دراسات
شريف إماممراسلات قُرَّاء مجلة الهلال (1892-1906) الجزء الخامس
2024.05.03
مصدر الصورة : آخرون
(دراسة من خمسة أجزاء-الجزء الخامس)
نقد روايات ومرويات جورجي زيدان
استأثر جورجي زيدان بتحرير معظم مقالات مجلته، ووجهها صوب مجالات شتى من العلوم، وإن خص التاريخ والأدب بالحظ الأوفر. ولقد تعرضت روايات ومرويات زيدان لنقد قرائه عبر منصة باب المراسلات، وكانت فاتحة هذا النقد في مطلع عام 1897، عندما أوردت المجلة شكرًا لمن كتبوا إليها بشأن رواية "فتاة غسان" وعقَّبَت بالقول: "قد شممنا في بعض كتب الأصدقاء رائحة الاستفهام عن بعض ما نشرناه، والجواب: أن ما أوردناه ونورده من الحقائق التاريخية في هذه الرواية، منقول عن مؤرخي الإسلام إمَّا حرفيًّا وإمَّا معنويًّا، كما يُفهَم مما نورده من أسماء المؤرخين في ذيل كل صحيفة، وخصوصًا الحوادث الإسلامية؛ فإن مصادرها إسلامية محضة؛ لأننا أبعد الناس عما يذهب إليه بعض الإفرنج في تأويل تلك الحوادث واستنتاج ما يستنتجونه منها". لكن ما أجملته المجلة في تلك الرسالة جاء بعد ذلك مفصَّلًا؛ فقد نشرت رسالة من الشيخ عبد الفتاح الجميل إلى صاحب الهلال مبديًا ملاحظات على روايتي "أرمانوسة" و"فتاة غسان"؛ فعلى الأولى ذكر المُرسل: "أنكم اقتصرتم فيها أخيرًا على صلح عمرو بن العاص مع المقوقس، وأخذه الحصن صلحًا، ولم تذكروا فتحه الإسكندرية؛ فقد أخذها عَنْوة مرتين، وقد يتوهم البعض أنكم اقتصرتم على ما ليس للعرب فيه كثير فضل. كذلك علَّلْتم هزيمة الروم أمام العرب بضَعف الروم؛ بسبب حروبهم مع الفرس والصراعات الدينية داخل الإمبراطورية فقط، أمَّا في الرواية الثانية فقد ذكرتم أحاديث ضعيفة، مثل: قصة الغرانيق".
وجاء رد زيدان بأن وقوفه عند فتح الحصن دون إتمام الحديث إلى فتح الإسكندرية، لا سبب له إلا الرغبة في ختام الرواية قبل انقضاء السنة الرابعة من الهلال، حتى تدخل السنة الخامسة ونبدأ برواية أخرى، أمَّا الحديث عن ضَعف الرومان فإنه تقرير للحقيقة، ولا يُقصَد به الطعن في بسالة العرب، وأمَّا حديث الغرانيق فذِكْره في الرواية لا يعني التسليم بصحته.
واستمر نقد مرويات زيدان للتاريخ الإسلامي، فوردت إليه رسالة ترد على ما ذكره في مقالته "الإمام علي بن أبي طالب" تقول: "لقد قلتم: إن قريشًا كانوا على بابه ينظرون إلى داخل البيت فيرون عليًّا على الفراش وعليه البرد، وهم يحسبونه النبي، وفي اليوم التالي عرفوه، فقالوا: لو خرج محمد لخرج بعلي معه فلم يخرجوا في طلبه.. والمحقَّق عند المسلمين كافة أنهم خرجوا في طلبه إلى أن انتهوا إلى الغار، ووقعت هناك إحدى معجزات النبي". وردَّت الهلال بأن عبارة "فلم يخرجوا في طلبه"، تفيد أنهم لم يخرجوا إذ ذاك؛ أي: بينما كان علي نائمًا والبرد عليه، وذلك لا يمنع خروجهم بعدئذٍ.
