حوارات
حسين عبد الرحيمحوار مع هايدي عبد اللطيف
2024.04.27
تصوير آخرون
بعد صدور"أيام في المكسيك بصحبة دييغو ريفيرا"
عن المكسيك وحضارات أمريكا الشمالية، والتماسَّات والتعاطف مع الشعب المكسيكي وسعيه للتحرر بل وتفرده بالكثير من الـتطابق مع الشعب المصري، بملامحه، وزحفه نحو التمسك بالموروث الحضاري والفني والجمالي وحتى التشكيلي، فيما يخص إلقاء الضوء على عوالم التشكيلي المكسيكي دييغو ريفيرا، فنه وجدارياته، محطات مع الزوجة/ الفنانة فريدا كالوا الشاهدة على الكثير من المآسي والمفارقات في رحلتهما الإنسانية والإبداعية التشكيلية. تتحدث الكاتبة والمترجمة هايدي عبد اللطيف عن رحلتها مع الإبداع، غائصةً في تفاصيل كثيرة؛ لتحكي عن تجربتها في أدب الرحلات وجدوى السفر والاكتشاف، وكيف تشكلت المسارات والدوافع، ومشوارها مع الكتابة والترجمة.
في أدب الرحلات كان مولودها الأول "على خطى هيمنجواي في كوبا"، والثاني الأكثر عمقًا وتنوعًا "أيام في المكسيك بصحبة دييغو ريفيرا"، وهو العمل الخامس للكاتبة التي غاصت بحراكها وخطاها في كثير من مسارات الفن والأدب والسرد المنفتح على أسئلة الفكر والفن والثقافة والتاريخ.
هايدي عبد اللطيف، مترجمة وصحفية، حاصلة على ليسانس اللغة الفرنسية من كلية الآداب بجامعة عين شمس، ودبلوم النقد الفني من أكاديمية الفنون، ترجمت عددًا من المقالات الصحفية والأكاديمية والنصوص المعاصرة في الآداب والفكر والعلوم، ونشرت مقالات عدة في تاريخ الفن والسينما المعاصرة بصحف ودوريات.
- سألتها عن تلك الحضارة الباهرة والتماس الفكري والسياسي والاقتصادي بين دولة المكسيك ومصر: كيف بدأت؟ وماذا كانت دوافع اقتحامك لعالم دييغو ريفيرا التشكيلي وفريدا كالو في عنوانك الصادر مؤخرا عن دار ذات السلاسل في أدب الرحلات "أيام في المكسيك بصحبة دييجو ريفيرا؟"؟
*لقد حكيت باستفاضة عن دافعي لتلك الرحلة في صفحات الكتاب المختلفة؛ فالمكسيك متوغلة في عالمي منذ الطفولة، وخلال سنوات التشكل كان لها حضور دائم، وبالنسبة لدييغو ريفيرا كان الدافع الأهم جملة قرأتها للناقد الفرنسي إيلي فور يقول فيها: إن تلك الجداريات التي رسمها ريفيرا في أروقة المباني العامة في العاصمة، مثل: وزارة التعليم العام، والقصر الوطني مقر رئيس الدولة، تستحق أن تسافر لها نصف العالم؛ لذا كانت من أولوياتي عند التخطيط لزيارة العاصمة مكسيكو سيتي، ولا يمكن أن تصل إلى هناك ولا تشاهد بيت الفنانة التشكيلية فريدا كالو الذي عاشت فيه معظم سنوات حياتها. فأنا مهتمة منذ صغري بالأدب والفنون عامة، وعندما أزور بلدًا تكون بيوت مشاهيرها على قائمة مزاراتي؛ فالبيوت أسرار أصحابها، وتقربك بشكل إنساني من عوالمهم الخاصة.
