دراسات

آفي شلايم

الحرب الإسرائيلية على غزة - الجزء الأول

2024.09.27

تصوير آخرون

ترجمة وتعقيب: شريف إمام

 

"نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقًا لذلك."

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت 9 أكتوبر 2023

 

عندما انسحبت إسرائيل من غزة في عام 2005، حوَّلت هذا الجيب الصغير إلى سجن مفتوح في الفضاء. وعندما جاء هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وجاء الرد الإسرائيلي عليه عبر القصف المتواصل على غزة برًّا وبحرًا وجوًّا، تحول هذا السجن المفتوح إلى مقبرة مفتوحة، كَوْمة من الأنقاض، وأرض قاحلة مهجورة. في خطابه أمام مجلس الأمن، صرح أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، بأن هجوم حماس، الذي أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي وأخذ 250 رهينة، لم يحدث من فراغ. وقال: "إن الشعب الفلسطيني عانى من احتلال خانق استمر لستة وخمسين عامًا." وأضاف: "لا يمكن لمظالم الشعب الفلسطيني أن تبرر الهجمات المروعة التي شنتها حماس، كما أن تلك الهجمات المروعة لا يمكن أن تبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني." في المقابل، رد جلعاد إردان، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، بهجوم شخصي حاد على الأمين العام، زاعمًا أنه رمي إسرائيل بفرية الدم·، ودعا إلى استقالته، وأعقب ذلك بدعوة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى وقف تمويل المنظمة. لم يكن العداء الإسرائيلي تجاه الأمم المتحدة وعرقلتها لعملها أمرًا جديدًا، لكن التباين بين كرامة وإنسانية الأمين العام وقسوة ووقاحة الممثل الإسرائيلي كان واضحًا، بشكل لافت هذه المرة.

وأود أن أاخذ الخيط من كلام الأمين العام، فالصراع بين إسرائيل وحماس لم يبدأ في السابع من أكتوبر، ولا بد من وضعه في سياقه التاريخي الصحيح. فقطاع غزة هو الجزء الجنوبي من السهل الساحلي الفلسطيني المتاخم لمصر، كان جزءًا من فلسطين تحت الانتداب البريطاني الذي انتهى في مايو 1948، ووفقًا لخطة تقسيم الأمم المتحدة لعام 1947، كان من المقرر أن يكون جزءًا من الدولة العربية الفلسطينية، ولكن هذه الدولة لم ترَ النور. خلال حرب 1948 ومن أجل تحرير فلسطين، استولى الجيش المصري على هذا الشريط شبه الصحراوي. وبموجب اتفاق الهدنة الإسرائيلي-المصري لعام 1949، بقي هذا الشريط ضمن الجانب المصري من الحدود الدولية الجديدة، لكن لم تقم مصر بضم الإقليم وأبقته تحت الحكم العسكري، في انتظار حل النزاع العربي-الإسرائيلي.

يمتد قطاع غزة بطول 25 ميلًا وعرضه يتراوح بين 4 و9 أميال، بمساحة إجمالية تبلغ 141 ميلًا مربعًا. خلال حرب 1948، انضم أكثر من مئتي ألف لاجئ فلسطيني إلى السكان الذين كانوا قرابة ثمانين ألفًا، ما تسبب في مشكلة إنسانية كبيرة. تم تأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لتوفير الطعام والتعليم والرعاية الصحية للاجئين، وخلال أزمة السويس في أكتوبر-نوفمبر 1956، احتلت إسرائيل قطاع غزة، لكنها أُجبرت على إخلائه في مارس 1957 نتيجة الضغوط الدولية. خلال هذا الاحتلال القصير، قُتل عدد كبير من المدنيين، وارتكبت قوات الدفاع الإسرائيلية فظائع، كانت بمثابة تمهيد لما سيحدث لاحقًا.