ومن المساجلات حول مرويات زيدان: حديثه في مجموعة مقالاته "تاريخ آداب اللغة العربية" أن "اللغة في العصر الجاهلي امتازت بخلوها من اسم الجلالة، ولا نعلم وجه تسمية والد محمد نبي الإسلام "عبد الله"، على حين أن الجاهلية كانوا يسمون في مثل تلك الحال بإضافة لفظ العبد إلى أسماء آلهتهم، ولم يكن لفظ الجلالة معروفًا إلا في النصرانية، ولعل ذلك يكون خطأ من الراوين، أو تساهلًا من الناقلين، أو لسبب قد فاتنا علمُه". ولقد أجابه القاضي عبد الغفار بك رياض قاضي محكمة المنصورة بما فاته علمه، قائلًا: "إن عرب الجاهلية ليسوا سواء؛ فمنهم المنكر لوجود الله، ومنهم المعتقد بوجوده، لكنهم لا يعتقدون بالبعث بعد الموت، ولقد أخبر عنهم القرآن بالقول: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل: 38]، بل إن أصنام الجاهلية كانت مسعًى للتقرب لله، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]. ولقد ذكر ابن الأثير الكثير ممن سُمُّوا بـ"عبد الله" قبل الإسلام؛ مثل: زهير بن جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة".
ومما أثارت المجلة الجدل حوله، مسألة القطع بأن الإسكندر الأكبر المقدوني هو ذو القرنين المذكور في القرآن، فعلى مدى عددين روجت لهذه المسألة، بل إنها وضعت على غلاف هذين العددين صورة الإسكندر المقدوني، وتحتها إسكندر الأكبر "المكدوني" المعروف بذي القرنين. ولقد رد أحد علماء الأزهر في حينه؛ وهو الشيخ أحمد محمد الألفي، فذكر أن ذا القرنين الذي حكى عنه القرآن أحد ملوك قبائل حمير من اليمن، وأنه اجتمع مع النبي إبراهيم عليه السلام وعانقه كما ورد في الصحيحين، وهو مختلَفٌ في نبوته. أمَّا إسكندر الروم الملقَّب بذي القرنين أيضًا؛ فهو من ملوك اليونان وفلاسفتهم؛ لأنه تلميذ لأرسطو، وبينه وبين ذي القرنين ألف وتسع مئة وثمان وخمسون سنة تقريبًا، ومؤرخو الإفرنج نقلوا تاريخه ولم ينسبوا إليه بناء السد المذكور في القرآن. ومع ذلك، ظلت المجلة على رأيها متخذة من كتابات مرسَلة لبعض المؤرخين المسلمين دليلًا على صحة دعواها؛ فكتب زيدان: "إن مفسري القرآن قالوا: إن ذا القرنين الوارد ذكره في القرآن، إنما هو إسكندر "المكدوني"؛ لتشابهٍ بينهما في العظمة والسطوة، على أنهم في اختلاف من حيث زمن وجوده، وفي كونه نبيًّا أو غير نبي". وفي الحقيقة، فإن بعض كتابات زيدان في التاريخ العام لم تَرُق حتى للأوروبيين، فكتب مارتن هارتمان يقول: "بالرغم من أن زيدان قد أهَّل نفسه بشكل جيد، إلا أنه من المؤسف عدم رجوعه في الكثير من دراساته إلى المصادر الأصلية، والاعتماد على الكتب المدرسية الأوروبية". لكن ما يُحسَب للمجلة استمرارها في نشر مراسلات فيها انتقاد لما تنشره مطبعة الهلال من كتب، حيث نشرت رسالة تصف تلك المطبوعات بالبعد عن هدي المجلة ومخالفتها ثوابت الدين. وردت مطبعة الهلال على لسان متري زيدان بأنها تقوم بمراجعة مسودات الكتب قبل نشرها في مطابعها.
