غزة تقاوم

محمد حسني

الاقتصاد السياسي للحرب على غزة – الجزء الثاني

2024.06.01

مصدر الصورة : آخرون

مَن يحصد الأرباح من الحرب؟

 

يركز الاقتصاديون الإسرائيليون المؤيدون للحرب في التهوين من فداحة الخسائر، والدعاية لـ"الآثار الإيجابية". يزعم هؤلاء أن الحرب تخلق الطلب، وتنشط التشغيل والاستثمارات والأرباح من الأعمال المرتبطة بالمجهود الحربي، ويستمر النمو بوتيرة أكبر عقب الحرب. لكن ذلك وإن تحقق بالفعل، فهو ليس حتميًا، حيث شهدت بريطانيا عقب الحرب العالمية الأولى موجة بطالة شديدة عقب عودة الجنود من الحرب.

وعقب الحرب العالمية الثانية زادت فرص العمل في الولايات المتحدة وأوروبا، بينما عانت ألمانيا من التضخم عقب إلزامها بدفع تعويضات عن الحرب. في حين يعترض آخرون بأن انتعاش الاقتصاد الأمريكي سبق دخولها الحرب بسنوات، بينما أدت الحرب إلى ضخ استثمارات حكومية، ورفع نسبة التشغيل إلى حدها الأقصى.[1]

سعى الخبراء الإسرائيليون المؤيدون للحرب إلى الإشارة إلى ما رأوه كجوانب إيجابية، مثل: ارتفاع مستويات الشراء في الأسبوع الثاني للحرب، الدعاية لتفضيل المنتج المحلي والبيع المباشر من المنتج للمستهلك ومراكز البيع التعاونية، وكذلك فتح مجال للوظائف الشاغرة دون اشتراط خبرة،[2] حيث يؤدي استدعاء الاحتياط إلى سحب عدد كبير من قوة العمل، وبالتالي إلى خفض البطالة، كما أن الحكومة تضخ أموالًا لتجهيز الجنود والاستعداد للحرب، وتحتاج شركات التوريد إلى تشغيل عمالة أكثر للوفاء بعقودها مع الجيش. بالإضافة إلى تشغيل آخرين محل من تم استدعاؤهم للاحتياط. توفير الدخل لهؤلاء سيعطي دفعة للاستهلاك، تضخ في قطاع السلع والخدمات، وتمر بدورها إلى سلاسل التوريد ومنها إلى خطوط الإنتاج.. وهكذا.[3]

في أحد المقالات، كتب دانيال شيڤكس، مدير مجموعة هيرشوڤيتس للتمويل والاستشارات:

"نحن على بعد سنوات ضوئية من الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت وقت حرب 1973"

يزعم شيڤكس أن قاطرة الاقتصاد الإسرائيلي حاليًا هي التكنولوجيا الفائقة، والمستمرة في العمل كما كانت بعد الحرب. حيث ارتبط قطاع التكنولوجيا بالقطاع العسكري. نشير هنا إلى المغالطة التي يبني عليها زعمه، لأن هذا القطاع يعاني من سحب فجائي للعاملين المجندين في الاحتياط.

يزعم شيڤكس أن "الحرب تفعل خيرًا للاقتصاد"، حيث تؤدي الحرب إلى نقص يدفع الاستهلاك، والاستهلاك يحرك الاقتصاد، وإن كانت الحرب ترفع التضخم والركود لكنها أمور تقتصر على المدى القصير والمتوسط. أما على المدى الطويل، يستكمل شيڤكس، لن يكون هناك تراجع في الاستهلاك بل على العكس، يحتاج الجيش إلى إعادة تعبئة مخزون الذخيرة، استبدال وسائل النقل، وإعادة إنشاء البنى التحتية والمباني المدمرة. إنه نطاق واسع من الإنتاج والتشغيل لن يشهدها الاقتصاد لولا الحرب.[4] كما يزعم الاقتصادي شحر وولف أن إسرائيل تعرف كيف تحقق الازدهار عقب الحروب، يعول وولف على أموال المعونة الأمريكية، مثل الحروب السابقة.[5]

هل تحقق الحرب نموًّا اقتصاديًّا

ينقد جيمي تومبسون، في أُكسفورد إيكونوميكس، الأفكار المروجة بين الاقتصاديين عن ميزات الحرب، وهو لا ينكر حدوث نمو بسبب الحرب، لكن في الواقع، اندلع خلال الخمسين سنة الماضية 372 صراعًا، معظمها صراعات أهلية، و47 حربًا بين دول، وكلما كانت الصراعات أشد كان تأثيرها أكبر.

