الحركة النسوية المصرية
شيماء حمديالجرائم ضد النساء والسياسة العقابية
2024.05.11
مصدر الصورة : آخرون
هل تغليظ العقوبات في جرائم العنف ضد النساء هو الحل الأمثل؟
خلال السنوات الماضية، دأب المشرع المصري على تغليظ العقوبات في بعض الجرائم التي تستهدف النساء في المجتمع المصري، مثل: جريمتي التحرش والختان، إلى جانب تشديد العقوبة ضد الممتنعين عن دفع النفقات الشرعية، كما استُحدِثت عقوبات أخرى مشددة، مثل: قضايا تهديد الفتيات بنشر صورٍ فاضحةٍ لهنَّ؛ بغرض الابتزاز أو الامتناع عن تسليم الميراث.
ورغم العقوبات المشدَّدة التي فرضها المشرِّع، والتي عملت السلطة القضائية على تطبيقها في بعض الأحيان، لا زالت هذه الجرائم تُرتكَب ولم يأتِ توجه المشرع بثماره كما كان المتوقَّع، بل ازدادت جرائم العنف ضد المرأة حتى وصل الأمر إلى حد القتل في الشوارع نهارًا جهارًا، وهو ما يدعو إلى التأمل في السياسة العقابية والجنائية التي تنتهجها الدولة لمواجهة ما تتعرض له النساء في مصر؛ سواء على مستوى العنف، أو مستوى التمييز السلبي.
في هذا المقال ناقشنا عددًا من المتخصصين؛ سواء من القانونيين أو المهتمين بشؤون المرأة؛ لمعرفة ما إذا كان توجه الدولة نحو تغليظ العقوبات أو استحداثها هو الحل الأمثل والوحيد لمواجهة ما تعانيه المرأة من عنف وتمييز، أم أن هناك خطوات وآليات أخرى يجب على الدولة اتخاذها وتطبيقها؛ للحد من هذه الجرائم؟
ارتفاع نسبة الختان رغم التجريم وتغليظ العقوبة
شهدت مصر خطواتٍ نحو تغليظ عقوبة ختان الإناث؛ أملًا في القضاء على هذه الظاهرة المَقيتة، التي تُشكِّل انتهاكًا صارخًا لحقوق الفتيات والنساء.
غُلظت عقوبة الختان في مصر على مرحلتين بعد أن جُرمت لأول مرة في مصر عام 2008، عقب وفاة الطفلة بدور أحمد شاكر من محافظة المنيا، التي وافتها المنية بعد أن خضعت لعملية ختان في عيادة خاصة في يونيو 2007؛ إذ وافق البرلمان المصري في يونيو 2008 على تجريم ختان الإناث في قانون العقوبات، ووضع حد أدنى للحبس لمدة ثلاثة أشهر، وبحد أقصى لمدة عامين، أو عقوبة بديلة بحد أدنى 1000 جنيه مصري، وبحد أقصى 5000 جنيه.
وظلت عمليات الختان والوَفَيات مستمرة رغم التجريم، كما ظل القانون عاجزًا عن التصدي لهذه الظاهرة، فبعد عامين من صدور القانون توفيت الطفلة نرمين حداد أثناء إجراء عملية ختان لها عام 2010 داخل عيادة طبية بالمنوفية، ولم تصل هذه القضية إلى المحكمة رغم شهرة الواقعة.
وظل تجريم الختان لسنوات طويلة حبرًا على ورق، فلا أحد يتقدم ببلاغات ضد أطباء أو غيرهم يتهمهم فيها بإجراء ختان الإناث. وبحسب المسح الصحي السكاني لعام 2021، فإن نسبة ختان الإناث بين السيدات انخفضت من 86% عام 2014 إلى 64% عام 2021، فرغم تراجع نسبة الختان في مصر، تظل منخفضة ولا تتناسب إطلاقًا مع حجم الموارد المخصصة، أو الجهود المبذولة على مدار أكثر من 15 عامًا في مواجهة الختان.
وفي عام 2016، قام المشرِّع المصري بتغليظ العقوبة بالسجن مدةً لا تقل عن خمس سنوات، ولا تُجاوِز سبع سنوات، وغرامة 20 ألف جنيه، على كلِّ من قام بختانٍ لأنثى "دون مبرر طبي"، والسجن المشدد "إذا أدى إلى عاهة مستديمة، أو إذا أفضى الفعل إلى الموت". وفي عام 2021 غُلِّظت العقوبة مرة أخرى وبشكل أكبـر؛ إذ تم تعديل قانون العقوبات لتصل إلى السجن المشدد لمدة لا تقل عن 5 سنوات، وغرامة 100 ألف جنيه، مع إمكانية الحبس لمدة تصل إلى 15 سنة في حال ما إذا أفضى الفعل إلى عاهة مستديمة، أو إلى الوفاة.
