بروفايلات

حسان البلعاوي

ليلى شهيد "الحارس الملاك"

2024.04.05

مصدر الصورة : ويكيبديا

ليلى شهيد "الحارس الملاك"

سمعت للمرة الأولى باسم ليلى شهيد، في فرنسا، منتصف الثمانينيات، عندما كنت ناشطًا في الاتحاد العام لطلبة فلسطين في مدينة بيزانسون، وذلك من خلال محمد يوسف، أمين سر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في فرنسا آنذاك، وكنت طلبت منه أن يرشدني لشخصية فلسطينية، ناطقة باللغة الفرنسية، تتحدث في فعالية تضامنية لفلسطين، فنصحني بالتواصل معها قائلًا الكلام الطيب بحقها، لكن ما استقر في أذني حينها وحتى الآن، أنها "تلميذة عز الدين القلق"، ثاني مدير مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في باريس، وهو صاحب المدرسة الثقافية والإعلامية المميزة في العمل الدبلوماسي الفلسطيني، والذي خلف محمود الهمشري أول ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة الفرنسية، والذي استشهد في مطلع يناير 1973، أما القلق فسيكون مصيره، بعد سنوات قليلة، وفي باريس أيضًا، في بداية أغسطس 1978، نفس مصير رفيق دربه الهمشري .

تحدثت مع ليلى وكانت مرحبة بالفكرة، لكنها اعتذرت عن المشاركة بالتاريخ المطلوب بسبب التزامات سابقة، ثم انقطعت أخبارها عني وغادرت أنا فرنسا بعد انتهاء دراستي، ودارت الأيام و عاد اسمها لسمعي في منتصف عام 1993، حين عينها الرئيس الراحل ياسر عرفات مديرًا لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في باريس، أو بمعنى أصح "المفوض العام لفلسطين في فرنسا"، وذلك بعد قرار الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران في عام 1989، بترفيع مكانة منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا، من مكتب "إعلام واتصال"، تم افتتاحه عام 1975، إلى مفوضية عامة ثم لاحقًا إلى "بعثة فلسطين" ابتداء من عام 2012 .

بعد أيام قليلة من تسلُّم ليلى شهيد موقعها في باريس؛ أي: في صيف 1993 بعد أن كانت قبلها مديرًا لمكتب منظمة التحرير في هولندا وأيرلندا، كأول سفيرة لفلسطين في العالم، كنت في زيارة باريس، قادمًا من تونس حيث كنت أعمل في جهاز "الإعلام الموحد" الفلسطيني ، مبعوثًا لمجلة "فلسطين الثورة" المجلة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية (تأسست في بيروت 1972، وانتقلت لقبرص بعد 1982 وتوقفت عن الصدور 1994)، وكنت محظوظًا بأن أجري حوارًا شاملًا مع ليلى شهيد في موقعها الجديد، وتعددت بعد ذلك لقاءاتي معها بأشكال مختلفة، سواء كان ذلك في باريس، أو في غزة، أو في رام الله، أو في بروكسيل، والتي تم تعيينها هناك سفيرة لفلسطين مع مطلع 2006.

لن أسرد هنا مسيرة ليلى شهيد، ولو بشكل مختصر، فهذا له مقام آخر، فهذا يستحق فعلًا كتابًا كاملًا، وأعرف من صحفيين ومخرجين أنها كانت تتهرب منهم باستمرار من إخراج كتاب أو فيلم عنها؛ فهي مقلة جدًّا في الحديث عنها شخصيًّا في الوقت الذي فيه تكون كريمة جدًّا في الحديث عن الآخرين، كما قال عنها قبل فترة بسيطة الأديب اللبناني الرفيع إلياس خوري، في افتتاح مؤتمر عن محمود درويش مؤخرًا في رام الله، حيث شاركت شهيد عن بعد بوصفها الرئيس الفخري للكرسي الثقافي والجامعي لمحمود درويش في بلجيكا، حين وصفها بـ"الحارس الملاك" التي تحرس ذاكرة محمود درويش والأديب الفرنسي جان جينيه، صاحب عمل "أسير عاشق" عن تجربته مع الفدائيين الفلسطينيين في الأردن و "4 ساعات في شاتيلا" والذي عرفته ليلى عن قرب، وغيرهم من مناضلين ومثقفين.