في عام 2017 وقع 45 صراعًا عسكريًّا حصد أكثر من 1000 ضحية، تسبب 70% منها في تدهور اقتصادي بسبب الحرب.

يوضح تومبسون أن الحروب القصيرة تصاحبها خسائر اقتصادية على المدى القصير، يليها انتعاش قوي. لكن في الحروب الطويلة يمتد التدهور الاقتصادي نحو سبع سنوات عقب الحرب، حتى حرب فيتنام 1964-1975 وبرغم المزاعم التي تعدد فوائدها الاقتصادية ففي الواقع أدت إلى ارتفاع التضخم وتراجع النمو بنسبة 37.5%.[6]

 أجرى باحثون بريطانيون (إلروي ديمسون وبول مارش ومايك ستونتون) بحثًا شاملًا للحروب التي وقعت في الفترة 1900-2017، وتوصلوا إلى أن خسارة حرب كبيرة يؤدي إلى أضرار اقتصادية تستمر جيلًا كاملًا على الأقل، فالإمبراطورية النمساوية التي انهارت عقب الحرب وأصبحت دولة صغيرة احتاجت إلى ما يقرب من قرن للعودة إلى نقطة ما قبل الحرب. هبطت البورصة في ألمانيا 88% خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها ارتفعت بفضل خطة مارشال 4400% خلال العقد 1949-1959.

 اختتم تومبسون مقاله بأنه حتى لو كانت الحروب القصيرة محفزًا للاقتصاد فإن هناك طرقًا أفضل أكثر أمانًا لتحفيز الاقتصاد وجني الأرباح.[7]

"النافذة المكسورة"

يقول المؤرخ الحربي البروسي كارل فون كلاوزفيتس: "إن ميدان القتال هو مملكة عدم الوضوح.. المصادفة.. والارتجال" على الرغم من أن البضاعة هي نفسها البضاعة، والخدمة هي نفسها الخدمة فإن البيئة المحيطة بالعمل مختلفة.[8]

"النافذة المكسورة" نظرية يروج لها الاقتصاديون المؤيدون للحروب، وهي باختصار تشبّه الحرب بمثال تبسيطي، كأن طفلًا شقيًا ألقى بحجر على نافذة عرض "فاترينة" محل، سيضطر صاحب المحل بالطبع إلى إعادة تركيبها، وبالتالي سيكسب صاحب محل الزجاج، ويستخدم ما اكتسبه في شراء سلع أخرى، وسداد مستحقات و.. وهكذا تدور عجلة الاقتصاد.

وفق المثال نفسه، رغم تبسيطه المخل، يتجاهل أصحاب النظرية أن عبء كسر الزجاج، إن لم يخلف وفيات أو جروحًا، قد وقع ماديًّا على صاحب محل لم يكن يجول بخاطره الأمر، وربما يستدين ثمنه، أو على الأقل يضطر إلى تأجيل نفقات أكثر أولوية، سواء احتياجات آنية، أو ادخار، أو استثمار.

يستعير أصحاب تلك النظرية من أنصار حرية السوق -مؤقتًا- مصطلح الكنزية التي تتبنى تدخل الحكومة لضبط اقتصاد السوق، ولكن في سياق الحرب وحسب، "كنزية عسكرية"، ليعودوا إلى رفضها في حالة السلم والدعوة إلى إطلاق جماح السوق.

ينشط الاقتصاد بالفعل بدوران رحى الحرب، وفي أعقابها، من أجل إعادة الإعمار. كما أن الحرب تحفز التطور التقني، والأمثلة على ذلك كثيرة، من بينها التطورات التقنية التي حققتها ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، والتي شكلت نقلات نوعية في شتى المجالات، استفادت منها ألمانيا النازية خلال الحرب، وتوسعت الاستفادة منها عقب هزيمة ألمانيا، ووقوع اقتصادها إرثًا للأمريكيين.