- إننا نجد في كتابك "أيام في المكسيك بصحبة دييغو ريفيرا" الكثير من المسارات والنوافذ الروائية المتعددة الطروحات، ألم يحن الوقت بعد إذن لتخترقي المجال الروائي؟
*لست أدري، فإن اهتمامي وتركيزي ينصبُّ على أدب الرحلات الممزوج بالسيرة الذاتية، الذي أشعر بميل تجاهه بدرجة أكبر؛ لأنه يجمع بين شغف السفر وحياة المشاهير التي انجذبت لها في سن مبكرة، وشكلت جانبًا كبيرًا من قراءاتي في مرحلة المراهقة وما بعدها، وهو جنس أدبي لم يأخذ حقه في عالمنا العربي، ويعتمد إلى حد كبير على الترجمة، لكن أن تسافر إلى مكان ثم تكتب عمن عاشوا فيه، فهو أمر مختلف عن ترجمة سيرة كاتب أو فنان، ولذا أشعر بأن المسيرة طويلة في هذا العالم، أن يقدَّم للقارئ العربي مكتوبًا خصيصًا له وليس مترجَمًا. أما عن مجال الرواية فلا أعرف متى يحين الوقت، ربما يكون قد حان أو لا.
- بعد خمسة عناوين في الفن السينمائي الموسوعي ومشاهيره عالميًّا، بالإضافة لكتابك عن "شبكات التواصل" وعلى خطى هيمنجواي لأي المسارات تنتمي /وتحب / وتحلم بل وتجد ذاتها المبدعة هايدي عبد اللطيف؟
*في أدب الرحلات، لا زالت هناك أماكن ومدن زرتها ولم أكتب عنها، ربما تكون نواة كتابي المقبل، أشعر أن ذلك الجنس الأدبي ليس منتشرًا بدرجة كافية لدى القارئ العربي، الذي ما زال متوقفًا عند رحلات السندباد المصري د. حسين فوزي، أو الكاتب أنيس منصور وكتابه الشهير "200 يوم حول العالم"، وعلى الرغم من صدور أكثر من كتاب خلال الأعوام الأخيرة في أدب الرحلات فإنها لم تأخذ حقها من الانتشار.
- حدثينا إذًا عن صدى إصدارك "ريفيرا"، من واقع موقفك مما كُتب عنه، وكيف كانت ردود الأفعال في فعاليات معرض القاهرة الدولي في دورته الأخيرة؟
*الكتاب صدر في الكويت أولًا، ولم يكن متاحًا في القاهرة قبل معرض الكتاب؛ لذا ربما في الفترة المقبلة تتوالى المراجعات النقدية حول الكتاب، كما أن هذا النوع من الأدب مظلوم، فالقارئ ينجذب للرواية أكثر، وقد صدرت أعمال روائية كثيرة في هذه الدورة لكُتَّاب ينتظر القراء أعمالهم؛ لذا قد تتأخر أصداء كتابي قليلًا، لكنني أتفهم ذلك.
- عن نقاط التماس والاختلاف فيما يخص شعبَيْ وحضارتَيْ وفنون كلٍّ من مصر والمكسيك، ليتك تحدثيننا عن رؤيتك في هذا الإطار؟
*هناك تشابهات كبيرة بين المكسيك ومصر، فكلتاهما تملك حضارات قديمة أسستها شعوب متعددة، مثل: شعب تيوتيواكان، وقبائل المايا، والأزتك وغيرها، وكلتاهما لديها تاريخ طويل من الحركات التحررية من المستعمر، ونهضة فنية وثقافية وتعليمية قام بها أبناؤها في القرن العشرين. والمكسيك هي مفتاح أمريكا الوسطى واللاتينية، وهي الدولة التي تمتد تأثيراتها على جيرانها من الدول الأخرى، في السينما والأدب وخلافه، مثل: علاقة مصر بالدول العربية. وبالنسبة للزمن المعاصر فهناك تماس بين مشكلات البلدين الاقتصادية ممَّا يؤثر بالطبع على أوضاع أهل كل بلد، بالإضافة إلى أن شعب المكسيك شعب طيب للغاية، ودود ومضياف وكريم، ويتحدث معك خصوصًا إذا كنت تجيد اللغة الإسبانية فإنك ستشعر بأنك في بلدك ولست غريبًا.