في يونيو/حزيران 1967، احتلت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، ومرتفعات الجولان، وشبه جزيرة سيناء. وفي أغسطس/آب 2005، سحبت إسرائيل جنودها ومستوطنيها من قطاع غزة. وزعم المتحدثون باسم إسرائيل -حينها- أن الانسحاب سيعطى سكان غزة فرصة لتحويل هذا الشريط الساحلي إلى سنغافورة الشرق الأوسط، وهذا الادعاء سخيف تمامًا إذا ما قورن بالواقع المرير، ولكنه نموذجي تمامًا للدعاية الإسرائيلية. فالواقع أن حالة من الاستعمار الكلاسيكي سادت القطاع بين عامي 1967 و2005. فقد سيطر بضعة آلاف من المستوطنين الإسرائيليين على 25% من أراضي القطاع، و40% من الأراضي الصالحة للزراعة، وأكبر حصة من موارد المياه الشحيحة إلى حد اليأس. ولم يكن قطاع غزة متخلفًا أو فقيرًا لأن سكانه كسالى، بل لأن النظام الاستعماري الإسرائيلي الجشع لم يمنحه الفرصة للازدهار، فقد أحبطته إستراتيجية إسرائيلية متعمدة للتخلف. وتعتبر سارة روي، الباحثة اليهودية في جامعة هارفارد، وابنة للناجييّن من المحرقة، خبيرة رائدة في شؤون قطاع غزة، فقد كتبت أربعة كتب عن غزة، كان طليعة مؤلفاتها بعنوان "قطاع غزة: الاقتصاد السياسي للتخلف"، في هذا الكتاب صاغت روي المصطلح وصاغت المفهوم المحوري لاقتصاديات التخلف، إن أطروحتها القوية تقوم على أساس أن الحالة المزرية التي تعيشها غزة ليست نتيجة لظروف موضوعية، بل نتيجة لسياسة إسرائيلية متعمدة تهدف إلى إبقاء غزة متخلفة ومعتمدة على الآخرين. وعلى الرغم من حالة المعارضة الكبيرة التي قوبلت بها هذه الفكرة في الوسط الأكاديمي عندما قدمت لأول مرة، فقد أصبحت مستخدمة على نطاق واسع، وأصبحت جزءًا من معجم العلوم السياسية وغيرها من التخصصات. ويوضح كتابها بالتفصيل التدابير المختلفة التي اتبعتها إسرائيل بشكل منهجي في إحباط نمو الصناعة في قطاع غزة، واستغلاله كمصدر للعمالة الرخيصة، فضلًا عن كونه سوقًا لبضائعها الخاصة.

عندما قررت حكومة الليكود اليمينية، برئاسة أرييل شارون، الانسحاب من غزة في عام 2005[3]، كان هناك ثلاثة أسباب رئيسة وراء ذلك: أحد الأسباب هو أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، شنت هجمات ضد مستوطنين وجنود إسرائيليين، ما جعل تكلفة الاحتلال تتجاوز الفوائد، فلم يعد الأمر يستحق العناء. أما الهدف الثاني من هذه الخطوة فكان تخريب عملية السلام في أوسلو، فكما أوضح دوف فايسجلاس رئيس هيئة أركان شارون في مقابلة مع صحيفة هآرتس في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2004:

"إن المغزى من هذه الخطوة هو تجميد العملية السياسية، فعندما تجمد هذه العملية فإنك تمنع إقامة دولة فلسطينية وتمنع إجراء أي مناقشة حول اللاجئين والحدود والقدس، وفي واقع الأمر فإن هذه الحزمة برمتها التي تسمى الدولة الفلسطينية، بكل ما تنطوي عليه من معانٍ، قد أزيلت من جدول أعمالنا إلى أجل غير مسمى... إن الانسحاب من غزة في واقع الأمر أشبه بالفورمالديهايد·[4]، وهذه الاتفاقية توفر القدر اللازم منه حتى لا تكون هناك عملية سياسية مع الفلسطينيين".

أما السبب الثالث وراء الانسحاب فهو يتعلق بالديموغرافيا، ذلك أن معدل المواليد بين الفلسطينيين أعلى من معدل المواليد بين الإسرائيليين، وهو ما يُنظَر إليه باعتباره تهديدًا، أو "قنبلة ديموغرافية موقوتة"، كما يطلق عليها بعض الإسرائيليين. ومن أجل الحفاظ على الأغلبية اليهودية الضئيلة في المناطق التي تطالب بها إسرائيل، قررت حكومة الليكود الانسحاب من غزة من جانب واحد. لقد أزالت إسرائيل -أو ظنت أنها أزالت- بضربة واحدة، 1.4 مليون فلسطيني من المعادلة الديموغرافية الإجمالية.

