عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

هوامش

أرثر تاونند

كيف منح الغرب إسرائيل ترسانة نووية؟!

2025.07.21

مصدر الصورة : AFP

ترجمة: المرايا

المقال الأصلي منشور في جريدة Socialist Worker العدد : 2962 في تاريخ 29 يونيو 2025 [1]

على مدى عقود، رفضت إسرائيل تأكيد امتلاكها لأسلحة نووية - رغم وجودها الواضح. لكن ترسانتها النووية تمثل جزءًا أساسيًّا من طموحاتها التوسعية. يشرح آرثر تاونند لماذا يرى داعمو "دولة الإرهاب" هذه الأسلحة ضرورية للهيمنة على الشرق الأوسط .

كذب النظام الإسرائيلي وداعموه الإمبرياليون في الغرب بشأن قدراته النووية -وقدرات إيران- لعقود. فمنذ عام 1992، يزعم بنيامين نتنياهو أن إيران على بعد شهور أو سنوات فقط من تصنيع سلاح نووي. وقد استخدمت إسرائيل والغرب هذه الذريعة ذاتها لتبرير هجماتهما الأخيرة على إيران، التي أسفرت عن مقتل المئات.

هذه مستويات للنفاق غير مسبوقة. فإسرائيل هي التي تمتلك رؤوسًا نووية منذ عام 1967، وهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية. وهي التي ترفض التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وترفض السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش منشآتها.

وفي المقابل، أعلنت إيران بوضوح أنها لا تنوي تطوير أسلحة نووية. بل إنها تخضع لأكثر عمليات التفتيش صرامة من قبل الوكالة الدولية، ونسبة تخصيب اليورانيوم لديها تبلغ حاليًّا 60%، بينما يتطلب صنع القنبلة النووية نسبة 90%.

لقد تم تطوير الهيمنة النووية الإسرائيلية سرًّا بمساعدة دول غربية ذات طموحات إمبريالية. وكان الأمر دائمًا يتعلق بالمنافسة والصراع بين دول تسعى للهيمنة على الشرق الأوسط.

هكذا بدأ البرنامج النووي الإسرائيلي عام 1952 عندما أسست إسرائيل "لجنة الطاقة الذرية". وكان ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، من أشد المؤيدين لامتلاك السلاح النووي كوسيلة لحماية وتعزيز المصالح الإسرائيلية. وفي عام 1956، تواطأت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في محاولة للإطاحة بالزعيم المصري جمال عبدالناصر، ردًّا على قراره بتأميم قناة السويس التي كانت تملكها بريطانيا وفرنسا. وخلال مرحلة التخطيط العسكري، التزمت فرنسا بمساعدة إسرائيل على بناء "مركز أبحاث نووي" في النقب، يعرف اليوم باسم "مفاعل ديمونا".

وقد بدأ بناء المنشأة النووية تحت غطاء الأغراض المدنية عام 1958، ما يؤكد أن برنامج إسرائيل النووي كان منذ البداية جزءًا من مشروع إمبريالي أوسع. ولم تكتشف الولايات المتحدة وجود مفاعل ديمونا إلا عام 1960 من خلال صور الأقمار الصناعية. ساعتها طالبت واشنطن بتفسير، فكذبت إسرائيل، مدعيةً أولًا أن المنشأة مصنع للمعادن، ثم قالت إنها مصنع نسيج.

في ذلك الوقت، لم تكن الولايات المتحدة حاسمة بشأن امتلاك إسرائيل للسلاح النووي. لكن الأمر صار واضحًا لاحقًا. وتم التوصل إلى اتفاق غير مكتوب عام 1963 بين الرئيس الأمريكي جون كينيدي وخليفة بن غوريون، ليفي إشكول. ينص الاتفاق على ألا تعرض إسرائيل قوتها النووية علنًا، مقابل سماح أمريكا بتطوير البرنامج دون عوائق. وبعدها نُظمت "زيارات تفتيش" بين 1964 و1967، لكنها كانت شكلية فقط، إذ استخدمت إسرائيل غرف تحكم مزيفة وجدرانًا وهمية لإخفاء العمليات الحقيقية في ديمونا.