- دييغو ريفيرا خرج من رحم ثورة 1920، فهل تجدي بين الفنانين المصريين من يحمل نفس الروح، ما يعكس وجه للشبه به؟
*هذا السؤال يحتاج لناقد متخصص في الفن التشكيلي، ولست إلا محبة له، لكن ربما أجد تشابهات كثيرة بين فناننا العظيم محمود سعيد ودييغو ريفيرا، فكلاهما ينتمي للعصر نفسه، وكلاهما خرج من أسرة برجوازية، وسافر إلى فرنسا وانخرط في المدارس الفنية المنتشرة في أوروبا في عصره، ثم عاد إلى بلاده، وشهد فترة التحولات الكبرى في مجتمعه، في مصر مثلًا الفترة التي أعقبت ثورة 1919، والثورة المكسيكية التي انتهت في الوقت نفسه، وكلاهما نجح في اختزال وإعادة تشكيل الهوية الوطنية في لوحاته. وقد سعى محمود مختار ومحمود سعيد لصناعة ملحمة فنية خالدة، حتى في لوحات أو جداريات أي منهما خصوصًا في البدايات أرى تشابهًا كبيرًا في الخطوط والتكوينات، خصوصًا المرأة في الفترة الأولى من جداريات دييغو ريفيرا والتي كان فيها متأثرًا إلى حد كبير بكلاسيكيات عصر النهضة مثل محمود سعيد.
- في "أيام في المكسيك"، و"على خطى هيمنجواي"، هناك سرديات أدب الرحلة، وجدوى الفن في حياة الشعوب، وحصاد الثورات، وخلخلة الحضارات وثباتها، حدثينا إذًا عن تلك الأسباب أو سطوة اقتحامك لهذا العالم (أدب الرحلات).
*الأمر حدث بالمصادفة، لكنه كان كامنًا في داخلي، منذ أن فُتنت في سنوات المراهقة بحلقات مسلسلة كان ينشرها الكاتب الصحفي عادل حمودة في مجلة "صباح الخير" عن رحلته إلى أمريكا التي صدرت في كتاب بعنوان "أمريكا الجنة والنار"، وعندما سافرت إلى أوروبا للمرة الأولى كنت مولعة مثل كثيرين باكتشاف تلك البلاد التي تعلمت لغتها وحضارتها وخصوصًا إسبانيا وفرنسا، وبدأت في نشر يوميات الرحلة وصورها على الفيسبوك، ولاقت منشوراتي البسيطة استحسان الأصدقاء وتشجيعهم؛ لذا عندما سافرت إلى كوبا والمكسيك وجدت مادة جيدة تصلح لكتاب يقدم جوانب خفية من البلدين، وإلى حد علمي أظن أنه لا يوجد كتاب باللغة العربية رصد حياة الروائي الأمريكي إرنست هيمنجواي في كوبا التي عاش فيها ما يقارب ثلاثين عامًا، وأيضًا لم يقدَّم دييغو ريفيرا كفنان تشكيلي وعلاقته ببلاده كما فعلت في أيام في المكسيك.
- نلاحظ أن ثمة لهاثًا سرديًّا وروحيًّا وجسديًّا في خطى الساردة وهي تتنقل من مكان لآخر وقت الرحلة/ الكتابة، فكم استغرقت رحلتك للمكسيك واقعيًّا؟ حدثينا عن ذلك.
*هذا اللهاث يعكس طبيعتي وشخصيتي، فالرحلة مهما طالت مدتها لن تكفي لرؤية كل شيء، لكنني أحاول دومًا في رحلاتي مشاهدة كل ما يمكنني الفوز به، حتى لو اضطررت للركض من مكان إلى آخر. وتأتي رحلة الكتابة التي تستغرق وقتًا أطول في البحث والقراءة؛ لأتمكن من ملء الفراغات في الصورة، وإعادة تشكيل الأحداث كي تعطيَ للقارئ فكرة واضحة عن المكان، وصورة متكاملة بقدر ما أستطيع.
