ثقافات

كمال مغيث

أنثربولوجية الأسماء المصرية

2024.11.23

تصوير آخرون

الحضارة المصرية وقوة الأسماء

 

زغلة، وحراكة، وبُحلق، والقُزعة، وأبو الركب، والأكتع، وأبو لوح

 

للأسماء في مصر القديمة منذ بواكير الحضارة المصرية، حكاية خاصة ومميزة وشديدة الأهمية، فقد كان المصري القديم يعتقد أن لها قوة تختزل هوية الشخص وكينونته وتقوم مقامه وتحل محله. لهذه الأسباب كان الميت في تضرعه الأخير أمام محكمة أوزوريس، وبعد أن يقسم القسم الإنكاري ويشهد قلبه على صدقه حين يكون أخف من ريشة العدالة "ماعت" وهو يوزن في ميزان الحق يقول: "لك الخشوع يا رب الضياء.. أنت يا من تسكن في قلب البيت الكبير.. يا أمير الليل والظلام.. جئت لك روحًا طاهرًا فهب لي فيما أتكلم به عندك وأسرع لى بقلبي يوم أن تتثاقل السحب ويتكاثف الظلام .. أعطني "اسمي" في البيت الكبير وأعد إلى الذاكرة اسمي يوم أن تحصي السنين".. فيرد عليه أوزوريس: "ها هي عظامك تتجمع.. وقلبك يعود إليك وأعداؤك تحت أقدامك يُسحقون.. ها أنت في صورتك الجميلة تحيا وتبعث كل يوم شبابًا من جديد.. انهض فلن تفنى أبدًا.. لقد نوديت باسمك لقد بعثت".

ولأهمية الاسم والدور الذي يلعبه كان أقسى عقاب يوجه لملك أو أمير راحل أن يُمحى اسمه من تابوته، وهو ما يعني أن تظل روحه تائهة تبحث عنه لكي يُبعث، ولهذه الأسباب تعوَّدنا أن لا نقول أسماء الأشياء التي نرهبها كاسم مرض "السرطان" مثلًا ونكتفي بقولنا: المرض الوِحِش، أو نقول: يا جماعة افتكرولنا حاجة كويسة، ونقول: ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم، أي خفيف بحيث لا ينبههم فيحضروا.. ونقول عن المريض: فلان بعافية كنوع من الدعاء لله ليستبدل بالمرض الذي حل به بـ"العافية".. وكنت وأنا صغير حين أقوم بعمل فظيع -وما أكثرها- تدعو عليَّ أمي قائلة: روح إلهي ينخفي اسمك! وربما يكون الفعل أكثر فظاعة فتكون دعوتها عليَّ: روح إلهي ينخفي اسمك وينمحي رسمك، وهي دعوة فرعونية تعني الحكم على الإنسان بالفناء الأكيد، ونحن نشتم فلانًا قائلين: مخفي الاسم أو المخفي.

أسماء الأفراد

لكل هذا اعتاد كثير من الناس في مصر أن يسموا أبناءهم وبناتهم بأسماء جداتهم وأجدادهم المحبوبين حتى لو كان الاسم قد أصبح قديمًا ومهجورًا وكأنهم يريديون لهم أن يظلوا أحياء، كما اعتادوا أن يسموهم بأسماء جميلة ولطيفة ومبهجة، فنسمي من النباتات: وردة وفلة ونوارة ولوتس وسوسن وتفاحة وخضرة، ونسمي من الكائنات: بطة ووزة وبلبل وعصفور وغزال وريم وحمام وكتكوت وكروان، ومن حالات النهار نسمي: سحر وفجر وصبحي وصباح وصبحية وضحى وشمس وقمر ونسيم ومنير ونور. كما يسمي الرجل أو المرأة ابنه أو ابنته على اسم أحب أصدقائه أو إخوته ليظل ينطق الاسم الحبيب. وقد يسمي الناس أبناءهم مدفوعين بمُثُلهم الدينية والتاريخية والوطنية.. فنسمي خديجة وعائشة وفاطمة وميريت وإيزيس ورمسيس وجيفارا وسعد زغلول وأحمد عرابي.. لولا أن منعت الدولة الأسماء المركَّبة، وطبعًا كلنا نعرف الكاتب المسرحي الراحل لينين الرملي وأخاه ستالين الذين تسموا بذلك نتيجة إعجاب أبيهم المناضل الماركسي بقادة الماركسية في روسيا.