أوصت ورقة موقف بعنوان: "نحو تطبيق أكثر فعالية لمادة تجريم الختان" صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، على أنه بقدر أهمية الحرص على التطبيق الجاد للقانون المجرِّم للختان، يظل من الحتمي إدراك أن قضايا الختان التي تصل إلى المحاكم، ما هي إلا نسبة ضئيلة تمثل قمة جبل الجليد، فالقانون يظل عاجزًا وحده عن حماية الفتيات من الانتهاك الواقع عليهن، ولا سبيل إلى مكافحة الختان إلا من خلال التغيير المجتمعي فيما يخص قناعات المواطنين بشأن الختان، وهو التغيير الذي لم تنجح الدولة كثيرًا في خلقه على الرغم من عملها سنواتٍ طويلةً لمكافحة الختان.
التحرش الجنسي.. تغليظ العقوبة ولكن..
في خلال عشر سنوات غُلظت عقوبة جريمة "التحرش الجنسي" مرتين، بعد أن جُرمت لأول مرة بنص صريح في عهد الرئيس السابق عدلي منصور؛ إذ أصدر قرارًا برقم 50 لسنة 2014 بتعديل في أحكام قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937؛ ليتضمن المعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حال تكرار الجاني للفعل من خلال الملاحقة والتتبع للناجية، أو في حالة العودة تضاعف العقوبة لتصبح الحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وجاء التغليظ الأول في عهد الرئيس السيسي؛ إذ أصدر القانون رقم 141 لسنة 2021 بتعديل في قانون العقوبات بخصوص جريمة التحرش؛ لينص على تغليظ عقوبتي الحبس والغرامة، فلا تقل العقوبات عن الحبس سنتين، ولا تتجاوز أربع سنوات، مع غرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تزيد على 200 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حال تَكْرار الفعل من الجاني يتم مضاعفة العقوبة لتصل إلى الحبس 7 سنوات، وغرامة لا تزيد عن 500 ألف جنيه. وأضاف نص القانون تشديدًا للعقوبة في حال ما إذا كان المتحرش له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه، أو مارس عليه أي ضغط.
وفي نوفمبر 2023، أصدر البرلمان تعديلًا آخر ينص على تغليظ عقوبة التحرش للمرة الثانية بمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه، ولا تزيد عن 300 ألف جنيه، وخصص النص بالذكر على أن يكون موقع الجريمة في مكان العمل، أو في إحدى وسائل النقل.
يبدو أنَّ تغليظ عقوبة جريمة التحرش الجنسي عجزت -مثل جريمة الختان- عن مواجهة الظاهرة؛ فقد أظهرت نتائج دراسة "التحديات التي تواجه النساء في الإبلاغ عن حوادث العنف الجنسي" التي أعدتها مؤسسة تدوين (وهي مؤسسة حقوقية غير حكومية تهتم بشؤون المرأة)؛ أن 94% من النساء والفتيات المشاركات في الدراسة أكَّدنَ على تعرضهن للتحرش الجنسي، وأن 83,3 % من المشاركات اللاتي سبق لهن التعرض للتحرش الجنسي تعرضن للتحرش أكثر من مرة. وأشارت النتائج إلى أن 91,6% من المشاركات في الدراسة لم يسبق لهن التقدم بأي بلاغات. كما أوضحت الدراسة أن أكثر من نصف المشاركات 58,8% اللاتي حررن محاضر أكدن على أنه تم تسريب بياناتهنَّ الشخصية.
وتحت عنوان: "هل يحقق تغليظ العقوبة الردع في قضايا العنف الجنسي؟"، نشرت مؤسسة "المرأة الجديدة" (غير حكومية تهتم بشؤون المرأة)، مقالًا تتساءل فيه حول جدوى تغليظ العقوبة كآلية فعّالة في مواجهة تفاقم مظاهر ومعدلات العنف ضد النساء في مصر.
وأكد المقال على ضرورة أن تتبنى الدولة فلسفة تشريع مختلفة تتضمن التأكيد على دور ومسؤوليات كافة مؤسسات الدولة في التصدي لظاهرة العنف، والحث على بنية مجتمعية تناهض مظاهر العنف بصورة عامة نحو مجتمع أكثر استقرارًا واحترامًا لشرعية القانون، وآليات الوصول إلى العدالة.