- في كوبا وخطى هيمنجواي، كتابك الأول في أدب الرحلات، هناك تركيز على هيمنجواي بشخصيته وإبداعه وأفكاره، أما "بصحبة ريفيرا" فاهتمامك ينصب على ماهية الشعب المكسيكي وعلاقته بالثورات، ومكانة المكسيك الحضارية والاقتصادية وحتى المعمارية، ليتك تفسرين للقارئ رؤيتك في هذا الإطار؟
*في كوبا كنت مأخوذة بعالم هيمنجواي وتتبعه والعودة للزمن الذي عاش فيه، ربما لأن كوبا وخصوصًا وسط المدينة في هافانا احتفظت بطابعها المعماري والتاريخي لأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، فكل من يذهب إلى هناك يقوم برحلة في الزمن؛ لذا كان هدفي طوال الرحلة السير على خطاه، خصوصًا وأن هيمنجواي وإن كان يعتبر نفسه نصف كوبي بحكم إقامته في هافانا نحو ثلاثين عامًا واعتبرها وطنه، لكنه لم يكن كوبيًّا بالمعنى القومي الوطني، على العكس من دييغو ريفيرا الذي أعاد رسم تاريخ وطنه وأهم ملامحه ومدينة تينو تتشيتلان القديمة، عاصمة الأزتك، التي ضاعت ملامحها عبر العصور. فأنا أرى أنه كي تَفهَم رسوم ريفيرا جيدًا وتُقدِّر عظمته، يجب أن تَفهَم طبيعة شعبه وتتعرف إليه وترصد ماهيته ومكانة المكسيك وتأثيرها على دول أمريكا الوسطى أو اللاتينية. فكما أشرت مسبقًا علاقة المكسيك بجيرانها تشبه إلى حد كبير علاقة مصر بالدول العربية وتأثيرها الثقافي في المنطقة.
- تتساءلين في كتابك: "إذا كنا نقرأ التاريخ مكتوبًا، فهل يمكن للفن التشكيلي أن يُغْني عن قراءة عشرات الكتب؟!" فماذا كانت الإجابة التي انتهيت إليها؟
*أظن أن الفن التشكيلي يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في تثقيف الأمة، خصوصًا إذا كان غالبيتها من الأميين، وهذا ما فعله ريفيرا بعد عودته من أوروبا في مطلع العشرينيات، فقد بات مؤمنًا بأنه من الممكن عن طريق لوحاته الجدارية تثقيف الشعب المكسيكي بشأن تاريخه وحضارته، وحثه على أن يعمل من أجل الحفاظ على ذلك الإرث الغني؛ فهذا الشعب الذي على الرغم من انتشار الأمية في ربوعه، وقت عودة ريفيرا، لُقِّن حكايات القديسين عن طريق الصور واللوحات والجداريات المرسومة في الكنائس؛ لذا كان على قناعة تامة بضرورة رفع الوعي الفني والثقافي للشعب، وتثقيفه وتعليمه أهمية الثورة ووعودها لتحسين حياة البشر. وقد ظلت جدارياته خالدة، فحتى اليوم يمكن عبر مشاهدة تلك اللوحات تكوين صورة غنية ومتنوعة للأرض المكسيكية وشعبها؛ عملهم ، مهرجاناتهم، حياتهم، كفاحهم، تطلعاتهم، وأحلامهم.