لقد زعم شارون أن حكومته بالانسحاب من غزة، تساهم في تحقيق السلام مع الفلسطينيين، ولكن هذه كانت خطوة إسرائيلية أحادية الجانب اتخذتها فقط في إطار ما اعتُبر المصلحة الوطنية الإسرائيلية، وقد كشف اسمها الرسمي: "الانسحاب الأحادي الجانب من غزة"، عن طبيعة هذه الخطوة. ولم يكن الانسحاب من غزة مقدمة لانسحابات أخرى من الضفة الغربية، ولم يكن مساهمة في تحقيق السلام، فقد هدمت الجرافات المنازل المهجورة في غزة في إطار ما يشبه سياسة الأرض المحروقة. كانت العقيدة المسيطرة وراء هذه الخطوة، هي تحويل الموارد من غزة من أجل حماية وتعزيز المستوطنات الإسرائيلية الأكثر أهمية في الضفة الغربية. وفي العام الذي أعقب سحب ثمانية آلاف مستوطن من غزة، أدخلت حكومة الليكود اثني عشر ألف مستوطن جديد في الضفة الغربية. إن عدد المستوطنين في الضفة الغربية اليوم، بما في ذلك القدس الشرقية، يتجاوز سبع مئة ألف مستوطن. لم يتم التنسيق مع السلطة الفلسطينية بشأن الخطوة التي تمت في عام 2005، وكان الهدف البعيد المدى لحكومة شارون إعادة رسم حدود إسرائيل الكبرى من جانب واحد، لذا كانت إحدى خطوات هذه الإستراتيجية الشاملة هي الانسحاب من غزة، وكانت الخطوة الأخرى هي بناء ما يسمى بالجدار الأمني ​​حول الضفة الغربية. وكان الجدار الأمني ​​في واقع الأمر يهدف إلى الاستيلاء على الأراضي، بقدر ما كان يهدف إلى الأمن. قيل -وقتها- إنه تدبير أمني مؤقت، ولكن الهدف منه كان ترسيم الحدود النهائية لإسرائيل الكبرى. كانت تلكما الخطوتان برهانًا على رفض حقيقي للحقوق الوطنية الفلسطينية، وعكستا تصميمًا على منع الفلسطينيين من تحقيق الاستقلال على أرضهم، وكان حرمان الفلسطينيين من الوصول إلى الضفة الغربية وسيلة لعرقلة النضال الفلسطيني الموحد من أجل الاستقلال. وعلى المستوى التكتيكي، مكَّن الانسحاب من غزة سلاح الجو الإسرائيلي من قصف المنطقة متى شاء، وهو الأمر الذي لم يكن في وسعه أن يفعله عندما كان المستوطنون الإسرائيليون يعيشون هناك.

في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من غزة، خففت حماس من برنامجها وتحولت إلى صناديق الاقتراع باعتبارها الطريق إلى السلطة. وكان ميثاقها الصادر في عام 1988 "معاديًا للسامية"، فقد دعا إلى إقامة دولة إسلامية موحدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، ولكن في برنامجها الانتخابي في يناير/كانون الثاني 2006، وافقت حماس ضمنًا على وجود إسرائيل وخفضت من سقف طموحاتها إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وإن لم توافق على توقيع معاهدة سلام رسمية مع إسرائيل، وأصرت على حق العودة للاجئي عام 1948، وهو الحق الذي يُنظَر إليه على نطاق واسع باعتباره كلمة سر لتفكيك إسرائيل كدولة يهودية[5]. وقد حققت حماس فوزًا واضحًا في انتخابات حرة ونزيهة ليس فقط في غزة، بل وفي الضفة الغربية أيضًا. وبعد فوزها بالأغلبية المطلقة من المقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني، شرعت حماس في تشكيل حكومة وفقًا للإجراءات الديمقراطية المعتادة. كان فوز حماس بمثابة مفاجأة غير سارة بالنسبة إلى إسرائيل وأنصارها الغربيين، فقد رفضت إسرائيل الاعتراف بالحكومة الجديدة ولجأت إلى الحرب الاقتصادية لتقويضها، كما حذت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حذو إسرائيل في رفض الاعتراف بالحكومة المنتخبة ديمقراطيًّا، وانضمتا إلى إسرائيل في الحرب الاقتصادية لتقويضها.