الابتزاز الإلكتروني.. انتحار الفتيات رغم العقوبة
منذ العام 2018، ومع انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أقر المشرِّع المصري الابتزاز الإلكتروني لأول مرة في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018؛ إذ تنص المادة 25 منه على أن عقوبة الابتزاز الإلكتروني في مصر تصل إلى السجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر.
كما تنص المادة 26 من ذات القانون على السجن لمدة لا تقل عن العامين، ولا تزيد عن خمس سنوات للمبتز، ودفع غرامة ما بين 100 ألف إلى 300 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
كما ينص قانون العقوبات المصري في المادة 327 على"أن كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال، معاقب عليها بالقتل أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور تخدش الشرف، يعاقَب بالسجن، وتنخفض إلى الحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبًا بطلب مادي".
ورغم العقوبات الواضحة التي ينص عليها القانون لمناهضة الابتزاز الإلكتروني، توالت حالات الانتحار للفتيات اللاتي تعرضن للابتزاز الإلكتروني في مصر، وهو ما أشارت إليه مؤسسة قضايا المرأة في بيانها الصادر الثلاثاء 5 مايو، تعليقًا على واقعة انتحار طالبة جامعية مصرية في ٢٥ فبراير، بعد تعرضها للابتزاز وتهديدها بنشر صور ومراسلات خاصة، والتي عُرفت إعلاميًّا باسم: "طالبة العريش"، حيث قالت النيابة العامة المصرية في بيان لها: إنها تعرضت لابتزاز من زميل وزميلة لها.
وأشارت المؤسسة في بيانها إلى أن القوانين لا تزال غير رادعة، مطالبةً بضرورة إضافة مادة قانونية بتغليظ العقوبة في حالة تسبب تهديد المبتز وتخويفه للضحية حتى تلجأ إلى الانتحار حتى وإن لم يصحب الابتزازَ طلبٌ مادي؛ كما طالبت بالعمل على زيادة أعداد الجهات التي تتلقى البلاغات؛ نظرًا لزيادة جرائم الابتزاز الإلكتروني في الفترة الأخيرة، والتي تطورت بشكل كبير نظرًا إلى عصر الرقمنة الذي نعيشه الآن، وذلك من خلال توسيع الهيكل التنظيمي لمباحث الإنترنت، بحيث تكون لها عدة أفرع داخل المحافظات؛ حتى تواكب التوسع الكبير في استخدام الإنترنت وبلاغات الجرائم الإلكترونية.
لكن المحامية الحقوقية هالة دومة ترى أن تغليظ العقوبة ليس الحل الوحيد لردع هذا النوع من الجرائم والتي من بينها الابتزاز الإلكتروني، وأوضحت أن أزمات النساء ليست مع النصوص القانونية فقط، لكنها أيضًا مع المؤسسات المعنية باستقبال شكاوى وبلاغات النساء، والتي يُنظر إليها نظرة تمييزية وذكورية.
وأوضحت أن المشرِّع ينظر إلى تشديد العقوبة على أنها الحل الأمثل للردع، موضحةً أنه لا يوجد أشد من عقوبة الإعدام، ومع ذلك فإن جرائم القتل لا زالت منتشرة، وكان عليهم أن يلتفتوا إلى أن الردع العام والردع الخاص أصبحا لا يتحققان بالنظرة القديمة الخاصة بتشديد العقوبة؛ لأن الشخص مرتكب الجريمة يعلم جيدًا أنه يرتكب جريمة، لكنه يعلم كذلك البيروقراطية والتمييز اللذين يقعان على النساء حتى تتحقق العدالة، ومن النساء من يقع عليهنَّ العنف من أفراد أسرتهن، مثل: قضايا الابتزاز الإلكتروني قبل أن ينجحن في إثبات ما يتعرضن له وتحقيق العدالة.
وضربت المحامية الحقوقية مثالًا بما يحدث في قضايا الابتزاز الإلكتروني من التباطؤ، وعدم الاكتراث بخطورة وأهمية الموقف الذي تقع فيه النساء؛ مما يجعل المبتز لا يكترث بالعقوبة والخطوات القانونية. كما أشارت إلى تأخير وتباطؤ مباحث الإنترنت في الإجراءات واتخاذ خطوات حاسمة، وامتناع بعض الأماكن عن تحرير بلاغات، وتراخي بعضها يجعل المبتز يزداد توحشًا وتجبرًا، والأزمة هنا ليست أزمة نص قانوني، بل هي تكمن في تطبيق القانون.
