هوامش

خورخي مارتن

هجوم إرهابي إسرائيلي على لبنان

2024.09.27

مصدر الصورة : وكالة الأناضول

ترجمة: عمرو جمال صدقي
المقال الأصلي منشور على موقع Révolution - يوم 19 سبتمبر 2024[1]

 

نتنياهو يريد إشعال حرب إقليمية

 

قُتل ما يقرب من أربعين شخصًا، بينهم طفلان على الأقل، وأصيب آلاف آخرون في سلسلة من الهجمات على لبنان. تم تفخيخ أجهزة الزنان وأجهزة الاتصال اللاسلكية وأجهزة اتصال أخرى يستخدمها أعضاء حزب الله على وجه الخصوص، هذا التفخيخ تم في وقت سابق وانفجرت الأجهزة على موجتين متتاليتين يومي الثلاثاء والأربعاء. وخلال الموجة الثانية من الانفجارات، أصيب أو قُتل العديد من الأشخاص أثناء تشييع ضحايا هجمات اليوم السابق.

وصرح مسؤولون أمريكيون للصحافة بأن الهجوم نفذه الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات الإسرائيلية. وحدث هذا الهجوم الإرهابي بينما كانت تصوِّت الحكومة الإسرائيلية على إضافة إلى "أهدافها الحربية" عودة مواطنين الشمال الذين فروا من المناطق القريبة من الحدود اللبنانية. وهذه حجة في الحقيقة، لمهاجمة لبنان.

يعتبر هذا الهجوم هجومًا إرهابيًّا، حيث انتهكت إسرائيل السيادة اللبنانية، وهاجمت حزبًا سياسيًّا يشارك في الحكومة اللبنانية. وقد أصاب الهجوم مئات المدنيين، سواء كانوا أعضاء في منظمات خيرية مرتبطة بحزب الله، أو أفراد عائلاتهم أو أصدقائهم أو مجرد مارة. وهدفه هو إثارة حرب إقليمية.

نفاق الإمبرياليين الغربيين

يجب أن نؤكد على صمت الصحافة الغربية والسياسيين البرجوازيين الغربيين. ففي العام الماضي، وبعد الهجوم الذي نفذته حماس في السابع من أكتوبر، قام هؤلاء الصحافيون والسياسيون البرجوازيون بحملة شرسة للضغط على أي شخص لم "يدين إرهاب" حماس على الفور. حتى أن الوزيرة الفرنسية المسؤولة عن المساواة بين المرأة والرجل، أورور بيرجي، أعلنت أن الدولة ستخفض دعمها لـ"الجمعيات التي لا تستطيع وصف ما حدث بالإرهابي" في 7 أكتوبر.

واليوم صمتهم يصم الآذان. فلو كان حزب الله هو من نفذ هذا الهجوم، لأدانت جميع الحكومات الغربية المنظمة اللبنانية على الفور ولفرضت عليها عقوبات شديدة. لكن هذه الجريمة ارتكبتها إسرائيل، التي تعد أهم حلفاء الإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط. وبالتالي لن تكون هناك عقوبات أو إدانات تستهدف الدولة الصهيونية.

منذ ما يقرب من عام، تشن إسرائيل حربًا ضد غزة، وقتلت ما لا يقل عن 40 ألف شخص، معظمهم من المدنيين. ومع ذلك، تواصل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا دعم الدولة الصهيونية، وتزودها بالمال والسلاح. نفس الشيء عندما قصفت إسرائيل السفارة الإيرانية في سوريا، حيث دعت الدول الغربية إيران -وليس إسرائيل- إلى ضبط النفس. وحتى اليوم، رفضت الولايات المتحدة إدانة الهجوم الإسرائيلي، لكنها دعت إلى تجنب "التصعيد". فبينما تستمر إسرائيل بل وتزيد من استفزازاتها المميتة في المنطقة، يطلب الغرب من ضحايا الكيان الصهيوني عدم الانتقام وإعطاء الخد الأيسر.

إسرائيل تستعد لغزو لبنان

يوم الثلاثاء، وهو يوم الموجة الأولى من الهجمات في لبنان، صوت مجلس الحرب الإسرائيلي على إضافة إلى "أهدافه الحربية" العودة الآمنة للمواطنين الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من شمال البلاد، وحمايتهم من تبادل إطلاق النار على الحدود اللبنانية. وهذا يعني أن إسرائيل تستعد رسميًّا لغزو لبنان لإقامة "منطقة عازلة" على حدودها الشمالية. هذا ما يفسر هجمات يومي الثلاثاء والأربعاء، حيث تأمل الدولة الإسرائيلية، من ناحية، في أن تزرع البلبلة داخل حزب الله، ومن ناحية أخرى، أن تثير رد فعل من جانب الحركة اللبنانية يمكن أن يستخدم بعد ذلك كحجة رسمية لغزو لبنان.