 ومع موجة التطرف الديني التي ضربت بلادنا وزيادة تمسك المسلمين بمظاهر هويتهم الدينية راح المسيحيون يسموا أولادهم: شنودة وجرجس وميخائيل ومايكل ومرقص بعد أن كانوا يسمون رؤوف وتامر وناجي وسعيد.

ولحديث شريف "إن خير الأسماء ما حُمِّد وما عُبِّد"، نجد أن كثيرًا من الأسماء من الحمد ومشتقاته: محمد وأحمد ومحمود وحامد وحمادة وحمدي وحميدة وحمودة وحمدية وحمدالله وحمدون ونحمده.. ومن أسماء الله "ماعُبِّد" نسمي: عبد: الباسط والرحمن والرحيم والكريم والشافي والرازق والهادي والمنعم والسميع والراضي والرافع، ونجفل من تسمية: عبد: المذل والخافض والجبار والقابض.

ومع هذا فلأسباب خاصة نجد اسم: مشحوت وهو اسم تطلقه الأسرة التي مات لها أولاد كثيرون وتقصد بالمشحوت هنا أنه "مشحوت من الله" والمفروض أن الإنسان لا يسترد جنيهًا منحه لشحاذ، أما الأسر التي تخشى العين والحسد، فهى تسمي أبناءها: شحات وخيشة ومحروس ومحجوب وقد قابلت مرة شابًّا اسمه "بعيبش".. وللتأكيد.. "ب ع ي ب ش" وربما للمبالغة في اتقاء شر العين يُلبسون أولادهم هلاهيل وملابس ممزقة، أو يمنعونهم من الاستحمام وقتًا طويلًا، أو يكذبون ويقولون إنهم أنجبوا بنتًا.

وعندما تتشابه أسماء الأولاد كنا ننادي فلان الكبير وفلان الصغير.. أو ننادي مع اسم الولد اسم أبيه، وكانت كثير من الأسر لا تخجل من ذكر الولد منسوبًا إلى أمه إذا تعددت أسماء الذكور المتشابهة في العائلة.

وفي العصر الذي خضعت فيه بلادنا للاحتلال العثماني التركي نحو ثلاثة قرون بين القرن السادس عشر والثامن عشر، ولأن اللغة التركية تضيف حرف التاء المفتوحة والياء للمصدر العربي عرفنا أسماء: مدحت ونشأت وعصمت، وحكمت ورأفت وبهجت وحشمت كما عرفنا أسماء: فهمي وفكري ونظمي ورحمي وفوزي. 

أسماء الدلع

ورغم كل هذا عرف المصريون أسماء الدلع التي تنوعت صيغها وأسبابها فمنها ما هو نوع من التخفيف والتبسيط والتودد مثل أن نقول: لنسمة نسوم ولندى دووودا ولأمل مولى أو أمولة ولفاطمة بطة ولمنى منمن، وتقريبًا لكل أسماء البنات مرادف من أسماء الدلع، أو نقول: لأحمد ميدو ولمحمد ميمي ولأنيس أوسة ولإبراهيم هيما ولزكريا زيكو أو يقول لي بعضهم كيمو بدلًا من كمال، وقد يبالغ بعضهم في التدليع فيختار للذكر اسمًا مؤنثًا مثل: سمرة أو سمورة لسمير، أو سُمعة لعبد السميع أو نورا لأنور.. أو "كمولة" لكمال أو يضع ضمير إضافة لاسم الدلع مثل "كمولتي" وغالبًا هذا الأخير لا يكون إلا بين رجل وإمرأة.