كذلك الإنجازات التي تمت ضمن مشروعات تشرف عليها المؤسسات العسكرية، ومنها الإنترنت ونظام الملاحة الفضائية GPS، التي جاءت بمبادرة من المؤسسة العسكرية الأمريكية وتمويلها، وفيما بعد سمحت بتعميمها في الاستخدام المدني. كما تؤدي إلى تغيرات اقتصادية-اجتماعية، مثلما أدت الحرب الأولى إلى دخول النساء إلى سوق العمل.

الحقائق السابقة مجتزأة عن عمد، روّجت لها الآلة الدعائية الضخمة للمجمع العسكري، التي يوظفها لدعم مشروعاته، عابرة القارات. حيث تقوم على مغالطة، وهي أن الخسارة يقابلها مكسب، مُغفِلًا عن عمد أن الكاسبين بعد الحرب ليسوا هم أنفسهم الخاسرين خلالها. ومغالطة أن كل الإنجازات العلمية العسكرية، تفيد في وقت السلم، وأنها أيضًا لم تكن لتحدث دون الحرب. فعلى سبيل المثال، لو افترضنا أن تطوير صناعة الصلب، والمحركات لصناعة الآليات العسكرية، يمكن الاستفادة منه وقت السلم في صناعة آليات التمهيد والحفر والنقل. مع افتراض ضمني أن تلك التطورات لم تكن لتحدث دون الحرب، وهو أمر غير صحيح، علاوة على أن ما يمكن الاستفادة منه من منجزات عسكرية، خلال السلم هو النسبة الأقل، حيث يصب الاهتمام بشكل أساسي على وسائل القتال. كما أن تجريب الأدوية وطرق العلاج خلال الحرب على الجنود والمواطنين، يأتي كبديل للموت المحلق فوق رؤوسهم "لن يضير الشاة سلخها"، وإن حدث مع الأسرى فهو يشكل جريمة.

كما تغفل تلك الدعاية أن الجانب الأكبر من الخسائر والضحايا يقع على الطرف الآخر من المعركة، سواء كان في منطقة حدودية، أو عبر المحيط، مثل معظم الحروب الأمريكية، وهو ما يتطلب شحنًا إيديولوجيًّا ضد "الآخر/العدو" الذي ربما لم يكن عدوًّا حتى الأمس، وربما لم يكن معلومًا بالمرة. كما أن خسائر الطرف الأول ستكون في الواقع بين طبقات أو مجموعات عرقية أخرى، لا ينتمي إليها من يتخذون قرار الحرب ويتربحون منها.

المثلث الحديدي.. المجمع العسكري

في التعبئة للحرب العالمية الأولى، جندت الولايات المتحدة اقتصادها للمجهود الحربي. في الحرب العالمية الثانية، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات مماثلة في زيادة سيطرتها على الاقتصاد. وقدّم الهجوم على قاعدة بيرل هاربر الشرارة لبدء التحول إلى اقتصاد الحرب. شعرت واشنطن بأن لا حاجة إلى البيروقراطية للمساعدة في التعبئة. كونت عددًا من الوكالات، أبرزها مجلس الإنتاج الحربي (WPB)، الذي رتب التعاقدات وخصص الموارد وأقنع الشركات بالتحول إلى المجهود الحربي. وبحلول 1943 تم دمج ثلثي الاقتصاد الأمريكي في المجهود الحربي.

أما ألمانيا فقد شهدت دمارًا اقتصاديًّا في أعقاب الحرب العالمية الأولى. أدى التجنيد الكثيف إلى تدهور الإنتاج الزراعي، في الوقت الذي تزايد فيه الطلب على الغذاء. مع اقتراب الحرب العالمية الثانية، قدم النازيون سياسات جديدة، أدت إلى خفض معدل البطالة، كما خلقت آلة حربية هائلة. ومع ذلك، بحلول عام 1939، بلغ الدَّين الحكومي أكثر من 40 مليار مارك ألماني. بالرغم من استغلال النازيين لاقتصاد الدول التي احتلوها.