أما في الداخل الإسرائيلي، فقد دار جدل بشأن السلاح النووي، وكانت الحجة الأكثر شيوعًا هي أن إسرائيل في حاجة إلى القنبلة النووية لحماية مصالحها. لكن إشكول رفض إجراء اختبار للقنبلة، قائلًا: "هل تعتقدون أن العالم سيهنئنا على إنجازنا؟"

إلا أن موقف الغرب جعل القنبلة النووية الإسرائيلية واقعًا. يرى المؤرخ أفنير كوهين أن إسرائيل كانت تمتلك 12 رأسًا نوويًّا بحلول يونيو 1967. ولم يتم تأكيد ذلك علنًا، لكن يعتقد أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والدول العربية أخذت ذلك في الاعتبار في سياساتها.

ثم جاءت نقطة التحول مع حرب الأيام الستة عام 1967، حيث اجتاحت إسرائيل القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان. وقتها انتصرت إسرائيل بسرعة على تحالف من الدول العربية، وكسبت أراضي رسخت بها احتلالها لفلسطين. ورأت الولايات المتحدة في إسرائيل أداة إستراتيجية لبسط نفوذها في المنطقة. ولم تكن إسرائيل في حاجة إلى استخدام سلاحها النووي في تلك الحرب، لكنها كانت تخطط لتفجير نووي تجريبي في سيناء لتخويف دول المنطقة.

وبعد عام 1967، اتبعت إسرائيل سياسة الغموض المتعمد، المعروفة بالعبرية باسم "عَميموت". رغم محاولات الدول العربية التنديد بديمونا عبر القنوات الدبلوماسية، فإن غياب الأدلة وانحياز الولايات المتحدة منح إسرائيل غطاءً كافيًا. وفي 1968، قال السفير الإسرائيلي إسحاق رابين للولايات المتحدة إن "السلاح الذي لم يُختبر، لا يُعتبر سلاحًا." ولا تزال هذه السياسة مستمرة حتى اليوم - لا تؤكد إسرائيل ولا تنفي امتلاكها للأسلحة النووية.

بحلول 1968، كانت التوترات الإمبريالية قد غذت سباق التسلح. وكانت الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، وبريطانيا، وفرنسا، جميعها تمتلك أسلحة نووية. وضغطت الحركات المناهضة للأسلحة النووية لإطلاق "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية"، التي فُتحت للتوقيع عام 1968 ودخلت حيز التنفيذ عام 1970. وتضم المعاهدة الآن 191 دولة، وتهدف إلى الاستخدام السلمي للطاقة النووية ومنع انتشار السلاح النووي. لكن إسرائيل، رغم امتلاكها للسلاح النووي، رفضت التوقيع على المعاهدة.

كتب مدير "مشروع المعلومات النووية"، هانز كريستنسن، أن الولايات المتحدة "لن تضغط بعد الآن على إسرائيل للتوقيع على المعاهدة طالما أبقت برنامجها النووي محدودًا وغير معلن." وبالتالي، استمرت إسرائيل في تطوير ترسانتها النووية في الخفاء. ولم تكتفِ بذلك، بل سعت لبيع السلاح النووي - وبتحالف متوقع مع نظام عنصري آخر. ففي عام 1975، اقتربت إسرائيل من جنوب إفريقيا، واتفقتا على صفقة لبيع الأسلحة النووية، لكنها لم تكتمل. ومع ذلك، استمرت الدولتان في تبادل المعرفة والمعلومات النووية. وفي 1977، تبادلت إسرائيل وجنوب إفريقيا "الكعكة الصفراء" (نوع من اليورانيوم المخصب) مقابل "التريتيوم"، ما مكن جنوب إفريقيا من تصنيع ست قنابل نووية.

ورغم تعهد إسرائيل للولايات المتحدة بعدم القيام بذلك، يُعتقد أنها أجرت اختبارًا نوويًّا مشتركًا مع جنوب إفريقيا. ويُعتقد أن حادثة "فيلا" عام 1979 -ومضة مزدوجة في المحيط الهندي- كانت اختبارًا نوويًّا سريًّا مشتركًا.

إن تاريخ إسرائيل النووي هو تاريخ من التعاون الغربي بدوافع إمبريالية. وهجومها الأخير على إيران يثبت أن إسرائيل تسعى للسيطرة الكاملة على الشرق الأوسط، وترى في الهيمنة النووية أداة ضرورية لإخضاع خصومها.