عقوبة الحرمان من الميراث والتغليظ لمواجهة التهرب من النفقة
استحدث المشرِّع المصري عقوبة حرمان النساء من الميراث المنتشرة في قرى وصعيد مصر؛ ففي عام 2017، أُصدر قانون تجريم الحرمان؛ إذ تم تعديل القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، إذ تضمن تعديل القانون إضافة المادة 49 التي تكفلت بالمعاقبة بالحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعيَّ من الميراث، أو حجب سندًا يؤكد نصيبًا لوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أى من الورثة الشرعيين. وتكون العقوبة في حالة العود الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة.
وعودة لنهج التغليظ الذي يتبعه المشرِّع المصري، وفي محاولة لمعالجة الأزمة التي يعاني منها آلاف النساء المطلقات، اللواتي يعجزن عن تنفيذ أحكام النفقة على أطفالهن التي حصلن عليها؛ نتيجة ثغرات قانونية يستغلها الأزواج. توجهت الدولة إلى تغليظ عقوبة الزوج المتهرب من سداد النفقة بعقوبات تصل إلى الحبس مدة لا تزيد عن سنة، وغرامة 5 آلاف جنيه، وذلك بدلًا من 500 جنيه سابقًا، وذلك من خلال تعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937.
وحسب القانون لا تُرفَع الدعوى على الزوج المتهرب إلا بناءً على شكوى أو طلب من صاحب الشأن، وإذا رُفعت بعد الحكم عليه دعوى ثانية عن هذه الجريمة فتكون عقوبته الحبس مدة لا تزيد على سنة.
تغليظ العقوبة وسياسة الردع
كشفت تقارير حقوقية صادرة عن مؤسسات غير حكومية؛ أن العقوبات المشددة قد تمثل عقبةً أمام الإبلاغ عن الفعل، خاصة إذا وقع داخل إطار العائلة، مثل: جريمة الختان. ودعت تلك المؤسسات الحكومية إلى إعادة النظر في عقاب كلّ من دعا أو طلب الختان؛ لأنه قد يمنع الأهل من الإبلاغ عند حدوث مضاعفاتٍ خلال عملية الختان؛ لاحتمالية عقابهم والزجّ بهم في السجن. وهذا الامتناع يؤدّي إلى هروب كل الفاعلين من المسؤولية الجنائية، مما يأتي بنتائجَ معاكسةٍ تمامًا للنتائج المرجوة من التشريع.
وفي هذا تقول إلهام عيداروس الناشطة والباحثة النسوية: إن القوانين الجنائية المصرية ليست بسيطة، وهي بالفعل مشدَّدة في الكثير من الجرائم بالمقارنة بالكثير من الدول، وهناك أنواع من الجرائم التي تُرتكَب في حق المرأة لم تكن مجرَّمة، مثل: الامتناع عن تسليم الميرات للنساء؛ فمن الطبيعي أن يوضع له عقوبة؛ لأن كل جريمة لا بد أن يكون لها عقاب، ولكن هناك جرائم أخرى لها عقوبات بالفعل، مثل: التحرش والختان، والتهرب من النفقات الشرعية، ولا تحتاج إلى تغليظ العقوبة، لكننا نحتاج إلى تعديل المنظومة بحيث نستطيع مكافحة الجريمة.
وترى عيداروس أن الدولة تتجه نحو تغليظ العقوبات؛ لأنها لا تريد الإنفاق، وأن إنشاء منظومة جديدة مثل المقترحة مثلًا من الجماعات النسائية في مشروع القانون الموحد للعنف ضد المرأة، أو تفعيل الخدمات الاجتماعية مثل التوعية، ووجود أخصائيات اجتماعيات في القرى لزيارات المنازل والتواصل مع الفتيات والنساء في حال احتمالية تعرضهنَّ للختان كأحد أدوات مكافحة الظاهرة، يحتاج إلى نفقات؛ وهو ما لا تريده الدولة التي تستعيض عن هذه الآليات بالردع فقط، وهذا تفسير اقتصادي.
أما عن التفسير السياسي فترى عيداروس أن الدولة لديها تصور سلطوي حتى وهي تحاول تحقيق الحماية والإنصاف للمرأة. وأضافت: "على سبيل المثال: الختان أنا أصدق أن الدولة تريد القضاء على هذه الظاهرة ومعاقبة الجناة، في المقابل تفكر الدولة بمبدأ سلطوي من منطلق التأديب للجناة دون التفكير في الإصلاح والتعويض".