المجمع الصناعي العسكري "military–industrial complex" هو مصطلح يصف منظومة العلاقات المالية والسياسية، بين المُشرعين والقوات المسلحة والصناعات العسكرية التي تدعمهما. هذه العلاقة التي توصف بـ المثلث الحديدي تتضمن الموافقة السياسية على الإنفاق العسكري، ودعم الجهاز البيروقراطي، والإشراف على الصناعات. كما يشمل التعاقدات وحركة رؤوس الأموال والموارد بين الأفراد والشركات والمؤسسات التابعة لمتعهدي الدفاع والبنتاجون والكونجرس والإدارة التنفيذية. يعمل بالتوازي جهاز إعلامي، يتولى تبرير الحرب وتأثيراتها ونتائجها.

يُنسب مصطلح "المجمع العسكري" إلى الرئيس دوايت أيزنهاور في خطابه بتاريخ 17 يناير 1961، لكن الطرح نفسه معروف قبل ذلك، ففي كتاب "الفاشية والأعمال الكبيرة" 1936، تحدث دانيل جيران عن "تحالف غير رسمي لجماعات ذات مصالح في استمرار الحروب، وإلى الإبقاء على أسواق استعمارية، وتصور عسكري-إستراتيجي للشؤون الداخلية".

***

من المتربح من حرب غزة؟

يربح المساهمون في شركات الدفاع، ومجالس إدارتها عشرات الملايين سنويًّا، وهم المستفيدون الحقيقيون من نشوب الحرب، أي حرب، وليس في غزة وحسب. تُدر الحرب الحالية، المليارات على شركات السلاح، تدعم موقف إسرائيل، إلى جانب تدفق أموال المليارديرات الداعمين للصهيونية، والذين يملكون بالفعل آلتهم الدعائية والسياسية المعروفة بـ"اللوبي الصهيوني".

ذكر تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، أن 40 شركة أمريكية تستحوذ على أكثر من 50% من مبيعات السلاح، من بينها 5 شركات على رأس قائمة شركات السلاح في العالم، اختصت وحدها بـ 32.4% من مبيعات العام نفسه.

والشركات هي: لوكهيد مارتن، آر تي إكس، نورثروب غرومان، بوينج، جنرال دينامكس، وبلغت عائداتها في 2022 196 مليار دولار. كانت هذه الشركات، ولا تزال، تبيع لإسرائيل السلاح المستخدم لقتل الفلسطينيين، وحققت أسهمها طفرات منذ اندلاع الحرب. أكبر مساهمين في تلك الشركات، هم في الوقت نفسه مديرو البنوك وشركات إدارة الأصول الكبرى، كما تضم مجالس إدارتها سياسيين وجنرالات سابقين.

أما منظمة إيباك اليمينية فقد دفعت 7.9 مليون دولار إلى الديمقراطيين و4.7 مليون إلى الجمهوريين وذلك لضمان الدعم غير المشروط لإسرائيل. كما أنفقت قبلها 26 مليون دولار ضد المرشحين التقدميين الذين اعتبرتهم لا يقدمون الدعم الكافي لإسرائيل.

تأتي الولايات المتحدة على رأس الدول المانحة للمساعدات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية لإسرائيل بقيمة بلغت 317.9 مليار دولار حسب البيانات الرسمية الأمريكية. تتجاوز المساعدات الإضافية التي ستحصل عليها إسرائيل (14.3 مليار دولار) ثلاثة أمثال المساعدات العسكرية السنوية لإسرائيل. وقد وضعتها ضمن حزمة مساعدات لعدة دول، وذلك من أجل ضمان تمريرها. وفي الوقت نفسه، تسعى إسرائيل إلى استغلال الحرب إلى أقصى حد للحصول على المساعدات، لأغراض تعويض خسائر الحرب، وزيادة الإمكانات المادية العسكرية والاقتصادية.

في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت، وصف الكاتب الإسرائيلي يوسي يشوع المعونة الأمريكية بأنها "ليست مجرد مساعدات، بل شريان حياة". موضحًا أن الولايات المتحدة أرسلت لإسرائيل 230 طائرة و20 سفينة محملة كلها بالشحنات التي تحتاجها من عتاد وذخائر عسكرية، كما انفضح اشتراك قوات أمريكية من الكوماندوس والعمليات الخاصة وطائرات أمريكية في العمليات القتالية في قطاع غزّة.