وربما كان الاستثناء، الذي منحته ليلى في هذا الموضوع في الحديث عن حياتها، هو لصحفي ومخرج فرنسي اسمه: باتريس بارا، وذلك بعمل فيلم وثائقي يرصد مسيرتها، وقد غادر عالمنا منذ سنوات قليلة، و كانت ليلى تقدِّره؛ فقد كتب الكثير عن فلسطين وأخرج عددًا من الأفلام الوثائقية المهمة عنها، وهو نجل لشخصية إعلامية وسياسية مهمة اسمها: روبير بارا، والذي دعم الثورة الجزائرية المعاصرة ضد الاستعمار الفرنسي، كما كان من الصحفيين الفرنسيين القلائل الذين كتبوا عن نكبة فلسطين منذ عام 1948، في تحقيق مطول عن اللاجئين في جريدة "الشهادة المسيحية" والتي كانت الجريدة الوحيدة في فرنسا والتي اعتبرت أن ما حدث في نكبة فلسطين هو استعمار، في وقت رحبت فيه أغلب وسائل الإعلام الفرنسية، بما فيها اليسارية، بقيام دولة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني، وباتريس هو أيضًا نجل السيدة الفاضلة دينيس بارا والتي كانت تترأس في باريس جمعية "دعم تراث الشعب الفلسطيني"، وكانت تدافع عن الحق الفلسطيني في كل مكان، وربما أرادت شهيد أن تعطي هذا الصحفي والمخرج الفرصة ليرصد جزءًا من حياتها في فيلم وثائقي وهي تزور فلسطين، إشارة تقدير له ومن خلاله تكرم أبويه، وربما يجدر بي أن أعود لاحقًا لأكتب عن عائلة بارا الأبوين والابن.

سأتحدث هنا عن دخول ليلى على الساحة البلجيكية على المستوى الثقافي والإعلامي، كما روته مرة لي، والذي ساعدها في الولوج إلى المشهد السياسي، تمامًا كما فعلت في فرنسا حين كانت سفيرة لفلسطين هناك عندما أطلقت وبالشراكة مع وزارة الثقافة الفرنسية تظاهرة "الربيع الفلسطيني" في عام 1996، والتي استمرت على مدار أشهر وفي عدة مدن فرنسية، وكانت أول تظاهرة تقدم الثقافة الفلسطينية بشكل واسع، وتم للمرة الأولى في فرنسا ترجمة عشرات الأعمال للأدباء الفلسطينيين إلى اللغة الفرنسية، وطباعتها عن أهم دور النشر الفرنسية المهتمة بالعالم العربي.

لم ترغب ليلى، بعد باريس أن تذهب سفيرة إلى واشنطن أو لندن أو حتى روما، كما عرضت عليها الخارجية الفلسطينية، لكنها اختارت بلجيكا لقربها من فرنسا، ولأن اللغة الفرنسية، التي تحبها، هي إحدى لغات بلجيكا الرسمية، كما أن بروكسيل تحتضن مقر الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المتعددة والتي كانت ليلى ترغب في العمل به كإطار للعمل المتعدد الأطراف، بعد أن عملت لسنوات طويلة في مجال العمل الثنائي، عدا إعجاب ليلى ببلجيكا كبلد صغير له خصوصية في التنوع القومي والثقافي، وانفتاحه على العديد من ثقافات العالم بحكم الهجرات المتتالية.

وصلت المفوضة العامة الجديدة لفلسطين إلى بروكسيل في مطلع 2006؛ وذلك خلفا للدبلوماسي العريق الراحل شوقي أرملي، والذي سأعود له حتمًا في إحدى المقالات للدور المهم الذي لعبه في إحداث نقلة مهمة في العلاقات الفلسطينية البلجيكية، منذ عام 1981 بعد استشهاد نعيم خضر، أول مدير لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1975، في مطلع عام 2006 في وقتٍ عرَفَت فيه فلسطين حدثًا سمَّتْه وسائل الإعلام "تسونامي سياسي" تمثل في فوز حركة حماس بأغلبية برلمانية في الانتخابات التشريعية الثانية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتشكيلها حكومة من لون واحد، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الرئيسة بوقف المساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية وتقليص التواصل معها، وكانت بلجيكا، الدولة التي تحتضن مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مقر منظمة الحلف الأطلسي، تسير على هذا النهج.

