الحركة النسوية المصرية

شيماء حمدي

الحركة النِّسْوية الممزَّقة بفعل الأنظمة والمجتمع

2024.03.07

تصميم آخرون

الحركة النِّسْوية الممزَّقة بفعل الأنظمة والمجتمع

تاريخ طويل من النضال النسوي خاضته مصريات في سبيل نيل حقوقهن المشروعة، مر هذا النضال بموجات مختلفة على مدار أكثر من مئة عام، استطاعت خلاله النساء المصريات الحصول على بعض المكتسبات السياسية والاقتصادية وكذلك الاجتماعية، وما تزال الحركة النسوية في مصر تخوض المعارك من أجل المزيد من المكاسب في ظل ظروف شديدة التعقيد.

ظهر البعد الجندري في اهتمامات النساء في مصر لأول مرة خلال مؤتمر رشيد الذي عُقد عام 1798م؛ إذ يُعَد أول مؤتمر يناقش قضايا تخص المرأة بعيدًا عن العمل الثوري ومناهضة الاستعمار الذي كان بمثابة المساحة الوحيدة للنساء حينها، وأقيم المؤتمر في مدينة رشيد (تتبع محافظة البحيرة الآن) بعد مشاركة النساء في التصدي للاحتلال الفرنسي الذي غزا البلاد، وتمحورت نقاشات النساء خلال المؤتمر حول الاختلاف بين وضع المرأة المصرية والفرنسية داخل أسرهنَّ.

كان للمرأة المصرية دور بارز في مكافحة الاحتلال، فبعد دورها المشهود في مناهضة الاستعمار الفرنسي، برز دورها أيضًا في مناهضة الاحتلال البريطاني، وتعتبر مشاركة النساء في ثورة 1919م ضد الإنجليز، بداية التبلور والتأسيس الفعلي للحركة النسوية في مصر؛ إذ للمرة الأولى تخرج النساء عن العادات والتقاليد، وتكسر المفهوم التقليدي لدورها في رعاية منزلها وتربية الأبناء، وتخرج إلى الميادين تهتف ضد الاحتلال، ويُعتبَر أبرز مكتسبات ثورة 1919 للنساء، تشكيل لجنة للسيدات الوفديات، التي أشار بتشكيلها «سعد زغلول»، وذلك بغرض أن تعمل النساء جنبًا إلى جنب مع الرجال في سبيل مقاومة الاستعمار، ومن ناحية أخرى مواساة الجرحى الذين طالهم بطش قوات الاحتلال الإنجليزي.

لم يكن تنظيم النساء لأنفسهن أثناء تلك المظاهرات من فراغ؛ إذ سبقه صالونات ثقافية شارك فيها النساء، وكانت تحت إشراف مثقفات أمثال: نازلي فاضل، والكاتبة الفلسطينية مي زيادة، وأُصدرت أول مجلة نسائية في مصر للمرأة في الوطن العربي عام 1898، باسم: "الفتاة"، وتبعها بعد ذلك إصدار عدة مجلات، مثل: "فتاة الشرق" عام 1906م، ثم مجلة "الجنس اللطيف" عام 1908م، وتُعتبَر هذه الفترة هي الموجة الأولى للحركة النسوية في مصر.

ومنذ ذلك التاريخ بدأت الحركة النسوية تتطور، وتبنت العديد من المطالب الجندرية ما بين السياسية والاقتصادية وكذلك الاجتماعية، ونجحت في الحصول على بعض المكتسبات، وما زالت تناضل من أجل المزيد، وبعد مرور أكثر من مئة عام يرى البعض أن قيادة الحركة النسوية لم تخرج من بين المبادرات والمراكز النسوية، التي يقودها النساء المثقفات، ورغم أن المكاسب الجندرية ستعود على جميع المصريات، فقد ظلت النساء المثقفات والمنخرطات في المجال العام هن طليعة الحركة النسوية في مصر، ورغم الدور الذي لعبته المرأة في الثورات والاحتجاجات سواء الطلابية أو العمالية، تباينت الآراء حول نجاح الحركة النسوية في مد جسورها إلى داخل المجتمع المصري، مما جعل النساء العاديات غير المهتمات بالمجال العام في اشتباك مع هذه الحركة.