المجمع العسكري الإسرائيلي

تتمتع صناعة السلاح الإسرائيلية، برعاية الرأسمالية الأمريكية، التي تدخلت وفرضت معاييرها، ومنها الإصلاح الضريبي، ولبرلة شروط الاستثمار، واستقبلت جنرالات الجيش الصهيوني في كليات الأعمال الأمريكية، تمهيدًا لوضع المشاريع الصناعية تحت إدارتهم. وهكذا أصبح المجمع العسكري في إسرائيل أحد روافد المجمع العسكري الأمريكي.

بحسب مجلة ديفينس نيوز الأمريكية المتخصصة، تعمل في "إسرائيل" أكثر من ألف شركة في إنتاج السلاح، تحتل أربع منها مراكز بين أكبر مئة شركة سلاح في العالم، وهي شركات إلبيتن في المركز الـ29، والصناعات الجوية، في المركز الـ32، ورفائيل مركزها 45، وتعس في المركز الـ99 عالميًّا.

حسب المعهد السويدي لأبحاث السلام، يشكل الإنفاق العسكري 8% من الناتج القومي الإسرائيلي، وهي نسبة كبيرة بالمقارنة ببلدان أخرى، تحتل إسرائيل المرتبة الثامنة في العالم من حيث الإنفاق العسكري بالنسبة إلى الناتج القومي، والمركز الثالث في الإنفاق العسكري، بالنسبة إلى عدد السكان.[9]

تم تحويل كثير من الصناعات إلى الإنتاج العسكري، خلال عقد التسعينيات، وبوتيرة أعلى عقب الحادي عشر من سبتمبر، وارتفاع الطلب على السلاح.[10] حسب دان بافلي فإن 200 ألف شخص يعملون في إسرائيل في الخدمات العسكرية، علاوة على 100 ألف يعملون في الخدمات والإنتاج والتصدير العسكري، يشكلون معًا 10% من القوى العاملة في الدولة.

من يعرقل السلام؟

تحت عنوان "المصالح الخفية التي تدير الحرب والسلام" كتب جاي رولنيك رئيس تحرير "The Marker": أنه بعد عقدين من اتفاقية أوسلو، عدد جماعات المصالح المستفيدة من الاحتلال والصراع في تزايد كل عام. في السنوات الأخيرة بدأ اهتمام الجمهور، بالميزانية العسكرية التي تثقل كاهل دافعي الضرائب، والتي تبلغ 20 مليار دولار، وهو ما يعني أن كل مواطن إسرائيلي يمول الإنفاق العسكري بـ1.882 دولار، وهناك من يؤكدون أن هذه الميزانية تتسبب في تجميد العملية السياسية.[11]

يعتمد القسم الأكبر من الصناعات العسكرية الإسرائيلية على تصدير السلاح والتكنولوجيا. ودخل التصدير يمول جزءًا من تطوير الإنتاج. وأهم شركتين:

1- رَفائيل، منظومات قتالية متطورة، شركة حكومية إسرائيلية، بلغت مبيعاتها في 2020: 9.5 مليار شيكل وصافي أرباح 322 مليون شيكل.[12]

2- تَعَس شركة سلاح إسرائيلية وهي المتهمة بتصدير السلاح لأنظمة قمعية، بل إن نجاحها يرجع أساسًا إلى هذا السبب، حيث تستغل الحظر المفروض على بيع السلاح لتلك الأنظمة، لتنفرد بتزويدها بالأسلحة التي تستغلها الأخيرة في قمع شعوبها، أو في صراعات أهلية، كما أن إسرائيل متهمة أحيانًا بالبيع لطرفي النزاع، من بينها: جواتيمالا، نيكاراجوا، السلفادور(12 ألف قتيل)، الأرجنتين (30 ألفًا بين قتيل ومختفٍ، من بينهم آلاف اليهود)، هاييتي، زائير، غينيا الاستوائية، الفلبين، بورما.[13] في 2017 وصلت الصادرات العسكرية إلى 9.2 مليار دولار. وكانت الشركة تخطط في 2024، لتسويق منظومة دفاع جوي تعمل بأشعة الليزر، وطائرات بدون طيار.[14]

بحسب التقرير السنوي لوزارة الحرب الإسرائيلية، بلغت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية خلال العقد الأخير 12.5 مليار دولار في عام 2022، من ضمنها 4 مليارات كعقود بيع حكومية. ويعود ذلك إلى ارتفاع الطلب على السلاح بحكم الحرب الروسية-الأوكرانية، وعقود التسلّح التي وقّعتها مع الدول العربية التي طبّعت معها بموجب اتفاقيات السلام الإبراهيمي (أي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان).

