هوامش

ناثان دياس

وقف إطلاق النار في لبنان: هل هي نهاية الحرب حقًّا؟

2024.12.07

تصوير آخرون

ترجمة: عمرو جمال

 

 قد يكون وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل مجرد هدنة مؤقتة


المقال الأصلي منشور على موقع Révolution Permanente في تاريخ 27 نوفمبر 2024 [1]

 

بعد مرور ما يقرب من 400 يوم على فتح حزب الله جبهة جنوب لبنان "دعمًا" لغزة، وبعد مرور أكثر من شهرين على التصعيد الكبير الذي قامت به إسرائيل، وقَّع الطرفان المتحاربان على اتفاق لوقف إطلاق النار، دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء 27 نوفمبر في الساعة الرابعة صباحًا.

وتم إبرام الاتفاق الذي تفاوض عليه المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان عاموس هوشستاين، بعد عدة أسابيع من المفاوضات. ولعبت فيه الولايات المتحدة وفرنسا دورًا مهمًّا. حيث رحب الرئيس الأمريكي الذي لا يزال في منصبه، جو بايدن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء الثلاثاء، بالإعلان عن تنفيذ وقف إطلاق النار، بعد موافقة مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي على النص.

وأعلنوا في بيان صحفي مشترك أن الاتفاق: "سيخلق الظروف اللازمة لاستعادة الهدوء بشكل دائم وسيسمح بعودة سكان جانبي "الخط الأزرق" إلى منازلهم، هذا الخط الذي رسمته الأمم المتحدة. هذا ما ردده القادة الغربيون و"المجتمع الدولي" الذين دعموا الاتفاق وقدموا أيضًا الدعم مرة أخرى إلى الكيان الذي يواصل ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة.

وسارعت الدبلوماسية الفرنسية، صباح الأربعاء، بإعلان أن نتنياهو سيستفيد من "الحصانة" على الأراضي الفرنسية ردًّا على مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الدولة الإسرائيلي. ويبدو ذلك شيئًا رمزيًّا، بعد أن أبدت إسرائيل -لعدة أيام- رغبتها في استبعاد باريس من لجنة مراقبة القرار 1701. إنه "قانون دولي" متغير، مرة أخرى. هذا يذكرنا أيضًا بأن الحل الدائم لا يمكن أن يأتي من مفاوضات أولئك الذين يشكلون الأسباب الرئيسية للوضع الراهن في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فأيًّا كانت المفاوضات الضمنية وبعيدًا عن حماس ونفاق مؤيدي إسرائيل، فإن وقف إطلاق النار يظل رغم ذللك مُرحَّبًا به، ويعتبر أيضًا تحسنًا في الوضع البائس لملايين اللبنانيين الذين نفاهم الجيش الإسرائيلي. إن الصور التي التقطت يوم الأربعاء للعائلات العائدة إلى ديارها أسعدت جميع الذين يراقبون بحزن لا نهاية له التطورات المرعبة في الشرق الأوسط منذ أكثر من عام.

لكن برغم هذه المشاهد، لا يمكن أن ننسى أن في الوقت نفسه، تستمر المجازر في غزة، حيث يهدد الجيش الصهيوني بتطبيق خطة "التجويع والإبادة"، الذي سيطبق أكثر من أي وقت مضى، إعادة استعمار شمال القطاع على الأقل. أيضًا، الوضع في لبنان لا يزال هشًّا جدًّا.

وبينما نفذ جيش الدفاع الإسرائيلي حملة قصف وحشية جدًّا على بيروت في الساعات التي سبقت التوقيع على وقف إطلاق النار، أصر نتنياهو على أن إسرائيل ستحتفظ بالحرية الكاملة وأنه لا ينوي إنهاء الحرب في لبنان[2]. وتؤكد النقطة الرابعة من الاتفاق من هذا المنظور أنه لا يمكن التشكيك في الحق في "الدفاع عن النفس". إنها ثغرة، قد تُشرعِن العمليات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية.