وأحيانًا يكون اسم الدلع لأسباب دينية أو تاريخية كأن نقول لإبراهيم أبو خليل لأن سيدنا إبراهيم هو خليل الرحمن، أو لحسن أبو علي لأن الابن البكر لسيدنا علي هو الحسن، ونقول لإسماعيل أبو السِباع، لأن الخديو إسماعيل هو من وضع أربع تماثبل لسِباع على جانبي كوبري قصر النيل، واعتدنا في الريف تدليع الابن باعتباره أبو أبيه فيقال لي مثلًا: أبو حامد لأنني كمال حامد، ويقال للبنت أيضًا أم أبوها كندى أم كمال بالنسبة لابنتي ندى.

وأحيانًا يكون اسم الدلع كحل وسط بين طرفين فقد يحب الزوج -مع ناس أعرفهم وأحبهم- تسمية ابنه بديع بينما تحب الأم تسميته زكريا، فيكون الحل أن نكتبه في شهادة الميلاد بديع ونناديه زكريا، وقد لا يعرف زكريا اسمه الحقيقي إلا وهو يتقدم بأوراقه وشهادة ميلاده للمدرسة، وقد عشت حتى مرحلة الشباب لا أعرف اسم أختي الكبيرة "إنصاف" إلا بعد أن قرأت على شهادتها للإعدادية اسم: "أنيسة" والذي حدث أن أبي المدرس بعد أن سجل مولودته في الوحدة الصحية أنيسة ذهب للمدرسة ليبشره زملاءه بأن الحكومة قد وافقت على علاوات "الإنصاف" التي يطالب بها المعلمون منذ سنوات، فعاد لأمي ليقول: هى إنصاف.

وقد نطلق على بعضنا أسماء لملمح عابر أو لسمة جسمية واضحة فقد عرفنا من لاعبي الكرة: أوكا وأكمه وأفشة وزغلة وحراكة وسرسق وحُسكة وبُرّيقة وبُحلق، ومنهم من يقبل عن طيب خاطر اسمه الخاص: أوكا.. أو يقبل إضافته لاسمه: محمد أوكا، ومنهم من يكون على استعداد لتكسير عظامك إذا نطقت اسمه وخاصة إذا كان إطلاقه عليه لأسباب تهكمية ومشينة وعدوانية بالغة.