أربع موجات للحركة النسوية:

في كتابها "تاريخ الحركة النسوية في مصر"، قسمت الدكتورة هالة كمال تاريخ الحركة النسوية إلى أربع موجات أساسية؛ بدأت الأولى في نهاية القرن التاسع عشر مع إصدار مجلة (الفتاة) لصاحبتها هند نوفل؛ لتكون لسان حال النسويات المصريات، وامتدت لتصل إلى جيل سنوات ثورة 1919، وكانت النقاشات وقتها تدور حول قضايا الزواج والطلاق وتعدد الزوجات وغيرها من الموضوعات، وامتدت حتى عام 1952، وخلال هذه الفترة تحققت بعض الإنجازات للمرأة، من بينها المساواة في التعليم، وتأسيس أول حزب نسائي في مصر والمنطقة العربية كلها.

أما الموجة الثانية من الحركة النسوية المصرية فكانت في بداية الخمسينيات مع قيام ثورة 1952 وحتى بداية الثمانينيات، وتميزت تلك الموجة بالاحتواء الكامل من قبل نظام 1952، الذي رفض وجود أحزاب أو كيانات مستقلة، ورغم ذلك حقَّقَت للنساء بعض الإنجازات على رأسها المادة 31 من دستور عام 1956، التي نصت على أن المصريين لدى القانون سواء في الحقوق والواجبات، وأتاحت للنساء لأول مرة حق الانتخاب والترشح في المجالس التشريعية، لكن في المقابل لم يعمل عبد الناصر على تحسين أوضاع النساء في الميدان الخاص؛ فلم تُبذَل أي محاولة لإصلاح قانون الأحوال الشخصية، أو تحسين مكانة المرأة داخل العائلة.

فيما بدأت الموجة النسوية الثالثة مع عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وفي تلك الموجة بدأت الدولة ترخي قبضتها على العمل المدني؛ مما أدى لعودة الكيانات النسوية المستقلة، وأيضًا وقَّعت مصر على اتفاقية (سيداو) الأكثر أهمية في ملف حقوق النساء والخاصة بإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، كما شهدت القاهرة عقد المؤتمر الدولي للسكان الذي يعتبر نقلة كبيرة في الحديث عن حقوق النساء الإنجابية.

أما الموجة الرابعة، كما تشير هالة كمال؛ فهي التي بدأت مع ثورة يناير، والتي شهدت في بدايتها الخروج الكبير للنساء مع كل فعاليات الثورة، والتي ترى كمال أنها بقدر ما شهدت من تألق للنساء بقدر ما تعرضت فيها النساء لمساحات متزايدة من العنف الجسدي، وتفجرت أزمة التحرش الجنسي بهن؛ سواء لأهداف سياسية أو دينية أو اجتماعية، وشهدت تلك الموجة أيضًا تواجدًا نسائيًّا في لجان كتابة الدستور وبعض الفعاليات السياسية المهمة، وما زالت تلك الموجة مستمرة.

جسور الحركة النسوية بين المثقفات والامتداد إلى المجتمع:

يتناول هذا التقرير التحليلي حقيقة امتداد وتجذير الحركة النسوية في المجتمع، وخروجها من دائرة النساء المثقفات إلى المجتمع والنساء العاديات، وذلك من خلال مناقشات ومقابلات تمت مع ستِّ نسويات بخلفيات سياسية واجتماعية وأكاديمية مختلفة، حيث اتفقن على مدى تأثير الحركة النسوية في المجتمع المصري وأهمية المكتسبات التي حصلن عليها، كما اتفقن على أن هناك عدَّةَ أسباب وعوامل حالت دون امتداد الحركة النسوية إلى المجتمع ومنعتها من تحولها إلى حركة اجتماعية تضم الآلاف من النساء في المدن والقرى.

