحث؛ حيث إن هذه القيمة يتم تحديدها بمدى التأثير الذي تحدثه نتيجة البحث، وعدد المستفيدين منه، وكلما زاد عدد المرجعية للبحث ازدادت قيمته على المستوى العالمي.