رحلة الأسماء في مصر

على الرغم من أهمية الأسماء في مصر القديمة فإنه لم يكن هناك تسجيل مكتوب لها، إلا إذا تطلب الأمر ذلك لظروف خاصة ككتابة الديون أو صكوك الملكية، وفيها كان يُكتفى بكتابة اسم الفرد وأبيه وبلدته، فلم تكن الدولة تحرص على وجود علاقة بينها وبين الأفراد، وإنما كانت تكتفي بعلاقتها المباشرة بمسؤولي الأقاليم، وهؤلاء يكتفون بعلاقتهم المباشرة بالعمد أو شيوخ البلد، وهؤلاء الأخيرون هم الذين على صلة مباشرة بالناس فيعرفون أسماءهم وممتلكاتهم وحالتهم الاقتصادية والاجتماعية فيقدرون عليهم ما ينبغى دفعه من ضرائب دون الحاجة إلى كتابة أسمائهم، وكل ما كان يهم الدولة المركزية منذ زمن الفراعنة حتى مطلع العصر الحديث هو مساحة الأرض المنزرعة سنويًّا وقد كانت في الظروف الطبيعية ثابتة المساحة غير أنه من الممكن أن تزيد وتنقص حسب حالة فيضان النيل، لأن تلك الأرض هى ما سيحدد قيمة ما تحصله خزانة الدولة من خراج، فبمجرد انتهاء فيضان النيل وغمره جميع أراضي الوادي كان "المساحون" ينزلون بأدواتهم -الذراع والسهم والقصبة- ليمسحوا الأرض أي يحددوا المساحة التي سوف تنزرع هذا العام، ويتم ربط الخراج الذي تستحقه خزانة الدولة تبعًا لتلك المساحة، ويحدد اسم الملتزم في سند أو صك مختوم بخاتم الدولة، ويقوم ذلك الملتزم بتحصيل تلك الأموال من الفلاحين، تبعًا لعدد الفدادين التي يحوزونها، يساعده في ذلك كاتب وصراف ومشد، وبعض الخفراء، وبطبيعة الحال كان معظم الملتزمين قساة غلاظ القلوب يحصلون بكل أشكال القسوة والعنف من الفلاحين على ضعف ما سيوردونه لخزينة الدولة من أموال، القصد لم تكن الدولة تحرص على أسماء الناس ولا ألقابهم ولا أعدادهم، ومن يقرأ كتاب "التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية" تأليف شرف الدين يحيى بن الجيعان، والذي كتبه بتكليف من السلطان الأشرف شعبان 1463-1477م، لا تجد فيه سوى إحصاء لجميع البلاد المصرية وما تضمه من أفدنة أرض مزروعة وقيمة خراجها بآلاف الدنانير، وظل الحال كذلك لمئات السنين، وكان المماليك الذين استوطنوا مصر وحكموها من سنة 1250-1517م، يعرفون أهمية تطهير الترع وتعلية الجسور وشق القنوات فحافظت البلدان على مساحاتها وزراعاتها وخراجها، ولكن في زمن العثمانيين الطغاة الذين حكموا البلاد بولاة جهلة من الآستانة لم تكن الدولة تهتم إلا بالحفاظ على قيمة الأموال المتحصلة من الفلاحين بصرف النظر عن حالة الفيضان وعن مدى اهتمامها بالترع والقنوات، وهو ما جعل الفلاحون يشعرون في سنوات كثيرة أن الضريبة المفروضة عليهم أكبر من غلة الأرض نفسها، فكثيرًا ما كانوا يهجرونها، وقل الزواج والإنجاب وسادت المجاعات، وانخفض عدد سكان مصر من نحو ثمانية ملايين في أواخر زمن المماليك إلى أقل من ثلاثة ملايين نسمة مع مقدم الحملة الفرنسية سنة 1798م، وسبب آخر ساهم في عدم كتابة أسماء الناس وعائلاتهم في سجلات رسمية أن الناس كانوا لا يمتلكون حق الرقبة بالنسبة إلى الأرض وإنما يمتلكون حق الانتفاع فقط فالأرض كلها ملك للسلطان.

وحتى في المدن لم تكن للدولة علاقة مباشرة بالناس والأفراد والعائلات وإنما تحصل على حقوقها من ضرائب وجزية من خلال شيوخ الحرف وشيوخ الحارات القبطية واليهودية، ظل هذا هو الحال منذ زمن الفراعنة حتى زمن محمد علي (1805-1848م)

من هنا بدأ التسجيل والتوثيق لأسماء العائلات والأفراد

كان لدى محمد علي تصور للدولة المركزية القوية، وكان لديه تصور لما يمكن أن تقوم به الدولة من مشروعات مركزية في الري والقناطر والزراعة، ومشروعات صناعية وتعليم مركزي وجيش حديث.

وراح محمد علي يواجه العقبات التي رآها تقف حجر عثرة في سبيل دولته المركزية القوية، فتخلص من الجنود المرتزقة، ومن الأطماع الإنجليزية في حملة رشيد 1807، ومن الزعامة الشعبية بنفي عمر مكرم 1809، ومن المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة مارس، 1811، ولأن المماليك كانوا يشكلون عصب النظام العسكري والاجتماعي القديم، وكان معظمهم يحوز التزامات هائلة، حانت الفرصة لمحمد علي للقضاء على نظام الالتزام الذي يحرمه من الهيمنة الكاملة على أرض مصر وخراجها ويمنعه من القيام بمشروعاته الزراعية وفى سنة 1812، جمع محمد علي ما بقي من ملتزمين ومنحهم تعويضًا تافهًا نظير تنازلهم للدولة عن صكوك وسندات الالتزام، وأرسل محمد علي إلى مشايخ القرى في مختلف أنحاء البلاد: أن اكتبوا للدولة أسماء الناس وما تحت أيديهم من أراضٍ.