وتنوعت تلك المعوقات بين السياسية والاجتماعية وكذلك الاقتصادية، وجاءت على رأسها القبضة الأمنية، وعداء الأنظمة السياسية المتعاقبة للتنظيم الذي طال جميع الأنشطة والحركات بما فيها الحركة النسوية، بالإضافة إلى العادات والتقاليد وتوغل التيارات الإسلامية في المجتمع، بالإضافة إلى تراجع إمكانيات الحركة النسوية، فضلًا عن عوامل اقتصادية كالفقر التي غالبًا ما يدفع ثمنها النساء في المجتمع المصري.

معوقات سياسية: عداء التنظيم يطال الحركة النسوية

مع بداية الموجة الثانية للحركة النسوية في مصر، تعرضت الحركة لبسط نفوذ الدولة عليها، وحوصرت الحركة، وعوملت معاملة الحركة السياسية والاجتماعية (كالعمالية والطلابية)، ومنذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحتى الآن يتعرض المجال العام للشد والجذب؛ إذ سُمح أحيانًا للحركات السياسية والاجتماعية بالتواجد، لكن في الأغلب حاربت الأنظمة الأنشطة السياسية والاجتماعية وكذلك الثقافية، ولأن الحركة النسوية جزء لا يتجزأ من السياق العام للمجتمع، فإن القوة الأمنية لم تسمح للنساء بتنظيم أنفسهن، وتشكيل حركة اجتماعية تخرج عن نطاق المثقفات والمبادرات والأحزاب، وتنطلق إلى القاعدة الجماهيرية والنساء العاديات.

إن الحركة النسوية في مصر شأنها شأن جميع الحركات الاجتماعية التي طالها الحصار الأمني بفعل الأنظمة السياسية التي تخشى من التنظيم، لكن هذا لم يمنع الوعي النسوي من التوغل في المجتمع على مدار سنوات كفاح الحركات النسوية، فهناك الكثير من السيدات أصبحن أكثر وعيًا بحقوقهن سواء داخل المنزل أو أماكن العمل، تقول إلهام عيداروس الناشطة النسوية ووكيل مؤسسي حزب العيش والحرية اليساري: إن النسوية باعتبارها حركة اجتماعية تتميز بأنها تتم في مجالين: عام وخاص، على خلاف الحركات الاجتماعية الأخرى المرتبطة بالمجال العام فقط. 

وتقصد عيداروس بالمجال العام: التنظيمات والجمعيات، ولجان المرأة في الأحزاب وغيرها من الكيانات السياسية والاجتماعية والثقافية، وترى أن انتشار الحركة النسوية ومطالبها لا بد أن يقاس تأثيره في المجال الخاص والمقصود به "داخل البيوت "، فعلى سبيل المثال: نجحت حملات مناهَضة الختان في خفض معدلات الختان، على الرغم من أن أغلب النساء اللاتي قررن عدم ختن بناتهن غير منخرطات في المجال العام، الأمر نفسه في حملات ومحاضر التحرش التي تزايدت خلال السنوات الأخيرة، كل هذا دليل على انتشار النسوية، لكن في أطر غير نظامية.

وعدم خروج نساء بشكل تنظيمي في احتجاجات ضد أوضاعهنَّ لا يعني بالضرورة فشل الحركة النسوية في مد جسورها إلى المجتمع، فالحركة النسوية شأنها شأن الحركة العمالية التي يقودها المشاركون في التحرك المنظم من عمال نشطاء ومنضمين لنقابات وليس كل الطبقة العاملة، نفس الشيء ليس كل الطلاب شاركوا في الحركة الطلابية، وبالقياس الأمر نفسه ليس كل النساء في الحركة النسوية - بحسب عيداروس.