وما كادت الهلال تفرغ من نشر حلقات رواية "عذراء قريش"، حتى تقاطرت رسائل القُرَّاء إلى مؤلفها، الذي عمد إلى انتقاء بعض الإشارات من الرسائل ولم يُورد نص أيٍّ منها، واكتفى بالقول: "لم يكد يصدر الهلال وتتداوله الأيدي ومعه الجزء الأخير منها، حتى انهالت علينا رسائل حضرات القُرَّاء وكتبهم يشكون فيها إلينا ما كان لنهايتها الحزينة من التأثير على عواطفهم، حتى أذرفوا الدمع وباتوا حزانى، ولم يذكر شيئًا عن اشتباك تلك الرسائل، مع صحة الأحداث التاريخية التي قامت عليها الرواية، خلا عرضه لنقد تاريخي واحد ورد عليه". ولمَّا كان باب مراسلات المجلة بخصوص تلك الرواية قد أوصد أمام القُرَّاء، فإن بعضهم اختار مراسلات أترابها من أجل إيصال رأيهم. ومن تلك المراسلات التي رد عليها جورجي زيدان: ما نشرته مجلة الموسوعات تحت عنوان: "انتقاد تاريخي" بإمضاء "مؤرخ"، وفيها ذكر المُرسل تحفُّظه على الصورة التي أورد بها زيدان مجتمع الصحابة واختلاقه لبعض الحوادث، وأن العودة إلى المصادر التي ترد في الرواية عقب بعض الجمل، تشهد على المؤلف أنه نقل عن أشياء وأتى بأخرى من عنده. ورد زيدان على منتقده بأنه "من فروض مؤلفي الروايات التاريخية مزج الحقائق التاريخية بالحوادث الغرامية، مزجًا يوهم وقوع تلك الحوادث فعلًا، بحيث يتعذر تمييز الواقع من الموضوع. ونقول على رؤوس الأشهاد (ولا فخر): إننا نكتب هذه الروايات ونحن نحسن القصد ونخلص النية، ولعلنا في مقدمة الذين يقدِّرون رجال المسلمين في صدر الإسلام حق قدرهم، بل نحن أول من أُعجِب بأعمالهم ومناقبهم، ويظهر ذلك جليًّا فيما نكتبه".
لم تقنع حجة زيدان بعض المثقفين، فشهد باب المراسلات أولى مكاتبات الأديب رفيق العظم لصاحب الهلال في هذا الشأن، وتلك مراسلات لم تنفضَّ إلا مع رَتق هذا الباب. ومما جاء فيها: "كان الأجدر بحضرتكم ألا تُسمُّوا تلك السلسلة من الروايات بالتاريخ الإسلامي منذ أول قصة أخذتم بنشرها؛ فقد كلفكم هذا ركوب متن التكلف واستغراق الوقت الطويل في استنباط الوضع القصصي، وتصوير الرواية الوهمية. ربما تقولون: إن الغربيين كثيرًا ما اشتغلوا في تمثيل الحوادث التاريخية في قوالب قصصية استلذها الغربيون والشرقيون أيضًا. فالجواب عن ذلك: أن بعض القصاصين الغربيين -وأشهرهم إسكندر دوماس- سبكوا بعض الحوادث التاريخية في قالب قصصي، لا لكون التاريخ هو المطلوب من قصصهم بالذات، بل لجعلهم التاريخ وسيلة لترويج قصصهم بامتزاجها بشيء من الحقائق. وإن أرادوا في بعض الأحيان التاريخ لذاته، فإنما يريدونه في تمثيل حادثٍ مهم طرأ في غضون تاريخ أمة من الأمم، وأثَّر في الوجود أثرًا ربما يكون في تمثيله شيء من الاعتبار، أما أنهم اشتغلوا بوضع تاريخ أي أمة من