كان هذا مجرد مثال من بين أمثلة عديدة للنفاق الغربي في التعامل مع القضية الفلسطينية وإسرائيل، إذ يزعم القادة الغربيون أنهم يؤمنون بالديمقراطية وأن هدفهم في مختلف أنحاء العالم هو تعزيزها، فقد غزوا العراق في عام 2003 باسمها، وانتهى بهم الأمر إلى تدمير البلاد ووقوع مئات الآلاف من الضحايا. كما استخدمت التدخلات العسكرية الغربية في أفغانستان وسوريا وليبيا الديمقراطية كغطاء لطموحات الإمبريالية، وانتهت جميعها إلى الفشل الذريع. إن الديمقراطية لا بد أن يبنيها الشعب من القاعدة إلى القمة، ولا يمكن فرضها من قِبَل جيش أجنبي بفوهة دبابة. كانت فلسطين مثالًا ساطعًا للممارسة الديمقراطية -وربما باستثناء لبنان- كانت هي الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في العالم العربي. ففي ظل الظروف الصعبة التي فرضها الاحتلال العسكري القسري، نجح الفلسطينيون -بشكل لا يصدق- في بناء نظام سياسي ديمقراطي. لقد قال الشعب الفلسطيني كلمته، ولكن إسرائيل وحلفاءها الغربيين رفضوا الاعتراف بنتيجة الانتخابات لأن الشعب صوَّت للحزب "الخطأ". في مارس/آذار 2007، شكلت حماس حكومة وحدة وطنية مع فتح، الحزب الرئيسي الذي جاء في المرتبة الثانية في صناديق الاقتراع، وكانت حكومة معتدلة تتألف من الأساس من تكنوقراطيين وليس حزبيين. دعت حماس شريكها في الائتلاف إلى التفاوض مع إسرائيل على هدنة طويلة الأمد، كان قبولها لحل الدولتين (اعترافًا ضمنيًّا بحكم الأمر الواقع بإسرائيل)، وهو أمر أكثر أهمية من عرض الهدنة الطويلة الأمد. ولقد تم التلميح إلى هذا القبول بالفعل في إعلان القاهرة لعام 2005، و"وثيقة الأسرى" لعام 2006، واتفاق مكة بين حماس وفتح لعام 2007. فقد أيدت حماس بشكل صريح تقريبًا حل الدولتين، وكما لاحظ مبعوث الأمم المتحدة في الشرق الأوسط آنذاك ألفارو دي سوتو، كان من الممكن أن تتطور هذه التسوية إلى ما هو أبعد من ذلك ـ لو لم تقابل مبادراتها بالرفض القاطع من جانب إسرائيل وحلفائها.

مع ذلك، واصل قادة حماس التأكيد على أنهم سيقبلون بدولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967 في عدد لا يحصى من التصريحات المتتابعة، ولم تكتفِ إسرائيل برفض دعوة حماس إلى الهدنة وعرضها التفاوض على حل الدولتين، بل دخلت في مؤامرة لإسقاط حكومة الوحدة الوطنية وإبعاد حماس عن السلطة. ففي عام 2008، أظهر تسريب لوثائق مفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، أن الأخيرة والولايات المتحدة سلحتا ودربتا قوات الأمن التابعة للرئيس محمود عباس، بهدف الإطاحة بحكومة الوحدة. وفي وقت لاحق، قدمت "أوراق فلسطين"، وهي مجموعة من 1600 وثيقة دبلوماسية تم تسريبها إلى الجزيرة. فقد كشفت عن تشكيل لجنة سرية تسمى لجنة أمن غزة، كانت تضم أربعة أعضاء: إسرائيل والولايات المتحدة وفتح والمخابرات المصرية. وكان هدف هذه اللجنة عزل وإضعاف حماس ومساعدة فتح في القيام بانقلاب من أجل استعادة السلطة، قررت حماس استباق انقلاب فتح، فاستولت على السلطة بالقوة في غزة في يونيو/حزيران 2007. ومنذ ذلك الحين، انقسم فرعا الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث تحكم حماس قطاع غزة من مدينة غزة، بينما تسيطر السلطة الفلسطينية، التي تهيمن عليها فتح، على الضفة الغربية وتديرها من رام الله. وتعمل السلطة الفلسطينية -التي يمولها الاتحاد الأوروبي بشكل رئيسي والولايات المتحدة بدرجة أقل- بشكل أساسي كمتعاقد من الباطن لحراسة الأمن الإسرائيلي، فهي فاسدة وغير كفؤة وعاجزة، ونتيجة لهذا، فهي تتمتع بشرعية ضئيلة في الضفة الغربية وأقل من ذلك في قطاع غزة. لقد كان رد إسرائيل على استيلاء حماس على السلطة هو تشديد الحصار على غزة، وشاركت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفاء أوروبيون آخرون في هذا الحصار القاسي. ظل الحصار ساريًا لمدة سبعة عشر عامًا وحتى الآن، فارضًا صعوبات يومية على سكان القطاع، في ظل سيطرة إسرائيل ليس فقط على الواردات ولكن أيضًا على جميع الصادرات من غزة، بما في ذلك السلع الزراعية. إن حصار غزة ليس قاسيًا ولا إنسانيًّا فحسب، بل إنه بوضوح غير قانوني. فالحصار شكل من أشكال العقاب الجماعي الذي يحظره القانون الدولي صراحةً، ومع ذلك، فشل المجتمع الدولي تمامًا في محاسبة إسرائيل على هذا واستمرت أفعالها غير القانونية. تنكر إسرائيل دائمًا أنها قوة احتلال لقطاع غزة، بينما خلصت الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، إلى أن إسرائيل لا تزال في "احتلال فعلي" للقطاع، على الرغم من انسحابها المادي، لأنها تواصل السيطرة على الوصول إلى المنطقة عن طريق البر والبحر والجو.