تضرب عيداروس مثالًا بأماكن العمل التي لا تُخرِج حركات نسوية، لكنها تُخرِج حركات اجتماعية على أساس علاقة العمل، وأن تأثير الحراك النسوي وصل إلى الحراك النقابي الذي يحارَب من الأنظمة السياسية في مصر وما زال، فعلى سبيل المثال: بدأت نقابة البناء والأخشاب في عمل سياسة لمناهضة التحرش.

على سبيل المثال أيضًا: عاملات المنازل فئة تقع في قلب تقاطع القضية العمالية والنسوية، 90% من العاملين في هذه المهنة نساء يواجهن قهرًا طبقيًّا وآخر جندريًّا، فالمشرِّع المصري حرم تلك الطبقة من الحماية التشريعية، لكن في المقابل، ومن أجل إرضاء منظمات العمل الدولية والجمعيات النسائية، أعطى الحق في التنظيم النقابي لعاملات المنازل نظريًّا، لكن عمليًّا فهي عملية شديدة التعقيد، فكيف سينظمون أنفسهم؟ ومتى يجتمعون؟ وأين؟ جميعها تحركات تحتاج إلى حريات ديمقراطية غير موجودة بفعل التدخلات الأمنية الشديدة، وهو ما يعطل جهود الحركة النسوية عمومًا - هكذا ترى عيداروس.

 تصوُّرُ أن النساء ستناضل في الميادين والشوارع من أجل حقوقهن وقضاياهن غير دقيق؛ لأن هذا معناه تنظيم، والدولة حاصرت كافة أشكال التنظيم على مدار السنوات الماضية، لكن الوعي النسوي الذي تخلقه الحركة النسوية يمكن قياسه في كافة أشكال الحراك الاجتماعي، والتي يمكن متابعتها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي- بحسب عيداروس.

شهدت الحركة النسوية في موجتها الرابعة، التي بدأت مع ثورة يناير واستمرت إلى الآن، نقلة قوية بالتوازي مع الاستمرار في المطالبات الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفُتح ملف العنف الذي تتعرض له المرأة سواء في المجالين العام والخاص، لكن هذه النقلة لم تتوسع؛ لعدة عوامل، على رأسها التضييق الأمني الذي تعرَّض له المجال العام، فليس كل النساء لديهن القدرة على العمل في وقت الدرجة الأمنية عالية الخطورة، تقول منى عزت رئيس مجلس الأمناء لمؤسسة "النون لرعاية الأسرة".

وتشير عزت في حديثها إلى أنه رغم عدم قدرة الحركة النسوية على التنظيم بفعل ما ذكرته عن القبضة الأمنية، فإنه قد ظهرت بعض المبادرات النسوية من خلال السوشيال ميديا، والتي ضمت سيدات وفتيات غير منخرطات في العمل العام ولم يكن لهن مساهمات ثقافية أو سياسية من قبل، أبرزها "مبادرة سوبر وومن"، لكن رغم نجاح هذه المبادرة التي تضم مئات السيدات والفتيات من جميع المحافظات، ترى أنها مبادرة تخاطب الأجيال الشابة، لكن ما زالت الحركة النسوية تحتاج إلى الوصول إلى فئات أوسع، مثل: الطبقة العاملة، أو الزراعيات، أو ربات البيوت، وهن اللاتي يحتاجن لأدوات مختلفة للتعامل معهن.

تستهدف المبادرة الشابة "سوبر وومن"، والتي خرجت من رحم الموجة الرابعة للحركة النسوية، نساءً وفتياتٍ عاديات خارج إطار النخبة والمجال العام، وتقدم خدمات لتمكين النساء اقتصاديًّا؛ كما تقدم دعمًا نفسيًّا ورقميًّا للمستفيدات، وتستبعد المبادرة الحديث عن الخدمات التي تقدمها باللغة النخبوية أو الأكاديمية المتعارف عليها في الوسط النسوي، وهو ما جعلها تنجح في التغلغل بين الشابات غير المثقفات - بحسب ما سردته المهندسة آية منير مؤسسة الحملة.