ويتضمن اتفاق وقف إطلاق النار أيضًا فترة انتقالية مدتها 60 يومًا، من المتوقع أن تسحب خلالها إسرائيل قواتها من جنوب لبنان، بشرط أن يقوم حزب الله بنقل أسلحته الثقيلة وبنيته التحتية ومقاتليه شمال نهر الليطاني. وسيتولى الجيش اللبناني، بدعم من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، السيطرة على المنطقة، تحت سيطرة جوية إسرائيلية ولجنة إشرافية مكونة من الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة ولبنان.
ومع ذلك، في حين أنه من المحتمل جدًّا في البداية، أن يتم تطبيق إجراء أولي لخفض التصعيد، فإن الاشتباكات المتفرقة المحتملة قد تهدد احتمالات وقف دائم لإطلاق النار. يتشابه هذا السيناريو مع ما حدث عام 2006، عندما اضطرت إسرائيل إلى وقف عدوانها على لبنان بناءً على قرار دولي لم يقدم أي ضمانة حقيقية لتنفيذه.

إذا كان الاتفاق الذي تم توقيعه يوم الثلاثاء يستند إلى حد كبير إلى القرار 1701 الذي أنهى الحرب السابقة بين إسرائيل وحزب الله، فإن الوضع مختلف تمامًا اليوم. فالفارق الأول والأكثر أهمية هو أن القوات المسلحة الصهيونية ألحقت أضرارًا أكبر بكثير بـحزب الله مما كانت قادرة على إحداثه في عام 2006. وعلى الرغم من أن حزب الله لا يزال قادرًا على استهداف إسرائيل بصواريخه، فإن الصراع كان غير متكافئ، حيث كانت خسائر إسرائيل أقل بكثير من خسائر حزب الله. فالتنظيم أضعف بكثير مما كان عليه قبل عام، وقد مات عديد من قادته، واهتزت هيبته.

والفرق الثاني هو أن الإسرائيليين تعلموا: "دروس 2006 و1701"، كما أعلن سفير الكيان لدى الأمم المتحدة أخيرًا. ومن المرجح أن تكون إسرائيل حريصة هذه المرة، على تحقيق انسحاب كامل لقوات حزب الله شمال نهر الليطاني بشكل فعال. وسوف يسعون أيضًا إلى منع إيران من إعادة تسليح الحزب عبر الأراضي السورية. وطالبت إسرائيل بضمانات رسمية من الولايات المتحدة في القضيتين، مع احتفاظها بحرية ضرب أي تحرك يخالف الاتفاق. ومن الممكن اتباع إستراتيجية متعددة، تتضمن بشكل خاص السيطرة المباشرة أو غير المباشرة (عن طريق الغارات الجوية الإسرائيلية) على حدود لبنان الشرقية لمنع أي إعادة تشكيل لترسانة حزب الله.

كاستمرار طبيعي للقرار 1701، وللوصاية الدولية على جنوب الليطاني، فإن الهدف الواضح هو النجاح في تنفيذ القرار الدولي 1559 الذي ينص على نزع سلاح حزب الله. وسواء كانت الأمور تسير في هذا الاتجاه أو إذا كان صراع تناقض الأهداف سيؤدي إلى جولة جديدة من الحرب بالوكالة، هذه المرة بين إيران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، فهو سؤال مفتوح.

ولم يتحدد بعدُ مدى الهزيمة العسكرية للميليشيا الشيعية. والسؤال المهم هو ماذا سيكون رد إيران. فمن الصعب ألا نلاحظ كيف غيرت طهران موقفها، بعد أن أصرت في البداية على رفض حزب الله لوقف إطلاق النار في لبنان قبل وقف إطلاق النار في غزة. وأرجع بعض المحللين هذا التطور إلى مخاوف من مشاركة واشنطن في هجوم إسرائيلي مستقبلي على قدرات إيران النووية، في سياق عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
إذا كان هذا التقدير الأخير صحيحًا وكانت طهران تسعى إلى إبرام "صفقة" مع ترامب، فإن الثمن الذي ستدفعه سيكون نزع السلاح عن "وكلائها" الإقليميين وتحفيز -خاصة حزب الله- على بناء دولة وطنية ليست موازية للدولة. لكن هذا يعني أيضًا التخلي عن البرنامج النووي. لكن صار هذا الاحتمال أقل تأكيدًا منذ أن ذكرت أجهزة الاستخبارات الأميركية في يوليو أن: "إيران واصلت زيادة حجم مخزونها من اليورانيوم، وقدرتها على التخصيب، والتقدم الذي أحرزته في تصنيع وتشغيل أجهزة الطرد المركزي".