وضمن هذه الظروف كان لزامًا على سفيرة فلسطين السعي لإنجاز عمل ثقافي مؤثر في بلجيكا، كما فعلت في فرنسا، يَسمح لها التواصل عن قرب مع النخب السياسية البلجيكية والأوروبية صانعة القرار.

وصادف وصول شهيد لبروكسيل، أن تلقت دعوة لحضور افتتاح إحدى المؤسسات الثقافية في بروكسيل، وهناك تعرفت على سيدة بلجيكية اسمها: ديان أمبير، وقد قالت هذه الأخيرة لليلى: إنها تعرفها وتتابعها بشغف من خلال وسائل الإعلام الفرنسية، وعندما عرفت أنها انتقلت إلى بروكسيل أرسلت لها دعوة على مقر السفارة الفلسطينية.

وسريعًا سرى تيار الصداقة المتنامية بين السيدتين، وعرفت ليلى أن صديقتها البلجيكية الجديدة قد وجدت مدرسة فريدة من نوعها أسمتها: "خارج الصندوق" وتقوم على "نظام عقد ورشات عمل وليس امتحانات تقليدية لتقيم الطلاب، وقد استطاعت هذه المدرسة استقطاب طلاب فشلوا علميًّا في المدرسة التقليدية، ولكن نجحوا في المدرسة الجديدة، وأغلب طلاب هذه المدرسة يأتون من أوساط عربية أو أفريقية تعيش أوضاعًا اجتماعية اقتصادية صعبة، وبالتالي فليس لهم الوقت والقدرة على الاهتمام بأبنائهم بالشكل المطلوب والذين يقضون وقتًا في الشارع أكثر مما يقضونه في البيت، ودخل جزء من هؤلاء الأبناء السجون لارتكابهم مخالفات صغيرة، وفي اللحظة التي يدخل فيها هذا الشاب السجن يدخل في مسار، يصبح من الصعب أن يخرج منه وحده، وعندما يجد هذا الشاب يدًا تمتد له تحاول مساعدته يتجاوب معها في أغلب الأحيان، وهذه اليد المساعدة هي المدرسة تحديدًا".

ولم تدرس السيدة ديان التربية، ولكن درست الفلسفة "وتمتلك جرأة في تفكيرها، وكرمًا في القلب، وإمكانيات مالية وفرها لها زوجها رجل الأعمال الميسور، والذي اشترى بيتًا كبيرًا أقامت به ديان مدرستها المميزة".

" كما تساهم عائلات بلجيكية بدعم هذه المدرسة، بأن تتبنى كل واحد منها طالبًا، وهناك مجلس يضم كل هذه العائلات الكريمة، ويحتل الفن من مسرح وغناء وأدب وسينما مساحة واسعة في التدريس مع الاحتفاظ بتدريس المواد التربوية النظرية من لغة، وتاريخ، وجغرافيا باستثناء المواد العلمية من رياضيات وكيمياء؛ لأن هذه المدرسة؛ أي: "خارج الصندوق" لا تهدف إلى أن تحل محل المدرسة التقليدية، لكنها تهدف إلى السماح للطلاب باستعادة ثقتهم بأنفسهم".

" كما تستعين ديان بأفضل الفنانين والأدباء وأساتذة علم الاجتماع، وحتى أساتذة مرموقين من الجامعات ليقدموا محاضرات مجانية للطلاب، وكثير من هؤلاء المشاهير يتحدث عن مسيرته في الحياة وبداياته الصعبة، بشكل يعطي للطلاب الثقة بأنفسهم، كما تحضر ليلى اجتماعات مجلس إدارة المدرسة بصفتها إحدى راعيات المدرسة".

