هوامش
إيان شيروودكيف يمكن للعمال واليسار دعم زهران مامداني
2025.10.20
مصدر الصورة : آخرون
كيف يمكن للعمال واليسار دعم زهران مامداني
حقق زهران مامداني [i] انتصارًا كبيرًا في الانتخابات التمهيدية لمنصب عمدة نيويورك، متفوقًا على الحاكم السابق أندرو كومو، في لحظة وُصفت بأنها «بصيص أمل نادر» لليسار الأمريكي المحاصر بين نفوذ الشركات وتراجع القواعد الشعبية. غير أن هذا الانتصار، مهما بدا لامعًا، ليس إلا بداية معركة طويلة أمام رجلٍ يمثل جيلًا جديدًا من السياسيين الاشتراكيين الذين يسعون إلى إعادة تعريف السلطة في مدينة المال والنفوذ.
فإذا فاز مامداني في الانتخابات العامة المقبلة، فلن يواجه طريقًا مفروشًا بالورد، بل مقاومة شرسة من نخب الأعمال والمعارضين السياسيين، داخل الحزب الديمقراطي وخارجه. لقد جاء صعوده بدعم من فرع نيويورك للاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين، ومن الحركة العمالية، ما أعاد تأكيد أن قوة اليسار لا تنبع من أبراج المال، أو شبكات النفوذ، بل من المنظمات ذات العضوية الجماهيرية، التي تنظم الشارع وتمنحه صوتًا سياسيًّا.
لكن تحويل هذه الطاقة إلى سلطة حقيقية يتطلب أكثر من مجرد الحماس الانتخابي، فإدارة مامداني المحتملة ستحتاج إلى تعاون وثيق مع النقابات والمنظمات اليسارية في المدينة، لتقوية رصيده السياسي وممارسة الضغط على مجلس المدينة والتشريعية الحكومية، من أجل تمرير أجندته الطموحة. التخطيط المسبق، والتحالف الإستراتيجي بين مامداني وهذه القوى، قد يصنع الفارق بين ولاية عمدة رمزية وأخرى قادرة على التغيير.
التشكك في قدرته على الوفاء بوعوده مبرر، فالتاريخ القريب يزخر بتجارب عُمدٍ تقدميين واجهوا عوائق هائلة. المقارنة بين مامداني وعُمدة شيكاغو براندون جونسون تبدو طبيعية، فكلاهما جاء من رحم الحركات الشعبية ويحمل رؤية ديمقراطية اجتماعية متشابهة. وقد شهدت تجربة جونسون انتصارات مهمة مثل إلغاء الحد الأدنى للأجور للعمال، الذين يعتمدون على الإكراميات، لكنها عانت أيضًا من إخفاقات في التواصل مع الجمهور. كان الدرس الأبرز أن الإنجازات التقدمية لا تتحقق فقط من داخل المكاتب الحكومية، بل بفعل ضغط الشارع والمنظمات الشعبية من الخارج.
من المرجح أن يخوض مامداني المعركة ذاتها، لكنه لا يبدو مجرد «تقدمي إصلاحي» آخر. فبرنامجه السياسي يكشف عن التزام أعمق بالمبادئ الاشتراكية، من دعم غير مشروط لحقوق الفلسطينيين، إلى سياسات اقتصادية تتحدى مصالح الشركات الكبرى مباشرة، مثل إنشاء متاجر بقالة مملوكة للقطاع العام، واعتماد مقاربة للإسكان تقوم على الملكية الاجتماعية، وتوفير رعاية أطفال شاملة. كلها خطوات تدفع، ولو جزئييًّا، نحو إعادة الاقتصاد إلى السيطرة العامة والديمقراطية.
لكن هذه السياسات لن تمر بسهولة، فالمليارديرات في نيويورك يهددون بالفعل بمغادرة المدينة إذا فاز مامداني في نوفمبر، في تكرار لظاهرة «إضراب رأس المال»، التي تسبق عادة محاولات الإصلاح الاجتماعي الجذرية. وكما أوضح المؤرخ كيفن يونج في مجلة جاكوبين، فإن النخب الاقتصادية تستخدم هذه التهديدات -سواء كانت واقعية أو مصطنعة- لشل السياسات التقدمية قبل أن تبدأ.
تاريخيًّا، ليست هذه المعركة جديدة. ففي شيكاغو عام 1983، خاض العمدة الديمقراطي الاجتماعي هارولد واشنطن تجربة مشابهة، وحين حاول توسيع البرامج العامة وإعادة توزيع الثروة، تصدت له نخب الأعمال حتى اضطر إلى تسوية أبقت الاستثمارات الرأسمالية داخل المدينة، على أمل أن توفر قاعدة ضريبية تموّل بها الحكومة شبكة أمان اجتماعي أقوى. لكن هذا التنازل، كما يلاحظ يونج، أثبت أن السياسة البرلمانية وحدها عاجزة عن مواجهة رأس المال من دون دعم حركة عمالية متشددة على الأرض.