كيف اختطفت إسرائيل العالِم المُبلِّغ عن انتهاكاتها؟

تحرص إسرائيل بشدة على إبقاء برنامجها النووي سريًّا إلى درجة أنها لا تتردد في اختطاف كل من يفشي أسراره. ولقد بدأ مردخاي فعنونو العمل في مفاعل ديمونا عام 1977، واستمر حتى 1985. وفي العام التالي، كشف فعنونو تفاصيل البرنامج النووي السري الإسرائيلي.

فخلال فترة عمله، تغيرت قناعاته السياسية وصار ناقدًا لإسرائيل. وبعد طرده، حضر اجتماعات للحزب الشيوعي الإسرائيلي لفترة قصيرة. وأثناء سفره إلى أستراليا، التقى فعنونو بصحفي حر يُدعى أوسكار غيريرو، أقنعه ببيع قصته للصحافة. وفي أستراليا، أجرى معه الصحفي البريطاني بيتر هونام من صحيفة "صنداي تايمز" مقابلة، وسافرا معًا إلى لندن في 10 سبتمبر 1986.

كشف فعنونو كل تفاصيل تخصيب البلوتونيوم الإسرائيلي، بما في ذلك صور التقطها سرًّا داخل المفاعل. لكن الشاباك (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) كان يعلم بما يفعله فعنونو، بعد التحقيق مع شقيقه في إسرائيل. وقررت الحكومة الإسرائيلية اختطافه لتجنب تسريب المزيد. لكنها لم ترغب في إغضاب حكومة مارغريت تاتشر، لذا وجب استدراجه خارج بريطانيا.

علم الموساد أن فعنونو كان يشعر بالوحدة في لندن، فاستُخدمت عميلة تُدعى "سيندي" (شيريل بن طوف) لخداعه ودفعه إلى السفر معها إلى إيطاليا. وفي روما، خطفه عملاء الموساد، وحقنوه بمادة تسبب الشلل المؤقت وأعادوه سرًّا على متن سفينة عسكرية إلى إسرائيل.

في مارس 1988، حكمت عليه إسرائيل بالسجن 18 عامًا، منها 11 عامًا في الحبس الانفرادي. وبعد الإفراج عنه، فُرضت عليه قيود صارمة، حيث مُنع من مغادرة إسرائيل أو التواصل مع أجانب، وظل تحت المراقبة المستمرة. ورغم محاولاته المتكررة للحصول على اللجوء السياسي في النرويج، ورغم التماسات متعددة للمحكمة العليا، لم تُرفع القيود عنه.

لقد فضح فعنونو أسرار إسرائيل النووية، وما زال النظام الصهيوني يسعى إلى معاقبته مدى الحياة.

محاولات إسرائيل لضرب إيران

ليست هجمات إسرائيل على إيران حدثًا جديدًا؛ فمنذ سنوات وهي تحاول تدمير البرنامج النووي الإيراني. في عام 2007 أصبح محسن فخري زاده أكبر علماء إيران النوويين مشرفًا على تطوير البرنامج النووي الإيراني، وبدأت إسرائيل مراقبته عن كثب منذ عام 2009، وقد كُلف الموساد باغتياله، وفعل ذلك بوحشية. فأثناء مرور فخري زاده ببلدة "أبسرد" شرق طهران، نُفذت العملية دون وجود أي عميل للموساد في الموقع، حيث قُتل باستخدام رشاش يتم التحكم فيه عن بُعد داخل سيارة غير مأهولة.

كما لجأت إسرائيل أيضًا إلى استخدام الهجمات الإلكترونية، مثل زرعها لفيروس "ستاكس نت" عام 2010 داخل منشآت إيران النووية. وقد عطّل الفيروس أجهزة الطرد المركزي المسؤولة عن تخصيب اليورانيوم، ويُعتقد أنه أعاد البرنامج النووي الإيراني عدة سنوات إلى الوراء.

وأخيرًا في عام 2021، عادت إسرائيل إلى العمليات العسكرية المباشرة، حيث هاجمت مجددًا منشأة نطنز وسط إيران، ما أدى إلى تدمير العديد من أجهزة الطرد المركزي النووية.


1- https://socialistworker.co.uk/palestine-2023/how-the-west-gave-israel-a-nuclear-arsenal/