- عرفنا من قراءة كتابك أن ريفيرا صنع التاريخ في جدارياته، فهل يمكن أن تشرحي لنا هذه النقطة بالمزيد من التفاصيل؟
*في الجداريات التي شاهدتها في وسط المدينة، رسم ريفيرا بريشته حياة شعب وتاريخه وحكاياته وحضارته بكل التفاصيل الممكنة، وأعاد للعالم الجديد واحدة من أهم وأكبر حضارات العالم القديم التي محيت عند الحصار الإسباني لمدينة "تينوتشتيتلان" أو مكسيكو سيتي القديمة، واختفت آثارها أسفل المباني الجديدة التي شيدوها، لكن تلك الحضارة ظلت في قلوب أبنائها ليتناقلوها جيلًا بعد جيل، حتى وصلت إلى ريفيرا ليخلدها في متحفه ولوحاته الجدارية. تلك الجداريات التي لم تَستَعِد فقط أشهر فنون عصر النهضة، بل أشهر فنون حضارة بلاده؛ فكل جدارية شاهدتها كانت تحكي -مثل معابد المصريين القدماء- تفاصيل حياة هذا الشعب، الزراعة والصناعة وتشييد المدن، والاحتفالات المختلفة، والأعياد وطقوسها؛ كما يسرد أهم الأحداث التاريخية من خلال رسومه، وصور الزعماء المؤثرين في تاريخ البلاد. كل جدارية هي كتاب يحكي حقبة تاريخية بكل تفاصيلها.
- تقولين في إحدى صفحات الكتاب: "إن ذاكرتك تحتفظ أحيانًا بتفاصيل كل شيء يحدث لك بشكل غريب، لكنها أيضًا ذاكرة انتقائية"، لو سألتك الآن: ما هو المشهد الراسخ في ذاكرتك من جداريات ريفيرا؟ ماذا سيكون هذا المشهد؟
*مشاهد متعددة، كلما تحدثت عن ريفيرا والجداريات أتذكرها بتفاصيلها، جدارية تينوتشتيتلان القديمة متعددة اللقطات بكل مشهد ولقطة فيها، جداريات الرواق في القصر الوطني التي رسم فيها كل مشاهد الحضارات القديمة وأنشطتها المختلفة؛ من صناعة تيجان الريش، وصناعة الورق، وزراعة الكاكاو والمطاط، لقد قضيت أكثر من عام في القراءة عن تلك الجداريات، وحملت معي من مدينة نيويورك كتابًا أهدته لي صديقتي سوسن بشير يضم كل جداريات ريفيرا، ساعدني خلال الكتابة على استرجاع كل التفاصيل التي وجدت أنها كانت محفورة في ذاكرتي، خصوصًا أنني أتمتع بذاكرة بصرية جيدة، تساعدني دومًا على العودة إلى الأماكن ذاتها التي مررت بها برغم مرور السنين. وأنا أتحدث الآن تتشكل في مخيلتي كل الصور والرسوم، ولقد وقعت في غرام كل ما شاهدته، حتى إنني لا أستطيع الاختيار بينها.
- عن مصطلح الجدوى والخلاص، ودور وإيقاع، ومنتهى، بل ثقل وخفة الفنون، والفكر، والآداب.. كيف ترى هايدي عبد اللطيف خلاصها في ظل عصر الحروب بالأوبئة وعبر الهوية والتاريخ والديانات؟
*عبر التاريخ كانت هناك كبوات ثقافية وفنية، مراحل تراجع وربما انحطاط يعقبها نهضة ثقافية وعلمية كبيرة، والمتأمل في التاريخ يلاحظ ذلك، فبعد الثورة الفرنسية -وهي أوضح مثال يحضرني الآن ويرتبط بدراستي- ظهرت آثارها بشكل كبير على الأدب والثقافة، حيث أدت إلى تحولات كبيرة في الأسلوب الأدبي والفني بجميع أشكاله. وأيضًا الثقافة العلمية، فقد تأثرت الثقافة الفرنسية بالوضع العلمي الجديد في أوروبا، وكان ذلك واضحًا في العديد من المسارات المختلفة، مثل: الطب والفيزياء والفلسفة والنقد العلمي. ولأنني تأثرت بالمدرسة الرومانسية التي تعتمد على العواطف والخيال والإلهام ولا تخضع لقيود العقل، أجد الخلاص في أي عصر من خلال الانغماس في الأدب والفن والاعتماد على الخيال؛ فهو ملاذنا الأخير.