تعدّ منطقة آسيا-المحيط الهادئ أكثر المناطق استيرادًا للأسلحة الإسرائيلية بنسبة 30%، تليها أوروبا بنسبة 29%، ومن ثم الدول العربية المُطَبِّعة بنسبة 24% بينما تستحوذ أميركا الشمالية على 11% من مجمل صادرات الأسلحة الإسرائيلية وتليها إفريقيا وأمريكا اللاتينية بنسبة 3% لكلّ منهما.[15]

حقل التجارب

تعد إسرائيل عاشرة أكبر دولة في صناعة الأسلحة وتصديرها، بفعل تجريبها الأسلحة والتكنولوجيات العسكرية على الفلسطينيين أولًا، والتسويق لها بكونها "مجربة ميدانيًا".[16] لم تقتصر تجارب السلاح على الحرب الأخيرة، فقد سجلت تجارب في 2006، وفي 20014، وآخرها في 2018 عندما هاجمت المحتجين بقنابل الغاز والقنابل المطاطية، ما أدى إلى وفاة 115 متظاهرًا، وإصابات بعاهات مستدامة. استخدمت إسرائيل الفلسطينيين لتجربة أسلحة، بعضها يؤدي إلى تلف الأنسجة الرخوة بالجسد، وغازات سامة، وشظايا تنصهر في الأجساد، والفوسفور الأبيض الذي يظل مشتعلًا، ومواد مسرطنة وغيرها.

في كتاب نظرية الصدمة تقول نعومي كلاين إن جزءًا من المجهود الحربي الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يشكل وسيلة اختبار لتلك المنتجات.[17] حسب جريدة هآرتس فإن المزيد من شركات السلاح، ومن بينها شركات ناشئة تستخدم غزة كحقل تجارب، لأسلحة جديدة من بينها طائرات مسيرة انتحارية وأنظمة دفاع جوي، وتطبيقات للذكاء الاصطناعي تساعد في إصابة الأهداف.

هناك قائمة من الأسلحة والآليات الحربية التي تسوقها إسرائيل خلال الحرب الحالية، منها على سبيل المثال: قذيفة هاون ذكية مزودة بـ GPS يمكِّن من ضرب الهدف بأعلى دقة دون الكشف عن مكان الإطلاق، الدبابة باراك (البرق) وهو طراز من ميركافا التي تصفها إسرائيل بأنها أكثر الدبابات تطورًا في العالم، قادة الدبابات مزودون بخوذة VR مثل الطيارين الحربيين، درع النور شعاع ليزر بقوة شديدة يدمر هدفه بواسطة موجة ضوئية ذات حرارة شديدة تنطلق من شعاع الليزر.[18]

***

الأزمة الاقتصادية قبل طوفان الأقصى

هل كانت الحرب سببًا في الأزمة الاقتصادية، أم العكس، أن الأزمة الاقتصادية هي التي كانت سببًا -من بين أسباب أخرى- للحرب؟

حسب الاقتصادي شحر وولف فإن الاقتصاد الإسرائيلي كان في وضع ممتاز لكن الانقلاب التشريعي أثر في البورصة.[19] ويؤكد تسڤي ستيبك، مؤسسة شركة ميتاڤ أن الوضع الاقتصادي في تراجع، قبل الحرب، وقد خرج عن المستهدف الذي قدمته الحكومة في ميزانية 2023.[20] وهو ما انعكس على سعر الشيكل، الذي انخفض بنسبة 2%، (3.95 شيكل/دولار)، قبل أسبوع من السابع من أكتوبر.