وتشير منير إلى أنها غير منخرطة في المجال العام، وأن المبادرة جاءت من رحم تجربتها الشخصية؛ إذ إن المبادرة بدأت موجهة إلى النساء المطلقات، ومن ثم توسعت لتتحدث عن مطالبات النساء المختلفة، كما أنها تستهدف ضم النساء غير النسويات أو الناشطات.

في المقابل ترى آية أيضًا أن الحركة النسوية طالها القمع ككل الحركات السياسية والاجتماعية، وأن الحركة النسوية ليست آمنة كما يتصور البعض، وغير مأمون عدم تعرضهن للقمع، لكن هذا لا يعني أن هناك غضبًا ومطالبات نسوية مختلفة وخاصة لمواجهة العنف بسبب تزايد معدل قتل النساء. 

فيما ترى ندا نشأت مديرة برنامج المشاركة العامة للنساء في قضايا المرأة، أن دور الحراك النسوي قد انحصر في النساءاللاتي لديهن مساحة وقدرة للوصول للمجال العام؛ وذلك بسبب خوف النساء العاديات من الواقع الأمني في مصر، فالنساء اللاتي لديهن القدرة على التفاعل في المجال العام لديهن من الأريحية والمساحة ما يستطعن معه الإطلاق على أنفسهن نسويات، والعمل بشكل علني في المبادرات والحركات التي تدعم حقوق النساء.

كما أشارت نشأت إلى تغافل المشرعين عن إصدار قانون لحماية للنساء في أماكن عملهن من بطش المديرين وأصحاب العمل، وتركهن فريسة لظروف العمل، وهو ما يضطر النساء للسكوت خوفًا من فقد عملهن، في ظل ظروف اقتصادية صعبة تجبر العديد على العمل في أكثر من وظيفة؛ لتوفير احتياجات المعيشة.

وعن محاربة الدولة للتنظيم ترى داليا عبيد الباحثة النسوية، أن الدولة تخشى التنظيمات والشكوى؛ لأن في هذه الحالة ستصبح مطالبة بإصلاحات وحلول، وهو ما سيشكل عبئًا سياسيًّا وآخر ماديًّا، وفي النهاية الدولة أبوية وذكورية، وبالتالي يكون الحل الأمثل هو تصدير فكرة الدور الأمومي والزوجي؛ لأنه الحل الأسهل والأقل تكلفة.

العوامل الاقتصادية: الفقر يدهس النساء ويجبرهن على الصمت

أغلب النساء يخترن عمل إضراب مع زملائهن الرجال إذا تعلق الأمر بتشغيل المصنع أو تأخر الأجور، أو مطالب عمالية عمومًا، لكنهن غير مستعدات لعمل إضراب داخل أماكن عملهن؛ خوفًا من الفصل التعسفي، تقول ندا نشأت. 

وتتفق لمياء لطفي مديرة البرامج في مؤسسة المرأة الجديدة مع حديث ندا نشأت عن الظروف الاقتصادية، التي تجعل للنساء أولويات في معاركهن داخل أماكن العمل؛ إذ تقول: إن الوضع الاقتصادي يزيد من أعباء النساء، ويجعلهن في حالة غضب، والغضب يجعل الناس تتجه إلى الثورة، والعمل النسوي ثورة داخلية ضد أوضاع فيها ظلم وتمييز في الأوضاع السياسية والاقتصادية للنساء، فقد تكون النساء غير قادرات على التنظيم بسبب السياق العام، لكن هذا لا ينفي اتجاه عام للتغيير وتمكين النساء والقدرة على اتخاذ القرار.