واختتمت عيداروس حديثها قائلة: "في تقديري أن الدولة تنظر لمناهضة العنف ضد المرأة من منطلق النظام العام، على أن هذه الجرائم تُعتبَر انتهاكًا للنظام العام وليس انتهاكًا لكرامة المرأة".
من جهتها ترى منى عزت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة النون لرعاية الأسرة؛ أن جميع الجرائم التي تُرتكَب في حق المرأة جميعها مرتبطة بالأطر الثقافية والمجتمعية الحاكمة بأوضاع النساء في المجتمع، ومعالجة هذه الجرائم بالعقوبة فقط بغض النظر عن التغليط غير كافٍ، فنحن نحتاج إلى إجراءات وتدخلات أخرى اجتماعية وثقافية لتغيير نظرة المجتمع للنساء.
وأشارت عزت إلى أن العقوبة ليست الأداة الوحيدة للتصدي لمثل هذه الجرائم، وبالتالي التركيز على تغليظ العقوبة لن يعالج المشكلة، بل بالعكس ربما يجعل معدلات حصول الجناة على أحكام مخففة وبراءات في هذا النوع من القضايا يزيد؛ لأن المؤسسة أو النظام القائم على تنفيذ هذه العقوبة من أول تحرير البلاغ حتى إصدار الحكم، الذي يقوم بذلك فيه هم أشخاص من أبناء هذا المجتمع، وهم متأثرون بثقافته، وهذا ينعكس على هذه القضايا، فربما يحدث نوع من أنواع التعاطف مع الجاني على حساب المجني عليه، والمجني عليه في هذه الحالة هو المرأة.
وأضافت رئيسة مجلس إدارة مؤسسة الأسرة أن النظرة التمييزية تجاه النساء ليست بعيدة عن الرجال أبناء المجتمع؛ سواء من المشرعين أو الجهات المعنية بتنفيذ العقوبة، على سبيل المثال: البلاغ والبلاغ المضاد الذي يقوم به بعض المتهمين بالتحرش؛ كنوع من أنواع الضغط على الفتيات في أقسام الشرطة؛ للمساواة والضغط عليهن حتى يتنازلن عن حقهن. الأمر نفسه في العقوبة؛ إذ يلجأ بعض القضاة إلى استخدام صلاحياته في تخفيف العقوبة، وبالتالي التركيز على العقوبة وتغليظها ليس هو الحل الأمثل.
أما المحامية انتصار السعيد رئيس مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، فترى أن تشديد العقوبة بسبب الخطوة الإجرامية لا بد أن تَتَّبِع فيه الحكومة مجموعة من الضوابط، مثل: قَصْر العقوبة على مرتكب الجريمة فقط، بحيث لا تتعداه إلى غيره، والعمل على مبدأ التوازن ما بين العقوبة وخطورة الجاني.
وأوضحت أن علم العقاب كانت فلسفته قديمًا تستند إلى القسوة والشدة، ولا تتناسب مع جسامة الجريمة، فضلًا عن عدم المساواة بين الجناة على أساس الوضع الاجتماعي. مشيرة إلى أنه في الأغلب فإن المشرع المصري عندما يفكر في تغليظ العقوبات؛ فهو يفكر بالطريقة القديمة الخاصة بعلم العقاب، والقائمة على التنكيل، وليست القائمة على فكرة الحماية والوقاية من الجريمة، وأن يكون العقاب يتناسب مع الجريمة.
وطالبت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة بالآتي: "فتح نقاش مجتمعي لإقناع الأفراد والأسر بمضار ختان الفتيات على صحة وسلامة وكرامة الفتيات والنساء، حتى يتعامل المجتمع المصري مع ختان الإناث؛ مما من شأنه أن يجعل المجتمع يتحمل مسؤولية جماعية للإبلاغ عن ختان الفتيات والحد من وقوعه؛ وذلك من أجل ضمان نفاذ القانون".
بالإضافة إلى: "إنشاء مفوضية منع التمييز التي نص عليها الدستور المصري في المادة 53 لسنة 2014، من أجل ضمان تصدٍّ أكثرَ عمقًا للتمييز. كما يجب توفير وضمان حماية الشهود والمبلغين في وقائع ختان الإناث والتحرش الجنسي قبل وأثناء وبعد التحقيقات، وتشجيع النساء البالغات على التقدم ببلاغات ضد جريمة ختان البنات؛ إعمالًا لنص المادة 99 من قانون العقوبات، والتي ترسخ أن الحق في التقاضي في الجرائم المرتبطة بالاعتداء على حرمة الجسد لا يسقط بالتقادم. فضلًا عن ضرورة إصدار قانون موحد لتجريم العنف ضد النساء".