الأمم برمته في قالب قصصي، فهذا لم يُسمع عنهم، ولم يَرد منهم، لا سيما وأن الغربيين ينعتون إسكندر دوماس بمشوِّه وجه التاريخ؛ لسبكه بعض الحوادث التاريخية بقالب قصصي فيه كثير من الحشو واللغو المَشين برجال التاريخ". وبالنسبة لزيدان، فإن مطلب المُناظر بكتابة تاريخ مجرد عن الخيال والفكاهة لا يفي بالغرض الذي أنشئ الهلال من أجله وهو "تعميم العلم بين الناس على اختلاف مداركهم، وتفاوت معارفهم"، وتاريخ الإسلام -حسب زيدان- "أهم ما يجب علينا نشره؛ لعلاقته ببلادنا وحكامنا ولغتنا. فلو ألفنا تاريخًا لدول الإسلام لما رجونا أن ينتفع به إلا القليلون؛ لأن العامة مع رغبتهم الشديدة في مطالعة التاريخ والقصص، قلما ترى فيهم من يصبر على قراءة تاريخ ضخم من أوله إلى آخره ولا يمل. على أننا لا ننكر ما قد يلتبس القارئ فيه بين الحقيقة والمجاز، وخصوصًا إذا لم يكن ملِمًّا بمبادئ التاريخ، فتتشابه بعض الحوادث عليه. فالجواب على ذلك: أننا لا نريد بالرواية التاريخية أن تكون حجة ثقة يُرجَع إليها في تحقيق الحوادث، أو تمحيص الحقائق، ولكننا نريد أن تمثل التاريخ تمثيلًا إجماليًّا".
ثم شرع زيدان في نشر كتابه الموسوعي "تاريخ التمدُّن الإسلامي" على شكل حلقات في الهلال، استمر في نشرها لمدة ست سنوات (1902 إلى 1908). وفي خضم نشر تلك الحلقات وردته واحدة من أكثر الرسائل تفصيلًا في نقد ما نشر من حلقات هذا الكتاب، وكان مُرسلها هو رفيق العظم، وذكر في رسالته أنه طالع ما نشر من أجزاء الكتاب، فلم يجد إلا هنات لا تؤخذ عليه وإن كان ينبغي بيانها، ومنها: الأخذ ببعض الأحاديث الضعيفة معتمدًا على ورودها في كتب بعض المؤرخين من غير العارفين بأصول علم الحديث. كذا الإجمال في بعض المواضع التي تقتضي البسط؛ وأهمها العلوم التي اشتغل بها العرب في إبان مدنيتهم، وكان ينبغي بسط الحديث فيها وبيان اليد البيضاء للعرب في ترقِّي العلوم. كذلك الإكثار من جمع مثالب الأمويين ودولتهم العربية؛ حيث يرى القارئ أن القسم المختص منه -أي: الكتاب- ببني أمية عارٍ عن مآثر القوم. ورد زيدان قائلًا: "إن اعتمادي على المؤرخين دون المحدثين والمفسرين، أعدُّه واجبًا عليَّ وعلى كل مؤرخ ينظر في التاريخ من الوجهة العمرانية، لا من الوجهة الدينية؛ لما تعلمه من اختلاف أهل الدين في أبحاثهم، وتناقضهم في آرائهم تبعًا لما توحيه إليهم أغراضهم. أمَّا اختصاري في باب العلوم التي اشتغل بها العرب في إبان مدنيتهم؛ فقد وفيت الحديث عنها في "تاريخ آداب اللغة العربية"، وأخيرًا مثالب الأمويين، فلا أراني مخطئًا في إيرادها، بل أرى إيرادها واجبًا عليَّ بالاعتماد على ثقات المؤرخين، فهل يصح الإغضاء عنها لمجرد كوننا عربًا والدولة الأموية عربية؟".