إذن في ظل الجمود الذي كان يعتري العلاقات الرسمية البلجيكية الفلسطينية والأوروبية بشكل عام بسبب سيطرة حركة حماس على الحكومة الفلسطينية في عام 2006، اختارت شهيد الدبلوماسية الثقافية التي تتقنها منذ زمن بعيد، فذهبت إلى وزيرة الثقافة في حكومة إقليم والوني بروكسيل السيدة ماري دومينيك سيموني (لأن الثقافة والتعليم والصحة وغيرها من المجالات الاجتماعية هي من صلاحيات الحكومات الإقليمية في بلجيكا، عكس وزرات السيادة، مثل: الدفاع والخارجية والعدل والمالية، وهي من صلاحيات الحكومة الفيدرالية)؛ لتقوم بعمل ثقافي مهم مع الدولة البلجيكية، يشابه "الربيع الثقافي الفلسطيني" الذي قامت به في فرنسا منذ سنوات، بالشراكة مع الدولة الفرنسية عبر أجهزتها المعنية بالشأن الثقافي.

فنصحتها الوزيرة البلجيكية والمعروفة بتعاطفها مع الشعب الفلسطيني، أوَّلًا بإعداد مشروع كامل، وأن يحمل هذا المشروع اسم شخصية ثقافية مرموقة تحظى باحترام ومصداقية، مثل: الشاعر محمود درويش. وثانيًا: بالتوجه لرئيس البرلمان الفيدرالي البلجيكي؛ ليتم التصويت على ميزانية هذا المشروع الثقافي تحت بند أن فلسطين مصنفة، وقبل عام 2006، بلدًا ذا أولوية، مع عدد من البلدان الأفريقية التي تحظى بتعاون ودعم رسمي من الدولة البلجيكية، وكان رئيس البرلمان ولحسن الحظ الوزير الاشتراكي أندري فلاو المعروف بدعمه لنضال الشعب الفلسطيني، والذي قدم مشروعَ قرار لدعم هذا المشروع الثقافي والذي حصل بالتصويت على أغلبية إيجابية، وأخيرًا وضعت الوزيرة السفيرة "شهيد" على تواصل مع أحد مساعديها وهو شارل أيتين لاغاس، والذي كان عونًا لها على إنجاز هذا الملف، كما عرفها على سيدة تدير إحدى المؤسسات الثقافية المهمة في بروكسيل واسمها: فابيان استراد، والتي ستنال سريعًا ثقة وصداقة ليلى شهيد، مثلها مثل السيدة ديان أمبير.

نسجت شهيد مع فابيان والتي تدير مكانًا ثقافيًّا مرموقًا وسط بروكسيل، واسمه 

les Halles de Schaerbeek والذي يحوي قاعات سينما ومعارض واسعة، علاقة تعاون وثيقة، وتم وضع خطة تشمل تقديم أبرز جوانب الثقافة الفلسطينية.

وفورًا تواصلت ليلى مع الشاعر محمود درويش؛ ليكون الرئيس الفخري لهذا الموسم الثقافي، فاعتذر درويش بداية؛ لأنه كان لديه حَدْس بأنه سيفارق الحياة قريبًا، وأنه يريد أكبر وقت لإنهاء مشروعاته الشعرية، ولكن أمام إصرار ليلى التي وعدته بألَّا تأخذ من وقته، وأنها فقط بحاجة لاسمه، وافق شاعر فلسطين على أن يكون الرئيس الفخري للموسم الثقافي والذي أخذ اسم: "مسارات"، ويشاء القدر، كما تروي شهيد بتأثر، أن يغادر درويش في أغسطس 2008؛ أي: قبل شهرين من إطلاق الحدث بحضور رئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك دكتور سلام فياض.

تحت اسم محمود درويش استطاعت ليلى شهيد أن تحشد مشاركة نخبة من المثقفين الفلسطينيين، وأن تشكل، مع صديقتها فابين، فريقًا نشطًا من مثقفين عرب وبلجيكيين يعملون بهمة ونشاط عاليين، وأن تتعرف على أهم المؤسسات الثقافية وتقيم معها لاحقًا علاقات وطيدة، لدرجة أن الشاعر محمود درويش، كما تقول شهيد وأمام هذا التفاعل الفلسطيني البلجيكي طلب من ليلى أن يكون على اطِّلاع بهذه النشاطات، وأن يتم إشراكه بالنقاشات الدائرة لكونه رسميًّا الرئيس الفخري للتظاهرة.