وترى لمياء أن الأولويات ليست فقط عند النساء وحدهن، وإنما أيضًا الحركة النسوية لها أولوياتها؛ إذ تشير إلى أن أولويات الجيل الرابع في الحركة النسوية رفع شعار "الاستقلال، وحق الجسد وملكيته، والحقوق الإنجابية، وكذلك قانون الأحوال الشخصية، وقانون العنف ضد المرأة"، أما الموجات السابقة فكانت الأولويات فيها الخروج إلى العمل، والمساواة في الأجور، والتمثيل السياسي للمرأة.

الأمر نفسه أكدته الناشطة النسوية إلهام عيداروس وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية؛ إذ ترى أن قضايا المرأة العاملة داخل العمل النقابي يقابله تحديان؛ الأول: زملاء العمل أنفسهم المستفيدون من التمييز الذي يتعرض له النساء في أماكن العمل، سواء المناصب أو الأجر أو الترقي، بالإضافة إلى مواجهة صاحب العمل نفسه. أما التحدي الثاني: فهو إقناع شركائهن الذكور من أجل خوض معركة نقابية أو داخل مكان العمل من أجل مطلب نسائي، فالشركاء الذكور من الممكن إقناعهم بالاحتجاج والاعتصام من أجل الأجر أو مشكلات العمل العامة، لكن من الصعب إقناعهم بمطالب النساء، وبالتالي فالأزمة ليست في المرأة فقط، ولكن في السياق كله.

وترى عيداروس أن هذا هو دور الحركة النسوية والأحزاب اليسارية باعتبارهما الداعم الأساسي للطبقة العاملة، لكن اليسار يتراجع عن هذا الدور حتى لا يبدو أنه يفرض أجندته ،أو يتعالى ثقافيًّا على العمال، أما الحركة النسوية فمعظم تنظيماتها تركز على قضايا المجال الخاص والحقوق المدنية أكثر من الحقوق السياسية والاجتماعية، التي شهدت تطورًا خلال السنوات الأخيرة.

وعن الأولويات أيضًا ترى الباحثة النسوية داليا عبيد أن مشكلة النساء الشعبيات هي تفكيرهن أكثر في لقمة العيش، والمشكلات الحياتية تغلب على الفكر الجندري الخاص بالعدالة الجندرية ومطالب النساء، أما الإنسان الذي يكون وضعه المادي مستقرًّا فإنه يصبح قادرًا على التفكير فيما يخص الحقوق والحريات.

 ليس كل النسويات في طبقة اجتماعية عليا، لكن إلى حد ما وضعهن الاقتصادي من الطبقة المتوسطة (الحصانة الطبقية) وهو ما يعطي مساحة لهن للعمل النسوي، فضلًا عن أن الحصانة الطبقية لنساء الطبقة المتوسطة سيجعل الهجوم ضدهن أقل من النساء الأفقر، وخصوصًا مع عدم وجود تمكين اقتصادي يحميهن؛ لأن التمكين الاقتصادي يعطي قوة ومساحة للمرأة، لا أحد يستطيع قيادة معركة بمفرده، وبالتالي لا بد من حشد، والخوف على لقمة العيش يجعل الكثير من النساء تتراجع، وبخاصة مع غياب المساندة أو الاهتمام من نساء أخريات.