وهكذا اضطر شيوخ القرى إلى الاستعانة بالكتبة والصيارفة وشيوخ الخفر في كتابة أسماء الناس، كما هم وكما يعرفهم الناس: بمهنهم أو صفاتهم أو كما يتهكمون عليهم: محمد النجار، مصطفى الفقي، إبراهيم الطويل، محمود أبو الركب.

إنت ابن مين في مصر

عندما طلب محمد علي من العمد ومشايخ البلدان كتابة أسماء الناس وألقابهم كما ينطقها الناس في القرى والأحياء، فراحوا يكتبون ما هو معروف بينهم والذي يمكن إدراجه تحت ثلاثة تصنيفات كبرى: مهنية وإقليمية وتهكمية، ولأن الأسماء المهنية تتنوع تنوعًا هائلًا فيمكن إدراجها تحت فئات، فمثلًا حول النسيج والقماش سنجد ألقاب: القطّان والحلَّاج والغزّال والفتّال والحبَّال والعقَّاد والنسّاج والقَمَّاش والخياط والترزي والقزاز والحريري والمناديلي والطرزي والصباغ والغزالي والطرابيشي واللبابيدي.

وحول الحبوب وتجارتها سنجد: البنّان والفوّال والبزار والحمصي والفولي وكراوية وكمون والرزاز ورز ورزة.

وحول صناعة الدين والفقه سنجد: الخطيب والمؤذن والميقاتي والإمام والكاتب والفقي والفقيه والمفتي والشيخ والوراق والقاضي والشاهد.

وحول الأخشاب وصناعتها هناك: الخشاب والنشار والنجار والبيباني والدواليبي والطبلاوي والشُّبكشي، والشبك كانت أداة التدخين منذ زمن المماليك وكانت تشبه "البايب" كبير الحجم ولكن بذراع طويل قد يصل طوله إلى مترين.

وحول مهن البناء سنجد: البنا والطواب والرمالي والرملي والجيار والجباس والمبيّض والحجار وزلط والكواليني والبيباني.

وحول العصائر والحلويات سنجد: الشربتلي والعرقسوسي والحلو وحلاوة والحلواني والحلوجي والسكري والعصار والقصبجي وعسل والكحكي.

وهناك مهن أخرى عديدة: السماك والحلاق والمزين والقصاص والدقاق والقصاب والجزار والسقا والحداد والسرجاني والسروجي والملواني والخباز والطحان والطباخ والشماع والصرماتي والمراكبي.

وهناك مهن تاريخية انتهت طبعًا ولكن احتفظ أصحابها بألقابهم فهناك: دويدار وتعني حامل دواة السلطان وأقلامه، والسلحدار أى مسؤول دار السلاح، والخازندار وتعني خازن السلطان، والخواجة، وهو لقب فارسي للسيد المهذب والطوبجي وهو سلاح القاذفات التركي وجاويش وهي رتبة تركية، والياسرجي وهي مهنة بائع المماليك والألفي والذي ينتهي للملوك محمد الألفي والذي بيع بألف إردب قمح والمرشد والخولي والناظر والعمدة.

وهناك ألقاب تشير إلى مريدي أو خدم شيوخ الصوفية الكبار: البدوي، الشاذلي، الدسوقي، الحجاجي، الحسيني، والرفاعي.