ومن الثقافة البوابة الواسعة، خطت السفير شهيد، على رأس طاقم مهني نشط في سفارة فلسطين في بلجيكا، خطوات ثابتة واثقة، نحو الأوساط مختلف الأوساط السياسية البلجيكية من حكومات وبرلمانات فيدرالية وإقليمية، بلديات ومؤسسات عديدة في المجتمع ووسائل الإعلام والتي كانت شهيد ضيفة مستمرة عليها، مثلما كانت في فرنسا، وكل ذلك مدعمة بحركة تضامن قوية مع فلسطين، بدأت في نهاية الستينيات وشخصيات بلجيكية وعربية مرموقة معروفة بدعمها لفلسطين منذ سنوات طويلة.

وكان لموسم "مسارات" الذي لاقى نجاحًا باهرًا وتغطية واسعة في وسائل الإعلام، الفضل في أن تعرفت ليلى، كما تذكر، على أغلب الشخصيات الرسمية والأهلية في العديد من المجالات، والتي بقيت على تواصل مستمر معها حتى بعد مغادرتها بلجيكا في عام 2015 لتذهب للتقاعد .

تجربة ليلى شهيد في بلجيكا والتي أحبتها كثيرًا جعلتها، وبناء على سؤال وجهته لها، تعقد مقارنة مع تجربتها الغنية في فرنسا في العمل السياسي والثقافي، فهي أولًا ترى أن "فرنسا دولة عظمى وكانت لديها إمبراطورية ضخمة، واستطاعت من خلالها الاستفادة كثيرًا من مستعمراتها، فقد أرسل الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت إلى مصر قرابة 100 باحث في كافة العلوم، كما أرسلت فرنسا إلى المغرب ومراكش تحديدًا أهم الرسامين الذين رسموا المغرب وصوروها بإبداعهم، والفرنسيون لهم علاقة عميقة بالفكر والفلسفة والتاريخ، وهذا أثَّر على البلجيكيين لأن هناك لغة مشتركة بينهم".

ولكن لفرنسا، تضيف شهيد: "عقدة فظيعة مع الجزائر؛ لأنها خرجت مطرودة منها بثورة جزائرية، والفرنسيون القادمون من الجزائر والعائدون إلى فرنسا، كان يتم النظر لهم على أنهم نصف فرنسيين، وبقي هناك شعور صعب في فرنسا تجاه الجزائر، والعلاقة الفرنسية الجزائرية هي التي طبعت العلاقات الفرنسية العربية بما في ذلك العلاقة مع فلسطين".

" أما بلجيكا، تلاحظ ليلى، فتاريخها الاستعماري يتركز في أفريقيا، في الكونغو وبوروندي تحديدًا، وليس لها أي ماضٍ استعماري مع العرب، وبالتالي لا يوجد أي نزاع، الأمر الذي يجعل علاقتها مع العرب أسهل بكثير من علاقتها بفرنسا؛ لذلك ترى في كثير من البلديات البلجيكية مسؤولًا من أصل عربي أو مغربي تحديدًا، فبلجيكا هي بلد مشكَّل عمليًّا من اللاجئين أتوا من دول أوروبية، مثل: إيطاليا أو بولندا، لدرجة أنك ترى أن رئيس وزراء بلجيكا أتى والده من إيطاليا ليعمل في أحد المناجم في بلجيكا، وهذا يجعل مشاعر العنصرية تجاه الأجانب في بلجيكا أقل وطأة من بلدان أوروبية أخرى".

" مع ذلك، تختتم سفير فلسطين: يستفيد البلجيكيون كثيرًا من العمق الثقافي الفرنسي، ويوجد الكثير من الكتاب والفنانين البلجيكيين يسكنون وينتجون في فرنسا، وهم بحكم وجود عدة لغات للبلجيكيين من هولندية وفرنسية وألمانية تتحدثها أقلية، فهم أقرب للبساطة والمحلية، والثقافة لديهم منقسمة حسب اللغة، عدا أن بلجيكا بلد صغير بعدد سكانه والذي يبلغ قرابة 10 ملايين نسمة، قياسًا على فرنسا صاحبة 70 مليونًا.

ما زالت ليلى شهيد تواصل حضورها ونشاطها في بلجيكا وفرنسا في العديد من المؤتمرات والفعاليات الثقافية، ونشاطات حركة التضامن مع فلسطين؛ فهي ترى نفسها أوَّلًا مناضلة من أجل العدالة والحرية، وما زالت بصماتها حاضرة بقوة في كل مكان عملت به .