- هل ينتهي دور الكاتب، الفنان، المفكر مع الانتهاء من كتابة "نصه"؟
*من الطبيعي أن ينتهي دور الكاتب بعد خروج كتابه من المطبعة، لكن في عصرنا الحالي، وبسبب انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، واختلاف تقنيات التسويق في الألفية الثالثة، يظل للكاتب دور في ترويج عمله؛ سواء عبر تلك المواقع، أو من خلال حفلات التوقيع والندوات التي تعقد لمناقشة الكتاب. وهذه الأنشطة الأخيرة موجودة بالفعل في الغرب منذ عقود، لكنها انتشرت في عالمنا العربي في العشرين عامًا الماضية.
- عن الجوائز المتعددة المغزى في القيمة والخارطة الثقافية مصريًّا وعربيًّا، كيف ترى المبدعة هايدي عبد اللطيف دور الجوائز في حياة المبدع وتأثيراتها في خطاه؟ وأين أنت من هذه الجوائز؟
*الجوائز مهمة؛ لإلقاء الضوء بشكل أكبر على الكِتاب، وتوسيع انتشاره في جميع الدول العربية، فعندما تعلن القائمة الطويلة أو القصيرة لإحدى الجوائز، أو حتى فوز كاتب بها، يزداد الاهتمام بالنص، وتتاح فرص قراءته لأكبر عدد من القراء، وهذا أمر جيد. أما بالنسبة لأدب الرحلات، فالجوائز المخصصة لهذا الجنس الأدبي قليلة، وأغلب الجوائز مشتركة مع الأعمال الروائية والنقدية؛ ممَّا يجعل فرصه قليلة، ولا توجد سوى جائزة وحيدة مخصصة لأدب الرحلات وهي جائزة "ابن بطوطة". مع ذلك فإن الكاتب بقدر ما يسعده ترشحه لجائزة ما، يسعده أكثر رسالة من قارئ أعجبه الكتاب واستفاد منه.
- حدثينا أخيرًا عن أي دور النشر التي لفتت أنظارك وتوقفتِ أمام إصداراتها، خلال حضورك لفعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب الدورة الـ55؟
*على الرغم من الظروف الاقتصادية العالمية وانتشار الكتاب الإلكتروني، ظل للكتاب الورقي مكانته بين عشاق القراءة، وامتلأت هذه الدورة بالإصدارات المختلفة في مجالات عدة تنوعت بين الترجمات سواء لكتب التنمية البشرية أو لكلاسيكيات الأدب العالمي، مثل: دار آفاق للنشر والتوزيع، أو للروايات من عوالم جديدة وبلاد لم نقرأ لها من قبل، مثل: اهتمام دار العربي بأدب الجريمة، والروايات من شمال أوروبا، وبلاد أمريكا اللاتينية، في حين كانت دور أخرى حريصة على تقديم أسماء جديدة في عالم الرواية، مثل: دار الشروق، ودار العين، واهتمام بيت الحكمة بتنوع إصداراتها، كما كان الإقبال كبيرًا من الشباب على الهيئات الحكومية أو دور النشر الجديدة، في رأيي كانت دورة ثرية جدًّا بإصداراتها.
- ما هو جديدك القادم إبداعيًّا؟
*مازلت في مرحلة استكشاف العوالم الأدبية التي يمكنني الكتابة فيها، وربما استمر في أدب الرحلات، خصوصًا أن لدي رصيدًا كبيرًا من الرحلات التي قمت بها خلال الأعوام الأخيرة، أو اتجه للترجمة أو لكتابة القصة القصيرة. عادة أخصص فترة كبيرة للقراءة المتنوعة قبل تحديد الخطوة المقبلة.