أما النوع الثاني من الألقاب التي تعود إلى إقليم المنشأ سنجد بعض الألقاب تشير إلى منشأ خارج مصر في حدود البلاد العربية، مثل: النابلسي والقدسي وعكاوي وغزاوي والصيداوي والعراقي والبغدادي والتونسي والجزايرلي والموصلي والدمشقي والحلبي والنجدي والحجازي والجداوي ومكاوي ومدني، وهناك منها ما يشير إلى أقاليم أبعد، مثل: بوشناق، نسبة إلى إقليم البوسنة، وهناك المانستيرلي نسبة إلى منستير في تركيا والأزميرلي والكريدلي وكركوتلي، وأباظة الذين يعود أصلهم إلى جبال أبخازية أو أبازيس التي تمتد بين بحر قزوين والبحر الأسود وجاؤوا كمماليك في زمن المماليك، ومع انهيار دولة المماليك كانوا من أهم أسباب الفوضى في البلاد يتحالفون مع العربان الذين يحاصرون القاهرة، حتى ألَّف قلوبهم محمد علي بمنحهم أراضي هائلة في الشرقية، أما الألقاب التي تنتهي إلى أقاليم مصرية فلن تجد اسم إقليم لا ينتهي بلقب، فهناك: الأسواني والأقصري والإسناوي والقناوي والسوهاجي والأسيوطي والمنياوي والجيزاوي والسويفي والفيومي والمنوفي والطنطاوي والبورسعيدي والإسكندراني والصعيدي، وهذا يعني أن حركة الناس بين الأقاليم المختلفة أمر مألوف يتم في سلاسة ويسر.

أما عن الألقاب التهكمية، فحدِّث ولا حرج، في بلدنا مجرد ما يرتبط الإنسان بصفة أو بشيء نسميه "أبو كذا" ومن هنا ستجد ألقاب: أبو سنة وأبو شوشة وأبو شامة وأبو الركب وأبو طور وأبو لوح وأبو الغيط، وأبو العيون وأبو دومة وأبو قدح وأبو كيلة.. ويمكن أن يسمى بتشبيهه بحيوان مثل: القط وقطيط والفار وتعلب والديب والضبع والسبع والفيل والسيسي وعصفور وزرزور وغراب وصقر وحمام وزغلول والبرغوث، والحيوان والفحل والمهر، ويمكن أن يسمى بملمح جسمى: القزعة، الطويل، الهبلة، أبو شدق، الأودن صاحب الأذنين الكبيرتين، الأكتع مقطوع الذراع، الأزعر مقطوع الذيل، الأقطش مقطوع الأنف، الأهتم الذي بلا أسنان، الأقرع الأعرج، الطايش، السايح، الجعار، والجعارة.

وهناك لقب يشير إلى الاسم الذي يطلقه المصريون على المثليين جنسيًّا، وقد تسمت به عائلة كبيرة تعمل في بيع السردين والفسيخ والملوحة، وقد حافظ عميد العائلة تلك على هذا اللقب على دكان الفسيخ الذي يملكه في حي بولاق إلى أن استبدل أولاده اسم "الفسخاني المشهور" بذلك الاسم الفظيع التي تسمت به عائلتهم.

وكانت من ألقاب التهكم المقذعة والتي تشير إلى فعل شديد البذاءة "القارح" وهي تعني الجريء في التعبير عن ما يعده المجتمع عيبًا.

هذه هي خلاصة رحلة الأسماء في مصر بايجاز وهي رحلة ثرية شديدة التعبير عن الثقافة والتاريخ والمجتمع والجغرافيا في مصر، والملاحظ في النهاية أن كثيرًا من الأسر المصرية تسعى إلى التحرر من ذلك الإرث الذي تعتبره ثقيلًا وتسعى إلى تسمية أولادها وبناتها بتسميات سطحية خفيفة كما نلاحظ أن الجيل الجديد قد أخذ بوجه عام يتخفف من أسماء العائلات وما تحمله من دلالات تاريخية أو جغرافية أو مهنية فيكتفون بالوقوف عند اسم جدهم الرابع دون تجاوزه إلى اسم العائلة، فلم نعد نقرأ في الصحف أسماء عائلات: المزين أو النجار أو الترزي، كما تحرر معظم الجيل الجديد من أسماء العائلات إذا كانت ذات دلالة تهكمية فلن نقرأ أبدًا اسم أبو طور وأبو لوح وأبو الركب والقزعة.

هذه كانت صفحة من صفحات التراث المصري الذي لا تنقضي عجائبه.