1- أفي شلايم، حرب إسرائيل على غزة، بحث في كتاب "الطوفان: غزة وإسرائيل من الأزمة إلى الكارثة"، تحرير جيمي ستيرن-واينر، نيويورك، 2024، ص 13، 37.

2- أكاديمي إسرائيلي من مدرسة المؤرخين الجدد، يعمل أستاذًا للعلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد، له عديد من الدراسات أهمها:

الحرب والسلام في الشرق الأوسط: تاريخ موجز (1995)، الحرب الباردة والشرق الأوسط (محرر مشارك، 1997)، الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي (2001)، أسد الأردن: حياة الملك حسين في الحرب والسلام (لندن2007).

· فرية الدم blood libel أو فرية طقوس القتل، وتعرف أيضًا باتهام الدم، هي اتهام قديم لليهود باختطاف وقتل أطفال مسيحيين لاستخدام دمائهم كجزء من طقوسهم الدينية. ولدت تلك الفصة في عام 1144 بإنجلترا، تم اتهام يهود نورتش بإقامة طقوس قتل بعدما وجد صبي، يدعى ويليام من نورتش، ميتًا بجروح طعن في الغابة، حيث كان هناك مجلس يهودي يعقد سنويًّا، وكانوا يختارون خلاله الدولة التي سيقتلون فيها طفلًا أثناء عيد الفصح، وذلك بسبب نبوءة يهودية تفيد بأن قتل طفل مسيحي كل عام سيضمن لليهود عودتهم إلى الأراضي المقدسة. تاريخيًّا، كانت هذه الادعاءات، إلى جانب تلك اتهامات بتسميم الآبار وتدنيس الخبز المقدس، موضوعًا أساسيًّا لاضطهاد اليهود في أوروبا.

3- عارض نتنياهو خطة فك الارتباط وإخلاء المستوطنات الإسرائيلية بقطاع غزة التي تبناها شارون، ما أدى إلى أزمة في حزب الليكود، دفعت شارون إلى تأسيس حزب كاديما، في نوفمبر 2005.

4- Formaldehyde هو مركب كيميائي بسيط يتكون من الكربون والهيدروجين والأكسجين، وصيغته الكيميائية هي CH₂O. في حالته النقية، وهو غاز عديم اللون ذو رائحة قوية ونفاذة.·

5- تشديد آفى شلاليم على هذا المعنى يؤكد أن مدرسة المؤرخين الجدد لم تبرح كثيرًا المفاهيم الصهيونية، على الرغم من أن شلاليم ينظر إليه باعتباره أكثر الأوفياء لتلك المدرسة في ظل ارتداد كثير من أقطابها عنها، والترويج للمفاهيم الصهيونية العنصرية الفجة، كما فعل بيني موريس مؤسسس المدرسة.