من هنا، يصبح نجاح مامداني مرهونًا بقدرته على تعبئة سكان نيويورك العاديين، لا فقط كناخبين بل كقوة منظمة قادرة على الضغط والمساءلة. فكرته عن الحكم تنبع من تجربة حركية، فهو عضو في منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين بنيويورك، وجاء من قلب العمل الشعبي، ولذلك قد يعتمد على هذه المنظمات لبناء تحالف سياسي واسع قادر على مقاومة «الاعتدال المؤسسي» في مجلس المدينة والتشريعية الحكومية.
لكن مهمة اليسار لا تقتصر على الدفاع عن إدارة مامداني من هجمات اليمين، بل تمتد إلى الهجوم على المؤسسة النيوليبرالية ذاتها، لكشف استيلاء النخب على المؤسسات العامة، وفضح هشاشة الديمقراطية الليبرالية التي تميل إلى حماية رأس المال أكثر من المواطنين. هذه الرؤية ليست بعيدة عن تجربة بيرني ساندرز حين اضطر، خلال ولايته كعمدة لمدينة برلينجتون في فيرمونت، إلى بناء «حكومة موازية» لمواجهة مجلس مدينة معادٍ. وربما لهذا السبب، يظهر ساندرز اليوم إلى جانب مامداني في تجمعات عامة ببروكلين، وكأنه يسلّمه عصا التجربة.
ورغم أن الديمقراطيين اليمينيين بدؤوا بالفعل في تخريب حملة مامداني -برفض دعمها أو بشن حملات تشويه ضده- فإن الصدام الأكبر قد يكون مع المحافظين داخل مجلس المدينة. هنا يمكن للعمدة المحتمل استخدام أدوات السلطة التنفيذية لتعويض الجمود التشريعي، مثل تنفيذ وعده الشهير بتجميد الإيجارات على مستوى المدينة. إذ يستطيع، بقرار إداري، إعادة تشكيل مجلس إرشادات الإيجار من داخل الحركات اليسارية ومنظمات المستأجرين، ليقرّ تجميدًا فعليًّا للإيجارات في نحو مليون وحدة سكنية خاضعة للتحكم.
ويملك مامداني، داخل التشريعية الحكومية، شبكة من الحلفاء الاشتراكيين المنتخبين الذين سيشكلون خط دفاعه الأول. غير أن الصراع التشريعي لن يكون كافيًا وحده. فالمعركة الحقيقية، كما يشير يونج، مع نفوذ رأس المال، ومع لوبيات الشركات والمتبرعين الكبار الذين لا يقبلون أي إصلاح جذري إلا تحت ضغط شعبي متصاعد.
من هنا تبرز أهمية التنظيم الشعبي، إذ يمكن للمنظمات اليسارية مثل منظمة «الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا» أن تمنح مامداني غطاءً جماهيريًّا في مواجهة النخب، من خلال المظاهرات، وحملات الضغط التشريعي، وحتى التحديات الانتخابية ضد النواب المتعنتين. بهذا الشكل، تتشكل علاقة تفاعلية بين مكتب العمدة وحركات الشارع، حيث يمنح كل طرف الآخر شرعية وقوة تفاوضية.
أما النقابات، فدورها لا يقل حسمًا. ورغم القيود القانونية المفروضة على الإضرابات السياسية في الولايات المتحدة، فإن العمال لطالما وجدوا طرقًا لإيصال صوتهم. فشبكات مثل «العمال من أجل فلسطين» تضغط اليوم لسحب استثمارات صناديق التقاعد من المؤسسات المتورطة في الفصل العنصري الإسرائيلي، في حين تنظم ائتلافات عمالية مظاهرات حاشدة دعمًا للقضايا التقدمية. وقد أثبتت تجربة «النضال من أجل 15 دولارًا» أن تعبئة النقابات يمكن أن تغير سياسات الأجور في مدن كبرى.
إذا نجح اليسار في توجيه هذا الزخم نحو دعم أجندة مامداني، فقد يصبح بمقدوره مواجهة الجناح المؤسسي داخل مجلس المدينة وتخفيف مقاومته. فالمليارديرات الأمريكيون، رغم ما يملكونه من ثروات طائلة ونفوذ سياسي، يفتقرون إلى ما لدى خصومهم من قوة حقيقية: الحركات الشعبية ذات الجذور العميقة في المجتمع.
إن دعم هذه الحركات وتنظيمها بذكاء وإستراتيجية سيكونان، على الأرجح، مفتاح نجاح فترة مامداني كعمدة، وربما خطوة حاسمة في مسار اليسار الأمريكي نحو استعادة مكانته كقوة تغيير حقيقية، لا مجرد تيار احتجاجي على هامش النظام.