وفي الخلفية تستمر التناقضات الإسرائيلية، حيث يعود نجاح المفاوضات في الأيام الأخيرة إلى حد كبير إلى الإرهاق والصعوبات الناجمة عن المجهود الحربي. وقد أشارت عدة تقارير في الأسابيع الأخيرة إلى أن جنود الاحتياط الإسرائيليين لم يعودوا يستجيبون بشكل كامل لدعوات التعبئة، ما يعقِّد قدرة الجيش الإسرائيلي على القيام بعمليات برية.

بعد مذكرات الاعتقال الدولية التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد يوآف غالانت وبنيامين نتنياهو، أصبح التوقيع على وقف إطلاق النار بمثابة تعهد كامل للقوى الإمبريالية، كما أظهر تغير موقف فرنسا. إضافة إلى ذلك، كان نتنياهو واضحًا جدًّا بشأن الأهداف التي بررت الوقف المؤقت للأعمال العدائية. ففي خطابه الليلة الماضية، طرح رئيس الوزراء ثلاثة أسباب: "هناك عدة أسباب لوقف إطلاق النار هذا. نود أن نركز في التهديد الإيراني، ونريد أن نمنح جيشنا وقتًا للراحة وتعبئة مزيد من الجنود. صحيح أن هناك بعض التأخير في تسليم المعدات وعلينا أن ننتظر. وأخيرًا، فعلنا ذلك أيضًا لعزل حماس، فكان من الضروري إخراج حزب الله من المشهد."

ورغم أن حزب الله يحتفظ بالقدرة على توجيه ضربات مكثفة إلى الأراضي الإسرائيلية، فإن إسرائيل تجد نفسها مضطرة إلى التخلي عن أهدافها القصوى. وهو وضع يمكن أن يساهم في تعزيز التشدد الاستبدادي في المجتمع الإسرائيلي. ففي جانب "المعارضة"، عارض جالانت ولابيد بالفعل وقف إطلاق النار. ومن جانبه، وصف اليميني المتطرف بن جفير، وزير الأمن القومي في حكومة نتنياهو، الاتفاق بأنه "فخ تاريخي".
إن هذا الترابط ساهم منذ أشهر بشكل حاسم في الاتجاهات نحو أقلمة الحرب. والأمر الوحيد المؤكد في هذا السياق هو أن وقف إطلاق النار مع حزب الله لم يحل أيًّا من هذه التناقضات ولم يقدم ردًّا دائمًا على مآزق الإستراتيجية الإسرائيلية. وفي هذا السياق، قد يكون وقف إطلاق النار مجرد هدنة مؤقتة أخرى في مواجهة متعددة الأوجه بدأت قبل أكثر من أربعين عامًا مع تأسيس حزب الله، وحتى قبل ست سنوات مع ولادة "الجمهورية الإسلامية". والتي تعود جذورها حتى قبل ذلك، عند ولادة الكيان الصهيوني ومع ظهور القضية الوطنية الفلسطينية.


1- https://www.revolutionpermanente.fr/Cessez-le-feu-au-Liban-la-fin-de-la-guerre-vraiment

2- في خطاب ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي في التلفزيون الإسرائيلي الساعة السابعة مساء بالتوقيت الفرنسي، قال: "لقد قالوا إننا لا نستطيع العودة إلى القتال عندما وقعنا على وقف إطلاق النار مع حماس. لكننا عدنا إلى القتال. لقد ظنوا أنه بسبب الضغوطات الدولية، لن نتمكن من الاستيلاء على جنوب غرب غزة. ولكن تمكنا من القيام بذلك. نحن نفعل ما نقوله وإصرارنا على تحقيق النصر لا يزال قائمًا".