غزت إسرائيل لبنان ثلاث مرات، في أعوام 1978 و1982 و2006. وفي عام 1982، تقدمت قواتها حتى العاصمة بيروت، حيث ساعدت الميليشيات المسيحية اللبنانية على مذبحة لآلاف اللاجئين الفلسطينيين. وبين عامي 1982 و2000، احتل الجيش الإسرائيلي جزءًا من جنوب لبنان، وحوله إلى منطقة عازلة، وطرد مئات الآلاف من اللبنانيين من منازلهم.

إن أي غزو جديد للبنان لن يكون له أي علاقة بـ"أمن" سكان شمال إسرائيل. فخلال العام الماضي، نفذ الجيش الإسرائيلي الأغلبية العظمى من الهجمات عبر الحدود، وهو المسؤول بشكل مباشر عن 80٪ من ضحاياها. واضطر العديد من المدنيين اللبنانيين إلى الفرار من المنطقة الحدودية، وهو عدد أكبر بكثير من عدد الإسرائيليين الذين هربوا من شمال البلاد. إذا طبقنا منطق الحكومة الإسرائيلية، فعلى لبنان أن تغزو إسرائيل، وليس العكس. علاوة على ذلك، أكد حزب الله مرارًا وتكرارًا على أنه سينهي هجماته ضد الجيش الإسرائيلي إذا تم التوقيع على وقف إطلاق النار في غزة. فمن أجل ضمان أمن سكان شمال إسرائيل، على نتنياهو فقط أن ينهي الحرب في غزة. لكنه قام عمدًا بتخريب كل المفاوضات التي تهدف إلى وقف إطلاق النار.

 انقسام داخل الكيان

يسبب احتمال غزو لبنان هناك انقسامات عميقة في أعلى أجهزة الدولة الإسرائيلية. ووفقًا للمعلومات التي أوردتها على وجه الخصوص إذاعة "كان" العامة الإسرائيلية، فإن الجنرال أوري جوردين، قائد القيادة الإقليمية الشمالية للجيش الإسرائيلي، مؤيد تمامًا مثل نتنياهو للغزو، لكنهما يواجهان معارضة من وزير الدفاع يوآف جالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي. إن معارضتهما للهجوم على لبنان وحزب الله ليس بسبب "نزعة سلمية" ما. لكنهم يدركون أن حزب الله عدو أقوى بكثير من حماس. فخلال غزو عام 2006، تمكن حزب الله من إفشال هجوم الجيش الإسرائيلي وإجباره في نهاية المطاف على إخلاء لبنان. وهم يعلمون أيضًا أن هذا الهجوم سيتم أيضًا بينما لم تنتهِ الحرب على غزة ولم يحقق الجيش الإسرائيلي أيًّا من أهدافها. فحماس لم يتم تدميرها، بل على العكس من ذلك، حيث تواصل مقاومة الهجوم الإسرائيلي، وتستطيع تعزيز نفسها من خلال اجتذاب مجندين جدد داخل صفوف عشرات الآلاف من الشباب الفلسطينيين الذين أصبحوا أكثر راديكالية بسبب الجرائم البشعة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي.

استشهد مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز أخيرًا بتحليل الجنرال السابق غادي شامني، القائد السابق لفرقة غزة في الجيش الإسرائيلي: "حماس تربح هذه الحرب […]، جنودنا ينتصرون في كل المعارك التكتيكية ضد حماس، لكننا نخسر الحرب."

واستشهد مقال آخر نشرته شبكة ABC News بعدد من العسكريين الإسرائيليين المجهولين الذين زعموا أن نتنياهو: "يدفع إسرائيل نحو حرب كارثية محتملة ضد حزب الله في لبنان". وأضاف آخر بأن الحرب ضد حزب الله ستكون: "من السهل البدء بها، ولكن من الصعب جدًّا إنهاؤها".
 يرفض نتنياهو ذلك، فهو يريد أن تستمر الحرب وتنتشر بأي ثمن، وأن يبقى في السلطة حتى لا يذهب إلى المحكمة في قضايا فساد متعددة. وهذا يقوده إلى الاعتماد أكثر فأكثر على التيارات الصهيونية الأكثر تطرفًا، التي تأمل أن تكون الحرب الحالية فرصة لضم قطاع غزة والضفة الغربية، وطرد الفلسطينيين من تلك المناطق. وفي مواجهة فشل الحرب في غزة، يزيد نتنياهو من استفزازاته لمحاولة إثارة حرب إقليمية سيضطر الأميركيون إلى المشاركة فيها.