في مقال بموقع يديعوت، تم نشره أولًا في 6 أكتوبر -تم تعديله بعد الأحداث- ذكر جادي لائور أن معدل نمو الاقتصاد الإسرائيلي لم يتجاوز 3%، مقابل 6-8% في العامين السابقين. وكان من المنتظر في الربع الأخير من 2023، أن تُعلن حالة الاقتصاد: نسبة العجز في الموازنة، درجة التضخم، أسعار الشقق والإيجارات، نسبة الفائدة، وارتفاع البطالة. ونشر تقرير شركات التصنيف الائتماني، والتي تعكس، حسب التقديرات حالة سلبية بالمقارنة بما قدمته الحكومة في الموازنة.[21]

تشير التقارير إلى أن نسبة العجز في الموازنة حتى سبتمبر 2023 بلغت 1.1% ومن المتوقع بالطبع أن تزيد، كما أن تقديرات المالية -قبل 7 أكتوبر- قدرت أنه لا مفر من تقليص مليار شيكل من ميزانية الدولة، بسبب الانخفاض الملحوظ في الدخل من الضرائب من جهة، وزيادة إنفاق الحكومة من جهة أخرى. كما كان من المتوقع أن يرتفع العجز من 2- 2.2% بما يقدر بـ 35-40 مليار شيكل، مقابل 20.6% مليار شيكل، كما سبق أن قدرتها وزارة المالية في قانون الميزانية أمام الكنيست.

خفضت مؤسسات التصنيف الائتماني -قبل 7 أكتوبر- تقديرها لإسرائيل من إيجابي - إلى مستقر، وقد فعلت شركة موديس ذلك منذ إبريل الماضي، مشفوعة بتحذير من التعديلات القضائية، وقد أوضح خبراء الشركة لمسؤولين في إسرائيل في سبتمبر، أن الشركة تزمع تخفيض التصنيف الائتماني من مستقر إلى سلبي. وكان خبراء الشركة قد أجروا سلسلة لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين وأبدوا ملاحظات بشأن عدة موضوعات، من بينها الوضع المتدهور لقطاع التكنولوجيا، وسحب الأموال من البنوك، والضعف الشديد للشيكل، كذلك التضخم وأسعار الشقق، وعدم الانخراط الكافي للقطاعين الحريدي والعربي في سوق العمل.[22]

حسب هيئة الإحصاء، في سبتمبر 2023، فإن التضخم السنوي سيرتفع ويتجاوز نسبة التضخم في سبتمبر وهي 4.1%، إلى 4.5% ليرتفع متوسط التضخم لعام 2023 إلى 4.3%. وحسب التقرير نفسه ارتفعت إيجارات الشقق 0.7% وارتفاع 3.8% في العقود المجددة و8.4% في العقود الجديدة. بالتوازي مع ارتفاع فوائد الرهن العقاري وارتفاع أسعار الشقق 3.2% برغم جمود سوق العقارات وانخفاض الشراء، كما أشارت التوقعات -سبتمبر 2023- إلى رفع الفائدة السنوية إلى 5%، أما بعد الحرب فمن المتوقع أن يتم الرفع إلى 6.75% وهو ما سيثقل كاهل عشرات الآلاف من المستفيدين من القروض العقارية.

انخفاض الاستثمار في الشركات الناشئة الإسرائيلية إلى النصف، بعدما سجّل في العام 2021 رقمًا قياسيًا بلغ 27 مليار دولار. وقبل هجوم حماس، أي في النصف الأول من عام 2023، أفاد معهد ستارت-أب نيشن بوليسي بأنّ الاستثمار انخفض بنسبة 68% على أساس سنوي.[23]

صرح أعضاء كنيست من المعسكر الديني، تأخر التحويلات الخاصة بها. وخلال شهر سبتمبر تم تحويل مبالغ تقدر بمئات الملايين من الشيكلات لمؤسسات وهيئات حريدية صدقت عليها الحكومة، مقابل تقليص في ميزانيات الرعاية الاجتماعية والصحة وغيرها.[24]

مع تراجع القوة الشرائية للأسر وكبح الشركات للاستثمار، وارتفاع الدَّين العام إلى نحو 294,7 مليار دولار بنهاية عام 2022، وحسب تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في يونيو 2023 فإنه توقع أن يتباطأ النشاط الاقتصادي الإسرائيلي لعام 2023.[25]

وهكذا، كانت الأزمة السياسية-الاقتصادية للحكومة الإسرائيلية سببًا أساسيًا في شن الحرب على غزة، وسببًا وحيدًا لتماديها في تلك الحرب وعدم الاكتفاء بعملية محدودة للرد على "طوفان الأقصى" واستعادة المختطفين، رغم تكرار الفرص لذلك.

