عربة التسوق

عربة التسوق فارغة.

ليلى سويف

أسماء صبحي

ليلى سويف.. الرمز والملاذ

2025.02.16

مصدر الصورة : آخرون

ليلى سويف.. الرمز والملاذ

 

أكتب هذه الكلمات، وقد صارت ليلى سويف مضربة عن الطعام منذ 134 يومًا! وهي كأم قررت أن تخوض معركة حياتها من أجل حرية ابنها علاء.. تصل معاناتها الآن إلى مرحلة خطرة ولازال وعلاء في سجنه ولم يستجِب أحد! ونحن ما بين تَعنُّت النظام، وقوانين الطبيعة والعلم، والتصاعد اليومي في أحداث العالم من حولنا نحبس أنفاسنا. وبقدر ما يبدو الأمل خافتًا، تُلِح عليَّ الأسئلة بين خوفٍ ورجاء: هل تضم ليلى علاء بين ذراعيها في وقت قريب؟ هل تنتصر الأمومة؟ هل ستقرأ ليلى مقالتي الأولى؟!

التقيت الدكتورة ليلى لأول مرة في مقر الحملة الانتخابية لأحمد الطنطاوي، كان المقر طوال فترة الحملة مزدحمًا بأعداد من المتطوعين أو المؤيدين والمهتمين من مختلف الفئات والخلفيات.. في هذا اليوم كان المقر وكل من فيه مثقلًا بتواصل أخبار المنع من عمل التوكيلات، والحضورُ بين منهمِك في عمل أو منخرطٍ في نقاش حول المخاوف والاقتراحات وشعور الإحباط لم يكن غائبًا.

دخلت د. ليلى وحدها بهدوء وفي يدها توكيل واحد.. كان التعب باديًا عليها -كان الحصول على توكيل لأحمد الطنطاوي وقتها معركة مضنية- عندما رأيتها عند الباب لم تخطئها عيني، قفزت من مكاني فرحًا وتقديرًا.. سلمت عليها وأخذتُ يدها تحت ذراعي وصولًا إلى مكتب أ. أحمد.

في لحظات تحول المكان، كأنّ قوة خفية حلَّت به، فأزاحت الإحباط والثقل وأهدتنا جميعًا أملًا، اِلتفّ الجميع حولها لنحتفظ بهذه اللحظة في صورة كانت هي في مركزها.

اللقاء الثاني كان على سلم نقابة الصحفيين في وقفة تضامنية لدعم غزة في رمضان الماضي وقت الإفطار، كانت واقفة في وسط الناس بهدوء وبساطة من انضم حديثًا إلى العمل العام.

اللقاء الثالث كان في بيتها، في حفل توقيع ديوان كيرلي للشاعر أحمد دومة، بعدما تم إلغاء حفل التوقيع الرسمي على خلفية منع الديوان ومصادرة نسخه. كان الحفل جميلًا كما تمنَّاه أحمد، وكانت هى ودودة مُرحبة ومهتمة بالجميع.

اللقاء الرابع كان في بيتها أيضًا، بعدما بدأت إضرابها عن الطعام للمطالبة بالإفراج عن علاء. ذهبت لزيارتها وحظيت بجلسة هادئة معها برفقة د. عايدة سيف الدولة والشاعر الكبير زين العابدين فؤاد والشاعر أحمد دومة، وستعرف في هذا اللقاء اسمي لأول مرة.

اللقاء الخامس كان من ضمن أيام التضامن معها في بيتها. وما كان مميزًا في هذا اللقاء أنها كانت تذكر اسمي قبل أن انطقه.

تتوالى اللقاءات في إطار التضامن معها -تعرف خلالها قصة رحيل خالتي حزنًا على ابنها الذي اعتقله النظام وأخلى سبيله بعد رحيلها بأيام- تستقبلني ليلى كل مرة بعدها بحبٍّ غامر، فتصبح هى المتضامنة معي لا أنا. كانت تضع ضمادات على جرح قلبي النازف بدفء نظراتها وابتسامتها الودودة والجلوس بجانبها، فيسكن الألم إلى حين.

في أحد اللقاءات أُخبرها بأننا استقبلنا حفيدة للخالة الراحلة وأن خالتي -رحمها الله- منحتها اسم ليلى قبل رحيلها، فتبتهج ونعتبرها بُشرى لانفراجة في الإفراج عن علاء ونضحك معًا.

قبل تلك اللقاءات كنت أعرف د. ليلى لسنوات، كما كل أبناء جيلي -جيل يناير- كأحد الرموز التي نتطلع إليها دومًا.. لم تخذلنا على مدار سنوات الثورة، في أوجها وفي تراجعها.. في تخبطنا وانكساراتنا. كانت ملاذًا -بثباتها على المبادئ- لجيل كامل حديث عهد بالسياسة. وكان نضالها السابق على الثورة بسنوات طويلة أحد الأسباب التي مهدت له طريقًا وفتحت له بابًا ليعرف نفسه ويتلمس خطواته إلى الحرية.

أقول إنها كانت رمزًا، لكنها دومًا كانت في وسط الناس، بعيدة عن المكاتب والاجتماعات والكاميرات موجودة كفرد واحد بجسد صغير وقوة دعم عظيمة بقدر ما هي صادقة وحقيقية. لا تراها على شاشات التلفاز لكن تلتفت لتراها بجانبك.. بهذه البساطة كما هي ليلى. فتطمئن وتبتسم وتشعر بالاعتزاز والفخر دون مبالغة.

شعوري تجاه د. ليلى متداخل وعميق ومرتبك، حبي لها ممتد لسنوات، وعلاقتي بها تعمقت في لحظة دقيقة لكِلتينا، استعيد معها ما عايشت من معاناة خالتي قبيل رحيلها، غير أنني آمل أن تنجو ويمنحها القدر وقتًا هادئًا وصورًا تجمعها بكل أفراد عائلتها.

تدخل هى اليوم في مرحلة شديدة الخطورة بعد أن تجاوز إضرابها عن الطعام 133 يومًا، وندخل جميعًا في نفق مظلم.

لأيام طويلة من الإضراب عن الطعام وبصمود لم يكن متوقعًا من جسدها الصغير، منحت ليلى الجميع فرصًا، منحت للنظام الممتنع عن تنفيذ القانون فرصًا عديدة للتراجع والتعقل، ومنحت محبيها فرصًا للتضامن وبذل ما في الإمكان من جهد. لم تخذل ليلى أحدًا. ولا تستحق سوى النجاة والإنصاف.

ربما لا يعني من صنعوا الأزمة انهيار جسد ليلى الضعيف. أما محبيها، فطامتهم كبرى وخوفهم عظيم، ولسان حالهم يقول: دبَّرينا يا ليلى..

الحرية لعلاء.. الحياة لليلى..