ويمكن اعتبار رسالة رفيق العظم وانتقاداته لكتاب "تاريخ التمدُّن الإسلامي" آخر المراسلات التي أخذت طابع المساجلة، والتي أغلق بعدها باب المراسلات -حيث لم يرد بعدها سوى رسالتين فقط تتعلقان بأمور معرفية بعيدة عن المناظرة- بل ربما تكون هي-أي: رسالة العظم- ضمن مجموعة من العوامل، مما حمل زيدان على إغلاق باب المراسلات؛ فلقد جاءت تلك الرسالة في خضم موجة نقد بدأت من جريدة "المؤيد" وبلغت ذروتها في "المنار"، وهو الأمر الذي نال من عزيمة زيدان؛ فقد كان مدركًا -منذ البداية- لحساسية موقفه كمسيحي يكتب عن التاريخ الإسلامي؛ لذلك اتسمت كتابته بقدر من النسبية والحذر خشية أن يُرمى بالتعصب، ومن ثَم، فإن تلك الرسائل عمقت من هواجس زيدان، حتى إنه راسل ابنه قائلًا: "لولا الثناء والتقدير الصادق الذي سمعته من بعض المثقفين، لكنت تركت الكتابة في المواضيع الإسلامية واتجهت إلى مواضيع أكثر عمومية". وما كادت مجلة الهلال تغلق باب المراسلات، حتى وجد منتقدو زيدان في أندادها من المجلات أبوابًا؛ فراسلوا المنار والمؤيد. ووضع عالم الدين الهندي شبلي النعماني مجموعة من المقالات التي ضمها في كتاب نُشر في الهند عام 1912، استفتحه بالقول: "إن الدهر دار العجائب، ومن إحدى عجائبه أن رجلًا من رجال العصر يُؤلِّف في تاريخ تمدن الإسلام كتابًا يرتكب فيه تحريف الكلم، وتمويه الباطل، وقلب الحكاية، والخيانة في النقل، وتعمد الكذب ما يفوق الحد، ويتجاوز النهاية، وينشر هذا الكتاب في مصر وهي غرة البلاد، وقبة الإسلام، ومغرس العلوم، ثم يزداد انتشارًا في العرب والعجم، ومع هذا كله لا يتفطن أحد لدسائسه. ولم يكن المرء ليجترئ على مثل هذه الفظيعة في مبتدأ الأمر، ولكن تدرج إلى ذلك شيئًا فشيئًا، فإنه أصدر الجزء الثاني من الكتاب وذكر فيه مثالب العرب دسيسة يتطلع بها على إحساس الأمة وعواطفها، ولما لم يتنبه لذلك أحد، ولم ينبض لأحد عرق، ووجد الجو صافيًا، أرخى العنان، وتمادى في الغي، وأسرف في النكاية في العرب عمومًا، وخلفاء بني أمية خصوصًا".
خلاصة القول:
إن القضايا التي شغلت حيزًا كبيرًا في مناقشات باب المراسلات، هي بالأساس شواغل جورجي زيدان، لكنها أيضًا شواغل مجتمعية، وقد كان حريصًا باستمرار على ضخ تساؤلات جدلية؛ لاستجلاب المزيد من التفاعل، وتلك ظاهرة رصدها أندرو هوبز في دراسته لصحافة إنجلترا في القرن التاسع عشر؛ مما يعني أنها مألوفة من قبل المحررين، لكن تحليل الرسائل يُظهِر خلوها من ظاهرة تحرير بعضها من قبل هيئة التحرير، وتلك أحد أعظم المخاوف التي أثارتها دراسة هوبز عند الشروع في استخدام باب المراسلات كمصدر للمعرفة التاريخية.
وأخيرًا يُلاحظ إحجام باب المراسلات عن إثارة أمور سياسية، أو أحداث معاصرة، فكما يذكر فليب توماس؛ فإن زيدان صاحب الاهتمام الملحوظ بالعصر الحديث وقضاياه، لم يكن يعتبر مهمة الهلال هي معالجة الأحداث السياسية الجارية، أو إبداء آراء سياسية واضحة حول هذه الأحداث، بل كان اهتمامه منصبًّا على إعطاء خلفية تاريخية عامة لمثل هذه الأحداث والأشخاص الذين يقفون وراءها. فزيدان كان من أنصار تيار القومية المصرية، الذي يرى أن الحاكم الأجنبي سيتخلى طواعية عن سيطرته على الأمة بمجرد أن تنضج شخصيتها وتعليمها.