ثالوث التعقيدات المجتمعية: 

(الجهل، الدين، العادات والتقاليد) ثلاثة عوامل حالت دون الحركة النسوية وعلاقتها بالمجتمع، والحديث عن الجهل لا يعني الأمية وعدم معرفة القراءة والكتابة وحسبُ، لكن يتضمن أيضًا عدم وعي النساء بحقوقهن واحتياجاتهن، أما بالنسبة للدين فهو يلعب دورًا مهمًّا في تشكيل الهُويَّة والوعي، حيث تتغلغل المعتقدات الدينية في شتى المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وتختلط التعاليم الدينية مع العادات والتقاليد؛ ليعزز بعضها البعض في ظل نظام أبوي يحكم معاملات النساء، ويستخدم الدين إلى جانب العادات والتقاليد كأداة للتحكم في مصائر النساء، وإضفاء شرعية للتمييز ضدهن؛ سواء كان ذلك بسبب النصوص الدينية في جوهرها أم في تفسيراتها الخاطئة، الـأمر الذي ازداد سوءًا وحِدَّة مع الصحوة الإسلامية التي شهدتها مصر، وانتشار الفكر السلفي والوهابي خلال السبعينيات والثمانينيات.

تقول داليا عبيد: "نحن في مصر مع الأسف ليس لدينا وعي بالحقوق العامة، والنساء تحديدًا كثير منهنَّ ليس لديهن الوعي الكافي بحقوقهن؛ سواء المنصوص عليها في القانون، أو التي تحتاج لنصوص تشريعية، وأي تغيير يحتاج لوعي". وتضيف: "التعليم يجعل الإنسان يعلم مشكلاته ويدرك أهمية حلها، وفي مصر تتفشى في المجتمع نسبة الأمية، ونسبة النساء أعلى من الرجال". 

أما عن الصحوة الإسلامية ودور الدين، فقد قالت منى عزت: "إن غزو الفكر الوهابي لمصر وانتشار السلفية بين أوساط المجتمع، قد أثر بشكل كبير على حياة النساء وزادها تعقيدًا، هذه الصحوة التي يسيطر عليها رجال استخدموا تفسيرات للدين لصالح تعزيز فكرة أن المرأة مواطن درجة ثانية، وأن مكانها المنزل بدون حقوق، كما عزز هذا الفكر من أن الست عورة، ووجودها في الشارع والمجال العام خطأ". مشيرة إلى أن العادات والتقاليد والخطاب الديني المتشدد، تم مزجهما ونتج عنهما تجذير للنظرة التقليدية للنساء وأدوارهن، وهو ما نتج عنه خطاب ضد النساء شديد التعقيد، فعلى سبيل المثال: في الصعيد المجتمع المسيحي يقوم بنفس الممارسات التي زرعتها التيارات الدينية المتشددة السلبية تجاه النساء.

وترى عزت أن الشغل على تغيير ثقافة المرأة للنظر بنظرة نقدية إلى أدوارها التقليدية التي تقوم بها داخل الأسرة من رعاية، يحتاج إلى تغيير على المدى البعيد، ويحتاج إلى العمل بكثافة، وللأسف في المنظمات النسوية لا نقوم بهذا التراكم؛ إذ يكون الاهتمام بالوصول إلى أعداد أكبر، وملفات القضايا كثيرة، وأعداد المنظمات النسوية والمجموعات التي تعمل في قضايا النساء ليست كبيرة، وهذا يحتاج إلى نقاش داخل الحركة النسوية؛ للبحث عن طرق لكيفية التعامل مع الوضع الآني، فإذا استمرت طريقة العمل مع التضييق الأمني الموجود، لم يكن هناك خطوات جادة لتجذير الحركة النسوية داخل المجتمع.

في النهاية اتفقت المشاركات على مدى نجاح الحركة النسوية في الحصول على مكتسبات للنساء، والمعوقات التي تمنع الحركة النسوية من التحول إلى حركة اجتماعية جامعة، لكنهن أيضًا اتفقن على أن هناك توجهًا لشيطنة كلمة "نسوية"، وأن هذا الفكر يواجه تحديًا كبيرًا ومحاربة من الدولة، والتي ستكون مطالَبة في حال اعترافها بالأزمة بالحلول، ومن المجتمع المسيطر عليه التيار المحافظ ذو الفكر المتأصل، وبخاصة من المنتفعين والمنتفعات من وضع النساء في المجتمع.