وقد أدت هذه الانقسامات حول استمرار الحرب إلى سلسلة من المواجهات العامة والمناورات الخفية. على سبيل المثال، يحاول نتنياهو حاليًّا إقالة جالانت من منصبه كوزير للدفاع، وهذا يعارضه جزء كبير من الطبقة الحاكمة الإسرائيلية. فهي تشعر بالقلق من تأثير الحرب ضد لبنان على الاقتصاد الإسرائيلي، الذي تم إضعافه بسبب الحرب على غزة بالفعل. لكن الحقيقة أن مصالح نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرف لا تتطابق، في هذه اللحظة بالذات، مع مصالح معظم الطبقة الحاكمة الإسرائيلية.

الإمبرياليون وخطر الحرب الإقليمية

يشعر الإمبرياليون الأمريكيون بالقلق أيضًا. فهم يخشون الأثر الكارثي الذي ستتركه الحرب مع لبنان على توازن المنطقة وعلى الاقتصاد العالمي. ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه المغامرة إلى حرب إقليمية ضد إيران، ستضطر الولايات المتحدة إلى التدخل فيها للدفاع عن إسرائيل. 
أرسلت واشنطن مستشارًا مقربًا إلى بايدن، عاموس هوشستين، ليقنع نتنياهو بعدم غزو لبنان. لكنه فشل في ذلك، مثل كل النصائح الخجولة السابقة التي قدمتها واشنطن إلى نتنياهو، الذي يعرف جيدًا أن الأميركيين لا يستطيعون المجازفة بالقطيعة مع إسرائيل، ولذلك فهو يتجاهل نصائحهم.

ويأتي الهجوم الإسرائيلي على لبنان في وقت تزداد فيه التوترات بشكل كبير في المنطقة. وتظل مسألة الأعمال الانتقامية المحتملة من جانب إيران مطروحة بعد اغتيال الإسرائيليين لزعيم حماس، إسماعيل هنية، هذا الصيف في طهران. ويبدو أن إيران تريد تجنب حرب إقليمية، ولكن قادتها لا يستطيعون الصمت الدائم في مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية.

وقبل أيام قليلة، أطلق الحوثيون في اليمن -وهم حلفاء إيران- قذيفة في اتجاه إسرائيل. يزعمون أنه صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت. ومهما كانت طبيعته (وربما أعطتهم إيران هذا السلاح)، فقد تمكن من الوصول إلى إسرائيل من دون أن تسقطه السفن الأمريكية أو الفرنسية الموجودة في المنطقة، كما أحبط جزءًا من الدفاع الجوي الإسرائيلي. هذا تطور مثير للقلق للكيان وكذلك بالنسبة إلى الأميركيين، الذين يتمتعون بحضور قوي في المنطقة.

لا يمكننا التنبؤ بيقين بما سيحدث بعد ذلك، لكن من الواضح أن نتنياهو يسعى إلى إثارة حرب إقليمية. والهجوم على حزب الله ولبنان جعل هذا الاحتمال أكثر ترجيحًا. صراع بهذا الحجم سيكون مدمرًا ودمويًّا بشكل لا يصدق. نرى مسؤولين إسرائيليين يتحدثون علنًا عن "إعادة لبنان إلى العصر الحجري" ويهددون بتحويل بيروت إلى غزة أخرى. لكن لا يمكن إدانة القادة الإسرائيليين وحدهم. فبدون مساعدة وحماية الإمبرياليين الغربيين، لن تتمكن إسرائيل من مواصلة حملتها المميتة ضد غزة ليوم آخر، ولا يمكنها التهديد ببدء حرب إقليمية.

هذا هو كل ما تقدمه الرأسمالية والإمبريالية: رعب لا نهاية له. ولهذا نقول: يسقط دعاة الحرب! إذا أردنا السلام، علينا أن نسقط النظام البالي الذي هو أصل الإمبريالية والحروب.


1- https://marxiste.org/international/moyen-orient/liban/3511-attaque-terroriste-israelienne-au-liban netanyahou-veut-provoquer-une-guerre-regionale