خلاصة

لا يمكن تطبيق معايير المكسب والخسارة على إسرائيل "دولة الحرب الدائمة". وإذا نظرنا إلى الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بها خلال الحرب، فسوف نجد في مقابلها مكاسب سياسية وعسكرية، وكذلك مكاسب اقتصادية كبيرة، تتمثل في المعونة الأمريكية، وتبرعات الصناديق الصهيونية، والأهم هي أرباح صناعة السلاح، التي تعاظمت خلال الحرب. بالإضافة إلى مكاسب آجلة/ منها الاستيلاء على الغاز في سواحل غزة، وإقامة المحور البري للتجارة بين الهند وأوروبا.

 

[1] - רחלי בינדמן: سبق ذكره.

[2] - ד"ר אלכס קומן: سبق ذكره.

[3] - מייק מופט:האם מלחמות טובות לכלכלה? رابط: https://2u.pw/5zcYGlQ

[4] - דניאל שבקס:המלחמה הכלכלית: חרבות ברזל איננה מלחמת יום כיפורים 2، 16/10/2023 رابط: https://2u.pw/J8A7E86

[5] - האם כלכלת ישראל תקרוס בגלל המלחמה? | המומחים עונים 02.11.23 رابط: https://2u.pw/6V4pZXB

[6] - ג'ון אותרס האם ייתכן שמלחמה תהיה טובה לכיס שלכם? 30-8-2017 رابط https://2u.pw/r4GmNaE

[7] - السابق

[8] - מוטי הרוש : מאזעקה להצלחה: התמודדות עסקית בזמן מלחמה 26.10.23 رابط:

https://2u.pw/qSg3gqF

[9] - List of countries with highest military expenditure per capita رابط مختصر: https://2u.pw/V1EBxhR

[10] - עדי דגן, הכיבוש משתלם. ראוי שהוא ישתלם פחות, ‏2 באוגוסט 2009. kibush.co.il رابط مختصر: https://2u.pw/607X5n0

[11] - גיא רולניק, האינטרסים הסמויים שמניעים מלחמה ושלום, באתר הארץ, 4 ביולי 2014.

www.haaretz.co.il رابط مختصر : https://2u.pw/hs2JetX

[12] - אמיר בוחבוט‏, אמצעי לחימה בקרוב לעשרה מיליארד שקלים: השנה של רפאל, באתר וואלה!‏, 25 במרץ 2021 https://finance.walla.co.il/item/3425918

[13] - יוסי מלמן, העסקים של ירדנה עובדיה: יצוא נשק לרודן באפריקה, באתר הארץ, 11 בנובמבר 2008 مختصر: https://2u.pw/5vROgxM

[14] - יובל אזולאי, ‏שיא בייצוא הביטחוני מישראל, באתר גלובס .globes.co.il, 2 -5- 2018 رابط مختصر: https://2u.pw/k25oPrC

[15] - أنتوني لوينستاين المختبر الفلسطيني 7-12- 2023 https://2u.pw/BNwpgWR

[16] - السابق.

[17] - עדי דגן, سبق ذكره.

[18] - דני פלד ודרור גלוברמן: למלחמה יש את היתרונות שלה, אבל היא תמיד מהווה סיכון על הכלכלה 01/11/23 رابط: https://2u.pw/jxVh1mU

[19] - האם כלכלת ישראל תקרוס בגלל המלחמה? سبق ذكره.

[20] - חזי שטרנליכט :"הפיצוי שיידרש לאנשים ועסקים יהיה משמעותי": מה יקרה לכלכלת ישראל? .globes.co.il 12.10.2023 رابط مختصر: https://2u.pw/wDvAjLK

[21] - גד ליאור עוד לפני ההשפעה הדרמטית של המלחמה: השבועות שמחכים לכלכלה 07.10.23

رابط: https://2u.pw/BXXJSks نشر أولًا في 6 أكتوبر - تم تعديله بعد الأحداث.

[22] - السابق.

[23] - נועם מדר :גורל כלכלת המלחמה: הזמן הוא הגורם הכי חשוב במה שיקרה לישראל، 16/10/2023

رابط: https://2u.pw/9LKUmPe

[24]- גד ליאור سبق ذكره.

[25]- وليد عبد الرحيم جاب الله: متوالية الصراع.. الآثار الاقتصادية للحرب فى غزة، السياسة الدولية 15-10-2023، رابط: https://2u.pw/xk6ACJs